عزيزي القارىء.. هل فهمت شيئا من هذا العنوان؟ هل استنبطت شيئا منه؟ هل تعلمت جديدا من هذه اللخبطة التي اخترتها عنواناً لهذا الموضوع الهام والهام جداً في حياتنا ككل وفي حياة الأطفال التعليمية بصفة خاصة؟ وهذا العنوان المكتوب أعلاه إذا أعدنا كتابته بالطريقة الصحيحة حتى يكون له معنى مفهوم وحتى يتمكن الإنسان من تعلم معلومة جديدة هو كالآتي بعد تعديل الحروف: ((ضعف القراءة عند الأولاد الصغار)).. هي نفس الحروف مع إعادة تعديلها وتصحيحها في المواضع السليمة حتى تحمل الكلمات معناها الطبيعي.. ولكن كتابة العنوان بهذه الطريقة لم تأت من فراغ أو كنوع من التسلية، ولكنها الطريقة الخاطئة التي يمكن قراءة العنوان بها عند بعض الأطفال الصغار الذين يجدون صعوبة شديدة في التعلم نتيجة عدم استطاعتهم تركيب صور الأشياء.. وكذلك الحروف بالوضع الصحيح.. ومن هنا فإن الكلمات تكون مبهمة المعنى لا تحمل أي شيء جديد بالنسبة للطفل فتختلط عليه الأمور.. وتستبد الدهشة بمدرسيه وأهله عند عدم مقدرته على التعلم بالرغم من أنه حاد الذكاء قوي الذاكرة يستطيع التحدث والتكلم وفي بعض الأحيان الكتابة.. ولكن التلعثم يحدث دائماً عند القراءة ويبدأ مدرس أو مدرسة الفصل في كتابة التقارير شديدة اللهجة إلى ولي أمر الطالب. ويبدأ أهل الطفل في التململ وتبدأ الاتهامات المتبادلة بين أهل الطالب من جهة ومدرس أو مدرسة الفصل من جهة أخرى.
.. فأهل الطالب ـ وعندهم الحق كل الحق ـ يجدونه يجيد التحدث، جيد الذاكرة قادر على الفهم.. فلا يجدون مبرراً لشكوى مدرس أو مدرسة الفصل.. وعلى النقيض.. يجد مدرس الفصل أن الطفل لا يستطيع القراءة بالرغم من المحاولات المستميتة لمساعدته.. ومن هنا قد يقال إن الطفل لديه إعاقة عقلية..! وأنه غير قادر على التعلم ويجب عرضه على الطبيب لتحديد نسبة الذكاء.. وهل هو قادر على التعلم من عدمه؟ وهل يحتاج لتعلم نظري؟ أم تعلم مهني؟ أو يذهب لمدارس التربية الخاصة التي تجيد التعامل مع أقرانه، أو مراطز التأهيل المهني ليتعلم فيها مهنة تساعده على كسب العيش ومحاولة التكيف مع المجتمع؟
وهنا تبدأ رحلة الشقاء مع الطفل عند الطبيب الذي لا يجد إلا جسما صحيحا، وطفلا ذا عقلية جيدة، وعند اجراء اختبار الذكاء تظهر النسب الطبيعية للأطفال.. وإذا لم ينتبه الطبيب إلى هذه المعلومة وهي أن بعض الأطفال أصحاب الجسم والقدرات العقلية العادية أيضا قد لا يستطيعون التعلم نظرا لوجود عيب خلقي بسيط في الفص القنوي من المخ يؤدي إلى عدم مقدرة الطفل على تركيب الحروف وترتيبها وكذلك الصور والمناظر.. وحل أو فك الرموز إلى مكوناتها.
وبناء على ذلك نجد الطفل يرى الشيء جيداً ولكنه لا يفهم معناه فلا يعطيه المعنى الصحيح، فإذا عدنا إلى عنوان المقال نجده قد كتب بالطريقة الصحيحة (ضعف القراءة عند الأطفال الصغار) فإذا طلب من الطفل أن يقرأ هذا العنوان.. فإن الطفل الصحيح سوف يقرأه صحيحا، وبالتالي إذا سئل عن معناه سوف يشرحه.
أما الطفل الذي لديه ضعف في القراءة فإنه سوف يقرؤه كما هو مكتوب: (ضفع الرقاءة عدن الألواد الرصاغ) وبالطبع قراءة العنوان بهذه الطريقة لا تعني أي معنى أو فهم أو انتباه للقارىء نفسه أو لأي مستمع للطفل، وتبدأ سلسلة المشاكل التي تنتهي بالطبيب الذي ذكرنا عنه أنه إن لم يكن منتبها تماماً إلى هذا النوع من الأمراض الخلقية في المخ فسوف يقع في حيرة من أمره.. وقد يخطىء ويقول لأهل الطفل أنه صحيح معافى من الناحية الجسدية والعقلية ولكنه يغلط في المعاملة.
وهذه الظاهرة ليست مستحدثة ولا جديدة ولكنها قديمة قدم التاريخ نفسه.. فقد وجدت مخطوطات ما قبل سيدنا عيسى عليه السلام تؤكد وجود مثل هذه النوعية من الأطفال ضعيفي القدرة على القراءة والتعلم ولكن الأسباب ظلت مجهولة إلى بداية القرن العشرين عندما بدأ العلماء في معرفة بعض وظائف قشرة المخ.. وترقيمها واستطاعوا تحديد المناطق المسؤولة قي قشرة المخ عن استقبال واستيعاب واستذكار أو استرجاع أو تداعي المعلومات المسموعة أو المرئية أو المقروءة، ووجدوا أن استقبال الرؤية أو المعلومة المنظورة يتم في الفص الخلفي أو الفص القنوي من المخ حيث تتم ترجمة المعلومة أو الكلمة أو الحرف المنظور وكذلك يتم حفظ المعلومات المرئية هناك حيث يمكن استدعاؤها عند اللزوم.
وعيوب القراءة عند الأطفال قد تكون ناتجة عن إصابة بسيطة لهذا الفص القنوي من المخ.. ولكن في أغلب الأحيان قد تكون هذه العيوب خلقية وراثية بالدرجة الأولى وهي عيوب بسيطة يمكن تداركها وعلاجها ببساطة ويتم ذلك خاصة بعد التأكد من التشخيص الذي يحتاج إلى التعاون الصادق بين أهل الطفل ومدرسته وطبيبه المتخصص… وفي كثير من الأحيان تكون هذه الإصابة التي أدت إلى عدم القدرة على الكتابة والحساب كالجمع والطرح.. إلخ، أو فقدان القدرة على رؤية نصف ميدان النظر أو خلل بسيط في حركات الشق الأيمن من الجسم.
وقد تظهر عيوب القراءة والكتابة في البالغين أثر إصابتهم بجلطات المخ أو التهاب وأورام المخ.. وبذلك تساعدنا هذه العيوب البسيطة في الكتابة والقراءة التي تكون مصحوبة أحيانا بعدم القدرة على الكلام أو تلعثم الكلام.. في تشخيص بعض الأمراض الخطيرة التي تصيب المخ.. وتدفعنا إلى العلاج المبكر.
إن تشخيص حالات صعوبة القراءة عند الأطفال الصغار يتأتى بالتتبع الهادىء للطفل في المنزل والمدرسة وأيضا عن طريق استخدام الاختبارات النفسية المقنعة التي تجري ببساطة شديدة لمعرفة مثل هذه العيوب.. ثم بعد التشخيص يأتي العلاج وذلك بالدفع بالطفل أو البالغ إلى أخصائي التخاطب وعيوب الكلام والقراءة.. الذي في فترة وجيزة يعود بالطفل إلى بر الأمان ويعيد له ـ قدر المستطاع ـ الموهبة التي ميزنا الله سبحانه وتعالى بها عن بقية خلقه وهي الفهم والتخاطب ـ سواء كان ذلك من جملة مسموعة أو مقروءة.