الرسام الإماراتي العالمي عبد الله لطفي ، نموذج يحتذى

أعده هشام محمد كتامي

اختلفت الآراء والمفاهيم حول العلاقة بين اضطراب طيف التوحد والذكاء الفائق والعبقرية منذ القدم وكانت ولا زالت محط اهتمام ودافعاً للكثير من التساؤلات التي جعلت المختصين والباحثين في المجال في بحث دائم لمعرفة أسرارها وتحليلها بصورة علمية تخصصية، وتعدى هذا الموضوع المختصين ليشمل المؤلفين ورواد السينما فقد أنتجت العديد من الأفلام السينمائية والوثائقية التي ألقت الضوء على إبداعات وعبقرية وتفوق بعض الأشخاص من ذوي اضطراب طيف التوحد.

ومن هذه الأمثلة الشاب البريطاني من ذوي اضطراب طيف التوحد ستيفن ويلتشر (Stephen wiltshere) والذي أطلق عليه لقب الرسام الخارق لرسمه العديد من المدن العالمية في لوحاته بأدق تفاصيلها بمجرد التحليق فوقها على متن هليكوبتر لبضع دقائق ويعتمد في رسوماته على ذاكرته البصرية القوية.

هنالك العديد من المبدعين والطاقات المميزة من الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد على مر الأزمنة والعصور تطرقت إلى قصصهم الكتب ككتاب جزر العبقرية والروايات والصحف العالمية والعربية.

وفي هذا المقال سنسعى لتسليط الضوء على قصة نجاح شخصية ملهمة إماراتية حققت العديد والعديد من الإنجازات بأسلوبها ولمساتها المتميزة والبارعة في الرسم باللونين الأبيض والأسود.

البداية وقصة كفاح الأسرة

إنه الشاب الإماراتي ذو الثلاثين ربيعاً عبد الله لطفي الذي لم تكن تعرف والدته أنه من الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد إلا عندما أصبح في الرابعة من العمر، بعد استشارة الأطباء والمختصين لتبدأ بذلك مسيرتها في تأهيله وتمكينه ووضع الخطط التربوية والتدريبية العلاجية له ، وتوقفت عن إتمام دراستها الجامعية للتفرغ له وللاهتمام به وبعلاجه متسلحة بالكثير من العزيمة والإصرار إيماناً منها بقدرات وطاقات ابنها وهذا أكبر دليل على أن الأسرة شريك أساسي في تطوير وتنمية قدرات ومهارات الأبناء وهو المبدأ الذي تتبناه مدينة الشارقة الخدمات الإنسانية في تأهيل وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة.

وخلال مرحلة العلاج لمست الأم موهبة الرسم لدى طفلها وشغفه بالتلوين باللونين الأبيض والأسود ، وأدركت أنها وسيلته للتعبير والتواصل مع بيئته ، لأنه لا يجيد الكلام والتواصل كثيراً مع الآخرين، فاستعانت بمدربين متخصصين لصقل مواهبه ومهاراته واستمرت الرحلة العلاجية لسنوات عدة في مراكز متخصصة في الدولة ، إلى أن التحق عبد الله بمركز مواهب من الناس الجميلين بدبي، الذي ساهم في صقل موهبته وشارك عبره في معرضين فرديين، إلى جانب معارض أخرى جماعية، ولظروف الجائحة أغلق المركز أبوابه ، فاتجه بعدها عبد الله لافتتاح استوديو خاص به أواخر عام 2020.

النجاحات والمشاركات

اتجه عبد الله إلى الفن ليكون مجاله الذي يفضله، واختار العمل باللونين الأبيض والأسود لارتباطهما الوثيق بالرسوم الكرتونية التي تعيده لأيام الطفولة والبدايات مع الفن، وبمساعدة من مرشدته انتقل إلى فن التشكيل، ووصل إلى درجة مميزة في تنفيذ اللوحات، ونال ذلك التقدير والإعجاب في المعارض التي شارك فيها، ولأن الفن لديه أفضل ما يحبه ويجد فيه راحته فكان من الطبيعي أن يتعامل مع لوحاته بحب وإخلاص، وحول ذلك إلى مصدر دخل وأسلوب حياة. 

يتجنب عبدالله الألوان، لأنها تحمل إليه الكثير من التوتر، وإضعاف التركيز خلال الرسم، وتشتت انتباهه إلى الاهتمام بتوزيع الألوان وليس العمل نفسه، ومع ذلك فهو أحياناً يدخل اللون إلى العمل لأنه يكون عملاً مكلفاً به أو يحتاج قليلاً إلى إدخال اللون، أما عن التحديات الأساسية في العمل فنوه بأنها تكمن في تقسيم ووضع المباني والشخصيات في المربعات.

عبد الله متيم بثقافة اليابان وتعتبر وجهته المفضلة، لذا زارها في العديد من المرات ودفعه عشقه لرسم العديد من اللوحات عن جوانب مختلفة من الحياة ومن الذاكرة الشعبية والرسوم المتحركة اليابانية والمناظر الطبيعية.

يستلهم لطفي رسوماته من ملامح الحياة في الإمارات، بأسلوب فني بارع ولمسات مستمدة من حب التميز وقد حقق العديد من الإنجازات التي تشمل الأعمال الفنية في الفنادق والبنوك ومطار دبي الدولي. كما تم عرض رسوماته المشهورة والمؤثرة في اليوم العالمي للتوعية باضطراب طيف التوحد في تيرّا، جناح الاستدامة في إكسبو 2020. من خلال رسم لوحة مثيرة للدهشة، ذات أبعاد 2× 2 متر، تبدو كصورة فوتوغرافية التقطت بدرجة عالية من الاحترافية. ومن أبرز إنجازات لطفي مؤخراً، مشاركته بأغنية إكسبو هذا وقتنا ، وظهور الشخصيات الكرتونية التي ابتكرها بشكل واقعي ملموس أبهرت الزوار.

ومن أبرز أعماله قطعة دائمة في المبنى الثالث بمطار دبي الدولي، من فئة الديوراما وهي رسومات مستوحاة من فن البوب التي لقب من خلالها بالعالمي حيث يشاهدها ملايين المسافرين ويبدون إعجابهم بها. والمشاركة في المعرض الفردي الثاني المكون من 116 لوحة فنية في غاليري كوادرو بدبي،  والعديد من المعارض، التي تم بيع لوحاته فيها بالكامل، مع تنفيذه أعمالاً لمتاجر البيع بالتجزئة التابعة لشركة ماجد الفطيم، و رسم كتاب تلوين للأطفال بالتنسيق مع سفارة الإمارات في واشنطن ، وتنظيم معرضين، أحدهما في مركز دبي المالي العالمي، ضم 100 لوحة فنية نفذها على القماش بقياس 20× 20 بوصة (10بوصة = 0.254 متر).

يقدم عبد الله ورش عمل الرسم السريع للمدارس والجهات ويعمل على زيادة الوعي والاهتمام بالفنون بين الأشخاص ذوي الإعاقة ، كما يواصل تطوير قدراته على الصعيدين الفني والشخصي كفنان موهوب كما تولى ابتكار مشروع فني يستعرض مجموعة من أهم الأحداث على مدار العقود الخمسة الماضية في دولة الإمارات.

بالإضافة إلى الرسم لدى لطفي هوايات أخرى فهو لاعب بولينغ في المنتخب الوطني للأولمبياد الخاص وحصل على ميدالية برونزية في البولينج الزوجي ضمن فعاليات دورة الألعاب العالمية للأولمبياد الخاص بأبوظبي 2020. ويقود سيارته بمهارة ويمارس مهاراته ورياضته بكل سهولة.

ويستطرد عبد الله بالقول إن كونه من الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد لم يمنعه من الإبداع في لوحاته. وإن ما وصل إليه بفضل موهبته وعمله الجاد. وأن كل الناس باتت تعرفه بحكم أعماله المعروضة في مختلف أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة . أما عن الرياضة يؤكد أنه أحب البولينغ ويمارسه بصفة منتظمة ويستمتع عند فوزه. مضيفاً أن البولينغ ساعده في تقوية عضلات ذراعه، مما أعطاه القوة في الإمساك بالأقلام والنحت لساعات طويلة.

تقول معلمته السابقة في مركز مواهب من الناس الجميلين :

فخر لنا في مواهب أن يصبح لدينا فنان متفرد، لقد طلبت منا سفارة الإمارات في واشنطن كتاباً يضم رسومات عبد الله، وبالفعل أرسلنا إليهم 15 ألف نسخة لتوزيعها في أميركا، كما تلقى مهمة من مطار دبي، لرسم إحدى اللوحات الفنية، وأخرى في معرض دبي الجوي.

وأضاف السيد ساندي حايك الرئيس التنفيذي المشارك في تايم أوت ماركت دبي :

يسعى تايم أوت ماركت دبي لعرض أفضل ما في المدينة، بما في ذلك المأكولات والمشروبات والترفيه والفن والثقافة، لذا فإننا نشعر بالفخر لعرض عمل فني للفنان عبدالله لطفي. وتحظى المواهب المحلية بأهمية كبيرة في كل ما نقوم به، وتتصف أعمال عبدالله الفنية بالعفوية والتميز والثقافة، وهو ما يتماشى تماماً مع توجهاتنا. إن هذه اللوحة الجدارية لن تكون مجرد عمل فني داخل السوق فحسب، بل ستمثل تجسيداً لهذه المدينة الفريدة التي نعيش فيها، وستصبح جزءاً مهماً من تجربة ضيوف تايم أوت ماركت دبي.

ويجسد العملان الفنيان لعبد الله لطفي في تايم أوت ماركت دبي النمو والابتكار اللذين شهدتهما المدينة، ومدى تقبل المجتمع لهذه التطورات وتكيفه معها. وتعيد اللوحة الأولى المشاهدين إلى أجواء مدينة دبي القديمة، من خلال تصوير الأطفال وهم يلهون بالقرب من منازلهم، ويتجلى فيها أسلوب الهندسة المعمارية القديمة لمنطقة الشرق الأوسط، وتظهر فيها البساطة في التفاعلات الاجتماعية والأنشطة والبيئة.

وتوضح اللوحة الثانية مدى التطور الذي وصلت إليه المدينة؛ حيث أنها لا تصور المشهد في دبي فحسب، لكنها أيضاً تجسد كيف يتفاعل المجتمع في عصر التقدم التكنولوجي السريع وخيارات الترفيه الواسعة. كما يظهر فيها عدد من الوجهات السياحية الأكثر شهرة، مثل برج خليفة وفندق برج العرب وبرواز دبي، وهو ما يوضح مدى التطور الذي حققته دبي.

وستسافر هذه الأعمال الفنية الرائعة التي تضم العديد من التفاصيل، بالضيوف عبر الزمن؛ حيث جرى تثبيتها الآن بشكل رائع على جدار الأعمال الفنية في تايم أوت ماركت دبي بجوار فاونتين بار بالقرب من المسرح.

المراجع :

• تحرير بتصرف للمقدمة من كتاب جزر العبقرية (العقل الخصب للتوحد)
• الإماراتي عبد الله لطفي يتحدى التوحد بالرسم والبولينغ  ، جريدة البيان 10 ديسمبر 2018

https://www.albayan.ae/sports/all-games/2018-12-10-1.3430531

• عبد الله لطفي العالمي ، الإتحاد للأخبار ، 2 أبريل 2022

https://www.aletihad.ae/news/%D8%AF%D9%86%D9%8A%D8%A7/4275733/%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%8A—-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A