قرأت منذ عدة سنوات عن مجموعة من الأساتذة الجامعيين الذين كانوا يحتجون بسبب عملية إعادة تنظيم داخل الجامعة. وكان غيظهم منصباً على نحو خاص على أحد الفرق الإدارية العليا في الجامعة وبالذات على أستاذ لم يضم مكتبه أي كتاب! وفي جامعة أخرى أشار أستاذ رفيع المستوى صراحة إلى أن الجامعة لم تعد في حاجة إلى وجود مكتبة بأي شكل من الأشكال.
على أن الأمر لايقتصر على أساتذة الجامعات من الدرجات العلمية الرفيعة أو الفرق التي يقودونها، فقد أوردت صحيفة (الإندبندنت) The Independent البريطانية مؤخرا أن بعض الأساتذة في إحدى الجامعات البريطانية يواجهون صعوبات جمة في إقناع طلبتهم بقراءة الكتب حيث أشار أحد الأساتذة إلى أن (الطلبة يجدون صعوبة بالغة في قراءة الكتب جامدة المحتوى ويقولون إن لغة تلك الكتب والمفاهيم التي تضمها صعبة للغاية!). وذكر آخرون أن الأدب الفيكتوري بدأ يختفي من المناهج الدراسية للطلبة في الجامعة لأن الروايات المقررة على الطلبة طويلة جداً ولا يمكن قراءتها من الغلاف إلى الغلاف.
ولا يتعلق الأمر بالجامعات فحسب فمنذ عدة سنوات توصل (مركز بيو للبحوث) Pew Research Center في الولايات المتحدة إلى أن 23% من الراشدين لم يقرأوا كتاباً واحداً بأي شكل من الأشكال (ومنها الكتب الرقمية أو السمعية) في السنة الماضية علما أن هذه النسبة لم تتعد 8% منذ 35 سنة خلت!
ما الذي يجري إذن؟ هل لفظ الكتاب المطبوع أنفاسه؟ أنا من جانبي أشك في ذلك فقد حصل في السنوات الأخيرة تناقص في عدد الكتب التي يتم بيعها في بعض البلدان لكن بلداناً أخرى شهدت زيادة كبيرة في مبيعات الكتب. مع ذلك نلاحظ أن تعاطي الناس مع الكتب يمر في مرحلة تغيير فلأنك تتمكن من القراءة من خلال وسائل غير إعتيادية وتحصل على المادة المقروءة من مصادر غير إعتيادية أيضاً فإن من الصعوبة بمكان قياس التغييرات في أنماط القراءة. ولا شك أن الكتاب اتخذ شكلاً أكثر تعقيداً في الوقت الحاضر حيث أنه لم يعد بالضرورة مجرد مادة مطبوعة على الورق محصورة بين غلافين.
إن شعوري بالقلق حيال مثل هذا الأمر يتزايد إذا تعلق أمر اختيار الكتب بالحجم والطول فحسب فهناك في الواقع مكان هام في الأدب للقصة القصيرة وكذلك الرواية القصيرة. غير أنه يتعين علينا أن نستثمر الوقت ونبذل الجهد المناسب للتعاطي مع الأفكار التي تشغل أكثر من 60 صفحة. ورغم أن هناك جملة أسباب لتضمين كتب تشارلز ديكنز Charles Dickens في المناهج الدراسية للطلبة أو عدم تضمينها فإن التذرع بكثرة صفحات كتبه (أكثر من 500 صفحة) لا يمكن أن يكون أحد تلك الأسباب.
———————–
بقلم: البروفيسور فيرديناند فون بروندزنيسكي
Prof. Ferdinand von Pondzynski
رئيس جامعة روبرت غوردن، أبردين ـ إسكتلندا
Robert Gordon University
المصدر: