تعتبر عملية تنظيم التنفس وضبطه من العوامل الهامة لعلاج التلعثم بصفة خاصة واضطرابات النطق والكلام عامة، إذ تعد عملية ضبط التنفس من العمليات الهامة لتحسين الطلاقة اللفظية، حيث أنها تؤثر على ديناميكية إخراج الهواء أثناء عملية النطق، كما يعد غيابها في ذات الوقت مدعاة للتلعثم، فمثلاً عندما يقوم الإنسان بصعود سلم عالٍ ويحاول أن يتحدث في الوقت نفسه نجد أن الكلام يتوقف ويتقطع كنتيجة لعدم انتظام عملية التنفس، فالتنظيم والتكامل بين التنفس والنطق يساعد على التحكم في معدل الكلام اللازم، ويساعد في عملية علاج التلعثم.
لكل طفل عالمه وتجاربه الفردية وحياته الشخصية واستعداده النفسي وقد تتقارب خبرات طفلين وأسلوب حياتهما ولكن تختلف في الاستجابة لجملة الخبرات والتجارب وتفصيلات الحياة لذا لا يتعلم طفلان الكلمة نفسها في الظروف نفسها تماماً.
وقد أكدت دراسة هرمان وآخرون (1995) أن المتلعثم عندما يحاول النطق يتعثر نتيجة شد مفاجىء وغير طبيعي للثنايا الصوتية (Vocal Folds)، واقترابهما من بعضهما. (Herman, et al, 1995, 183) وهناك سلوكيات شائعة مصاحبة للتلعثم مثل التنفس السطحي السريع الذي يؤدي إلى تراكم العديد من الكلمات في دائرة تنفسية واحدة ينتج عنها عدم الطلاقة في كلام الطفل Jennifer, Arndt, 2001, 69.
وفي مثل هذه الحالات يكون من الضروري مساعدة الطفل المتلعثم على تقليل توتره ومساعدته على استرخاء بعض أجزاء أعضاء النطق ويمكن استخدام تنظيم التنفس والسيطرة عليه لأحداث عملية الاسترخاء في إطارالإرشاد الفعال للتلعثم. حيث أشارت دراسة هيرمان وآخرون Herman, et al, 1995 إلى أن تدريب الطفل على ضبط عملية التنفس بشكل صحيح أثناء إخراج الكلام يساعد على استرخاء الثنايا الصوتية وتجنب تعثر النطق (Herman, et al, 1995, 184).
كما أضاف جوتتولد Gottwald 2003 إلى أهمية فهم المتلعثم لكيفية عمل الجهاز التنفسي وأعضاء النطق، وتوافقهما معاً في إخراج الكلام، كما ركز على أن الطفل المتلعثم في مرحلة المدرسة الابتدائية يستجيب بصورة أفضل للعلاج القائم على استخدام عملية تنظيم التنفس كبعد أساسي في عملية العلاج عن أي مرحلة نمو أخرى(Gottwald 2003, 43) .
يتضح مما سبق اتفاق دراسة هيرمان وآخرون Herman, et al,1995 مع دراسة جوتتولد Gottwald, (2003) على أن تنظيم عملية التنفس تساعد على الاسترخاء وتقلل من الشد المفاجئ للثنايا الصوتية وتفكيك الاحتكاك القوى بين أعضاء النطق فتساعد على نطق بدايات المقاطع والأصوات الساكنة اللهائية والتي تعتبر من أصعب المخرجات الكلامية عند الأطفال الذين يعانون من التلعثم.
كما أشارت دراسة زاكيم وكونتر Zackeim & Conture 2003 إلى أن بناء خلفية قوية حول عملية تنظيم التنفس، والتحكم في معدل النطق يعتبر هدفاً أساسياً لأي برنامج علاجي تخاطبي يسعي لإعادة الطلاقة للطفل المتلعثم (Zackeim & Conture, 188, 2003).
مما سبق اتضح أن استخدام معدلات أبطأ في التحدث مع الأطفال المتلعثمين من خلال أنشطة حركية ولغوية (قرائية وحوارية) والانتقال من كلمة مفردة مع ضبط التنفس إلى جملة مع ضبط التنفس ثم إلى عبارة ويحدث ذلك من خلال تهيئة المناخ الارشادى وتوفير جو نفسي مطمئن يساعد على خفض مشاعر الخوف لدى الطفل المتلعثم، وقد يصل ذلك إلى الاستعانة ببعض الأفراد المقربين للطفل ثم الاستعانة بأفراد غرباء حتى ينتظم الانفعال وتتم عملية ضبط التنفس بصورة واقعية يستطيع الطفل استخدامها أثناء النطق خارج غرفة الإرشاد ومع أشخاص آخرين غير المرشد.
وحيث أن لكل طفل عالمه الخاص به، ولكل طفل تجاربه الفردية وحياته الشخصية واستعداده النفسي، قد تتقارب خبرات طفلين وأسلوب حياتهما، ولكن تختلف في الاستجابة لجملة الخبرات والتجارب وتفصيلات الحياة ولذلك لا يتعلم طفلان نفس الكلمة في نفس الظروف تماماً، فقد يسمعا (نفس الكلمة)، من (نفس الشخص)، وفي (نفس المكان)، وفي (ظروف مشتركة)، ولكن استجابة الطفل الأول نحو الكلمة لا تكون مطابقة لاستجابة الطفل الثاني نحوها، ويرجع ذلك إلى أن لكل طفل تكوينه النفسي عند تحليله للمعنى الضمني للكلمة، مما يؤدى إلى فهم وإدراك خاص بكل طفل، ففهم وإدراك الطفل الأول للكلمة يتأثر بإيحاءات ومعاني غير الإيحاءات والمعاني التي تؤثر في فهم وإدراك الطفل الثاني لنفس الكلمة، فإن الكلمة عندما تصدر عنا أو عندما تصل إلى أسماعنا تتضمن محتوى له معنى نفسي، فمثلا عندما يسمع الأطفال كلمة (نادي) يدركونها على أساس مكان يجمعهم بزملائهم ويتعلمون فيه المهارات وهى تثير في نفوسهم ضربا من الاعتزاز والانتماء، ولكن قد يكون هناك طفل انفرد بتجارب قد يثير سماعه لكلمة (نادي) في ذهنه ضرباً من الألم والأسى لأنه في أول يوم دخوله النادي أصيب بحادث أليم فما أن يسمع هذه الكلمة أو يتذكرها حتى تبعث في نفسه تلك الذكرى الأليمة المرتبطة بمكان، أو بشخص، أو بموقف، وهذا ما يتفق عليه شيهان (Sheehan 1958) وطلعت منصور (1967) في دراستهما حيث أوضحا أنه توجد مواقف وكلمات تخيف المتلعثم (خوف الموقف ـ خوف الكلمة ـ خوف الشخص)، ويؤكد شيهان على ضرورة وجود طريقة صحيحة يستخدم فيها المتلعثم السلوك التوكيدي أثناء التواصل مع الآخرين ليعبر عن نفسه بطريقة تساعده على تقديم ذاته بشكل مناسب متغلباً على سلوك التجنب المنبعث من إحساسه بالخوف.