تشير الإعاقة العقلية إلى حالة من الانخفاض الدال في الوظائف العقلية العامة تظهر أثناء فترة النمو وينتج عنها أو يصاحبها قصور في السلوك التكيفي. (د. يوسف القريوتي )
إن وجود طفل ذي إعاقة عقلية يفرض على والديه وأسرته ظروفاً خاصة وحاجات خاصة لمواجهة هذه الظروف والتعامل معها، ويمكن القول إن وجود مثل هذا الطفل في الأسرة يمثل مصدراً من مصادر الضغوط المزمنة والتي قد تتحول إلى أزمات عند نقاط زمنية معينة، وهذا يفرض على الوالدين مجموعة من المهام ويولد لهما مجموعة من الحاجات الخاصة بها (الشناوي، 1997) وقد وصف كل من كاري Carey وولكن Wilkin واقع الرعاية المجتمعية للأسر بصيغة روتين العناية اليومية والأعمال المنزلية وإن العبء الأكبر تتحمله الأمهات مع تقديم الآباء للدعم ومن ثم تأتي الأخوات رغم أن اسهام كل من الآباء والأخوات قليل وقد وجد أن الدعم من المصادر الأخرى محدود جداً من ناحية التوجيه والمعلومات والدعم المعنوي والمادي.
إن آباء المراهقين والراشدين المعاقين عقلياً مجموعة لا يتم البحث عن حاجاتها في معظم الأحيان.. فحاجاتهم والصعوبات التي يواجهونها قد تختلف إلى أبعد الحدود عن حاجات ومشكلات آباء الأطفال، حيث أن نسبة كبيرة من الراشدين وذوي الإعاقة العقلية عاطلون عن العمل أو منهمكون بنشاطات مهنية غير مناسبة وهنالك مشكلة كبيرة يفكر بها الآباء حول مستقبل ابنائهم عندما لا يعود بمقدورهم تقديم العناية لهم والتساؤل حول أين وكيف سيعيش طفلهم المعاق في سنين رشده.
كذلك فإن حاجات واتجاهات أخوة الأطفال المعاقين عقلياً قليلاً ما يتم الاهتمام بها، فقد عبر الأطفال في دراسة أجريت لهم عن رغبتهم في الحصول على المزيد من المعلومات عن الإعاقة وعن مصادر المساعدة وطرقها، كذلك فإنهم عبروا عن الحاجة إلى التوجيه فيما يتعلق بسبل التعامل مع الطفل والإرشاد الوراثي (الجيني) والتفاعل مع أخوة الآخرين. (د. سرطاوي).
يقدم جوردون Jordon بعض الاقتراحات حول ما يمكن لمن يساعد والدي الأطفال ذوي الإعاقة العقلية أن يعمل من أجلهم: إن الآباء يحتاجون من اللحظة الأولى التي يحدد فيها أن الطفل من ذوي الإعاقة إلى خدمات تقدم لها دون الحاجة أن يبحثوا عنها، خدمات تنظم من أجلهم بدلاً من أن تكون خدمات يحركونها لأنفسهم.
إن والدي الأطفال ذوي الإعاقة يحتاجون إلى التحدث مع آباء مثلهم لديهم أطفال من ذوي الإعاقة حتى ولو كان لمجرد أن يدرك الأب أو الأم أن هناك غيرهما لديهم مثل مشكلاتهم أي لديهم أطفال مثل طفلهم وأنهم يعيشون مع هذا العبء الكبير.
إن الآباء يحتاجون إلى المتخصصين الذين لديهم إعداد أكاديمي مناسب ولديهم ثبات انفعالي، وعلى استعداد أن يواجهوا الموقف معهم. وأن يتعاطفوا معهم وينقلوا لهم صورة واقعية للحالة الراهنة للطفل المعاق والتوقعات التي يمكن وضعها والتكهن بها.
ربما تكون أكبر مساعدة أولية يمكن تقديمها للوالدين هو احترام مشاعر الصدمة والخوف والقلق لديهم، ويكون الوالدان بحاجة إلى التعبير عن مشاعرهما أكثر من الاستماع إلى تأكيدات بأن كل شيء سيكون على ما يرام. (الشناوي، 1997).
يتضح مما سبق أن الأسرة تحتاج إلى شخص يربط بينها من جهة والخدمات الصحية والاجتماعية والتربوية ويقوم بالتفسير والتوضيح والتوجيه من جهة ثانية… بالإضافة إلى أن الخدمات لن تكون فعالة إلا إذا قدمت المساعدة بشكل منتظم يعتمد عليه وإذا انسجمت مع بنية العائلة وأسلوبها في العيش والتكيف في المجتمع.
المشكلات الخاصة بالإرشاد في مجال الإعاقة العقلية:
تختلف الإعاقة العقلية عن أي إعاقة أخرى يمكن أن يتعرض لها الطفل مثل الإعاقات السمعية أو البصرية أو الحركية، فمشكلة الإعاقة العقلية متعددة الأبعاد ولجوانب، فهي مشكلة صحية ونفسية وتربوية واجتماعية وهذه المشكلات أو الأبعاد متشابكة ومتداخلة حيث يعاني الطفل من العديد من المشكلات في آن واحد، ونتيجة لذلك فإن طبيعة الإعاقة العقلية تفرض مجموعة من المشكلات هي:
أولاً ـ مشكلة التشخيص:
يعتبر موقف التشخيص واحداً من أصعب المواقف التي يتعرض لها الوالدان فعند التوجه بالطفل إلى الطبيب بعد ملاحظة مجموعة من الأعراض البدنية أو السلوكية فإن الوالدين لا يتوقعان تلك الصدمة التي يتلقونهاعادة نتيجة إخبارهم بوجود إعاقة لديه، وفي الواقع فإن الوالدين يكونان في العادة غير قادرين على مواجهة هذه المشكلة بشكل واقعي أو أن ينظروا إليها في صورة بناءة، وبذلك فإنهما يكونان في حاجة إلى المساعدة في التعامل مع انفعالاتهم وكذلك في التخطيط لطفلهم، ويشتمل إرشاد هؤلاء الآباء على تشجيعهم على تقبل التقدير الواقعي للتغيرات التي ستحدث ولتحديد التوجه المناسب. (الشناوي 1997).
وهناك بعض الإرشادات التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في عملية تشخيص الإعاقة العقلية، ومن أهم هذه الإرشادات:
- يجب أن تكون الأنشطة المتضمنة في الاختبارات والمقاييس المستخدمة في التشخيص مسلية وجذابة للطفل حتى يقبل على الاستجابة بقدراته الحقيقية، وحتى لا ينفر منها أو عليها، ويحجب استجابته نتيجة لنفوره من النشاط أو ملله منه وليس لعدم قدرته على الاستجابة.
- يراعى عند اختيار الأنشطة المستخدمة في عملية التشخيص أن تكون متنوعة ومتعددة.
- ينبغي أن تكون الأسئلة الموجهة إلى الطفل واضحة ومباشرة بحيث لا يحتمل السؤال أكثرمن معنى واحد ولا تحتاج الإجابة عليه إصدار تعليمات أو وضع افتراضات.
- يجب أن تكون الأسئلة في مستوى قدرات الطفل وإمكاناته، وأن نبدأ بالأسئلة السهلة والبسيطة ثم نتدرج إلى الأصعب.
- وأخيرا يراعى عند رصد استجابات الطفل ألا نلجأ إلى تفسير معناها أو الإرشاد إلى ما وراء هذه الاستجابات، بل تسجل كما هي دون تأويل. (د. إبراهيم، 1993).
ثانياً ـ الوعي الكامل:
- إقرار الأب بإعاقة طفله.
- معرفة الأب لجوانب القصور في أي علاج.
ثالثاً ـ الوعي الجزئي:
- يصف الأب أعراض الإعاقة ويطرح أسئلة عن أسبابها.
- يأمل الأب بتقدم حال الطفل ولكنه يخاف من عدم نجاح العلاج.
- يتساءل الأب عن قدرته الخاصة للتكيف مع المشكلات.
رابعاً ـ الحد الأدنى للوعي:
- يرفض الأب الاعتراف بأن بعض الخصائص السلوكية المعينة تعد غير عادية.
- يلقي الأب باللوم لظهور هذه الأعراض على أسباب أخرى غير الإعاقة.
- يعتقد الأب أن العلاج سوف ينتج طفلاً غير معاق (جاك سي استيوارت، 1993م) يرى بيرتون بأن الطبيب في الغالب يقوم بالدور المبدئي للمرشد وهذا المستوى الإرشادي يكون عادة غير مناسب، ويسهم في زيادة الأزمة، وذلك لأن الطبيب غير قادر على التواصل الفعال، ويخلص بعض الباحثين إلى أن الأطباء تكون لديهم صعوبات في توصيل ظروف العجز للوالدين بل إنهم قد يكونون في بعض الأحيان عوامل في بث الخوف، وكذلك التشويش والتحريف لديهم.
ونرى مما سبق ذكره أن تعدد فئات الإعاقة العقلية، وتعدد الأسباب والعوامل المؤدية إليها ثم تعدد مظاهر الإعاقة وملامحها واختلاف هذه المظاهر والملامح من حالة إلى أخرى يجعل من عملية تشخيص الإعاقة العقلية عملية صعبة جداً أو معقدة، ويحتاج إلى دقة وذلك لأن تشخيص حالة الطفل بأنه معاق عقلياً يعني وضعه في فئة معينة من الأطفال الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة وتأهيل من نوع خاص حتى يمكن انتقاء أنواع البرامج العلاجية والتأهيلية المناسبة لهم، بالإضافة إلى أن الأطباء والاختصاصيين يجب أن يكونوا عطوفين ويتمتعون بقدرة جيدة على الإصغاء وأن يكونوا قادرين على الاستجابة للحاجات النفسية للأسرة ولا يقتصر دورهم على تقديم المعلومات فقط.
الإرشاد الوراثي (الجيني)
هو النقاش بين المرشد الطبي للتدريب الخاص والآباء المتوقعين لاحتمالات إنجاب طفل معاق. وإن الإرشادالجيني يمكن أن يوفر للآباء معلومات قيمة وصحيحة وبإمكانه تقرير ما إذا كان الطفل سيولد بشذوذ صبغي من عدمه كما هو الحال في متلازمة داون. والهدف من الإرشاد الجيني هو توفير معلومات دقيقة للمسترشدين حتى يتسنى لهم اتخاذ قرار مفيد فيما يتعلق بإنجاب أطفال. فالإجراءات الطبية التي تسمى (أمينوسنتيسس) تستخدم لتشخيصات ما قبل الولادة بصورة متكررة. وتعتبر مفيدة للآباء الذين سبق لهم إنجاب طفل ذي شذوذ صبغي أو عندما تقع الأم ضمن جماعة معرضة للخطر الكبير.
وقد أشار كل من بيسون ودوجلاس إلى أن الإجراء الطبي يعتبر ملائماً للحمل في الأسر ذات الماضي الطبي بتشخيص المرض الوراثي، مثل مرض تايساتش وهي مادة دهنية في المخ تؤدي زيادة المخزون منها إلى تدهور في الأداء الوظيفي للمخ ووفاة الطفل في العام الأول أو الثاني، وفقر الدم البحري وأنيميا الخلية المنجلية وكثير من الأخطاء الوراثية الخاصة بالأيض.
يتم إجراء أمينوسنتيسس، أي الاختبار الطبي خلال الثلاثة أشهر الثانية من الحمل (16 إلى 18 أسبوعاً من اليوم الأول لآخر دورة شهرية). ويستغرق إجراء هذا الاختبار حوالي 10 إلى 15 دقيقة بالنسبة لمريض العيادة الخارجية، وهذا الإجراء يتضمن استخراج عينة من السائل المحيط بالجنين الذي يحتوي على خلايا جينية يتم تحليله لغرض معرفة الشذوذ الصبغي ويحتاج إجراء الاختبارات أيضاً إلى أسبوعين أو 3 أسابيع، وهذا يعطي الأم وقتاً قليلاً للتفكير في المحافظة على جنينها في الثلاثة أشهر التالية إذا كان الجنين غيرطبيعي. وهذا الإجراء الذي يطبق في الأسبوع العاشر من الحمل يستخدم نسيجاً إضافياً مطابقاً تماماً لخلايا الجنين الجينية، فالنسيج فيما بعد يحلل للكشف عن الكروموسوم الصبغي الإضافي كالموجود في متلازمة داون ويختبر مع العنصر الأساسي في الجينة المورثة لتحديد أنيميا الخلية المنجلية، أو لإجراء فحص لمرض تايساتش (أستيوارت 1993).
الإرشاد حول الإلحاق بالمعاهد الداخلية:
يجب على المرشد أن يهيئ نفسه لمناقشة مسألة إيداع الطفل في معهد مع الوالدين وهذا الإيداع يترتب عليه فصل الطفل عن أسرته خصوصاً إذا كانت إعاقته شديدة. وهناك عدة عوامل تؤثر على تفكير بعض الأسر في إيداع الطفل أحد المعاهد كمستوى الإعاقة العقلية لديه والحالة الاقتصادية للأسرة وظروف البيئة وامكانياتها والمشكلات السلوكية.
ولا شك أن إلحاق الطفل بمعهد داخلي وفصله عن الأسرة يمثل مشكلة سواء له أو لوالديه، ويجب على المرشد أن يساعد الأسرة في حل هذه المشكلة والقاعدة الأساسية أن الإلحاق بمعاهد داخلية تبدو الحاجة له عندما تدعو ظروف الطفل إلى خدمات من نوع يصعب توفيره في الأسرة، أو تكون إعاقة الطفل من الشدة بحيث تمثل خطراً على نفسه أو على أسرته أو على المجتمع، أو تكون معاناة الأسرة نفسها من وجود الطفل قد وصلت إلى درجة تهدد وحدة الأسرة وتوافقها، (إضافة من المحرر = أو أن يكون الطفل من ذوي الإعاقة يتيماً أو مجهول النسب).
ويقترح باتشاو وبيريل خطوطاً إرشادية للإيداع في المعاهد:
- يجب أن ينظر للإيداع في معاهد داخلية على أنه الملجأ الأخير الذي تأخذه بالاعتبار فقط بعد أن يصعب الاستفادة من البيئات الأقل تقييداً.
- إن قرار الإلحاق أو الإيداع بمعاهد يجب أن يكون قراراً مشتركاً يشمل كلاً من الوالدين والمتخصصين المشتركين في الاهتمام بالطفل.
- إن الحاجة للإيداع في معاهد يجب أن تراجع من جانب كل المهتمين على فترات منتظمة وأن تختار بيئة أقل تقييداً لخدمة الطفل عندما يصبح ذلك ملائماً (الشناوي، 1997).
تنويه من المحرر:
تبنت منظمة الاحتواء الشامل الدولية خطة عمل المناصرين الذاتيين للعام 2019 والتي أتت تحت عنوان: (أعمل من أجل الدمج للأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية وأسرهم) طالبوا فيها بالتحاق الطلبة من ذوي الإعاقة الذهنية بالمدارس ودمجهم في الفصول الدراسية مع أقرانهم من الأطفال غير المعاقين، كما طالبوا بأن يتم تقديرهم على قدم المساواة مع أقرانهم ووضع حد للتمييز الذي يواجهونه ودمجهم في المجتمع كجزء لا يتجزأ منه.
وفيما يتعلق بالمؤسسات الإيوائية والمعاهد الداخلية فقد طالب المناصرون بإغلاق جميع المؤسسات الإيوائية وعدم إنشاء مؤسسات جديدة أو من نفس النوع، بالإضافة إلى مطالبتهم بوظائف حقيقية في المجتمع وبأجر حقيقي وتوفير الدعم الذي يحتاجه الأطفال ذوو الإعاقة كي يكونوا ناجحين، وكذلك دعم الأسر واحتوائها وتقديرها.
وعليه، فإننا نضم صوتنا إلى صوت المنظمة الدولية ومنتسبيها من المناصرين الذاتيين ونناشد المعنيين العمل على إغلاق المؤسسات الإيوائية الموجودة فعلاً باعتبار أن تلقي الخدمات للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية في منازلهم هو أنسب لهم يحفظ كرامتهم ويراعي إنسانيتهم، وأن الأسرة هي الأولى بالاهتمام بأبنائها من ذوي الإعاقة.
يتبع // …. // طرق إرشاد أسر الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية
المراجع
- جاك سي استيوارت، ارشاد الآباء ذوي الأطفال غير العاديين، ترجمة: د. عبد الصمد قائد الغبري، د. فريدة عبد الوهاب آل مشرف، مطابع جامعة الملك سعود، الرياض، ط1، 1993م.
- د. يوسف القريوتي، د. جميل الصمادي، د. عبد العزيز السرطاوي، المدخل إلى التربية الخاصة، دار القلم للنشر والتوزيع، دبي، ط1، 1995م.
- د. علا عبد الباقي إبراهيم، التعرف على الإعاقة العقلية وعلاجها، وإجراءات الوقايةمنها، مطابع الطوبجي التجارية، القاهرة، ط1، 1993م.
- د. كاملة الفرخشعبان، د. عبد الجابر تيم، مبادئ التوجيه والإرشاد النفسي، دار صفاء للنشروالتوزيع، عمان، ط1، 1999م.
- جاك سي استيوارت، ارشاد الآباء ذوي الأطفال غير العاديين، ترجمة: د. عبد الصمدقائد الغبري، د. فريدة عبد الوهاب آل مشرف، مطابع جامعة الملك سعود، الرياض، ط1، 1993م.