إعداد: اختصاصية العلاج الوظيفي أسيل تايه عاطف
مركز العلاج الطبيعي والوظيفي
في يومنا هذا حيث التكنولوجيا ووسائل التواصل تعد من المسلّمات، يستخدم العديد من الآباء والأمهات الشاشات لإبقاء أطفالهم الصغار مستمتعين أو منشغلين أثناء قيام الأهل بأمورهم الحياتية اليومية. حيث تجذب الشاشات انتباه الأطفال بطريقة لا يفعلها أي شيء آخر تقريبًا، مما يسمح للأهل ببعض الراحة. ولكن ما هو تأثير الشاشات على أدمغة الأطفال؟ وما هو مقدار الوقت الذي يجب أن يتعرضوا إليه أمامها؟
باتريشيا كول هي واحدة من أبرز علماء الدماغ في العالم وتجري التجارب على أكثر من 4000 طفل كل عام. تقول: ما اكتشفناه هو أن الأطفال الصغار، الذين تقل أعمارهم عن عام واحد، لا يتعلمون من الآلة حتى ولو عرضت لهم مقاطع جذابة، فالتعلم خلال السنة الأولى يحدث فقط من خلال التفاعل البشري ولا يمكن أن يتعلم الطفل من الآلة. ولعل هذا هو السبب وراء توصية منظمة الصحة العالمية بعدم قضاء وقت أمام الشاشات للأطفال دون سن الثانية.
ما هي المبادئ التوجيهية الرسمية لوقت الشاشة؟
في المملكة المتحدة، لم يكن لدى هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) ولا المعهد الوطني للتميز السريري (NICE) أي إرشادات مفصلة بشأن وقت الشاشة بين الرضع والأطفال الصغار حتى الآن. لكنهم يوصون بحد أعلى قدره ساعتين يوميًا لجميع الأطفال. يقترح كبير المسؤولين الطبيين في المملكة المتحدة اتباع “نهج احترازي” متوازن مع الفوائد المحتملة لاستخدام أجهزة الشاشة.
ومن المثير للاهتمام أن إرشادات الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال توصي بقاعدة عدم قضاء وقت أمام الشاشة (باستثناء مكالمات الفيديو) للأطفال دون سن 18 شهرًا. أما بالنسبة للأطفال الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 24 شهرًا، يقترحون قدرًا محدودًا جداً من وقت الشاشة. وللأطفال من عمر سنتين إلى خمس سنوات ساعة واحدة يومياً. مع التركيز أن يتضمن وقت الشاشة محتوى مناسبًا تعليميًا يشاهده الأطفال مع أحد الوالدين.
الشاشات تخطف الانتباه
لكي ينجح الأطفال، عليهم أن يتعلموا كيف يركزون. تبدأ هذه القدرة في التطور خلال سنواتهم الأولى عندما تصبح أدمغتهم أكثر حساسية للبيئات المحيطة بهم. لكي يتطور الدماغ وينمو، فإنه يحتاج إلى محفزات أساسية من العالم الخارجي. والأهم من ذلك أنهم يحتاجون إلى وقت لمعالجة تلك المحفزات. حيث أن قراءة القصص والحديث مع الأطفال يمنحهم وقتًا لمعالجة الكلمات والصور والأصوات، على عكس الفيديوهات التي تظهر على الشاشة والتي تحوي العديد من المدخلات السمعية والبصرية والحركية التي لا يمكن للطفل معالجتها بسبب سرعتها العالية مما يؤثر على مدى انتباههم وتركيزهم.
ارتباط الصحة بالشاشات
ترتبط زيادة وقت الشاشة بالعديد من المشكلات الصحية، مثل السمنة والسكري، لأنها تشجع على نمط حياة أكثر كسلاً. على سبيل المثال، وجدت إحدى الدراسات أن الأطفال الذين استخدموا الشاشات لأكثر من ساعتين يوميًا كانوا أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم.
أحد التأثيرات الصحية الواضحة لوقت الشاشة هو النوم. أفادت العديد من الدراسات عن أدلة قوية وثابتة على أن استخدام الشاشة لفترة أطول خلال النهار يرتبط بنوم أسوأ. وهذا بدوره قد يؤثر على الصحة والنمو المعرفي.
وجدت دراسة أخرى أجريت على أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 36 شهرًا أنه مع زيادة الوقت الذي يقضيه الطفل في استخدام شاشات اللمس، كان هناك انخفاض في كمية النوم؛ وكان الأطفال أيضًا يستغرقون وقتًا أطول للذهاب للنوم.
الصحة النفسية والشاشات
ليست الصحة البدنية فقط هي التي قد تتأثر بكثرة وقت الشاشة. وجدت إحدى الدراسات أنه مع زيادة الوقت اليومي الذي يقضيه الطفل أمام الشاشات، هناك انخفاض لمستويات تقدير واحترام الذات، وزيادة القلق والاكتئاب.
كما أظهرت بعض الأبحاث التي أجريت على الأطفال الأصغر سنًا (الذين تتراوح أعمارهم بين سنة وثلاث سنوات) الذين شاهدوا التلفزيون مستويات متزايدة من اضطرابات نقص الانتباه في سن السابعة.
لكن.. هل هناك أي فوائد؟
تهدف البرامج والتطبيقات التلفزيونية عالية الجودة إلى مساعدة الأطفال الصغار في تطوير لغتهم والتعرف على الأشكال والألوان والحساب ومعرفة القراءة والكتابة. كما أنها تهدف أيضًا إلى تعزيز حل المشكلات والإدراك البصري والخيال. التطبيقات التعليمية هي تلك التي تساعد الأطفال الصغار على تعلم هذه الأشياء بطرق نشطة وجذابة وذات معنى وتفاعلية اجتماعيًا.
قد يشجع محتوى وأنشطة الشاشة المناسبة للفئة العمرية على تنمية المهارات الحركية أيضًا. على سبيل المثال، هناك ارتباط بين استخدام الأطفال الصغار لشاشات اللمس التفاعلية في وقت مبكر وقدرتهم على القيام بحركات دقيقة بتحكم جيد في وقت مبكر. ومن ناحية أخرى، ارتبط وقت الشاشة أيضًا بالتأخر النمائي بين عمر السنتين والخمس سنوات.
النقطة الأساسية هنا هي وجود محتوى وسياق مناسبين للعمر (أين ومن معه) لكيفية استخدام الشاشات بالإضافة لكمية الوقت المقضي أمام الشاشة.
ومن خلال السماح بالوصول المناسب إلى التكنولوجيا، فإننا نشجع الأطفال على تعلم بعض المهارات الرقمية المهمة التي سيحتاجون إليها طوال حياتهم ومسيرتهم المهنية مستقبلاً.
هل بعض الشاشات أسوأ من غيرها؟
التلفزيون ليس سيئًا كما كان يُنظر إليه من قبل حيث يمكن التحكم فيه بسهولة أكبر ويبقى في مكان واحد. أصبح الوصول إلى الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية أكثر سهولة لأنها محمولة. يمكنك أخذها إلى أي مكان واستخدامها في أي وقت.
على سبيل المثال هناك بعض المواقع سيئة بشكل عام بالنسبة للأطفال الصغار. إذا تُرك الأطفال لأجهزتهم الخاصة، فغالبًا ما يكون الأطفال أفضل من أولياء أمورهم في العثور على مقاطع الفيديو المفضلة لديهم والتي ترتبط بمقاطع فيديو أخرى ويمكن أن يؤدي ذلك إلى ساعات من مشاهدة مقاطع لا نهاية لها. تسمح طبيعة الموقع غير المنظمة إلى حد كبير للأطفال بمشاهدة أي شيء تقريبًا؛ في أحسن الأحوال، هناك قيمة تعليمية قليلة، وفي أسوأ الأحوال يمكن أن يكون محتوى عنيفًا أو غير مناسب. مرة أخرى، الحل الأمثل هو المشاهدة مع الطفل حتى يشارك الأهل في العثور على المحتوى المناسب والتعليمي.
ما هي النصائح التي تقدمها للأهل للحد من وقت الشاشة للأطفال؟
- شارك في المراقبة قدر الامكان. إذا كان الأطفال سيقضون وقتًا أمام الشاشات، فإن أفضل شيء يمكنك القيام به هو مشاهدة العرض أو اللعب معهم لمساعدتهم على فهم ما يرونه. علق على الأشياء التي لاحظتها، واطرح أسئلة حول ما يحدث، وإذا كان شخص ما في العرض يغني أغنية، فغن مع طفلك. تفاعل معهم وكرر المفاهيم بعد انتهاء العرض حتى يزيد احتمال احتفاظهم بهذه المعلومات.
- اختر البرامج بحكمة. ابحث عن مراجعات حول التطبيقات والألعاب والبرامج المناسبة لعمر طفلك لإرشادك في اتخاذ أفضل الخيارات لأطفالك.
- حافظ على وقت النوم ووقت تناول الطعام ووقت العائلة خاليًا من الشاشات. لا تستخدم الشاشات في السيارة إلا في الرحلات الطويلة، وفكر في تحديد وقت للتجول أو وقت متفق عليه تغلق فيه عائلتك جميع الشاشات. تعد الموازنة بين الوقت المتصل بالإنترنت وغير المتصل بالإنترنت أمرًا في غاية الأهمية.
- الحد من استخدام هاتفك. يقلد الأطفال ما يفعله آباؤهم. في سن مبكرة، يكون الوالدان هما الشخصان الأكثر أهمية في حياة أطفالهما، لذا سيكونان نموذجًا لأي سلوك يرونه. إذا رأوا أنك خلف الشاشة طوال اليوم، فسوف يعتقدون أن ذلك مقبولاً وسيريدون أن يفعلوا الشيء نفسه.
- أكد على ثلاثة أمور أساسية: النوم، والتغذية الصحية، وممارسة الرياضة. الثلاثة كلها ضرورية لنمو الدماغ الأمثل وتطوره وصحة الأطفال والكبار على حد سواء. ويمكن أن يؤثر وقت الشاشة المفرط على الأمور الثلاثة. تبين أن الأطفال الذين يقضون وقتًا أطول أمام الشاشات يتناولون المزيد من الوجبات السريعة ويقللون من الفواكه والخضروات ويحصلون على قدر أقل من النوم وممارسة الرياضة. لذلك، من المهم جدًا دمج خيارات نمط الحياة الصحي كجزء من الروتين اليومي، بالإضافة إلى الحد من وقت الشاشة.
وفي النهاية ما بين الإيجابيات المحدودة والسلبيات العديدة لاستخدام الشاشات احرص على استخدامها بحكمة للحصول على فوائدها بالقدر الممكن وتجنب سلبياتها من خلال معرفة متى وكيف وكم وماذا يشاهد طفلك أثناء وقت الشاشة.
المراجع: تمت الترجمة
- https://www.nct.org.uk/baby-toddler/games-and-play/screen-time-for-babies-and-toddlers-evidence
- https://www.unicef.org/parenting/child-development/babies-screen-time
- https://healthmatters.nyp.org/what-does-too-much-screen-time-do-to-childrens-brains/