إن التحول نحو تقديم الخدمات بالتعاون مع أولياء الأمور والأسر يشكل إحدى أهم التطورات في مجال التربية الخاصة في السنوات الماضية الأخيرة، وأصبح تعليم أولياء الأمور وتدريبهم جزءاً رئيسياً من مسؤولية الاختصاصيين المهنية، وتاريخياً كان دور أولياء الأمور يعتبر ثانوياً في التدخلات العلاجية مع الطفل وكانت العلاقة بين أولياء الأمور والمختصين تسير في اتجاه واحد تستند لافتراض مفاده أن المختصين وحدهم الذين يمتلكون المعرفة ووحدهم القادرين على اجراء التدخلات العلاجية مع الأطفال من ذوي الإعاقة، إلا أن الدراسات العلمية أشارت إلى أن الأطفال يتطورون بشكل أفضل عند تحسين مهارات أولياء أمورهم وأشارت الدراسات أيضاً إلى أن التعلم يحدث في بيئة الطفل والأسرة الطبيعية وضمن الروتين اليومي والعديد من الفوائد التي تحصل عند إشراك أولياء الأمور في البرامج والخدمات المقدمة لأبنائهم (الخطيب، الحديدي، قضايا معاصرة في التربية الخاصة).
وكما هو معروف، فإن العمل مع الأطفال بدون إشراك آبائهم لا يكون ناجحاً. فسلوك الطفل، سواء كان طبيعياً، أو منحرفاً، أو متأخراً، يتأثر بشكل شديد بالتفاعلات مع بيئته الاجتماعية وبالأشخاص الذين يشكلون عناصر هامة في حياته. وبناء على ذلك، فعندما تكون أنماط العلاقات الأسرية غير فعالة، فمن الضروري أن يبحث أفراد الأسرة، وخاصة الآباء عن مصادر ومواد تعليمية، والعمل على اكتساب مهارات عاطفية واجتماعية من أجل التفاعل بمزيد من الفاعلية مع الطفل.
وعلاوة على ذلك، فإن تدخل الآباء يؤدي إلى تقليل المشكلات السلوكية ويمنع ظهور مشكلات أخرى في مراحل لاحقة من الحياة. وحتى يفهم الآباء طبيعة السلوكيات غير المناسبة وطرق التعامل معها، فإن البرامج الموجهة إلى الآباء يجب أن تتكيف بحسب احتياجات الأسرة وشدة الإعاقة.
ومن بين العديد من برامج التدريب، النموذج السلوكي الذي يبدو أكثر فاعلية من غيره عند مساندة مثل هذه الأسر التي تعاني من مشكلات متعددة ويتمثل الهدف الرئيسي من التدريب في تغيير أنماط سلوك الأسرة، وتصحيح الأنماط الأبوية الخاطئة وغير الملائمة، وذلك من خلال التحليل الواعي لديناميكيات الأسرة، التي من خلالها يمكن فهم وتوضيح وتصحيح السلوك غير المناسب الذي يقوم به الطفل.
وقد اختبر عدد من الباحثين فاعلية تدخلات معينة في تقليل السلوك غير المناسب لدى أطفال يعانون من اضطرابات في النمو، ومقارنتها بالطرق التقليدية، حيث ركزت بشكل رئيس على (التقنيات الإيجابية) كتعزيز السلوكيات المناسبة والتثقيف الملائم، والتواصل الداعم والبديل وتقليل استخدام التقنيات المستندة إلى العقاب.
وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن الممارسات التربوية العقابية أو غير المتسقة قد تكون ذات تأثير سلبي على الفاعلية النفسية للطفل في مرحلة مبكرة من حياته كاكتساب السلوكيات العدوانية والقلق، وتدني تقدير الذات.
ومن خلال التدريب السلوكي للآباء، يتعرف الآباء والأطفال على كيفية التفاعل بطريقة أكثر فاعلية، والتكيف بطريقة بناءة. كما أن تعلم تعديل السلوكيات الخاطئة يسهم في تمكين الآباء من التفاعل بشكل إيجابي مع الأطفال؛ ويعزز من الالتزام على المدى القصير، ويؤدي الالتزام طويل الأمد إلى تغيرات هامة في نظام الأسرة. وعند اكتساب مثل تلك المهارات، فإن أنماط التفاعل تصبح عامة وتطبق في بيئات وأطر أخرى ويتم الاحتفاظ بها طوال الوقت.
إن تدريب الآباء لا يقتصر على التخلص من السلوكيات الخاطئة للطفل عموماً، بل إنه يهدف إلى تعزيز العلاقات الأسرية الفاعلة. وبشكل خاص، فعملية تدريب الآباء سلوكياً، وبناء على مبادئ تحليل السلوك والتعلم الاجتماعي، يمثل استراتيجية علاجية تهدف إلى تعليم الآباء كيفية تطبيق استراتيجية الإدارة الأبوية، وتعديل سلوكياتهم لأنها تؤدي إلى تغير سلوكي لدى الطفل.
وحتى يتمكن الطفل من تلقي تعليم ملائم، فإن آباء الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد يحتاجون إلى معرفة ومهارات متخصصة ومعلومات مبنية على أسس علمية ثابتة حول التوحد ومعالجته. ومن أهم هذه العناصر إتقان استراتيجيات تدريس معينة والتي تمكنهم من مساعدة الطفل على اكتساب سلوكيات جديدة وفهم طبيعة اضطراب طيف التوحد وتأثيره على أنماط تعلم الطفل وسلوكياته.
وفي دراسة حديثة أجريت مؤخراً في مركز الشارقة للتوحد التابع لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية هدفت إلى التعرف إلى مدى فاعلية برنامج تدريبي مستند إلى فنيات إدارة السلوك في اكساب أمهات الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد في دولة الإمارات العربية المتحدة مهارات التعامل مع سلوكيات أطفالهم، تألفت عينة الدراسة من ثلاثين والدة لطفل من ذوي اضطراب طيف التوحد تراوحت أعمارهم ما بين (5 إلى 10) سنوات، ولتحقيق أهداف الدراسة قام الباحث بإعداد برنامج تدريبي قائم على فنيات إدارة السلوك ومقياس مستوى امتلاك أمهات الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد لفنيات تعديل السلوك مكون من (40) فقرة للحكم على فاعلية البرنامج الذي قام الباحث بإعداده وتطبيقه في هذه الدراسة.
وأشارت نتائج الدراسة إلى امتلاك أمهات الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد فنيات التعامل مع سلوكيات أطفالهن بعد تلقيهن البرنامج التدريبي وتحسن مهاراتهن في التعامل مع سلوكيات أطفالهن.
وأشارت نتائج الدراسة أيضاً إلى أنه لا توجد فروق في مستويات امتلاك الأمهات لفنيات التعامل مع سلوكيات أطفالهن تعزى للمستوى التعليمي أو العمر أو الحالة الاجتماعية.
وبناء على نتائج الدراسة يتضح أن هنالك قابلية عند أمهات الأطفال من ذوي اضطراب التوحد لتعلم واكتساب المهارات والفنيات التي تمكنهم من التعامل مع سلوكيات أطفالهن حتى لو كانت مستوياتهن التعليمية محدودة وفي فترة زمنية قصيرة نسبياً. ويستطيعون تعلم تقنيات تعليم مهارات التكيف وإدارة السلوك لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد. فمثل هذا النوع من التدخل يعمل على زيادة تعلم الطفل، وتحسين من جودة حياة الأسرة وتمكين الآباء من مواصلة جهودهم مع الطفل طوال الوقت.
ومن أبرز ما أوصت به الدراسة إجراء برامج تدريبية تستهدف الآباء لتحسين مهاراتهم في التعامل مع أطفالهم من ذوي اضطراب طيف التوحد.
الدكتور / هيثم عبد الرحمن الحياري
- مدير مركز الشارقة للتوحد – مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
- مواليد 1982 المملكة الهاشمية الأردنية
- حاصل على الدكتوراه في التربية الخاصة والإرشاد
- بكالوريوس وماجستير في التربية الخاصة والإرشاد
- مختص في مجال الإعاقة وعمل في مجالات متعددة مع ذوي الإعاقة
- خبرة طويلة في مجال دمج الطلبة ذوي الإعاقة
- عضو في الفريق البحثي لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
- مختص في العلاج السلوكي مع الأشخاص من ذوي الإعاقة
- له دراسة منشورة في المجلة التربوية للجامعة الأردنية تحت عنوان: (فاعلية برنامج تدريبي قائم على فنيات تعديل السلوك في تنمية معرفة أمهات الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد في التعامل مع سلوكيات اطفالهم في دولة الامارات المتحدة).