الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تسد الفجوة الموجودة في مجال حماية حقوق الإنسان
تُلزم الدول التي تُصدّق على الاتفاقية قانونا بمعاملة الأشخاص ذوي الإعاقة كأشخاص خاضعين للقانون وذوي حقوق محددة تحديداً واضحاً
مجرد وجود الاتفاقية يعطي الأشخاص ذوي الإعاقة ومنظماتهم القدرة على أن يقولوا لحكوماتهم: لقد قبلتم بهذه الالتزامات وعليكم تنفيذها
هناك سبع اتفاقيات تاريخية للأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان والتي تحمي حقوق المرأة والأطفال والعمالة المهاجرة وآخرين، ولكن حتى دخول اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة حيز التنفيذ في 3 أيار / مايو 8002، لم تكن هناك اتفاقية عالمية محددة تتناول احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، والذين يمثلون أكبر أقلية في العالم.
وفي حين أن هناك العديد ممن جادلوا بأن الاتفاقيات الحالية شملت الأشخاص ذوي الإعاقة بالإضافة إلى أي شخص آخر، فإنه كان من الواضح أنه بدون وجود اتفاقية ملزمة قانوناً تنص صراحة على حقوقهم، فإن الأشخاص ذوي الإعاقة يواجهون »تهميشاً« قانونياً في مجتمعاتهم وحتى في الساحة الدولية. وكانت نتيجة ذلك هي أن الأشخاص ذوي الإعاقة لا زالوا يواجهون عوائق كبيرة وممارسات تمييزية في حياتهم اليومية.
وتشير المعطيات العالمية، إلى أن عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في العالم يبلغ حوالي مليار شخص، أي ما يقارب 15% من عدد سكان العالم. ومن بينهم 93 مليون طفل ذي إعاقة (حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية لسنة 2012).
ويعيش 08في المائة من الأشخاص ذوي الإعاقة أي أكثر من 800 مليون شخص ـ في الدول الفقيرة، وهي الدول الأقل استعدادا لتلبية احتياجاتهم. ولا يزال الأشخاص ذوو الإعاقة حول العالم يواجهون عقبات أمام مشاركتهم في المجتمع ويعانون من مستويات معيشية أكثر تدنياً.
وعند احتساب أفراد الأسرة المباشرين، فإن عدد الأشخاص المتأثرين بالإعاقات يتجاوز بكثير المليار شخص. وهو الأمر الذي يتسم بأهمية خاصة، حيث أن الإعاقات هي أحد العوامل المسببة للفقر وعدم الحصول على التعليم والخدمات الصحية يفاقم معاناة الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم ويؤدي إلى المزيد من الاستبعاد والتمييز.
إن الغرض من الاتفاقية، بحسب نص الماد الأولى، هو »تعزيز وحماية وكفالة تمتع جميع الأشخاص ذوي الإعاقة تمتعاً كاملاً على قدم المساواة مع الآخرين بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتعزيز احترام كرامتهم المتأصلة«.
وتمثل الاتفاقية تحولاً كبيراً في طريقة تعامل المجتمعات مع الأشخاص ذوي الإعاقات، حيث يكون الشخص هو صاحب القرار الرئيسي في حياته. وهذه الاتفاقية تجعل الأشخاص ذوي الإعاقة »متمتعين بالحقوق« و»خاضعين للقانون« مع المشاركة الكاملة في صياغة وتنفيذ الخطط والسياسات التي تؤثر عليهم.
الإعاقة بوصفها مشكلة اجتماعية المنشأ
إن الاتفاقية تمضي إلى ما هو أبعد من مسألة الوصول إلى البيئة المادية، وتتناول مسائل أكبر تتعلق بالمساواة وإزالة العقبات القانونية والاجتماعية التي تقف أمام تحقيق المشاركة والحصول على الفرص الاجتماعية وخدمات الصحة والتعليم والعمل والتنمية الشخصية.
وتُلزم الدول التي تُصدّق على الاتفاقية قانوناً بمعاملة الأشخاص ذوي الإعاقة ليس فقط كضحايا أو أعضاء في شريحة أقل اجتماعياً، ولكن كأشخاص خاضعين للقانون وذوي حقوق محددة تحديداً واضحاً. ويتعين عليها أن تقوم بتعديل تشريعاتها الداخلية لتتفق والمعايير الدولية التي تنص عليها الاتفاقية.
وتعمل الاتفاقية على تعزيز معايير حقوق الإنسان وتطبيقها مع »مراعاة منظور العجز«، والتي تنص على المساواة في المواطنة بعد تاريخ طويل من التمييز.
وتنظر الاتفاقية إلى الإعاقة على أنها نتيجة التفاعل بين الفرد وبيئة يتعذر الوصول إليها، وليس على أنها صفة متأصلة في الفرد. وهي تستبدل »النموذج الطبي« القديم للإعاقة بنموذج اجتماعي حقوقي يستند إلى حقيقة أن المجتمع هو الذي »يعيق« الأشخاص ذوي الإعاقة عن ممارسة حقوقهم الإنسانية كمواطنين.
ويعكس هذا النهج المنظور الاجتماعي الذي تبناه تصنيف منظمة الصحة العالمية الدولي للأداء، والذي ينظر إلى الإعاقة على أنها تجربة إنسانية عالمية وليست مشكلة تتعلق بأقلية، بمعنى إمكانية أن يعاني أي شخص مشكلة صحية أو أن يتعرض لإعاقة من نوع ما.
الاتفاقية تحدد المعايير العالمية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة
يتزايد عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في العالم، حسبما ورد عن منظمة الصحة العالمية. ويسهم نمو عدد السكان والتقدم الطبي وشيخوخة سكان العالم في هذه الزيادة. وفي الدول التي يتجاوز فيها متوسط الأعمار 07 سنة، يعيش الأفراد ما متوسطه 8 سنوات، أو 11.5 في المائة من حياتهم، وهم مصابون بالإعاقات.
وهناك دول عديدة لم تتبن بعد قوانين خاصة بالإعاقة. ووفقاً لما صدر عن الاتحاد البرلماني الدولي، فإن ثلث الدول فقط هم الذين يتبنون قوانين لمكافحة التمييز وقوانين خاصة بالإعاقة. وسوف تحث الاتفاقية الحكومات على سن تشريعات أو تحسين القوانين الحالية لكي تتواكب مع المعايير التي تضعها الاتفاقية.
وتنطوي الاتفاقية على مزايا أخرى عديدة. فهي تنص على معايير قانونية عالمية مقبولة فيما يتعلق بحقوق الإعاقة، وتوضح مضمون مبادئ حقوق الإنسان وتطبيقها على أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة، وتوفر نقطة مرجعية عالمية وذات حجية فيما يتصل بالقوانين والسياسات المحلية، وتوفر آليات فعالة للرصد، بما في ذلك إشراف هيئة من الخبراء وتقديم تقارير حول تنفيذ الحكومات والمنظمات غير الحكومية تلك الآليات، وتوفر معيار للتقييم والإنجاز، وتضع إطاراً للتعاون الدولي. كما أنها تساعد في توعية الرأي العام أثناء قيام الدول بالنظر في التصديق على هذه الاتفاقية.
تُقر الاتفاقية بالحقوق الإنجابية وهي أول اتفاقية عالمية لحقوق الإنسان تشير إلى الصحة الجنسية والإنجابية. وتظهر الدراسات أن الأشخاص ذوي الإعاقة يرجح وقوعهم ضحايا الاعتداء الجسدي والجنسي بمقدار ثلاثة أضعاف، وهم أكثر عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية / متلازمة نقص المناعة المكتسب.
ولقد شاركت المنظمات المعنية بالأشخاص ذوي الإعاقة بشكل كامل في المفاوضات وكان لها دور هام في صياغة الاتفاقية. وتنص الاتفاقية على إنشاء هيئات مستقلة قومية تكون مسؤولة عن التنفيذ والرصد، على أن يكون الأشخاص ذو الإعاقة وممثلو المنظمات المعنية بالأشخاص ذوي الإعاقة أعضاء في تلك الهيئات.
تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة
بالنسبة للدول التي تُصدّق على البروتوكول الاختياري للاتفاقية، سوف تكون هناك هيئة من الخبراء قادرة على النظر في شكاوى الأفراد أو الجماعات الخاصة بالتنفيذ غير الكافي للاتفاقية، وذلك فور استنفاذ كافة إجراءات الشكاوى داخل تلك البلاد.
وتوفر الاتفاقية للأشخاص ذوي الإعاقة أداة قوية. وحسب قول دون مكاي، رئيس اللجنة التي قامت بصياغة الاتفاقية، »فإن مجرد وجود الاتفاقية يعطي للأشخاص ذوي الإعاقة والمنظمات المعنية بهم القدرة على أن يقولوا لحكوماتهم لقد قبلتم بهذه الالتزامات ويصرون على تنفيذها«.
ولكن من أجل إدراك الحقوق التي تنص عليها الاتفاقية، فإنه من الضروري أن يكون هناك تغيير جذري في المواقف. فكما تنص الاتفاقية، فإن »الإعاقة تحدث بسبب التفاعل بين الأشخاص المصابين بالإعاقة والحواجز في المواقف والبيئات المحيطة التي تحول دون مشاركتهم مشاركة فعالة في مجتمعهم على قدم المساواة مع الآخرين«. وسوف يكون من الضروري أن يكون هناك تغيير في سلوكيات التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة من أجل تحقيق أهداف الاتفاقية.
وقد صرح كريس سوليفان، والذي كان نائباً لرئيس شركة ميرل لينش وورلد ـ ولديه ضعف في السمع ـ قائلاً: »إن المسألة تتعلق بالقضاء على التصورات السلبية. يجب أن تنظر إلى الشخص وليس إلى الإعاقة، وهذا ما يتطلب تحقيق تغيير كبير في التصور لدى كل فرد«.
المصدر: اضغط هنا