إعداد : أ.سامي جميل
في قاعة الاحتفالات والمؤتمرات بجامعة نيو جيزة بمدينة السادس من أكتوبر في مصر، تركزت الأنظار على لجنة التحكيم لحظة إعلان نتائج المشاركة في الأولمبياد الدولي للروبوت ليفاجأ الجميع بفوز فريق من الأشخاص الصم وضعاف السمع وزارعي قوقعة الأذن الإلكترونية بالعديد من الجوائز مؤكدين ريادتهم كأبطالٍ للروبوت، جيلاً بعد جيل، وباقتدار.
حيث فاز فريق Data Robot وأعضاؤه “إسراء وعمر وسما” بالمركز الأول لأفضل مشروع روبوت عن الفئة العمرية Senior واسم مشروعهم Cable Laser Robot (روبوت تأمين الكابلات البحرية بالليزر) كما فاز فريق Robo Pirates وأعضاؤه “عدنان وجنى” بالمركز الأول لأفضل مشروع روبوت عن الفئة العمرية Elementary عن مشروعهم Robo Canal (روبوت مرشد قناة السويس) وفاز فريق Sailors وأعضاؤه “مسك وأسامة وفاطمة” بدرع لجنة التحكيم، وبجائزة فارس الروبوت فاز وليد عبد السلام عن الفئه العمرية Junior واسم مشروعه Submarine Cable Guard (حارس الكابلات البحرية).
إن صغر أعمار أعضاء هذه الفرق، إلى جانب كونهم من الأشخاص الصم وضعاف السمع وزارعي قوقعة الأذن الإلكترونية، وتمكنهم من التعامل مع الروبوتات بوعي وتحدٍ وشغف إثبات الذات، هو ما زاد من إعجاب لجان التحكيم بأدائهم وفكرة الروبوتات الخاصة بمشاريعهم الملهمة والمبدعة تنم عن وعي وثقافة ومعرفة..
كما كان هناك إعجاب بأسلوب تبادلهم الحوار بلغة الإشارة بأناملهم الصغيرة ولكنها كانت قوية في نقاش مصطلحات ومكونات الروبوت وأداء البرمجة بمنتهى المهارة والثقة من خلال لغة الإشارة التي دمجوا فيها مفردات وخوارزميات ومصطلحات البرمجة فحققوا إنجازاً كبيراً وسط أكثر من مئتي مشارك من الأشخاص السامعين.
سامي جميل مؤسس جمعية أصداء للارتقاء بالأشخاص الصم والداعم لرسالة الارتقاء بقدراتهم ومواهبهم وإمكانياتهم ودمجهم في عالم الروبوت والبرمجيات، عبَّرَ عن خالص تقديره وامتنانه لرواد كوادر المسؤولية المجتمعية ممثلة بشركة سيمكس – اسمنت أسيوط لدعمها المادي والمعنوي والإنساني لمشاركة فرق الأشخاص الصم وضعاف السمع في هذه المسابقة بل إن تواجد الأستاذ / ابراهيم سعد والأستاذ / أحمد محسوب ممثلين عن الشركة خلال كامل فعاليات المسابقة ومتابعتهما شجعهم على تقديم أفضل أداء لهم وكان له كبير الأثر في تحقيقهم هذا المستوى من التميز والإبهار .
الجدير بالذكر أن فريقي الفئة العمرية Senior والفئه العمرية Elementary سوف يمثلان مصر في النهائيات الدولية للروبوت التي ستعقد في الدانمارك.
أحد مشاريع الروبوت هو Robo Canal والذي تمثلت فكرته باستخدام محطات مراقبة على ضفتي القناة مزودة بحساسات موجات فوق صوتيةUltra Sonic تستشعر المسافة بين ضفة القناة والسفينة المارة عبرها ويتم برمجة تلك الوحدات بحيث تحافظ على مسافة محددة لا تسمح للسفن بالانحراف عن مسارها والجنوح نحو إحدى ضفتي القناة فتسبب توقف الممر الملاحي بإصدار رسالة تنبيه صوتية إلى السفينة العابرة .. كما تم ابتكار وحدة تحكم على عجلة القيادة الخاصة بالباخرة يستخدمها المرشد خلال مسار السفينة في قناة السويس يتم ربطها بحساسات الموجات الفوق صوتية لتحرك عجلة القيادة بالاتجاه المعاكس لمكان إنذار تلك الحساسات كي تبتعد عن الضفة وتعود إلى مسارها وسط الممر المائي للقناة.
حضر المسابقة قبطان من فريق العمل في قناة السويس برفقة نجله المشارك في المسابقة والذي اهتم بفكرة المشروع وعبر عن إعجابه وانبهاره بأن يكون هذا الإبداع بأيدي أطفال من الأشخاص الصم وبهذه الدرجة من الاحترافية وأن فكرة المشروع تستحق أن تصل إلى هيئة قناة السويس لتنفيذها..
وعبرت الأستاذة زينب حجازي رئيس قطاع التواصل المؤسسي والشؤون والاستدامة في شركة أسمنت أسيوط “سيمكس” الداعم الرئيسي لهؤلاء الشباب والأطفال المبدعين والمتميزين عن فخرها بهذا الإنجاز وأن إدارة الشركة وفريق العمل سعداء جداً بالمبدعين الصم وضعاف السمع وأن الاستثمار في تنميتهم والارتقاء بقدراتهم سيضعهم بالفعل في مكانتهم الإبداعية والتكنولوجية التي يستحقونها ضمن المجتمع ليندمجوا فيه ويسهموا في تقدم بلدهم..
إن الإعاقة السمعية لم تشكل حائلاً دون تواصل الأشخاص الصم مع أعضاء مع الفرق الأخرى ولجان التحكيم ولم تكن عقبة أمام دمج مفرداتهم الإشارية بالمصطلحات العلمية والأكاديمية لخوارزميات البرمجة والمصطلحات الخاصة بالعالم الرقمي فقد أذهلوا بالفعل لجنة التنظيم ونالوا اعجاب وتقدير الجميع نتيجة للصورة المشرفة التي قدموها وأدائهم المتميز والمبدع خلال كافة فعاليات المسابقة … أبطال الثقة أبطال الروبوت.
وجمعية أصداء هي جمعية أهلية تأسست بالإسكندرية عام 2000 لرعاية المعاقين سمعيا والارتقاء بمجتمع الصم في كافة جوانب الحياة بهدف إعلاء قيمتهم الإنسانية وليتواصلوا مع مجتمعهم ويندمجوا فيه.
وتهدف الجمعية إلى:
- إنشاء أكاديمية تعليمية لخدمة مجتمع الصم داخل الإسكندرية بصفة خاصة ومصر بصفة عامة.
- المساهمة في تعليم وإيجاد فرص عمل مناسبة لمجتمع الصم عن طريق الارتقاء بهم تعليميا
- .إنشاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مجال تكنولوجيا المعلومات ICT بهدف زيادة فرص العمل لمجتمع الصم.
- تنفيذ مشروعات تكنولوجية تساهم في النهوض بمجتمع الصم مثل: استخدام المكالمات المرئية كوسيلة اتصال بدلا من الصوت.
- إنشاء موقع الكتروني لتعليم لغة الإشارة باستخدام تكنولوجيا التعلم الالكتروني.
لم يستطع مؤسس الجمعية أن يدرك خلال سنوات طفولته الأولى الحكمة وراء أنه ولد بأذن صماء، ذلك الجزء الذي ورثه عن أمه الصماء والذي كان سببا في إنشاء جمعية أصداء لارتقاء بالصم وضعاف السمع .
“أنا تعبان نفسيا، مش قادر أعيش من غيرها” قالها سامى جميل (53 سنة), وقد اغرورقت عيناه بالدموع، خاصة أنها توفيت منذ سنوات قليلة، وكان أكثر أبنائها تعلقا بها لدرجة أنه لم يحتمل أن يعيش بعيدا عنها بعد زواجه، ربما يكون السبب وراء ذلك يكمن في شعوره الدائم بأنه يحمل جزءا منها.
“ابن الخرسة” تلك الجملة التى ألقتها إحدى السيدات في وجهه أثناء إحدى المشاجرات وكأنها سبة، فكر فيها كثيرا وتأمل معناها وقرر أن يحولها إلى مصدر للفخر ليعلنها على الملأ “أنا ابن الخرسة”.
شكل صمم والدته كل خطوة في طريق حياته حيث التحق بكلية الزراعة ودرس في قسم الوراثة ليتعرف بدقة على إمكانية أن يرث أبناؤه الصمم عنه أو عن جدتهم ودفعه خوفه من إنجاب أطفال صم إلى الابتعاد عن زواج الأقارب فتزوج من امرأة من خارج العائلة.
وبعد تخرجه، قرر الانضمام إلى إحدى الجمعيات الأهلية التي تهتم بشؤون الصم ليتمكن من مساعدتهم بكافة الطرق، وكانت المساعدات تقتصر على استخراج بطاقة شخصية أو تقديم إعانات أو مساعدات مالية بينما كان طموحه يتعدى ذلك بمراحل حيث كان يتمنى أن يخترق مجال تعليم الصم ليطوره (الأصم يقضى 14 سنة في مدارس الصم ويتخرج “بصمجي”),.
قرر سامي إنشاء جمعية أصداء للارتقاء بالصم وضعاف السمع ، والتى نجح في تأسيسها بأموال الصم أنفسهم وبدأ التفكير في تطوير تعليم الصم ومحو أميتهم من خلال مشروع لتأهيل مدرسين لمحو أمية الصم في اللغة العربية، مهمة شاقة ما بين تدريب المدرسين على لغة الإشارة وتدريبهم على المنهج الجديد الذى يتم تدريسه بالتعاون مع الهيئة العامة لتعليم الكبار. ولم يكتف بذلك حيث قرر أن يعلم الصم الحاسب الآلي من خلال إعداد منهج خاص لتعليم الكمبيوتر للصم باستخدام لغة الإشارة.
ونجح في إلحاق مجموعة من الشباب الصم بمنحة وزارة الاتصالات للحصول على الرخصة الدولية لقيادة الحاسب الآلي ICDL بمنهج مبتكر بلغة الإشارة واجتياز الاختبارات باللغة الإنجليزية.
كان سامي يتمنى أن يشارك في العديد من المسابقات على المستوى الدولي، إلا أنه كان يسأل على استحياء إذا كانت هناك إمكانية في اشتراك الصم في مثل هذه المسابقات، إلا أنه قرر أن يخوض المغامرة ويشارك في عدد من المسابقات الدولية للروبوت، والتى قرر أن يعد أطفال الجمعية قبلها بفترة كافية ليندهش من النتيجة، حيث حصل شباب الجمعية على المركز الثالث في مسابقة الروبوت التى نظمت على مستوى مصر ليشاركوا بعدها في المسابقة العربية للروبوت في الأردن والمسابقة الآسيوية للروبوت في اليابان.. بل وحصلوا على المركز الأول بمصر بين السامعين ليمثل فريق الصم مصرًا بالمسابقة الدولية للروبوت بالولايات المتحدة الأمريكية محققين المركز الأول لكأس أحس مشروع إبداعى للروبوت وكأس أحسن تدريب وإشراف على بين كافة دول العالم وبعدها توالت المشاركات الناجحة بأستراليا وأندونيسيا .. وغيرها.
وصل سامي جميل بأبناء الجمعية من الصم إلى أكثر مما كان يحلم إلا أن جعبة أحلامه لم تفرغ بعد حتى بعد أن حصل ثمانية من أبناء الجمعية على منحة فولبرايت الأمريكية والتي تمنح الصم فرصة لدراسة التسويق وتصميم المواقع وإدارة الشركات السياحية والتبريد والتفصيل في إحدى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية حيث إلتحقوا بدورة في اللغة الانجليزية لمدة 8 شهور وساتفروا بعدها وقضوا عامين بجامعة أوهلونى بالولايات المتحدة وحصلوا على المنحة الدراسية.
الجدير بالذكر أن نجاحات الصم بمسابقات الروبوت دفعت بالاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا بإلحاق أربعة من الصم وضعا فالسمع المتميزين للدراسة بها بمنحة دراسية كاملة تقديرًا لتميزهم في مجال تصميم وبرمجة الروبوت .
كما أن أكاديمية سيسكو للشبكات والنظم بادرت بتأسيس أكاديمية أصداء – سيسكو للشبكات والنظم لإتاحة الفرصة للصم للحصول على شهادات سيسكو الدولية بهدف تخريج مهندسين شبكات من الصم وضعاف السمع أنفسهم ليسيروا على طريق النجاح.
ويخطط سامى لإنشاء المعهد العالي للصم في مجال الحاسب الآلي والفنون التطبيقية والمحاسبة المالية والسياحة والفنادق بعد عودة أبناء الجمعية من الخارج ليكونوا النواة الأولى التيتبنى عليها أساسات المعهد.
حصل سامي على عضوية مؤسسة أشوكا العالمية باعتباره مبدعا اجتماعيا لارتقائه بالصم وإكسابهم مهارات التعايش والتواصل والاستقلال الاقتصادي والثقة بالنفس، إلا أن سعادته بأبنائه من الصم تفوق أي شعور آخر حيث أصبح فخورًا بهم وأن الجمعية تحولت إلى بيت العائلة لكل الصم.
سيرة ذاتية دونتها: يمنى مختار