لقد أثبتت البحوث التربوية التجريبية بأن ازدواجية اللغة تعتبر عاملاً أساسياً من عوامل حدوث اللجلجة في النطق والكلام، حيث أن نسبة كبيرة من المصابين بالتهتهة كانوا من مزدوجي اللغة أثناء دراستهم وتحصيلهم حيث أن الطفل بصورة خاصة في حالة ازدواجية اللغة ومنذ سن مبكر لا يفكر بأية لغة ولا يركز على واحدة من اللغات التي يتعلمها مما يؤدي به إلى مشاعر النقص والسلبية تجاه ذاته ومدرسته وتظهر هذه الحالات من اضطرابات الكلام في مرحلة الطفولة المبكرة ولا سيما في العمر من سنتين إلى خمس سنوات وخاصة لدى الأطفال الذين يعيشون في أوساط أسرية واجتماعية تعاني من ازدواجية اللغة إما نتيجة الاضطراب في التركيبة السكانية أو نتيجة وجود الخدم والمربيات الأجنبيات اللواتي يتكلمن لغات مختلفة عن لغة الطفل الأساسية وخاصة أنهن يقضين مع الطفل فترات زمنية طويلة، وفي هذه المرحلة العمرية بالذات فإن المسألة تغدو أكثر تعقيداً سيما وأن الطفل لم يتملك بعد من ناصية اللغة الأساسية.
نتيجة لذلك يوصي علماء النفس اللغوي بعدم تعليم الطفل في هذه المرحلة العمرية أكثر من لغة واحدة وعدم اكسابه لغات أخرى قبل أن يكون قد أتقن لغته الأم وتمكن من التكلم بها بطلاقة وثبتت في ذهنه بشكل جيد حيث أن تعلمه أكثر من لغة في هذه المرحلة سوف يحدث لديه مزيداً من الخلط والارتباك والتشويش والنقص مما يوصله إلى اضطرابات نفسية ونطقية خطيرة حيث أن الصراعات النفسية التي يكابدها الطفل في هذه المرحلة تهدد توازنه العقلي، وينعكس هذا الاختلال في ميكانيزم (آلية) الكلام بشكل أو بآخر، وقد ينعكس على شكل أمراض سيكوسوماتية وسلوكية مختلفة.
ولا تزال الدراسات التربوية والنفسية مستمرة لتحديد العمر الزمني الذي يتمكن فيه الطفل من أن يصبح مزدوج اللغة دون أن يؤثر هذا في لغته الأساسية وتفكيره وتعبيره وشخصيته، ويعتبر اكتساب اللغة الثانية أمراً مختلفاً عن اكتساب اللغة الأولى فهو مرهون من حيث السرعة والاتقان بعوامل عديدة منها:
- البيئة اللغوية الطبيعية: حيث أن تعلم اللغة الثانية في بيئتها وموطنها أفضل من تعلمها وسماعها في بيئة اصطناعية أو في غرفة الصف مثلاً.
- دور المتعلم: ففي البيئة الطبيعية للغة تكثر مشاركته ومحادثته واستعماله للغة الثانية بينما في البيئة الاصطناعية يكون قليلاً.
- استخدام المحسوسات: فإذا استخدمت المحسوسات بغية تعلم هذه اللغة الثانية يكون تعلمها أفضل وأكثر واقعية وتشويقاً.
- التغذية الراجعة: حيث يحتاج المتعلم إلى تغذية راجعة، أي تعزيز، ليعرف إن كان أداؤه صحيحاً أم خاطئاً.
- العمر والاستعداد المناسب: فلابد لكل مهارة يراد اتقانها من الوصول لسن مناسب بغية اكتسابها وتعلمها.
- الاسترخاء: فإذا جرى التعلم في جو نفسي مريح فإنه سيكون أقرب إلى سرعة الاكتساب.
- تأثير اللغة الأولى: إن اللغة الأولى بقدر ما تختلف عن اللغة الثانية في أصواتها ونغماتها ومخارجها بقدر ما ينتقل أثر التعلم السابق انتقالاً سلبياً وتسبب هذه الاختلافات اضطرابات نفسية مختلفة عند الطفل واضطرابات كلامية متنوعة.
لابد أن نذكر أن هناك فرقاً واسعاً بين عوامل اكتساب اللغة الأولى واكتساب اللغة الثانية ومنها:
- الدافع: إن دافعية الطفل عند تعلم اللغة الأولى تكون في أوجهها فهو في حاجة ماسة للغة كي يتفاهم بها مع أسرته وأصدقائه ويعبر بها عن حاجاته وأفكاره وفي تعلم اللغة الثاني لا تتوفر مثل هذه الدافعية.
- البيئة اللغوية: مع تعلم اللغة الأولى تكون البيئة اللغوية طبيعية وواقعية ولكن مع تعلم اللغة الثانية فإنها على الأرجح تكون ضمن بيئة اصطناعية ومشوهة.
- المران: مع تعلم الطفل اللغة الأولى يتدرب عليها ساعات طويلة ولكن مع تعلم اللغة الثانية لا يتاح له سوى جزء من الوقت في اليوم.
- التعزيز: مع اللغة الأولى يتاح للطفل أن يتعزز في أدائه اللغوي بشكل كبير وفوري ولكن مع اللغة الثانية تقل كمية التعزيز لأن المعلم مشغول بعشرات الأطفال في وقت واحد.
- الاسترخاء: مع اللغة الأولى يكون الطفل في أفضل حالة نفسية إذ هو مع أمه يشعر بحنانها وعطفها ولكن مع اللغة الثانية لا تتوفر له الدرجة ذاتها من الاسترخاء فهناك ضغط المعلم والأصدقاء والمنافسة.
- العمر: يتعلم الطفل اللغة الأولى وهو في سنوات الأولى وأما اللغة الثانية إذا تعلمها في سنوات عمره المتأخرة فإن قابليته للتعلم تكون ضعيفة.
- المشاعر: عندما يتعلم الطفل اللغة الأولى لا تكون لديه مشاعر عدائية نحوها فهي لغة أمه وأبيه وأحبائه، أما تعلم اللغة الثانية فقد يكون مصحوباً بمشاعر عدائية لها وللقوم الذين يتكلمون بها.
وهكذا نجد أن الطفل أثناء اكتسابه اللغة الأولى أفضل حالاً من الناحية النفسية والفكرية والواقعية بسبب التعزيز والمران وغيرها من العوامل.
التداخل اللغوي
عندما يتعلم الطفل لغة ثانية فإنه يتعرض لتداخل مع اللغة الأولى ويظهر هذا التداخل سواء أثناء أدائه اللغوي للغة الثانية أو الأولى، ويسير التداخل من اللغة الأكثر هيمنة إلى اللغة الأقل هيمنة، والتداخل الذي نقصده هنا هو انتقال سلبي لأثر التدريب وهو ظاهرة غير مرغوبة في الأداء اللغوي، وقد يحدث التداخل من لهجة إلى لهجة في اللغة ذاتها، كأن تدخل العامية في الفصحى أو الفصحى في العامية ويدعى هذا تداخلاً داخلياً أما إذا كان التداخل بين لغة وأخرى فيدعى تداخلاً خارجياً، ويشمل التداخل الأشكال التالية:
- التداخل الصوتي: ينطق الطفل صوتاً من اللغة الثانية مثل صوت يقاربه من اللغة الأولى، كالطفل العربي ينطق V الانكليزية كنطقه لـ ف العربية أو ينطق P مثل ب.
- التداخل الصرفي: قد يجمع الطفل الاسم أو يثنيه في اللغة الثانية مثلما اعتاد في اللغة الأولى.
- التداخل المفرداتي: أي أن يدخل الطفل كلمات من اللغة الثانية إلى الأولى أو العكس وأغلب ذلك يقع في الأسماء والصفات والأفعال.
- التداخل النحوي: وهنا يحصل التداخل بين اللغتين من حيث ترتيب الكلمات أو إضافتها أو حذفها.
- التداخل الدلالي: قد ينتقل معنى الكلمة من اللغة الأولى للثانية أو من الثانية للأولى رغم اختلاف الكلمات في المعنى.
- التداخل الحركي: وهنا ينقل المتكلم الحركات المصاحبة للأداء اللغوي في اللغة الأولى إلى الثانية أو العكس وهي تشمل حركات الأصابع واليدين والرأس والعينين والجسم.
إذا تعرض الطفل ثنائي اللغة إلى حادث أو إصابة مخية أو حالة نفسية معنية فقد يترتب عليها (حبسة كلامية) للغتين كلتيهما، وبعد مرور هذه الأزمة فإنه قد يستعيد اللغتين بشكل متواز وقد يستعيد واحدة أفضل من الثانية أو قد يستعيد واحدة ولا يستعيد الأخرى. وهناك حالات من الاستعادة الانتقائية أيضاً.
وقد فسر علماء النفس اللغوي هذا على أساس أسبقية التعلم للغة وعلى أساس شيوع اللغة وهيمنتها، وعلى أساس الحالة النفسية للفرد إذ أن استعادتها مرتبطة بحالته النفسية وموقفه من هذه اللغة قبل الحادث أو بعده، وهذه الحالة تؤثر في سرعة الاستعادة للغة.
إضافة إلى فرضية التعرض اللغوي ومدى المعرفة اللغوية حيث أن اللغة الأكثر معرفة وشيوعاً هي التي تكون استعادتها أولاً.
وهكذا نجد أن ازدواجية اللغة تؤثر في اللغات التي يتعلمها الطفل وخاصة في مرحلة الطفولة المبكرة، فحين يتكلم لغة تختلف عن لغة أصدقائه أو مدرسته أو يضطر إلى تعلم لغة أجنبية في الوقت الذي لا زال فيه يتعلم لغته الأم، فإن ذلك يربك مهاراته اللغوية ويؤخرها في اللغتين كلتيهما، وقد بينت الدراسات أن تعلم لغتين في آن واحد يحدث تعطيلاً في تقدم الأطفال اللغوي، ويبدو أن تعلم كلمتين لشيء واحد أو لفكرة واحدة ونظامين قواعديين يؤدي إلى التداخل في تفكير الطفل وإلى تعطل كلامه وظهور الاضطرابات الكلامية عنده.
كما أوضحت الدراسات أن الأطفال الذين تتكلم أسرهم أكثر من لغة تكون مفرداتهم أقل من المعدل بالنسبة لأعمارهم وفي اللغتين، ولهذا نجد أن من الضروري أن تتفهم المدارس هذه الحقائق التربوية وأن تستخدم مع الأطفال الصغار اللغة الأم فقط حفاظاً على الشخصية الفردية والهوية القومية.
المراجع المستفاد منها:
- الثروة اللغوية للأطفال العرب ورعايتها.
- مدخل إلى علم اللغة.
- الأصوات اللغوية.
الجنسية: سوري
الوظيفة:اختصاصي علاج نطق بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
الحالة الاجتماعية:متزوج ويعول أربعة أبناء.
المؤهلات العلمية:
- حاصل على درجة الدراسات العليا في الفلسفة من جامعة دمشق بتقدير جيد جداً عام 1979.
- حاصل على درجة الليسانس في الدراسات الفلسفية والاجتماعية بتقدير جيد جداً من جامعة دمشق عام 1975.
- حاصل على دبلوم دار المعلمين من دمشق عام 1972.
- حاصل على دورة عملية في طريقة اللفظ المنغم من بروكسل في بلجيكا.
الخبرات العملية:
- أخصائي علاج نطق بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- مدرس من خارج الملاك بجامعة الإمارات العربية المتحدة بالعين.
- عضو بالاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم منذ عام 1980.
- أخصائي نطق في اتحاد جمعيات الصم بدمشق.
- مشرف على مركز حتا للمعوقين بدولة الإمارات العربية المتحدة عامي 2001 و 2002.
المشاركات والدورات:
- عضو مشارك بالندوة العلمية الرابعة للاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم عام 1994.
- عضو مشارك بالندوة العلمية السادسة للاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم عام 1998.
- مشارك في المؤتمرين السادس والثامن للاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم 1991 و 1999.
- مشارك في ورشة توحيد لغة الإشارة بدبي عام 1998.
- مشارك في تنظيم وتخريج عدد من دورات المدرسين والمدرسات الجدد في مدرسة الأمل للصم.
- عضو مشارك في الندوة العلمية التربوية بمؤسسة راشد بن حميد بعجمان عام 2002.
- مشارك في عدد من المحاضرات التربوية والتخصصية.
- كاتب في مجلة المنال التي تصدرها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- عضو مشارك في مؤتمر التأهيل الشامل بالمملكة العربية السعودية.
- عضو مشارك في الندوة العلمية الثامنة في الدوحة بقطر.