عندما نطق ابني التوحدي!!!!
ابني مشعل عمره الآن قرابة 16 عاماً (من المحرر: وقت كتابة القصة) وهو من ذوي التوحدي التقليدي وهو لا يتكلم بل يتفوه ببعض الكلمات الغير مفهومة مثل البأبأة والمأمأة والكأكأة وأرررر وغيرها من الحروف.. لا تخفى عليكم مشاعري كأب أو مشاعر والدته كأم من حيث أننا كنا نتمنى أن نسمع منه كلمة ينادينا بها مثل جميع الأطفال الطبيعيين، ولكن شاءت قدرة المولى أن يستمر مشعل طفلا توحديا صامتا حتى يومنا هذا..
كنت ذات يوم أنا وزوجتي ومشعل (وكان عمره قرابة الخمس سنوات) في نزهة مسائية بالسيارة، وكان مشعل يتأمل مناظر الأنوار والسيارات التي تمر بجانب سيارتنا… وكنت أقود بسرعة متوسطة نظرا لزحمة السير… وفجأة سمعت مشعل يناديني.. يـــــاسر بصوت عالي!!!! التفت إليه وتركت السيارة تمشي دون تدارك مني للموقف المفاجئ حتى كادت ان تصطدم بالسيارة التي أمامي.. وأقشعر بدني من ذلك الموقف وسألت أم مشعل هل سمعتي مثل ما سمعت؟؟ قالت نعم فنظرت اليه وقلت له نعم فلم يعيرني اي اهتمام بل أخذ يستخدم لغته الخاصة التي ذكرتها سابقا… وكأن شيئا لم يكن… حمدت الله أن سمعت ابني يناديني باسمي.. وبعدها لم ينطق ابني إلى ان كان عمره قرابة 11 عاما حيث كان يسمع الأذان وعندما وصل المؤذن عند قول (حي على الصلاة) التفت مشعل وقال (حيّ على) ولم يكمل العبارة… وهكذا استمر مشعل إلى يومنا هذا لا يتكلم هاتين الكلمتين.
وعندما سألت الخبراء من مراكز أبحاث التوحد عن حالة التوحدي والنطق أجابوني بالتالي:ـ
إذا لم ينطق الطفل بكلمات ما بين سن الخامسة والسابعة من عمره فإنه لن ينطق إلى الأبد… ولكن الأمل بالله كبير سبحانه وتعالى.. وذكر لي العلماء حالة سيدة توحدية صامتة نطقت بعد التدريب المكثف وكان عمرها 44عاما!!! وهذه حالة استثنائية لا تنطبق على الجميع…
إذا هناك قابلية ولكن…!!! الأمر بيد الله
ابني التوحدي.. وجلسة التشخيص
اتصل بي الدكتور طارش الشمري (مستشار اكاديمية التربية الخاصة بالرياض) في عام 1999م وقال ابشر يا أبا مشعل عندي لك خبر حلو!!
قلت ماذا؟ قال: سنفتتح أكاديمية التربية الخاصة بالرياض العام المقبل رسميا ونبي مشعل يكون أول طالب فيها تقديرا لجهودك..
طبعا طرت من الفرحة..
وحدد لي الدكتور طارش موعد المقابلة التشخيصية مع الفريق المتخصص. ذهبت أنا وزوجتي ومشعل في فترة ما بعد العصر فكان مشعل متوترا نظرا للتغير البيئي المفاجئ له، وكان يلتفت يمينا ويسارا، وينظر تارة إلى السماء، وبعدو جلوسنا في غرفة مع المتخصصين رفض مشعل الجلوس واقفا اثناء المقابلة مبدياً ضيقة من هذا المكان الغريب.. وكأنه يقول (وش سالفتكم؟) (لماذا احضرتموني إلى هذا المكان)، كان ينظر إلى الباب المغلق… ويذهب اليه، وكنا نحاول تهدئته ونقرأ له سورة الفاتحة التي يحبها كثيراً، وكان يستمع ويرفرف بيديه بعد سماعها تعبيراً عن الفرحة.. ولكن سرعان ما ينظر إلى الباب مبدياً رغبته في الخروج من ذلك المكان الموحش بالنسبة له حيث أن عقله الصغير لم يستوعب المكان (أي أنه غير موجود في ذاكرته) كونه أول مرة يذهب اليه وكان أحيانا يحاول نزع لباسه كإشارة منه إلى انه يرغب في الذهاب إلى دورة المياه،
وعندما أخذته إلى دورة المياه لم يرغب في ذلك بل اراد التوجه إلى السيارة فقرأت له سورة الفاتحة وانا أمشي معه حتى أعدته إلى مكان المقابلة حيث استمرت العملية التشخيصية قرابة الساعة والنصف تخللها حوالي (103) سؤال لنا جميعا وكان البعض يراقب تصرفات مشعل أثناء اجابتنا على الأسئلة وكان ذلك يوما عصيب.
انتهت المقابلة.. وتم إرسال الأجوبة إلى مركز أبحاث التوحد بساندييغو ووصلت النتائج بعد 33 أسابيع مشيرة إلى أن مشعل يعاني من توحد كلاسيكي دون مصاحبته لإعاقة أخرى وكان عمر مشعل آنذاك (10) أعوام وهو توحدي لا يتكلم MUTE AUTISTIC CHILDفتصوروا معي المعاناة حيث تم تشخيص مشعل في عام 1993م في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض على أنه توحدي ولم يلتحق بأي مركز تأهيلي أو تعليمي حتى عام 1999 حيث لم تتوفر لدينا المراكز التي يمكن ان تقدم له الرعاية والتأهيل والتدخل المبكر المطلوب.. لذلك استمر مشعل معنا في البيت إلى أن بشرني الدكتور طارش الشمري بموعد افتتاح اكاديمية التربية الخاصة بالرياض حيث كان مشعل اول طالب توحدي، يقبل فيها، وقد تحسن كثيرا بفضل الله ثم بمتابعة الفريق المتخصص فجزاهم الله خير الجزاء.
ابني التوحدي.. وباب السيارة الأيسر!!!
قصة قصيرة جدا فيها الكثير من الدلالات والتي من أهمها ضرورة تحلي أيسر حالات التوحد بالصبر والأناة!!! ابني مشعل يقوم بجولات يومية في السيارة مع مربيته والسائق وتحديدا الساعة الخامسة عصرا.. فما أن تشير الساعة إلى الخامسة حتى يقوم بلبس ملابس الخروج ويلبس حذاءه ويقف عند الباب لكي يخرج… سبحان الله.. نفس الموعد كل يوم وهو لا يعلم الساعة ولا يحيط بالتوقيت.
ذهب السائق إلى اجازته السنوية.. وابتدأت المعاناة حيث انني امضي ساعات طويلة في العمل
فلم اشعر بما تعانيه أمه من ذلك السلوك.. وهي لم تخبرني.. حتى ازداد السلوك حدة..
مشعل يريد الخروج.. ولا يوجد سائق.. وانا موجود في العمل.. لاحول ولا قوة الا بالله
اتصلت بي وشرحت الموقف.. قلت احضر الآن.. مشعل ظلّ واقفا ولم يقعد منذ الخامسة وحتى السادسة والنصف… دخلت المنزل.. حينها سحبني مشعل إلى الخارج.. كأنه يقول: انت كنت فين؟!! (مش عارف إني لازم اخرج كل يوم في نفس الوقت؟!!).
أخذته إلى سيارتي (يختلف لون سيارتي عن سيارة الأسرة) وقف يصرخ.. ثم ذهب إلى السيارة الأخرى!!! ناديته إلى سيارتي فلم يستجب… قلت لوالدته اعطيني بعض المعززات التي يحبها مشعل وكانت آنذاك رقائق البطاطس وابتدأت أشاور له بها.. فرح واتى راكضا إلى السيارة.. واعطيته المعزز… فتحت باب السيارة الأيمن له..
فظل واقفا ونحن في السيارة… لاحول ولا قوة الا بالله… يا مشعل ادخل السيارة… لم يستجب مشعل لأنه توحدي… بعدها أخذت أسأل والدته أين يجلس مشعل في السيارة الأخرى.. أجابت يجلس في المقعد الخلفي خلف السائق… عرفت السبب.. قمت وفتحت الباب الأيسر.. فرح مشعل.. واخيرا صعد إلى السيارة وذهبنا به نتجول وهو ينظر من شباك السيارة وأثار الفرح عليه.. استمرت تلك الحالة معه لمدة اسبوع حتى تأقلم مع تغيير الوقت والسيارة وبدأ بعدها سعيدا…