ما إن شرع الإسلام منهج التكريم حتى رسخ السمو بما يسنده من ركائز ويضع تفاصيل تفسيره من نصوص فما من حق أو حرية يتمتع بها الإنسان في عصرنا هذا إلا وكان الإسلام سباقاً لإقراره وتحصينه وتحديد أطره ومحاباته إلى الدرجة التي لا يمكن معها أن تحصى أو تذكر الآيات التي قررت هذه الحقوق.
فلحماية حق الحياة قال تعالى: (من قتل نفس بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً)، وقال تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله ألا بالحق)، وفي تعزيز حق الانسان بالخصوصية قال تعالى: (ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً)، وفي حق العمل قال تعالى: (قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، وفي حق التعليم قال تعالى: (اقرأ)، وفي الحق في المشاركة في شؤون الحكم قال تعالى: (وشاورهم في الامر)، وقال تعالى (وأمرهم شورى بينهم).
وفرض نظام الضمان الاجتماعي عبر بيت مال المسلمين وألزم الدولة بعدم اللجوء إلى استخدام القوة في غير الأوجه المسموحة (ولا تعتدوا)، وأوجب نبذ العنف (ادخلوا في السلم كافة)، وشخصية الجريمة والعقوبة: (لا تزر وازرة وزر اخرى)، وأعطى للمرأة حقوقها كاملة: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)، والتكافل الاجتماعي: (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) وغيرها من الآيات القرآنية الكريمة.
والأحاديث النبوية التي تؤكد أن الإسلام ليس منهجاً نظرياً أو فلسفياً محضاً لنطاق فكري يثبت التطبيق عجزه بل بالعكس زان التطبيق الاسلامي منهج الإسلام ونظريته في ضمان احترام حقوق الإنسان.
أما عن تعزيز قيم حقوق الانسان من خلال طلبة العلم، فإن نشر هذه الحقوق وترسيخها وإشاعة الأذهان لها هو التزام يقع على عاتق الأفراد المجردين العاديين وعلى الهيئات والمؤسسات غير الحكومية، ويقع بشكل أساسي على طلبة العلم خصوصاً على طلبة الجامعات الذين يجب أن لا يدخروا أي جهد وأن لا يألوا متسعاً من القدرات في نشر قواعد هذا العلم وممارستها وتطبيقها وحث الآخرين الأفراد والمؤسسات على العمل بها ومراعاتها وعقد الندوات واصدار النشرات التي تؤسس لثقافة حقوق الإنسان منطلقين من أكثر من منطلق أولها قانوني قائم على أساس أن قواعد حقوق الإنسان هي قواعد دستورية وبالتالي فهي تتربع على قمة الهرم القانوني للدولة وتجب ما غيرها، وثانيها اجتماعي إذ أن الأمن المجتمعي لا يمكن أن يستتب إلا بتوفر هذه الحقوق وعدم الانتقاص منها أو تطبيقها تطبيقاً مشوهاً، وثالثها تنموي فلا يمكن أن نتصور إرساء أسس التنمية في أي مجتمع بدون دعائم حقوق الإنسان التي توفر المرتكزات الصحيحة للتنمية المستدامة.