تعد السنوات الست الأولى من حياة الطفل أهم وأحرج مرحلة من مراحل النمو والتطور، لهذا تحتم أهمية وحراجة هذه المرحلة ضرورة الاهتمام المتواصل بالطفل من كافة جوانب نموه وتطوره خاصة إذ أثبتت الدراسات، أن دماغ الطفل الوليد يتألف من ملايين الخلايا العصبية.. «تنتظر جميعها لأن تحاك لتشكل القطيفة المعقدة التي تسمى العقل، وبعض هذه الخلايا موصول فعلا ًولا ينتظر التوصيل… ولكن ملايين الملايين من هذه الخلايا غير موصولة… ونقية ولها إمكانات لا محدودة تقريباً».
وإن ما يمر به الطفل في طفولته يحدد الخلايا العصبية التي ينبغي استخدامها والتي تربط دوائر الدماغ، أما الخلايا العصبية التي لا تستخدم فقد تموت، ولذا فإن ما يمر به الطفل في طفولته يحدد ما إذا كان ذلك الطفل «سيصبح ذكياً أم غبياً، خائفاً أم واثقاً بنفسه، فصيحاً أم معقود اللسان». إن فهم نمو الطفل وتطوره سيساعد مقدمي الرعاية في الوصول بالطفل إلى بر الأمان. وتقسم دراسة تطور الطفل في الغالب، ثلاثة مجالات رئيسة. وهذه المجالات تتضمن التطور الجسدي، والمعرفي، والاجتماعي ـ الانفعالي، ولعل تقسيمه على هذا الوجه يجعل دراسته أكثر سهولة.
ويشير التطور الجسدي physical development إلى التغيرات المادية في الجسد. وهذا التطور يحدث تدريجياً ويمكن توقعه، ولذا فهو منظم وليس عشوائياً. فالتغيرات في سماكة العظم، وفي الرؤية، والسمع، والعضلات تندرج كلها تحت هذا النوع، بالإضافة إلى التطورات التي تحدث في الحجم والوزن، فهي جزء منه.
وكذلك التغيرات في المهارات الجسدية، مثل الحبو، والمشي، والوثب، والكتابة هي شكل آخر منه، وهذه المهارات تندرج ضمن حقلين رئيسين من هذا التطور هما: تطور الحركات الكبيرة، وتطور الحركات الدقيقة. ويتضمن الأول تحسين المهارات التي تستخدم العضلات الكبيرة؛ كالجري والقفز وركوب الدراجة. أما الثاني فيتضمن تحسين المهارات التي تستخدم العضلات الدقيقة، كالمسك والقبض والقص والرسم.
هذا وتقوم العوامل البيئية، كالتغذية المناسبة والألعاب الملائمة والنشاطات الأخرى المناسبة، بدور مؤثر فيما يستطيع الطفل القيام به جسدياً.
وأما التطور المعرفي Cognitive Development، الذي يسمى أحياناً التطور العقلي (Mental Development)، فيشير إلى العمليات العقلية المستخدمة لاكتساب المعرفة؛ فاللغة، والتفكير، والاستدلال والتخيل جميعها تندرج تحت هذا التطور، كما أن تعرف الألوان، ومعرفة الفرق بين «واحد» و«كثير» هي أمثلة على المهمات المعرفية.
وتعد اللغة والتفكير نتيجة لهذا التطور، فهما مهارتان متصلتان على نحو وثيق، وكلاهما يلزم للتخطيط، والتذكر وحل المشكلات، وهي مهارات تتطور مع النضج والخبرة.
ويسمى المجال الثالث من التطور، التطور الاجتماعي ـ الانفعالي ( Social ـ Emotional Development )، فهذان الجانبان مترابطان لأنهما متداخلان على نحو كبير؛ فتعلم الارتباط بالآخرين هو تطور اجتماعي، أما التطور الانفعالي فيتضمن صقل المشاعر (الأحاسيس) والتعبير عنها، فالثقة، والخوف، والكبرياء، والصداقة، والفكاهة جميعها جزء من التطور الاجتماعي ـ الانفعالي. أما السمات الانفعالية الأخرى فتضم الخوف، والرعب، والميل، والسرور، كما أن مفهومي، الذات، وتقدير الذات، عند شخص ما هما ـ أيضا ـ جزء من هذا المجال.
وإن المجالات الثلاثة مترابطة؛ فالتطور في جانب واحد يمكن أن يكون له تأثير قوي في التطور في الجانب الآخر. فعلى سبيل المثال، هناك حاجة لكل من تطور الحركات الدقيقة والتطور المعرفي، لكتابة الكلمات. واللغة جزء من التطور المعرفي، وهي لازمة للاتصال بالآخرين، والتطور اجتماعياً وانفعالياً.
مما سبق يمكن القول إن جميع مراحل التطور والنمو متداخلة يؤثر كل منها بالآخر، ولا يمكن في حال من الأحوال فصل أي منها عن الآخر، فالتركيز على جانب سيؤثر سلبا على الجانب المهمل، مما سيؤثر سلباً على جميع مراحل النمو، وعلى مقدمي الرعاية إدراك هذه الحقيقة والعمل على توازن جميع مراحل التطور، مما سيؤدي إلى نتاجات اجتماعية وتربوية هامة وفاعلة. وانطلاقاً من هذه الحقائق العلمية والهامة فإن مرحلة الطفولة المبكرة مرحلة استثمار وطني تحتاج إلى رعاية واهتمام كافة الجهات رسمية كانت أم أهلية.