في أحيان كثيرة يكون لدينا ما يسمى بالعمى النفسي بدرجة تزيد أو تنقص، وعندما تزيد هذه الدرجة إلى المنحدر الخطر يصل بنا الأمر إلى المرض النفسي فنرى الدنيا من زاوية ضيقة بعيون مزيفة صنعناها بعد أن أغلقنا أعيننا التي خلقها الله عز وجل لنا فنرى دنيا مزيفة صنعناها لتناسب هذه العيون المزيفة إلى درجة يستحيل معها الاقتناع أن كل هذا زيف ووهم قد تجعل صاحبها يرى في كل من يحاول أن يفتح عينيه ليرى الدنيا عدواً له!! وهذا جزء من المقاومة التي يواجهها المعالج النفسي لدى مريضه الذي يتوهم أنك تريد أن تقتلعه من النعيم الزائف إلى واقع الحياة المؤلم القاسي وتلقي عليه أحمالاً وأعباء ومسؤوليات ثقيلة قد هرب منها بهذه العيون الزائفة التي حولت الواقع إلى مجرد مشاهد صنعها بعينيه الزائفتين.
وقد تجد بين هؤلاء من يحاول التمسك برؤيته مدافعا مستميتا عنها ولا يفكر في النظر ولو للحظة واحدة إلى الزاوية الأخرى أو الركن الآخر أو النظرة الأخرى أو معيار آخر لنظرته… لنحاول ولو للحظة واحدة أن ننظر أبعد من تلك الزاوية الضيقة التي نتشبث بها لنرى الدنيا بعيون أوسع بدل أن نظل ندافع حتى الموت عن شيء قد يكون خطأ ويكون عمرنا قد ضاع هباء.
إن مريض الفصام يرى أشخاصا وأشياء يتفاعل معها ويكلمها أو قد يراها في بعض الحالات، وعندما تريد أن تقنعه بعكس ذلك فإن بعضهم سوف يكلمك كما لو كان قد اقتنع بكلامك هذا عندما لا يستشعر أي فائدة من حديثه معك ولأنه اعتقد أنك لن تقتنع وستظل على رأيك! وبعضهم الآخر لا يستطيع ذلك فيظل يخاطبك بما يعتقده إلى درجة أنه قد يحاول التعارك معك لأنك لا تستمتع إليه أو لا تصدقه.
وليس حالنا نحن ببعيد عن هذا فلو أن المرض النفسي عبارة عن متصل نقف كلانا على درجة منه فأيضا العمى النفسي متصل كلانا يقف على مكان ما فيه، فمنا من يعتنق فكرته عن الحياة وعن العالم وعن نفسه، عن الموت وعن الصح والخطأ، ما يجب وما ينبغي، ومفهوم العيب والخطأ والحرام، وكل شخص يتمسك بمفهومه ويكافح ويستميت في إقناع الآخر به!.. قد يكون على صواب وقد يكون على خطأ، لكن الخطأ هنا هو تمسكه بهذه النظرة وهذه الزاوية ورفضه الخروج عنها!.. تمسكه بمنطقته التي اعتنقها ورفضه النظر حتى إلى المناطق الأخرى أو الإقرار بوجودها،.. قد نختلف فى أشياء كثيرة ولكن دائماً هناك معيار نتفق عليه سواء كان هذا الدين أم المنطق أم الفطرة السليمة التي لا تناقض ما سبق، ولكن هذا إذا أردنا أن نصوب رأياً او اعتناق فكرة ما… ولكن ما بالك بمن لا يريد أن يتحرك من منطقته ولا يؤمن حتى بوجود مناطق أخرى كمن يقطن جزيرة ما هو وقومه ويرفض فكرة أن هناك بشراً في جزر وأماكن أخرى وأن العالم ليس هو تلك الجزيرة التي يقف عليها ولا هو تلك المياه التي تحيط بالجزيرة من كل مكان!!
هنا تكمن المشكلة إنه يعمي نفسه بيديه لا يريد أن يرى إلا ما يصدق ولا يريد أن يرى إلا ما يجلب له المتعة والراحة واللذة والهروب من المتاعب والمسؤوليات والألم في سبيل التغيير أو النمو، فلو أنه رأى أن هناك آراء أخرى فسوف يقتضى هذا أن يرى كل هذه الآراء وقد يرى نفسه مخطأً ويتحمل مسؤولية تصحيح خطأه واعادة النظر من جديد، ومن لا يقبل الناس ويعتقد أن كل الناس صفتها الخيانة والغدر لن يصدق أن هناك الطيب والمخلص والخائن وكلهم موجودون ولأنه لو رأى ذلك سوف يدخل في أعباء المسؤولية وسوف يتحمل تعب الواقع وعليه أن يتعامل مع الناس حتى يكتشف من هو الطيب ومن هو الشرير ويحكم ويتحمل مسؤولية حكمه الذى قد يضعه في اختبار لنتيجة هذا الحكم، وبالتالي في قلق وتوتر من أن يخطئ في الحكم فيتحمل المسؤولية… ولمَ كل هذا التعب لماذا يرى أن هناك آراء مغايرة لرأيه وأن هناك أناساً مختلفون!! لماذا يرى أن هناك جزراً أخرى غير جزيرته التي يعيش عليها!! ولماذا كل هذا التعب والمشقة!! الأفضل بالنسبة له كما يعتقد أن يظل في هذا العمى وألا يفتح عينيه وأن يعيش في هذا الواقع المزيف والمضلل ليتمتع بالنعيم الزائف الذي لامعنى له ولا يتحمل فيه أي توتر أو قلق أو مسؤولية.. لماذا عليه أن يحاول أن يبحث عن معنى لحياته! أو يتحمل قلق النمو وأن يتحمل مشقة وألم الواقع الحقيقي وقلق إحياء وجوده.
لماذا لا نراجع ما نراه وأن نرى العالم من كل الزوايا بدلا من زاويتنا التي نعتقد أنها صحيحة؟! لماذا لا نرى غيرنا وأن هناك أناساً يعيشون معنا على كوكبنا وفى عالمنا بدلاً من عزلتنا؟!
لعل هذا الفيلم يمثل بشكل رمزي ما نريد إيضاحه تلك الفتاة التي تعطلت سيارتها أمام السكة الحديدية وهذا الشاب الذى يحاول انقاذها وتعتقد أنه يحاول خطفها!!
إنها لم تفكر حتى أن تنظر حولها أو ترى في أي مكان هي!! لقد اكتفت بالنظر إلى الموقف من ناحية واحدة فقط مناسبة للمكان وهي الخوف!! لماذا لم تر القطار المسرع نحوها والذي كاد أن يدهسها!! كان من الممكن أن تصل إلى حد قتل هذا الشاب بسبب اعتقادها أنه يحاول خطفها وهو في الحقيقة يحاول انقاذها!!
أحيانا قد نقتل أشخاصا يمدون لنا يد العون أو نرفضهم لأننا لا نرى أنهم يريدون المساعدة بل نرى أنهم يقتحموننا!! فلماذا لا نعيد النظر مرة أخرى؟؟
لعل هذا الفيديو يوضح بشكل رمزي على ما اعتقد ما قصدته:
http://www.youtube.com/watch?v=xTJIvibPBOM