إعداد د. أحمد سعيد عبد العزيز صالح
أستاذ التربية الخاصة المشارك في جامعة طيبة – المملكة العربية السعودية
مفهوم اضطراب التحدي المعارض Oppositional Defiant Disorder
يُعد اضطراب التحدي المعارض واحدًا من أكثر الاضطرابات السلوكية شيوعًا بين الأطفال ذوي الإعاقة؛ حيث يظهر الاضطراب عادةً في سن السادسة، ويختلف الاضطراب بين الأطفال من غير ذوي الإعاقة والأطفال ذوي الإعاقة من حيث الشدة والدرجة (Christensen L., 2012).
يعد مصطلح اضطراب التحدي المعارض من المصطلحات التي نالت صورًا مختلفة من المسميات والصفات، واختلف الباحثون في ترجمة مصطلح Oppositional Defiant Disorder، فقد اتفق كل من حمودة (1991)، والمهدي (2007)، والشربيني (2008)، ومنصور (2011) على ترجمته بالعناد الشارد. واتفق كل من عبد الرحمن وخليفة (2003)، وحمدي (2012) على ترجمته بالعناد المتحدي، بينما ترجمه عبد المعطى (2003) بالعناد والتمرد. وآلان كازدين (ترجمة: عادل عبد الله، 2010) بالعناد والتحدي. واتفق كل من عبد الحميد وكفافي (1992)، ويوسف (2000)، والشربيني (2002)، وحسون في ترجمته لدليل التشخيصي الرابع (2004)، وأحمد عكاشة وطارق عكاشة (2009) على ترجمته باضطراب التحدي المعارض.
ويرى الباحث أن الاختلاف في الترجمة لنفس المصطلح لا يغير شيئًا من طبيعة الاضطراب ولكن بالرجوع إلى بعض القواميس وجد أن معنى كلمة Oppositional تعني المعارض، وكلمة Defiant تعني تحدي، وكلمة Disorder تعني اضطراب، بينما كلمة العناد تعني Stubborn- Disobedience، لذا سيتبنى الباحث وجهة النظر التي تذهب إلى ترجمته باضطراب التحدي المعارض.
ويعرف بأنه نمط من السلوك العدواني الرافض المتحدي الاستفزازي الفوضوي المستمر الذي يتجاوز الإطار الطبيعي لسلوك الطفل في العمر نفسه، ومن نفس السياق الثقافي والحضاري، والذي لا ينطوي على انتهاكات خطيرة لحقوق الآخرين كما هو الحال في اضطراب المسلك، ويميل هؤلاء الأفراد عادة إلى الغضب والانفعال بسهولة في مواجهة أفعال الآخرين ثم يلومون الآخرين على ما قاموا به هم أنفسهم، ويتميزون بانخفاض تحمل الإحباط لديهم، والقابلية للاستثارة، والاستفزازية، ومقاومة السلطة ويظهر هذا السلوك عادة أثناء التفاعل مع أشخاص مألوفين بالنسبة إليهم بينما يخفون هذا السلوك في المواقف الرسمية كالمقابلة الكلينكية (APA, 2013 (.
وقد عَرفتُه منظمة الصحة العالمية (2006) بأنه: اضطراب المسلك الذي يشخص لدى الأطفال الصغار، ويتسم بالتحدي والعصيان والسلوك الهدام لكن لا يتضمن أفعالاً جانحة، أو أشكالاً خطيرة من العدوانية (World Health Organization, 2006, 275-276).
ثانيًا: المحكات التشخيصية لاضطراب التحدي المعارض.
يجادل معظم الأطفال ذوو الإعاقة الوالدين ويتحدون السلطة من وقت إلى آخر، خاصًة عندما يكون الطفل متعبًا، أو جائعًا، أو منزعجًا، وهذا يجعل الأعراض السلوكية لاضطراب التحدي المعارض صعبة أحياناً في التشخيص، ونتيجة هذا التداخل في التشخيص وضعت محكات التشخيص لاضطراب التحدي المعارض
نموذج من سلوك الغضب، وعصبية المزاج، والجدال، والتحدي، وحب الانتقام الذي يستمر على الأقل مدة ستة شهور، توجد خلال هذه الفترة أربعة أو أكثر من الأعراض ضمن الفئات التالية:
غاضب/عصبي المزاج.
- غالباً ما يفقد أعصابه.
- غالباً ما يكون حساسًا وينزعج بسهولة.
- غالباً ما يكون غاضبًا ويشعر بالاستياء.
الجدال / سلوك التحدي.
- غالباً ما يجادل.
- غالباً ما يتحدى الآخرين بفاعلية، ويرفض الامتثال لطلبات الكبار.
- غالباً ما يزعج الآخرين عن عمد.
- غالباً ما يلقي اللوم على الآخرين في أخطائه أو سلوكه السيئ.
حب الانتقام.
- يكون حاقدًا أو انتقاميًا على الأقل مرتين خلال الشهور الستة الماضية.
ويستخدم استمرار وتكرار هذه السلوكيات للتمييز بين أعراض الاضطراب، والحدود الطبيعية لسلوك الأطفال الذين تقل أعمارهم عن (5) سنوات، وينبغي أن يحدث هذا السلوك في معظم أيام الأسبوع لفترة لا تقل عن (6) شهور. وفي حال توفر تكرار هذه الأعراض وتوفر الحد الأدنى منها، ينبغي النظر إلى عوامل أخرى مثل شدة وتواتر الأعراض خارج النطاق المعياري لمستوى الفرد النمائي، والعرقي، والثقافي.
- يسبب الاضطراب اختلالاً كلينيكيًا في السلوك وفي الأداء الاجتماعي والأكاديمي والمهني.
- لا تحدث هذه السلوكيات بشكل بارز أثناء مسار اضطراب ذهاني أو اضطراب في المزاج، أو تعاطي المخدرات والاكتئاب أو اضطراب ثنائي القطب، وعدم توفر المعايير التدميرية والتقلبات المزاجية ( APA , 2013).
ثالثًا: الصورة الكلينيكية لاضطراب التحدي المعارض.
تتفاوت ملامح هذا الاضطراب إلى حد بعيد فقد تظهر في البيت وتختفي في المدرسة أو مع البالغين أو الأقران، وفي بعض الحالات تظهر خارج البيت، ولكن المعتاد هو أن أعراضه أكثر بروزًا في التعامل مع البالغين أو الرفاق الذين يعرفهم الطفل جيدًا، ومن ثم فإن الأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب لا يظهرون علاماته أثناء فحصهم كلينيكيًا، وأهم ملامحه هي: نمط من السلبية والعدائية والتمرد ضد الوالدين ومن في مقامهما من الراشدين دون انتهاكات خطيرة لحقوق الآخرين، ويظهر ذلك في جدال الكبار بعدائية، وتجاهل الأوامر، واستفزاز متعمد مع الاستثارة، وسرعان ما يثور الطفل غضبًا، ولا يقبل اللوم لسوء سلوكه، ولكن يبرر سلوكه على أنه استجابة للظروف غير المناسبة وغير المنطقية، بل ويلقي اللوم على الآخرين، ويظهر أن الاضطراب يتسبب في زيادة الألم والكرب للمحيطين بالطفل أكثر من الطفل شخصيًا، ومع مرور الوقت فإن اضطراب التحدي المعارض من المحتمل أن يرتبط بانخفاض تقدير الذات، والتسامح، والإحباط، ونوبات الغضب، وضعف العلاقة مع الأقران، وضعف الأداء المدرسي، والانعزال عن الآخرين، ويكون بشكل متكرر داخل المدرسة بسبب المشكلات السلوكية، وربما بسبب الاحتكاك الأكبر بالأقران، مما يؤدي إلى اضطرابات في العلاقات الاجتماعية، وهو شائع في اضطرابات المزاج وحالات الاكتئاب، ولدى أطفال اضطراب طيف التوحد، والأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، والأشخاص ذوي اضطرابات المخ العضوية.
رابعًا: أشكال اضطراب التحدي المعارض:
يوجد ثلاثة أشكال من حيث انتشاره في الأماكن وشدته وهي:
خفيف: يقتصر ظهور الاضطراب في مكان واحد فقط، على سبيل المثال البيت أو المدرسة أو مع الأقران، وتكون الأعراض التي تفي بالتشخيص قليلة.
- متوسط: وتظهر الأعراض في اثنين على الأقل من الأماكن، وتكون درجة الاضطراب وسط بين الشديد والخفيف.
- شديد: تظهر الأعراض في ثلاثة أماكن أو أكثر، وتوجد أعراض عديدة للأداء الاجتماعي والمدرسي مع الرفاق والكبار (APA , 2013).
بينما حدد عبد المعطى (2003، 413) خمسة أشكال وهي:
التحدي المعارض في شكل التصميم والإرادة: يظهر هذا النمط عند بعض الأطفال لدى إصرارهم على محاولة إصلاح لعبة، خاصة إذا أصيب بالفشل عند اصلاحها في المرة الأولى، عندها يزداد إصراراً على تكرار محاولته مرة أخرى
اضطراب التحدي المعارض في شكل مفتقد الوعي: كإصرار الطفل على الذهاب إلى السوق رغم هطول الأمطار الشديدة وعدم توفر وسيلة نقل لذلك، ورغم محاولة والديه اقناعه بعدم الذهاب، وكذلك إصراره على عدم النوم من أجل مشاهدة برنامج تليفزيوني بالرغم من محاولات أمه كي يستيقظ مبكرًا صباح اليوم التالي، ويكون إصرار الطفل في مثل هذه المواقف مفتقداً الوعي والإدراك.
التحدي المعارض مع النفس: قد يعاند الطفل نفسه كما يعاند الآخرين، فربما إذا سيطر عليه الغيظ من أمه وطلبت منه تناول طعامه، يرفض وهو جائع، وحينما تبدأ الأم في محاولة إقناعه بالعدول عن رأيه وموقفه، يزداد إصرارًا وجوعًا، وهو يشعر داخل نفسه بأنه يعذب نفسه بالجوع، وبالرغم من ذلك فإنه يعاند، ويبدأ شعور الجوع في الزيادة فيزداد تحدي الطفل لنفسه فيمنعها من الأكل ويصبح في صراع داخلي وفي أغلب الأحوال يتنازل أخيراً عن إصراره بعد فترة عند أول محاولة من الكبير لمصالحته.
العناد كاضطراب سلوكي: قد يكون عناد الطفل نتيجة اضطراب سلوكي خاصة يعتاد الطفل على مثل هذا السلوك ليصبح مع العمر نمطًا راسخًا وخاصية من خصائص الشخصية. وهذا النمط من الاضطراب يسبب نزوعًا إلى المشاركة والتعارض مع الآخرين. ليمثل بالتالي سلوكًا مرضيًا.
اضطراب فسيولوجي: قد يصاب الطفل بإصابات عضوية في الدماغ كالإعاقة الذهنية فيظهر أنماطاً من السلوك العنادي أمام الآخرين.
خامسًا: الفروق بين الجنسين في اضطراب التحدي المعارض:
في الدليل التشخيصي الخامس (APA, 2013) كانت نسبة الانتشار أكبر عند الذكور عن الإناث بنسبة (4: 1) قبل سن المراهقة، بينما لم يستمر اضطراب التحدي المعارض مع الذكور في مرحلة المراهقة والشباب.
واتفق كل من ستيورات (2011)، كريستنسين (2012) على أنه لا توجد فروق بين الجنسين في اضطراب التحدي المعارض لدى الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية ويرجع ذلك إلى أسباب عديدة ومنها:
- عدم مراعاة العمر العقلي عند التشخيص.
- اختلاف رد فعل الإناث من غير ذوات الإعاقة عن ذوات الإعاقة للاستجابات المختلفة.
- التغيير في طبيعة اللغة والتأخر المعرفي وخاصة المهارات اللغوية.
- بعض الإناث من غير ذوات الإعاقة لديهن القدرة على ضبط انفعالاتهن، بينما تختلف الإناث ذوات الإعاقة في هذه القدرة فيتساوى الجنسان (الذكور والإناث) من ذوي الإعاقة الذهنية في اضطراب التحدي المعارض (Chstensen L., 2012; Stewer, 2011)
يتبع …………………..
المراجع:
- آلان كازدين. (2010). الاضطرابات السلوكية للأطفال والمراهقين. (ترجمة: عادل عبدالله) القاهرة: دار الرشاد.
- عبد المعطى، حسن. ( 2003). الاضطرابات النفسية في الطفولة المراهقة، الأسباب- التشخيص- العلاج. القاهرة : دار القاهرة.
- المهدي، محمد. (2007). الصحة النفسية للطفل. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.
- الشوربجي، نبيلة. ( 2003). المشكلات النفسية للأطفال، أسبابها- علاجها. القاهرة: دار النهضة العربية.
- أبو سريع، محمود. (2008). المرجع في المشكلات السلوكية للأطفال. الجيزة: الدار العالمية للنشر والتوزيع.
- شحيمي، محمد. (1994). مشاكل الأطفال كيف تفهمها؟ المشكلات والانحرافات الطفولية وسبل علاجها. بيروت: دار الفكر اللبناني.
- حمدي، حسن. (2012). فعالية برنامج قائم على العلاج بالفن في خفض اضطراب العناد المتحدي لدى الأطفال ذوي صعوبات التعلم. مجلة التربية الخاصة، 1، أكتوبر، 257-330.
- American Psychiatric Association (2013). Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders ( DSM-5).
- Paul L., (2012). Play Therapy Techniques for African American Elementary School-Aged Children Diagnosed with Oppositional Defiant Disorder. Doctor Dissertation, Capella University.
- Stewart L., Kylie M., John T., Louise A., John T., Eric E., Bruce J.& Sian K.,(2010). Intellectual Disability Modifes Gender Effects on Disruptive Behaviors. Journal of Mental Health Research in Intellectual Disabilities, 3, 177- 189.
- McNeil C. & Hembree-King T., (2010). Parent-Child Interaction Therapy: Second Edition. New York, Springer.
د. أحمد سعيد عبد العزيز صالح
أستاذ التربية الخاصة المشارك في جامعة طيبة بالمدينة المنورة، وكلية التربية الخاصة جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا.
مسؤول الدمج التعليمي بوزارة التربية والتعليم المصرية.
مدرب بتدريبات اليونيسيف للمعلمين على الدمج، ودورات التخاطب وتعديل السلوك بجامعة بنها والإسكندرية ودمنهور وعين شمس.
مدرب تربية خاصة ودمج معتمد من المجلس العربي للطفولة والتنمية، ومن الأكاديمية المهنية للمعلمين بجمهورية مصر العربية.
مراجع خارجي بهيئة ضمان الجودة والاعتماد لتعليم قبل الجامعي التابعة لمجلس الوزراء المصري.
الإشراف ومناقشة مجموعة من رسائل الماجستير.
العديد من البحوث العلمية المنشورة.
تنظيم وحضور العديد من المؤتمرات والملتقيات وورش العمل والتدريبات