عند النظرفي تطور الدراسات النقدية المتعلقة بأدب الإعاقة، نلحظ بوضوح أن الدراسات النقدية الأدبية أفادت كثيراً من نظرية دراسات الإعاقة Disability Studies Theory وأنها أخذت تنحو مساراً مستقلاً بذاته. ورغم ذلك فإن العلوم الإجتماعية لاتزال تحظى بالسبق في دراسة الإعاقة.
أحاول من خلال هذه الورقة الإشارة إلى وجوب بروز مصطلح (أدب الإعاقة) و(الدراسات النقدية لأدب الإعاقة) كمصطلحين مستقلين منفصلين عن العلوم الإجتماعية، وكمجالين أدبيين يقعان تحت تصنيف الدراسات الأدبية والنقدية. فبعد دراسة موضوع الإعاقة لما يزيد على الأربعة أعوام، وبعد قراءات عديدة في نظرية الإعاقة وتطورها في العلوم الإجتماعية، أرى أنه حان الوقت لأن نضع معالم النظرية النقدية للإعاقة Literary Disability Theory من ناحية، وبهدف إسهام هذه النظرية في مساعدة الباحثين على دراسة النظرية الأدبية دون الحاجة إلى البدء بدراسة العلوم الإجتماعية للوصول إلى مفهوم الإعاقة في الأدب والنقد الأدبي.
إن مثل هذه النظرية الأدبية ومصطلحاتها ستضيف كثيراً إلى دراسات أدب الطفل الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإعاقة لدوره التربوي في تنمية الاتجاهات السليمة وتغيير الصور النمطية السلبية، لذلك تسعى هذه الورقة إلى تسليط الضوء على أهمية تأصيل مصطلح (أدب الإعاقة) و(الدراسات النقدية الأدبية المختصة بالاعاقة)، وذلك من خلال عرض وتقييم تطور النظريات الخاصة بالإعاقة والإشارة إلى الدراسات الحديثة التي أجريت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بهدف فسح المجال أمام النقاد لبلورة نظرية الإعاقة في الأدب. ولتحقيق ذلك سأبدأ بنظريات الإعاقة في مجال العلوم الإجتماعية وتشكل النظرية الأدبية، كما سألقي الضوء على أصول الاتجاهات السلبية للإعاقة في ثقافات عديدة، وتتبع تشكل النظرية النقدية الأدبية ومدارس النقد في القرن الحادي والعشرين وصولاً إلى تقييم الدراسات الأدبية الحديثة للإعاقة في أدب الطفل والتطورات المتوقعة.
أولاً ـ مقدمة: النظرة إلى الإعاقة
إن الاتجاهات السلبية للإعاقة ذات جذور بعيدة متأصلة في كثير من الثقافات، إذ يعود جل الصور النمطية السالبة إلى المجتمعات الانسانية الأولى التي قدست الكمال في الجسم والسلوك (Mayer & Shofar, 2001: 115). وتأتي أطروحة The Social Representations of Disability: Fears, Fantasies and Facts, Michael Devenney (2005) (التمثيل الإجتماعي للإعاقة: المخاوف، التخيلات والحقائق) لتعطي مسحاً تاريخياً مفصلاً للتصوير الخاطىء للإعاقة في الحضارة الإغريقية التي جعلت من الكمال قيمة عليا وهاجساً لا تحيد عنه، وبالتالي لم تكن تتقبل أي شكل للعجز أو الإختلاف عن تلك الصورة (3-4). لذا شاع في حضارة الاغريق والرومان قتل المواليد الذين يعانون من العيوب الجسدية أو المرض (4). وعلى الرغم من محاربة الأديان لمثل هذه الممارسات، نجد الديانة اليهودية بحسب كلام Devenney تعمل على نشر تصور خاطىء عن الإعاقة إذ تربطها بالعقوبة على فعل السيئات (6). وفي أوروبا العصور الوسطى انتشر الاعتقإد بأن العوق الجسدي أو العقلي يشكل خطراً على المجتمع.
بدأت القوانين التي تحمي حقوق أصحاب الإعاقة في التشريع بعد الحرب العالمية الثانية عندما أصبحت الإعاقة أمراً يخص الدولة Devenney: 2005, 8)) وفي نهاية القرن العشرين بدأ المعاقون في المطالبة بحقوقهم والقيام بدور فاعل في تحسين أوضاعهم؛ وبالرغم من ذلك، لا يزال المعاقون يخضعون لظلم ظاهر، إذ لا تزال المخاوف والانزعاج من قبل الأشخاص نحو الإعاقة قائماً (8-9)، مما يجعلنا نضع أصحاب الإعاقة ضمن الأقليات التي تنادي بحماية حقوقها.
ولا يزال هناك نموذجان يحكمان النظرة إلى الإعاقة: النموذج الطبي الذي ينظر للإعاقة كحالة عجز أو مرض في حاجة للعلاج (Barnes & Mercer, 2003: 2)، والنموذج الإجتماعي الذي يركز على علاقة المعاق بالمجتمع (9). ويضيف Devenney نموذجاً ثالثاً إلى هذين النموذجين هو نموذج الاحسان الذي ينظر إلى الإعاقة كمشكلة تحتاج إلى معالجة من قبل مختصين (42). ونلحظ أن هناك نظرة سائدة إلى الإعاقة أتت نتيجة النموذجين السائدين، وهي النظرة للإعاقة كمأساة شخصية وقد نتج عن هذه النظرة وضع المعاق في دور خاصة أسهمت في زيادة المأساة بدل أن توجد لها حلاً (Barnes & Mercer, 2003: 2). أما النظريات التفاعلية الأخرى فقد ركزت على هوية المعاق وطريقة تعامله مع الإعاقة، فعلى سبيل المثال، نجد Erving Goffman يناقش فكرة (الوصمة) و (الهوية المعطوبة) على أنها علامات للاختلاف وذلك بوضع الشخص غير المعاق كمقياس، وعليه تأتي فكرة الشذوذ عن القاعدة وما نتج عنها من كتابات عن الإختلاف ووضع المعاق خارج ما يعده المجتمع طبيعياً (Barnes & Mercer, 2003: 6).
ويشير Devenney إلى تبعات النموذج الطبي الذي أنتج مفاهيم تصحب الإعاقة مثل: العجز، السلبية، المرض، الحاجة إلى عناية طبية وعلاج، القابلية للعطب، عدم القدرة على التحكم، التعاسة (42). وقد نتج عن هذا النموذج تصنيف المعاقين بحسب نوع الإعاقة. ومن ناحية أخرى، نجد أن نموذج الإحسان عمل على نشر مثل هذه الصور عن المعاق بالإضافة إلى النظر إليه بعين الشفقة وربطه بالعجز والضعف. ويضيف Devenney إلى هذه الصور السلبية التي ارتبطت بالإعاقة صوراً مختلفة، سلبية وايجابية مثل: النظرة إلى المعاق بصفته طفل لا يكبر، وأنه غير قابل للعلاج، وأنه بحاجة إلى الرعاية، وأنه عديم الجنس asexual، هذا من ناحية، وكذلك صفة الشجاعة، والشخص المميز من ناحية أخرى (Devenney 43).
ثانياً ـ النظريات النقدية الراهنة في دراسات الإعاقة
حددت الدراسات الرئيسية في مجال الإعاقة والتي قدمها علماء بارزون الأطر النظرية الأساسية للنقاش سواء في مجال الدراسات الإجتماعية أم في غيرها من العلوم. جاء كتاب (الإعاقة وما بعد الحداثة: تجسيد نظرية الإعاقة) Disability / Postmodernity: Embodying Disability Theory (2002) تحرير Tom Shakespeare و Mairian Corker ليعطي منظوراً متعدد الثقافات، إذ اشترك في تأليفه كتاب من الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، المملكة المتحدة، سويسرا، أستراليا، اليابان والأردن. بحث الكتاب في الأطر النظرية، الثقافة، الممارسات الإجتماعية، وناقش كذلك مواضيع عديدة تعطي توجهاً شاملاً نحو الإعاقة. ويعد هذا الكتاب مرجعاً هاماً للباحثين في العلوم الانسانية لأنه يقدم رابطاً بينها وبين العلوم الإجتماعية قلما يظهر.
ويعد كتاب Colin Barnes and Geof Mercer Exploring Disability (2010) من الدراسات الهامة التي تبحث في مفهوم الإعاقة وتناقش الآراء المختلفة حول طبيعتها المتشعبة وتمثيلاتها الحضارية في الإعلام والعلوم الإجتماعية والسياسية. وجاءت الطبعة الثانية من الكتاب دليلاً واقعياً على التطورات السريعة في موضوع الإعاقة وبالذات إضافة القضايا العالمية التي تهدف إلى توحيد الاهتمام المتبادل بين الدول.
وتجدر الإشارة هنا في معرض الدراسات الهامة في الإعاقة إلى العدد الخاص من مجلة دراسات الإعاقة Disability Studies الصادر عام 2010 تحت عنوان (تنظير الثقافة والإعاقة: حوارات متعددة التخصصات) (Theorizing Culture and Disability: Interdisciplinary Dialogues) ليلقي هذا العدد الضوء على توجهات عامة في البحث العلمي لموضوع الإعاقة تناولت علم النفس، دراسات الإعاقة، الدراسات الحضارية، الإنسانيات والعلوم الإجتماعية؛ كما حدد أوجه القصور في مجال الإعاقة دولياً. احتوى الكتاب مجموعة من الرسائل الجامعية والكتب وملخصات الكتب في هذا المجال، وتأتي ثلاثة مقالات في دراسة المسرح والإعاقة بينما تناقش دراسات أخرى الإعلام والإعاقة. أما المقال المعنون (الحوارية والأحادية وبعض احتمالات دراسة الإعاقة من منظور تعددية التخصصات) فيؤكد كما يظهر من عنوانه على النظر إلى الإعاقة من منظور متعدد التخصصات ومجالات تطبيق نظرية باختين في الحوارية والأحادية Dialogism and Monogism في مجال الإعاقة. ويخلص الكتاب إلى أن هذه التوجهات في تناول الإعاقة خاصة في مجال الإعلام من الممكن أن تسهم في استراتيجيات لتغيير تصوير الإعاقة.
احتوت المجلة على مقالة هامة للباحثة Clare Baker تحت عنوان (حوارات متعددة التخصصات: الإعاقة ودراسات ما بعد الاستعمار) (Interdisciplinary Dialogues: Disability and Postcolonial Studies). ترى Baker أنه بالرغم من وجود الإعاقة في مجتمعات ما بعد الاستعمار إلا أنها لا تزال غائبة عن مجال دراسات ما بعد الاستعمار. وتعمل الكاتبة على سد مثل هذا الفراغ عن طريق تحليل رواية سلمان رشدي Midnight Children (1981)، وذلك بهدف ايجاد طرق نقدية متعددة التخصصات توجه الاهتمام إلى الإعاقة كموضوع يصلح للتعبير الفني وكتجربة معاشة (15).
قد تبدو العلاقة بين دراسات الإعاقة ومجالي التصميم والتسويق بعيدة، الا أن الباحثين الأمريكيين Elizabeth De Poy وStephen Gilson يوضحان في مقالتهما أثر هاذين المجالين في تغيير الصور النمطية المتأصلة من قرون، حيث يرى كل منهما أن التصميم والتسويق يعتبران وسيلة سياسية قوية في التغيير الاجتماعي الذي يؤكد على حقوق الإنسان.
ثالثاً ـ دراسات الإعاقة والنقد الأدبي
أظهر الجزء السابق كيف اندمجت التطورات النظرية في دراسات الإعاقة في بعض الأحيان مع النقد الأدبي من زوايا مختلفة، فمثلاً يعد كتاب Baker الصادر عام 2012 تحت عنوان (الأطفال المتميزون والإعاقة) Postcolonial Fiction and Disability: Exceptional Children, Metaphor and Materiality دراسة رائدة سدت حاجة ماسة إلى التأكيد على دراسات الإعاقة والأدب. ركزت الكاتبة على الطفل في أدب الإعاقة، ووضعته في قالب التميز من خلال ربطه بالقومية والثقافة والمجتمع. وبهذا تكون دراسة Baker دراسة متكاملة تستخدم أدوات النظريات الأدبية النقدية في تحليل أدب الطفل.
أما الدراسة الثانية التي تسترعي الاهتمام فهي (الإعاقة وأزمة التصوير الأدبي) Ato Quayson, Aesthetic Nervousness: Disability and the Crisis of Representation (2007) إذ تعطي الدراسة تحليلاً ذا أبعاد ثقافية مختلفة لتصوير الإعاقة الجسدية في نصوص مختلفة منها مسرحيات شكسبير وأفلام حديثة للأطفال وأعمال للكتاب Samuel Beckett, Toni Morrison, Wole Soyinka باستخدام المنظور الأدبي والاجتماعي والسياسي والحضاري.
ونلاحظ أن كثيراً من الدراسات الصادرة في بداية القرن الحادي والعشرين تركز على النظريات النقدية المتعلقة بالجسد، أذكر منها على سبيل المثال: (تمثيل الأطفال المعوقين في الكتب المصورة: الظهور، الجسد والنموذج الاجتماعي للإعاقة) (Contesting Representations of Disabled Children in Picture-books: Visibility, the Body and the Social Model of Disability) (2009) وتعتمد الكاتبة في مقالها على العمل التطبيقي الذي أجري في انجلترا ما بين 2005 و2007 من أجل ايجاد طرق لتمثيل جسد الطفل المعاق وكيف يمكن تصويره، تخيله أو الكتابة عنه في نص القصة.
بالإضافة إلى هذه الدراسات، تأتي مقالة Carrie Sandal وعنوانها (Ahhhh Freak Out! Metaphors of Disability and Femaleness in Performance) لتربط الإعاقة بالدراسات النسوية. وتركز الكاتبة على تحدي فكرة الإستعارة التي تصور جسد المعاق بطريقة سلبية، وترى Sandal أن هذه الصور السلبية تفوق كثيراً غيرها من الصور، لذا تؤكد على ضرورة تكثيف الكتابات التي تقوض هذا التصوير.
أما خارج الأكاديمية الغربية، فهناك دراسات في مناطق مختلفة أذكر منها على سبيل المثال دراسة Kyeong-Hee Choi التي تدرس الأدب الكوري وتنتهي إلى أن هذا الأدب غني بتصوير شخصيات لديها إعاقات جسدية، يعمل الكاتب على إعطاء صور مفصلة عن أدب كوريا في فترة الاستعمار من خلال الإعاقة والمجاز بحيث يربط الشخصية والكاتب والنص 432)). وتأتي تمثيلات الإعاقة في فترة ما بعد الحرب الكورية شاملة للإعاقات العقلية والنفسية.
رابعاً ـ الإعاقة في أدب الطفل
الإعاقة كما سلف في صورتها كموضوع أو مجال للتعبير ذات صلة وثيقة بأدب الطفل. وتركز الدراسات الأولى في هذا المجال على تلك العلاقة. فمثلاً نجد Liz Crow (1990) وهي من أوائل من كتب في هذا الموضوع، توضح أهمية الإعاقة كموضوع حيوي يحتاج الأطفال لمعرفته وتكوين اتجاهات سليمة تجاهه. فتصوير الإعاقة في كتب الأطفال له آثاره الهامة على الجميع سواء فئة ذوي الإعاقة أم غيرهم. وتدعم Crow دراستها باحصاءات هامة: فكل واحد من عشرة أطفال في مرحلة دراسية يكون معاقاً، أي ثلاثة في كل صف. كما أن لكل طفل صلة وثيقة بشخص معاق إما من عائلته أو أصدقائه أو معارفه. ولهذا كان لزاماً تعليم الأطفال عن الإعاقة (1). كما توضح Rebecca Butler (2004) القيمة التربوية التي يتيحها أدب الإعاقة للطفل، فالقصص حول الإعاقة هي قصص عن حاجة المجتمع لنبذ الاقصاء، وهذا هو الهدف الذي يحتاج كتاب أدب الطفل إلى تحقيقه.
ومن الملاحظ أن الكتاب والنقاد الذين كتبوا عن الإعاقة عبروا عن وجهات نظرهم في كيفية معالجة الإعاقة في كتب الأطفال. كما قدم بعضهم تقييماً للتصوير القصصي من حيث تحقيق القصص لأهداف هذا الأدب. فها هي Kathy Sanders (2000) تنظر للإعاقة ليس على أنها موضوع للأقلية ولكن كتجربة إنسانية عميقة تتخطى كل التقسيمات الإجتماعية والأوضاع والأنشطة لتعطي صدى خاصاً لكل فئة من الفئات الأساسية. أما Butler، فهي تركز على النظر للإعاقة باعتبارها نوعاً من المحن التي تتفاقم بسبب مواقف المجتمع (10). وعلى الرغم من ذلك فهي ترى أن تلك المواقف في سبيلها للتغيير في الحياة وفي الأدب لكن التغيير طفيف، ولا يزال هناك الكثير من العمل الجاد قبل أن يظهر أصحاب الإعاقة في الأدب وفي الحياة كمواطنين مثلهم مثل غيرهم من الأشخاص (10).
لا شك أن الاتجاه للإعاقة هو ما يحدد تعامل المجتمع معها إما كمشكلة أو كحقيقة من حقائق الحياة، هذان الموقفان المتناقضان يلخصان النماذج المختلفة التي نوقشت سابقاً وهما في الوقت ذاته يعكسان مجموعة واسعة من ردود الفعل التي تندرج تحت الفئات السلبية أو الايجابية، مثل الشفقة، التفوق، السخرية، الايذاء، الخوف، المسؤولية، التسامح، والتقبل. وترى Saunders (2002) أن الاتجاهات الخاطئة نحو الإعاقة تنتج عن الانحياز والسلوك المكتسب والبيئة (2). هذه المفاهيم الخاطئة حول الإعاقة مثل النظر اليها على أنها عقوبة على ذنب أو أنها مرض يمكن علاجه (Barnes &Mercers 2003:2) أو أنها وصمة عار (6)، وهذا ما يؤدي إلى منع خلق بيئة أفضل للمعاق. فهذه المفاهيم الخاطئة تؤدي إلى اقصاء المعاق وبالتالي حرمانه من حقه في عيش حياته على أكمل وجه مثله مثل غيره من أفراد المجتمع.
إن فهم تكوين مثل هذه المفاهيم قد يساعد على الحد من انتشارها وإبدالها باتجاهات إيجابية. وحيث أن وسائل الإعلام، الوالدين، المدرسة، الكتب هي أهم الوسائل المساعدة على اكتساب المفاهيم عن العالم والناس، فيمكن أن تكون نفس هذه الوسائل طرقاً مساعدة على تكوين مفهوم أفضل عن الإعاقة. لا شك أن البدء مبكراً يسهم في تكوين اتجاهات إيجابية، ففي سن الثالثة والرابعة يظهر الطفل فضولاً تجاه الأشخاص الذين يبدون مختلفين وبالتالي يبدأ في طرح الأسئلة. ومن المهم الإجابة على هذه الأسئلة بطريقة تتيح له فهم الإختلاف وتقبله (Saunders 4).
والكتب وسيلة مؤثرة تتسرب من خلالها القيم، لذا من المهم معرفة كيف نمنع تسرب المعلومات الخاطئة غير المقصودة الموجودة في مواد القراءة قبل أن تتجسد في صورة مفاهيم خاطئة، وفي نفس الوقت يستطيع الأدب أن يشجع على بناء مفاهيم ايجابية وأساليب للتعامل مع الإعاقة (2). وعلى الرغم من وجود موضوع الإعاقة في أدب الأطفال الغربي الا أن تمثيل الإعاقة في ذلك الأدب محل كثير من النقد (Quicke, 1985; Crow, 1990 and 2010; Saunders, 2000; Keith, 2001; Butler, 2004).؛ فقد وجه البعض النظر إلى تصوير الشخوص بصورة مثالية وأحياناً بصورة أشرار يهددون المجتمع. ومع نهاية القرن العشرين أعربت (1990) Crow عن عدم رضاها عن محتوى كتب الأطفال التي تناقش موضوع الإعاقة، وعلقت بأن موضوع الإعاقة قد عانى من قلة معالجته ومن سوء معالجته لفترة طويلة دون أن يلتفت أحد إلى ذلك (1). فهي ترى أن الموضوعات التي تمت معالجتها محدودة ومكررة، أما الشخصيات فهي غير واقعية ولا تمثل أشخاصا بسمات وأساليب حياة متنوعة (1). وتعطي Crow أمثلة مثل شخصية الكابتن هوك Captain Hook الشريرة، وشخصية تايني توم Tiny Tim المثالية، وسيرة Hellen Keller و (1) Doglas Bard.
ونتيجة لذلك فمثل هذه الكتب نادراً ما تقدم المعاق بطريقة بناءة (1). ورداً على سؤالي عما إذا كان قد حصل تغيير في قصص الإعاقة بعد مرور عقدين على مقالها، أجابت Crow: (إن انطباعي المبني على تجربتي الخاصة في اختيار الكتب لأبنائي وليس على البحث العلمي يجعلني ألاحظ أن هناك تصويراً صادقاً لكنه مختلف الجودة وينقصه الكثير من العمق. ان ما يكتب الآن لا يكفي ليمسح الصورة السلبية في الأدب ولا يزال أمامنا طريق طويل قبل أن تصبح الإعاقة بصفتها تجربة إنسانية جزءاً من الأدب) (رسالة بريد الكتروني السبت 10 يوليو 2010 الساعة 4:02).
أما Pat Thompson (1992) فهي تنظر إلى الجانب المشرق عندما تكتب عن نفس الموضوع. فرغم ملاحظتها لقلة عدد الكتب التي تصور الإعاقة، الا أنها ترى أن عدد قصص الأطفال في المرحلة المتوسطة من الطفولة في ازدياد، وأن تصوير الإعاقة أكثر واقعية من السابق، كما أنها تصور أنواعاً مختلفة من الإعاقة (24). وتعبر عن رأيها في أن أدب الطفل بحاجة إلى كتاب من أصحاب الإعاقة ليكتبوا عن تجربتهم (24)، وهذا أمر خالفها فيه مجموعة من النقاد مثل Butler (6).
ومن الدراسات النقدية الهامة في مجال أدب الإعاقة للطفل، نجد عدداً من الدراسات مثل كتاب Pat Pinsent 1997 والدراسة التي أعدتها Lois Keith عام 2001، بالإضافة إلى الدراسات المذكورة سابقاً لكل من Butler وSaunders، وغيرها. ولا يزال كتابا Quicke (1985) و Crow (1990) يتداولان في وقتنا الراهن. إن مثل هذه الدراسات النقدية حول أدب الطفل والإعاقة يمكن أن تمثل القاعدة التي ننطلق منها إلى دراسات نقدية متعمقة تشمل التطورات التي طرأت على الموضوع في دراسات الإعاقة.
ولا شك أن مثل هذه الدراسات قد بدأت في الظهور في ثقافات مختلفة أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر دراسة Soo OYoo 2010 ومقالة 2001 Kyeong-Hee Choi الكورية، ودراسة Cristina Torrijos 2004 الإسبانية. وفي عالمنا العربي، نحن بحاجة إلى أخذ الموضوع بعين الاعتبار حيث أن الدراسات المنشورة في هذا المجال قليلة جداً، ففي فترة إعدادي للبحث لم أعثر سوى على دراسة واحدة هي عبارة عن دراسة ببليوجرافية لقصص الإعاقة والكتب التربوية حول الإعاقة للدكتور علي الجعفر نشرت عام (2007). وقد أجريت دراستين عن تصوير الإعاقة في أدب الطفل العربي نشرتا عام 2010 و 2011.
خامساً ـ الخاتمة
هدفت هذه الورقة إلى توضيح أهمية الدراسات النقدية الأدبية في مجال أدب الإعاقة كمصطلح وكمجال للبحث الجاد ارتكز على مجالات متعددة أهمها الدراسات الإجتماعية والنقد الأدبي ليصب بالنفع في دراسات الإعاقة عموماً وفي دراسات أدب الطفل وهو مجال هذه الورقة. وكما يظهر من تتبع تطور الدراسات النقدية في مجال الإعاقة، فهي ترتكز على تطور الدراسات في مجال العلوم الإجتماعية والنقد الأدبي ولكنها في سبيلها إلى أن تتبلور وتصنع لنفسها كياناً خاصاً بها. وترى الباحثة أن هذا المجال الخصب يفتح فرصاً للترجمة من أجل إثراء المكتبة العربية ولكي يبلورأدب الطفل العربي في مجال الإعاقة بحيث يسير جنباً إلى جنب مع التطورات الأكاديمية العديدة حول العالم.
من المحرر:
قدمت هذه الدراسة إلى ملتقى المنال – التفاحات الثلاث، الإعاقة وأدب الطفل، الشارقة 4 و5 مايو 2014.
المراجع
- Aisawi, Sabah (2010). (Voices of the Minorities: Children’s Literature and Disability.) A presentation at the IBBY 23rd Congress, The Power of Minorities, Santiago de Compostela, Spain 8-12 Sep.
- http://www.ibby.org/fileadmin/user_upload/Sabah_Aisawi.pdf (2011). (Representations of Disability in Arabic Children’s Literature.) Journal of Children’s Literature.Journal of Children’s Literature Studies.Vol. 8. Issue 1.Pp43-66.
- Al-Jafer, Ali Ashour (2007). ‘Selected Children’s Stories.) The Journal of Arab Childhood. No 33 Dec. (In Arabic)
- Barker, Clare. Postcolonial Fiction and Disability: Exceptional Children, Metaphor and Materiality. Palgrave Macmillan: 2012.
- Barker, Clare and Stuart Murray. (Disabling Postcolonialism: Global Disability Cultures and Democratic Criticism.) Journal of Literary & Cultural Disability Studies, Volume 4, 3 (2010).Pp 219-236.
- Barnes, Colin and Geof Mercer. Disability. Oxford: Polity & Blackwell, 2003.
- Butler, Rebecca. (Disability in Children’s Literature.) MA Dissertation Submitted to NCRCL, Roehampton University, 2004.
- Choi, Kyeong-Hee. (Impaired Body as Colonial Trope: Kang Kyong’ae’s Underground Village.) Public Culture, Volume 13, Number 3, fall 2001. Pp. 431-458.
- Corker, M. and T. Shakespeare.Disability/Postmodernity: EmbodyingDisabilityTheory. London: Continuum. 2002.
- Crow, Liz. Disability in Children’s Literature.Arts Council of Great Britain, Literature Department Seminar.1990.
- —. Email Sent Saturday, July 10, 2010, 4:02 PM.
- Davis, Lennard J. (Aesthetic Nervousness: Disability and the Crisis of Representation (Review). Modern Philology.108 (3) .February 2011.Pp. E210-E213.
- Devenney, Michael (The Social Representations of Disability: Fears, Fantasies and Facts.) PhD Dissertation Submitted to Clare College, 2005.
- Gruber, Mayer andI.Shofar. (Judaism and Disability: Portrayals in Ancient Texts from the Tanach through the Bavli.) West Lafayette: Jul 31, 2001.Vol. 19, 4.P. 115.
- Haller, Beth and Corinne Kirchn, eds. (Disability Culture in Children’s Literature.) Disability Studies Quarterly. (2004). Vol 24, No 1.Web.
- Keith, Lois. Take Up Thy Bed and Walk: Death, Disability and Cure in Classic Fiction for Girls. London: Women’s Press, 2001.
- Martin, Nicola. (Disability Identity–Disability Pride.) Perspectives: Policy and Practice in HigherEducation. 16:1, 2012.Pp14-18.
- Quayson, Ato. Aesthetic Nervousness: Disability and the Crisis of Representation. New York: Columbia U P, 2007.
- Quicke, John.Disability in Modern Children’s Fiction. London: Croom: 1985.
- OYoo, Soo. “Interactions between Characters with and without Disabilities in Korean Contemporary Picture Books.”A Presentation at the IBBY 23rd Congress, The Power of Minorities, Santiago de Compostela, Spain 8-12 Sep. 2010.
http://www.ibbycompostela2010.org/descarregas/12/12_IBBY2010_24.pdf
- Pinsent, Pat. Children’sLiterature and the Politics of Equality. London: Fulton, 1997.
- Sandahl, Carrie. (Ahhhh Freak Out! Metaphors of Disability and Femaleness in Performance.”Theatre Topics 9.1 (1999). Pp. 11-30.
- Saunders, Kathy. Happy Ever Afters: A Storybook Guide to Teaching Children about Disability. London: Trentham, 2000.
- Thompson, Pat. (Disability in Modern Children’s Fiction.) Books for Keeps. No. 75 July (1992) .Pp. 24-26.
- Torrijos, Cristina Cañamares. “Disabled Characters in Spanish Children’s Literature.”Disability Studies Quarterly. Vol 24, No 1. (2004) http://www.dsq-sds.org/article/view/867.
- عضو هيئة التدريس في قسم اللغة الإنجليزية كلية الآداب ـ جامعة الدمام ـ المملكة العربية السعودية
- دكتوراه في الفلسفة تخصص أدب وثقافة الطفل (مع التوصية بطبع الرسالة وتداولها) كلية الآداب للبنات بالدمام المنطقة الشرقية ـ المملكة العربية السعودية
- ماجستير في الأدب الإنجليزي تخصص قصة قصيرة (بتقدير ممتاز) كلية الآداب للبنات بالدمام المنطقة الشرقية ـ المملكة العربية السعودية
- بكالوريوس في التربية واللغة الإنجليزية (بتقدير ممتاز ومرتبة الشرف الأولى) كلية التربية للبنات بجدة المنطقة الغربية ـ المملكة العربية السعودية
- دبلوم عال في التدريب Emerald College ـ المملكة المتحدة
- عضو منظمة الطفل العربي 2012 ـ حتى الآن
- عضو الجمعية العلمية السعودية للغات والترجمة SAOLT 2010
- عضو جمعية معلمي اللغة الإنجليزية KSAALT 2010 ـ حتى الآن
- عضو جمعية أدب الطفل الأمريكية CHLA – 2003 حتى 2007
- عضو الجمعية الدولية لبحوث أدب الطفل IRSCL 2006حتى الآن
- عضو اللجنة الدائمة للكتب والمراجع بالإدارة العامة لكليات البنات 1423 ـ 1428
- مستشارة لجمعية الطفولة السعودية 2012 حتى الآن
- عضو اللجنة الوطنية للتنمية البشرية ورئيسة وحدة البحوث العلمية باللجنة سابقا
- رشحت لجائزة الآداء المتميز مسار العلوم الإنسانية بجامعة الدمام 1434
- منحة باحث زائر من مركزCRYTC لبحوث أدب الطفل وثقافته جامعة وينيبج ـ مانيتوبا ـ كندا 2012
- رشحت لجائزة دولية في بحوث أدب الطفلThe Brother Grimm Award of the International Institute for Children’s Literature, Osaka, 2011
- عضو هيئة التدريس المتميز كلية الآداب ـ جامعة الدمام 1431 / 2010
- منحة المجلس الثقافي البريطاني لأبحاث ما بعد الدكتوراه 2009 ووستر ـ بريطانيا 1430/ 2009
- جائزة مسابقة تأليف كتب في تربية الطفل أقامتها اللجنة الوطنية للطفولة ووزارة الثقافة والإعلام 1429هـ، الرياض 1429 / 2008
- لقب سفيرة النوايا الحسنة للمبادرة الشرق ـ أوسطية كلية رادي ـ كاليفورنيا 1429 / 2008
- رشحت لجائزة الأداء المتميز كلية الآداب بالدمام 1426/2007
- ميدالية المئوية من الإدارة العامة لكلية الآداب كلية الآداب ـ جامعة الدمام 1419/ 1998
- ما يزيد على 50 شهادة شكر مؤسسات تعليمية وخدمة اجتماعية وخيرية. 1410 ـ 1432
- خمس وعشرون درعا تقديريا مؤسسات تعليمية وخدمة اجتماعية وخيرية. 1410 ـ 1432
- جائزة الأمير محمد بن فهد للتفوق العلمي فرع البحث العلمي. الدمام – المملكة العربية السعودية 1408/ 1987