تمر المساءات الجميلة محملة بالأمنيات الكبيرة، وتأتي الصباحات بأزهارها المبتسمة على شرفة غرفتي، كنت أتمنى أن أنهض من مكاني، أداعب تلك الزهرة، أو أنش ذلك العصفور، كي أتمتع بتحليقه، لكن كالعادة تخونني ساقاي، فأبقى متربعاً على كرسيي الأثير، الذي أبى ان يفارقني أبداً.\
ولا زالت آمالي العريضة تحلق بي في أعالي السماء، كما هو سرب الطيور المارة عبر شواطئ البحر، فرحة في تحليقها، تبحث عن ديمومة الحياة، أنا لا أملك سوى قلمي وسرب من الأفكار الوردية التي تداعبني، آهٍ، ساقاي ثقيلتان لا تقويان على حملي، أشار لي أكثر من واحد، أنه لا يصلح في هذا المكان، والآخر قال لا يصلح في ذلك المكان، وتمتم أحدهم إن الطريق وعرة لا يستطيع السير فيها، ولا يوجد رصيف منبسط، ثم كان الرأي الأخير تركي في مكاني..!!
تحسست نفسي، أخذت الدنيا تضيق بي، لكني شرعتُ في الكتابة لمسؤول المدينة: إني إنسان أقدر أن أدير نفسي، كانت لي أحلام حين دخلت المدرسة الابتدائية، كبرت أكثر في مرحلة الدراسة المتوسطة، رغم سخرية الآخرين مني، لكني أحمل أملاً كبيراً يداعبني، نعم كنت أعاني من الصعود إلى الطابق الثاني، لكني قررت الصعود، وهكذا كان نجاحي وتفوقي فرح جميل يصيب أساتذتي ومربيَّ في المدرسة.
ولازلتُ أجلس صباحاً في نافذتي، لا يفارقني الفرح والأمنيات في دراستي الجامعية وزميلي، الذي لا يفارقني، وهو يقوم بإيصالي إلى الطابق الثاني من بناية الجامعة، وزميلتي الجميلة، التي يداعبني شعرها الحرير وهي تنحني، لتصفَّ لي كتبي في حقيبتي، نعم أنا في أكثر الأحيان ألعنُ هذا الكرسي، لأنه لا يفارقني… أتمنى أن انطلق مع زميلي عبر مروج حديقة الجامعة.
وكانت أمنياتي تكبر في نافذتي، وأنا أتقدم كأي إنسان يتخرج من الكلية، ليشرع في مشوار الحياة، لكن لا زالتْ عقدة المكان الملائم تلاحقني، أينما حللت.. وصديقي الكرسي المتحرك يزاحم أحلامي، أحياناً يحاصرها في مكان ضيق، وآخر تنطلق أحلامي متحررة محلقة، نحو سماء أوسع..