لا شك أن التلفزيون بخصائصه الفريدة يحظى بأهمية خاصة في مقدمة وسائل الإتصال الحديثة، فهو يؤثر على المهارات التصويرية الخاصة بالمعلومات، كما أنه يؤثر على الكفاءة الرمزية، ويؤثر على التطور المبكر للعقل والشعور بالقدرة على التفكير، هذا إلى جانب محافظته على الكفاءة المعرفية لدى البالغين، حيث أكد الكثير من الباحثين أن التلفزيون يقوم بدور رئيسي في غرس الاتجاهات وذلك من خلال ترسيخ صور مرئية للمفاهيم المختلفة.
إن استخدام التلفزيون في هذه الدراسة كوسيلة إعلامية نلمس تأثيرها على حياتنا اليومية من أجل توظيفها منهجياً في خدمة شرائح وظواهر اجتماعية مختلفة يعد مسؤولية إعلامية واجتماعية وهو ما دفع الباحث إلى اختيار هذا الميدان لتوجيه أنظار الباحثين العرب للولوج فيه، وسد نقص واضح في هذا الميدان الهام.
ويحاول هذا البحث فهم الأسس النفسية والعلمية التي تقوم عليها عملية الاتصال مع الوعي بطبيعة التلفزيون كوسيلة اتصالية ذات خصائص معينة وذلك للاتجاهات السلبية نحو الفئة التي وقع عليها الاختبار كنموذج اجتماعي يعاني من أنماط الغموض والخلط والاتجاهات السلبية وهي فئة الإعاقة الذهنية. وهذه الدراسة محاولة علمية لاستخدام فاعلية الاتصال الجماهيري في تعديل الاتجاهات السلبية نحو المعاقين ذهنياً بحيث يتحقق لهؤلاء الأفراد ما يحتاجونه من تقبل اجتماعي لطبيعة إعاقتهم، وتفهم لحجم قدراتهم وإمكاناتهم الحقيقية كخطوة نحو تحقيق التوافق والاندماج الكامل في المجتمع. والباحث في هذه الدراسة يستخدم برنامجاً تلفزيونياً خاصاً تتعرض له عينة الدراسة بهدف تعديل الاتجاهات نحو المعاقين ذهنياً يتضمن أسلوبه مناقشة جماعية لمحتوى البرنامج تعقب عرضه مباشرة بهدف إعطاء الفرصة الكاملة لأفراد العينة كي يعبروا عن آرائهم واستفساراتهم بحرية.كما يمكنهم ذلك من الاستزادة من المعلومات الصحيحة والمعارف حول المعاقين ذهنياً. من ناحية أخرى فإن إجراء عملية التعديل بشكل جماعي أيسر من إجرائها مع فرد واحد كما أن هذه الطريقة تحتوي على كل من مزايا الاتصال التكنولوجي ممثلة في المناقشة الجماعية.
وتهدف هذه الدراسة إلى ما يلي:
- الكشف عن واقع أو صورة الاتجاهات النفسية نحو المعاقين ذهنياً لدى عينة الدراسة.
- دراسة إمكانية تعديل الاتجاهات السلبية وتصحيح المفاهيم الخاطئة عن المعاقين ذهنياً في إطار منهجي ميداني باستخدام التلفزيون كأداة اتصال جماهيري فعالة.
- توجيه نظر العاملين في مجال رعاية المعاقين ذهنياً إلى فعالية استخدام التلفزيون كأداة اتصال فعالة لتعديل الاتجاهات نحو المعاقين ذهنياً سواء بالنسبة للمعاقين أنفسهم أو لأسرهم أو بالنسبة لأفراد المجتمع بصورة عامة.
وقد بنيت الدراسة على فرضين أساسيين:
- الفرض الأول :إن استخدام برنامج تلفزيوني خاص يتبعه مناقشة جماعية يؤدي إلى تعديل الاتجاهات نحو المعاقين ذهنياً بدرجة دالة إحصائياً.
- الفرض الثاني: إن متوسط التعديل في الاتجاهات نحو المعاقين ذهنياً يزيد بدرجة دالة إحصائياً لدى الإناث عن مقابلة لدى الذكور بعد التعرض لبرنامج الدراسة.
كما طرحت الدراسة بعض التساؤلات الهامة وهي:
- السؤال الأول: ما مدى انتشار الاتجاهات السلبية والمحايدة والإيجابية نحو المعاقين ذهنياً لدى أفراد عينة الدراسة؟
- السؤال الثاني:ما مدى تأثير البرنامج التلفزيوني المطبق على المفاهيم والبنود المكونة للاتجاه العام نحو المعاقين ذهنياً؟
- السؤال الثالث: ما مدى ملائمة البرنامج المستخدم في تعديل الاتجاهات نحو المعاقين ذهنياً لعينة الدراسة؟
وقد استخدمت الدراسة المنهج التجريبي، حيث تكونت عينة الدراسة من عينة عشوائية مكونة من 328 فردا منهم 170 من الذكور (بنسبة 51.8%) و158 من الإناث (بنسبة 48.2%) وجميعهم من طلاب وطالبات الصف الثالث ثانوي في مملكة البحرين وقد تم اختيار الأفراد الحاصلين على أدنى الدرجات (الرباعي الأدنى) حيث طبق برنامج التعديل على عينة تجريبية من هؤلاء الأفراد وتمت المقارنة بمجموعة ضابطة.
وتحتوي الدراسة على خمسة فصول يحدد الفصل الأول مشكلة الدراسة وأهدافها وفروضها بينما يشرح الفصل الثاني الإطار النظري والدراسات السابقة في الموضوع ويقدم الفصل الثالث منهج البحث وإجراءاته ويعرض المؤلف في الفصل الرابع النتائج ويحللها ويفسرها ،ثم تختتم الدراسة في الفصل الخامس بتطبيقات تربوية إعلامية.
وكمدخل عام يورد المؤلف في الفصل الثاني مجموعة من التعريفات الهامة والنظريات التي وضعت بشأنها ضمن الإطار النظري للدراسة منها على سبيل المثال تعريف مصطلح الاتجاه وتعريف الإعاقة الذهنية الذي يرى المؤلف أن «جروسمان» قد وضع أهم التعريفات حيث يقول فيه:
«الإعاقة الذهنية هي حالة عامة تشير إلى الأداء الوظيفي المنخفض بشكل واضح في العمليات الذهنية، توجد متلازمة مع أشكال من القصور في السلوك التكيفي، ويظهر ذلك خلال الفترة النمائية من حياة الفرد».
ومن أهم النتائج التي وصلت إليها الدراسة ما يلي:
- احدث البرنامج المطبق تأثيراً واضحا على مستوى المعارف والمعلومات عن المعاقين ذهنياً لدى أفراد العينة، حيث زادت درجاتهم في الاختبار البعدي وتعدلت اتجاهاتهم من السلبية إلى الإيجابية بدرجة دالة إحصائيا.
- أظهرت النتائج أن هناك تحسناً ملحوظاً في المكونات الفرعية للاتجاه العام نحو المعاقين ذهنياً، حيث لوحظ التعديل الواضح لدى أفراد العينة في اتجاهاتهم نحو العمل والمخالطة، وكذلك القدرة على التفرقة بين المعاق ذهنياً وغيره من المصابين بأمراض نفسية أو المعاقين بإعاقات أخرى .
- أظهرت نتائج الدراسة إن نسبة الزيادة في تغير اتجاهات الذكور كانت أكبر من مقابلتها لدى الإناث على عكس ما أفترض الباحث وهذه النتيجة تتمشى مع ما أظهرته بعض الدراسات الإعلامية والتي تؤكد ميل الذكور للاهتمام بالمواد الجادة ،كما أن التفاعل الذي أبداه الذكور مع البرنامج المطبق كان بصورة أكبر من الإناث.
- أظهرت النتائج رضى عينة الدراسة وارتياحها من البرنامج المطبق شكلا ومضموناً.
ويمكن أن نستخلص من هذه الدراسة بعضاً من التطبيقات التي يمكن الأخذ بها في المجالين التربوي والإعلامي ومن هذه التطبيقات:
- استناداً إلى نتائج الدراسة فإن استخدام التلفزيون في تعديل الاتجاهات نحو المعاقين ذهنياً يمثل عاملاً هاماً يجب أن تلتفت إليه مؤسسات الإعاقة الذهنية من أجل تصحيح المفاهيم الخاطئة وتعديل الاتجاهات السلبية نحو هذه الفئة من فئات الإعاقة
- عن ما أظهرته الدراسة من حاجة ماسة إلى المعارف والحقائق الأولية عن ظاهرة الإعاقة الذهنية والأفراد المعاقين ذهنياً لدى أفراد عينة الدراسة يقتضي استخدام البرامج التلفزيونية في إمداد المجتمع بالمعلومات اللازمة عن هذه الظاهرة، لذلك فإن بث نسق من البرامج ذات المضمون المعرفي عن المعاقين ذهنياً مع توافر المتطلبات الفنية الخاصة بعوامل الجذب والتشويق يصبح أمراً مساعداً بشكل ملحوظ في تعديل الاتجاهات السلبية نحو المعاقين ذهنياً.
- طبقا لما أشارت إليه بعض الدراسات التي أشير إليها في هذه الدراسة فإن إظهار المعاقين ذهنياً في البرامج التلفزيونية بصورتها الراهنة في أدوار نمطية كالمرضى والشهوانيين والخطرين على سلامة المجتمع. ونحو ذلك بما يدعم الاتجاهات السلبية نحو هؤلاء الأفراد، فإن هذا التوجه يجب تعديله من خلال وجود قنوات اتصال متعددة بين أجهزة الإعلام المختلفة وبين المتخصصين في مؤسسات التربية الخاصة من أجل الحصول على المعلومات والمعارف الصحيحة والاستشارة العلمية المستمرة بما يضمن عدم ظهور هؤلاء الأفراد في أدوار سلبية .
- قد تعاني مؤسسات الإعاقة الذهنية من مشكلات تتعلق بقدرتها على بث برامج خاصة عن المعاقين ذهنياً وذلك بصفة مستمرة وفي أوقات البث المناسبة في محطات التلفزيون المختلفة ذلك أنه قد ينظر إلى مثل هذه البرامج بقدر أقل من الأهمية،أو بثقل المضمون الإعلامي مما يدفعها إلى تفضيل المواد الترفيهية والرياضية وغيرها عليها، كما أن محطات التلفزيون قد لا تولي ظاهرة الإعاقة الذهنية حجمها من الاهتمام الإعلامي نظراً لعدم قدرتها على تقدير خطورة المشكلة وأهميتها الاجتماعية، وقد أكدت هذه الدراسة أن نسبة 94.3% لم تشاهد ولم تسمع ولم تقرأ شيئا عن ظاهرة الإعاقة الذهنية في الشهر السابق على عملية التجريب. لهذا فإن الباحث يقترح توفير المستلزمات الضرورية لإنتاج برامج تلفزيونية خاصة بمؤسسات التربية الخاصة تتناول هذه الظاهرة من حيث الأسباب وطرق الرعاية، وبرامج التأهيل والعلاقات والحقوق الاجتماعية وأن تكون هد المستلزمات جزءاً لا يتجزأ من هياكل العمل والتخطيط والتمويل للبرامج المعدة لخدمة الأفراد المعاقين ذهنياً.
- طبقاً لما أظهرته هذه الدراسة فإن الاتجاه نحو المعاقين ذهنياً اتجاه يعاني من الغموض وعدم التوازن، حيث تشير النتائج إلى افتقار في مستوى المعارف والمعلومات (المكون العرفي)عن الإعاقة الذهنية، من أجل ذلك فإن التركيز على تقديم المعلومات وبث الحقائق عن هذه الظاهرة مع استخدام قدرات وخصائص التلفزيون في توصيل المعارف بشكل جيد يمكن أن تؤدي الى تعديل الاتجاهات السلبية بصورة ملحوظة.
المرجع:
كتاب أثر التلفزيون في تعديل الاتجاهات النفسية ـ دراسة تجريبية حول فئة الإعاقة الذهنية في البحرين ـ تأليف د. عوض هاشم
إعلامي معروف، أستاذ الإعلام بكلية الآداب بجامعة البحرين
معد برامج إذاعية متميز ومذيع يمتاز بصوته القوي ولغته العربية الفصيحة الواضحة، إضافة إلى ما يتمتع به من سرعة بديه، وقارئ نشرة أخبار تلفزيونية قدير.
خدم عوض هاشم من خلال مختلف الأجهزة الإعلامية وهو اليوم يواصل العطاء عبر الجامعة إلى جانب نشاطه في الإذاعة والتلفزيون حيث له دور كبير في صقل المواهب التي يكتشفها أثناء تدريسه لمواد الإعلام.
يبذل الدكتور عوض هاشم كل ما يستطيع من أجل توفير الظروف المناسبة لأصحاب المواهب الإعلامية ويعتبر ما يقوم به من فعل في هذا الخصوص واجبا أساسا ودورا من أدواره المهمة.
له مجموعة من المؤلفات من بينها كتاب الإلقاء فن عربي، صدر عن وزارة الإعلام بمملكة البحرين سنة 2005، وكتاب التلفزيون وتعديل الاتجاهات النفسية الذي صدر سنة 1991 وهو رسالة ماجستير قدمت إلى جامعة الخليج العربي وهـدفـت إلى الكشف عن واقع أو صورة الاتجاهات النفسية نحو المعاقين ذهنياً ودراسة إمكانية تعديل الاتجاهات السلبية وتصحيح المفاهيم الخاطئة عن المعاقين ذهنياً في إطار منهجي ميداني باستخدام التلفزيون كأداة اتصال جماهيري فعالة وتوجيه نظر العاملين في مجال رعاية المعاقين ذهنياً إلى فعالية استخدام التلفزيون كأداة اتصال فعالة لتعديل الاتجاهات نحو المعاقين ذهنياً سواء بالنسبة للمعاقين ذهنياً أنفسهم أو لأسرهم أو بالنسبة لأفراد المجتمع بصورة عامة.