تصّدرت التوعية بأشكالها المختلفة، الشروط المسبقة لتحقيق المساواة في مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة، التي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 1993، في وثيقتها المعروفة باسم (القواعد الموحدة بشأن تحقيق تكافؤ الفرص للمعوقين)، والتشريعات التي تلتها وخصوصاً الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي أقرتها منذ سنوات قليلة، والدول كافة مطلوب منها سواء في القواعد أو الاتفاقية أن تشجع وسائل الإعلام على إعطاء صورة إيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، مع ضرورة استشارة منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة في هذا الشأن، وطالبت الدول أيضا أن تدعو الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم ومنظماتهم، إلى المشاركة في برامج التثقيف العام التي تتصل بقضاياهم، وكذلك طالبت الدول أن تقوم بترويج برامج غايتها أن ترفع لدى الأشخاص ذوي الإعاقة مستوى الوعي بحقوقهم، وإمكاناتهم، وكذلك على العمل من أجل رفع مستوى الوعي في مراحل تعليم الأطفال، وفي دورات تدريب المدرسين والفنيين والعاملين في هذا الميدان.
وهكذا نجد أن توعية المجتمع العربي بحاجات وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ضرورة أساسية، ينبغي أن تشارك فيها مختلف وسائل الإعلام، لا أن يقتصر هذا الدور على بعض المطبوعات الدورية المتخصصة، وهي كما نعلم جميعا قليلة من حيث عددها، ومحدودة من حيث تأثيرها على الرأي العام بسبب عدم وصولها إلى شرائح واسعة من فئات المجتمع، رغم الجهود الكبيرة المبذولة، للنهوض بالإعلام المتخصص بقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، ورغم وجود إصدارات عربية متخصصة ومتميزة، قطعت شوطا طويلا في هذا المجال.
وهنا نتساءل:
هل تقوم وسائل الإعلام العامة المقروءة والمسموعة والمرئية وغيرها بهذا الدور البالغ الأهمية؟
ولكي نفي وسائل الإعلام العامة حقها فقد شاهدنا العديد والعديد من مظاهر الاهتمام بقضايا الإعاقة والأشخاص ذوي الإعاقة في العديد من المجلات الدورية والصحف اليومية العربية، وغيرها كثير من البرامج التلفزيونية والأفلام وكذلك على صفحات الإنترنت، التي تناولت الإعاقة وجوانبها الصحية والاجتماعية والإنسانية.
لا شك أن هذه الأمثلة شكلت خطوة كبيرة على طريق التوعية بجوانب الإعاقة المختلفة مثل أهم أسبابها وسبل الوقاية منها، وكشفها المبكر، وحاجات الفرد والأسرة ودور المبدعين من ذوي الإعاقة، لا سيما في ميادين الفكر والثقافة، ودور المهتمين بهم من أفراد ومؤسسات ثقافية وإعلامية وغيرها، وهذا أمر ضروري لتوعية المجتمع بكافة شرائحه بالدور الإيجابي الذي يمكن أن يشارك به الأشخاص ذوو الإعاقة في حياة مجتمعاتهم، إذا ما توفرت عوامل أساسية في الفرد والأسرة والمجتمع.
وهنا لا بد أن نتساءل عندما تتناول وسائل الإعلام العامة قضايا الإعاقة والأشخاص ذوي الإعاقة:
- هل تغطي ذلك بشكل كاف؟
- وهل تستخدم الكلمات والعبارات المناسبة والملائمة عندما تطرح موضوعاً يتعلق بالإعاقة والأشخاص ذوي الإعاقة؟
- وهل تستشير أو تشارك الأشخاص ذوي الإعاقة وذويهم، أو منظماتهم أو العاملين معهم فيما تتناوله من أخبار ودراسات أو مقالات وغيرها من البرامج الإعلامية والفنية؟
- وهل يخضع العاملون في وسائل الإعلام إلى دورات تدريبية حول حاجات وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وخصائص المواد الإعلامية الخاصة بهم؟ وهل تتضمن مناهج إعداد الإعلاميين والصحفيين شيئا من ذلك؟
- وهل تتوفر لديهم المعلومات والمعارف المناسبة عن الإعاقة والتأهيل بشكل عام، وارتباطهما الوثيق بعجلة التنمية المجتمعية بشكل خاص؟
إلى غيره وغيره من الأسئلة التي نخشى أن يكون الجواب في معظمها بالنفي.
ومن جهة أخرى نتساءل: هل تمتلك جمعيات الأشخاص ذوي الإعاقة، ولجانها المختلفة، والجهات العاملة في ميادين الإعاقة المعارف والمهارات الأساسية حول دور الإعلام، وسبل المدافعة، والترويج، وحشد التأييد، والمتابعة للمواضيع الخاصة بحقوق وحاجات الأشخاص ذوي الإعاقة وواجباتهم؟. هذه التساؤلات ينبغي الإجابة عليها، وأخذها على محمل الجد.
كما هو معروف، لا يقتصر دور الإعلام على عرض التجارب، ونقل الأخبار من هنا وهناك، بل ينبغي أن يكون مدروسا وموضوعيا وهادفا، فكثيرا ما سببت بعض وسائل الإعلام أضرارا كبيرة عن غير قصد، عندما آثرت الإثارة والمبالغة على حساب الموضوعية والدقة، ولا يغيب عن ذاكرتي بعض الأمثلة من المواد الإعلامية: لقد وصفت إحدى الصحف عملية زراعة الحلزون أو القوقعة، بأنها تجعل الأذن الصماء خارقة السمع، كذلك تناولت بعض وسائل الإعلام خبر زرع جهاز إلكتروني يعيد بصر المكفوفين، أو دواء يشفي الإعاقة الذهنية!! إضافة إلى المبالغة في النجاحات التي يحققها بعض الأشخاص الأشخاص ذوي الإعاقة، هنا وهناك، دون الإشارة وبشكل مناسب إلى المعوقات والتحديات التي تواجههم، وسبل تذليلها، فالإفراط في التفاؤل يضر أيضا كالإفراط في التشاؤم.
وقد تستخدم بعض وسائل الإعلام عبارات غير دقيقة أو مشوشة إلى حد ما، في موادها الإعلامية، فهي أحيانا لا تميز بين ضعاف السمع وفاقديه، وبين ضعاف البصر وفاقدي البصر، وكذلك بين حالات بطء التعلم، وحالات الإعاقة العقلية، بالإضافة إلى الدرجات المختلفة لحالات مثل الشلل الدماغي، أو حالات الإعاقة العقلية بدرجاتها، وحالات التوحد المختلفة، واضطرابات السلوك، وغيرها، وفي كل حالة من تلك الحالات يختلف البرنامج التأهيلي وتختلف حاجات الأشخاص ذوي الإعاقة، والنتائج المتوقعة التي يمكن تحقيقها آخذين بعين الاعتبار عوامل أساسية، في الفرد والأسرة والمجتمع.
وهكذا فالتغطية الإعلامية التي تعتمد المبالغة والإثارة، أو نقل الأخبار غير الصحيحة أو الناقصة، أو استخدام عبارات غير دقيقة أو مناسبة، قد ترهق كاهل الأشخاص ذوي الإعاقة وأهاليهم المتعطشين إلى تجاوز الصعوبات التي يواجهونها في حياتهم اليومية، وإيجاد الحلول الناجعة لها، وقد تؤدي هذه المواد الإعلامية، عن غير قصد، إلى تسلل الإحباط واليأس إلى نفوسهم، عندما يشاهدون أن ما يجري على أرض الواقع يختلف كثيرا عما تقدمه هذه المواد الإعلامية إلى الجمهور.
لا بد في هذه العجالة من التأكيد على وضع خطة أو برنامج مدروس حول سبل تناول قضايا الإعاقة والأشخاص ذوي الإعاقة بالتشاور والمشاركة مع الأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم، وذويهم ومنظماتهم والعاملين معهم، تبدأ من مراحل إعداد الإعلاميين وتستمر لاحقا من خلال الدورات التدريبية واللقاءات والمؤتمرات.
وهذا يدفعني أيضا إلى الدعوة لإعداد المزيد من الدراسات حول كيفية تناول وسائل الإعلام هذه القضية الهامة.. قضية الإعاقة والمعاقين ومدى تأثيرها على اتجاهات المجتمع وذلك لاستخلاص النتائج ووضع خطة مدروسة للنهوض بطريقة تناول وسائل الإعلام العامة لهذه القضية المجتمعية التي تؤثر كثيرا على حياة الفرد والأسرة والمجتمع.
وأجد من المفيد أن تقوم منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم، والعاملون معهم، وكذلك الإعلاميون المهتمون والمتطوعون بتشكيل لجنة إعلامية، أو أكثر تكون من مهامها دعم وسائل الإعلام العامة، ورفدها بالمواد المتخصصة من جهة، ورصد ما تقدمه للجمهور حول الإعاقة والأشخاص ذوي الإعاقة من جهة أخرى.
لاشك أن الإعلام الناجح والمدروس، القائم على التشاور والمشاركة، يشكل حجر الزاوية في تحقيق التوعية الشاملة والتي، وكما نعلم جميعا الخطوة الأولى على طريق تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة ومشاركتهم ودمجهم في مجتمعاتهم.