كما يعلم الكثيرون، بدأ (اليوم العالمي للعصا البيضاء)، في عام 1980، وفي هذا اليوم السنوي، تقيم الجمعيات والمراكز التي تعني بالأشخاص كفيفي البصر الندوات والمعارض المختلفة للتعريف بالإنجازات التي أمكن تحقيقها، كما تلقي الأضواء على الصعاب والتحديات التي تواجه الأشخاص المكفوفين في حياتهم من أجل كسب تأييد المجتمع لتخفيفها والتغلب عليها، وفي الوقت الذي يذكرنا هذا اليوم بقدراتهم، فإنه يؤكد على حقهم في الحصول على فرص متكافئة أسوة بباقي المواطنين، ومع مرور الوقت أصبح هذا اليوم يعني كل ما يساعد الأشخاص المكفوفين وضعاف البصر على تعزيز الاستقلالية والاعتماد على الذات، وبشكل خاص برامج (التعرف والتنقل) Mobility & Orientation، وأهميتها في اكتساب الأشخاص المكفوفين أكبر قدر ممكن من الاستقلالية والنمو الذاتي والمعرفي والاجتماعي والسلامة الشخصية في البيئة التي يعيشون فيها وأثناء تجوالهم وتنقلهم الأمر الذي يمكنّهم من التمتع بالمزيد من فرص المشاركة المجتمعية والمساواة.
لقد تحققت الكثير من الإنجازات في ميادين حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في مجتمعاتنا العربية، بفضل الجهود الحكومية والأهلية ومنظمات الأشخاص ذوي الإعاقة لا سيما خلال (عقد الأمم المتحدة للمعوقين 1983 ـ 1992)، وبرنامج العمل المرافق له، وبعد اعتماد (القواعد الموحدة بشأن تحقيق تكافؤ الفرص للأشخاص ذوي الإعاقة عام 1993)، والمصادقة على (اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة) التي دخلت حیز التنفیذ في 3 مايو / أيار 2008. ورغم ذلك لا تزال الحاجة كبيرة لتعزيز الاستقلالية والاعتماد على الذات من خلال اعتماد برامج (التعرف والتنقل) للأشخاص المكفوفين، لا سيما المرأة الكفيفة لأنها الأكثر تهميشاً، والأقل فرصاً في التعليم والتأهيل والتشغيل، كما أنها الأقل وصولاً للخدمات الصحية والاجتماعية، والأكثر تعرضاً للعنف والاستغلال والإهمال.
انتشرت (برامج التعرف والتنقل) في كثير من أنحاء العالم وأضحت جزءاً رئيساً في تأهيل ودمج واحتواء الأشخاص المكفوفين، ومكونأ مهما في برامج التدخل المبكر للأطفال المكفوفين وضعاف البصر، وفي برامج التأهيل المجتمعي، والتعليمي، والتربوي، وبرامج التأهيل المهني والتشغيل، إضافة إلى برامج إعادة تأهيل الأشخاص المكفوفين من كبار السن، وغيرها من الجوانب التي تسهم كثيراً في تأهيل ودمج الأشخاص المكفوفين وتمكينهم من المشاركة الفاعلة في المجتمع. ونادراً ما حظيت هذه البرامج بما تستحق، ومع ذلك فقد طرحت أهمية هذه البرامج في (ملتقى تمكين المرأة العربية الكفيفة)، الذي انعقد في الكويت، 14 ـ 15 ديسمبر / كانون أول 2015.
رغم تأكيد (اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة) التي صادقت عليها الدول العربية لا سيما في المادة 20 المتعلقة بالتنقل الشخصي، والمادة 24 المتعلقة بالتعليم، فإن برامج (التعرف والتنقل) للأشخاص المكفوفين وضعاف البصر، تكاد تغيب عن معاهدنا ومراكزنا، كما تفتقر مجتمعاتنا إلى برامج إعداد المدربين والمختصين بالتعرف والتنقل، وإلى الوسائل التعليمية والمطبوعات اللازمة الملائمة لبيئتنا، والبرامج التدريبية الموجهة إلى الأهل من أجل تمكينهم من القيام بمساعدة ذويهم.
قد يواجه الأشخاص المكفوفون مجتمعاً ينظر إليهم بعين العطف والشفقة والتمييز، لذلك نادراً ما يتلقوا خدمات (التعرف والتنقل) المحدودة أصلاُ، الأمر الذي يضعف من استقلاليتهم، ومن فرص التحاقهم بالمعاهد التعليمية والتأهيلية والاجتماعية ومن ثم فرص العمل والمشاركة المجتمعية الفاعلة بشكل عام.
تعد خدمات وبرامج (التعرف والتنقل) للأشخاص المكفوفين والمرأة الكفيفة بشكل خاص حق من الحقوق الأساسية التي تكفلها تشريعاتنا الوطنية واتفاقياتنا الدولية، مع ضرورة إدراجها ضمن خدمات وبرامج (التدخل المبكر) للأطفال المكفوفين وضعاف البصر، وتعزيز البرامج الموجهة للأهل والمجتمع المحلي بمشاركة فاعلة للأشخاص المكفوفين، بالإضافة إلى ضرورة تأمين مصادر ملائمة لذلك باللغة العربية، وإنشاء مركز إقليمي لإعداد المدربين والمختصين بهذا الميدان مع السعي إلى تأمين مدربات من النساء للقيام بتدريب المرأة الكفيفة لمواءمة مجتمعاتنا المحافظة، وهنا تبرز أيضاً الحاجة إلى تأسيس جمعية عربية مهنية تتولى التطوير المهني والفني اللازم للمختصين ببرامج (التعرف والتنقل)، وهي جميعاً متطلبات ضرورية في الطريق إلى الاستقلالية.
























