إعداد : ريناد جازي المطيري
تعتبر السنوات الخمس الأولى أهم المراحل العمرية في حياة الإنسان، فخلالها تتكون شخصية الطفل، وفيها تتبلور مراحل نموه الأولى.
وبالتالي، فإن عدم تقديم خدمات أو برامج التدخل المبكر خلال هذه السنوات للطفل سواء كان من الأشخاص ذوي الإعاقة أو متأخراً نمائياً يجعل منها سنوات حرمان وفرص ضائعة وربما تسبب ذلك في التدهور النمائي (القضاة، 2017).
لذا، يهدف هذا المقال إلى إيضاح أهمية التدخل المبكر مع بعض الإضاءات حوله.
ما هو التدخل المبكر؟
يقصد به الجهود التي تبذل للكشف عن الأطفال المعرضين للتأخر النمائي، أو العجز، أو الإعاقة منذ الولادة إلى عمر ست سنوات، وتوفير الرعاية المتكاملة لهم ولأسرهم في مرحلة الطفولة المبكرة (القضاة، 2017).
ويهدف التدخل المبكر مع الإجراءات المصاحبة له إلى سرعة تقديم الخدمات الوقائية والعلاجية الشاملة والتي تماثل خدمات الوقاية والرعاية الصحية الأولية (العجمي، 2011).
يشمل التدخل المبكر برامج تأهيلية وتربوية ونفسية عدة تتكامل فيما بينها حيث تقدم خدمات التدخل المبكر مباشرة للأطفال وأولياء أمورهم، وهذه الخدمات المبكرة يمكن أن تكون على مستوى البيئة والمجتمع المحلي من خلال التقليل من الحواجز أو العوائق المتواجدة في البيئة المحلية، بالإضافة إلى تطوير وتحسين إجراءات السلامة المتوفرة محلياً ومن ثم العمل أيضاً على تعزيز وتنمية برامج التوعية الاجتماعية بمشكلات الإعاقة والآثار السلبية المترتبة عليها (العجمي، 2011).
أهمية التدخل المبكر
أشار العجمي (2011) إلى عدة مبررات للتدخل المبكر، ويمكن تلخيص المبررات في الجوانب التالية:
- أكدت جميع نتائج الدراسات والأبحاث النفسية والتربوية أن مراحل النمو الأولية تعتبر ذات أهمية بالغة في نمو الطفل وتكيفه، وعليه فإن التدخل المبكر في هذه المرحلة سوف يسهم في تنمية قدرات الطفل العقلية والحركية وتحسين سلوكه الاجتماعي والانفعالي، كما تعتبر الدراسات الميدانية وما ترتب عنها من تحسن ملموس لدى الحالات المستفيدة أكبر دليل على قيمة تلك البرامج وآثارها الايجابية.
- إن توفير هذه البرامج قد يخفف أو يمنع الإعاقة وبالتالي يحد من تحويل أعداد كبيرة من الحالات إلى برامج التربية الخاصة، مما يؤدي بالتالي إلى تخفيف الجهد والتكلفة المادية المتوقعة لاحقاً والناتجة عن تقديم خدمات تربوية متخصصة، وهكذا فإن توفير برامج غنية بالمثيرات في السنوات الأولى من حياة الطفل يساعد بشكل مؤكد في اكتسابه مختلف المفاهيم والمهارات الضرورية، سواء أكانت لغوية أو معرفية أو سلوكية أو اجتماعية أو أكاديمية وفق الاحتياجات الفردية لكل حالة.
- على صعيد الأسرة، للتدخل المبكر أثر بالغ في تكيف الأسرة والتخفيف من الأعباء المادية والمعنوية نتيجة وجود حالة الإعاقة، إضافة إلى التأكيد على أهمية مشاركة الأسرة وإبراز دورها الأساسي في تقديم المعلومات الضرورية وإسهامها في تنفيذ تلك البرامج.
الهدف من التدخل المبكر
التدخل المبكر يهدف إلى تنمية قدرة ومهارة الطفل ذي الإعاقة في ستة مجالات للنمو ينمو فيها الطفل غير المعاق هي: المجال المعرفي، الحياتي اليومي، الاجتماعي والانفعالي، الحركي، اللغوي، وما قبل الأكاديمي، وإشباع حاجاته وحاجات أسرته وإعداد الطفل كي يكون عضواً نافعاً في المجتمع، كما توفر الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والتربوية له عن طريق فريق متعدد التخصصات، وذلك من خلال التشخيص المبكر للحالات وتقديم الرعاية المتكاملة والبرامج المتخصصة (العجمي، 2011).
التربية الخاصة للطفولة المبكرة
قدمت التربية الخاصة في الطفولة المبكرة خدمات تربوية ومساندة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم من ثلاث إلى خمس سنوات، حيث أن التدخل المبكر يعود إلى الخدمات المقدمة للأطفال الرضع والدارجين من عمر يوم واحد وحتى سن العامين.
ميزت الخدمات الطبية والأسرية مابين التربية الخاصة والتدخل المبكر حيث أشارت إلى أن التدخل المبكر قدم خدمات خصيصاً للأطفال الرضع ممن تتراوح أعمارهم بين يوم وثلاث سنوات، لتلبية احتياجاتهم في المجالات النمائية المتضمنة النمو الحركي والمعرفي والتواصلي والاجتماعي والانفعالي (الصمادي، 2016).
دور الأسرة في برامج التدخل المبكر:
أشار العجمي (2011) إلى أن أساس توفير الخدمات الفعالة في التدخل المبكر يرتكز على تطوير علاقات عمل ايجابية مع الأسر، وقد بين الباحثون والممارسون إن هذه العلاقة الإيجابية تعتبر ضرورية من أجل تحقيق نتائج فعالة لكلٍّ من الطفل والأسرة معاً ويظهر تأثير دور الأسرة ضمن البرامج الخاصة بالتدخل المبكر في الآتي:
لا يؤخذ في الاعتبار أي برنامج تدخلي للطفل ذي الإعاقة إلا مع وجود تأثير فعال من قبل الوالدين في المشاركة بالنمو والارتقاء بقدراته واستعداداته وشخصيته وجميع جوانب النمو المتداخلة حيث أن تدخلهم بفاعلية أمر هام وحيوي.
إن المرونة والتفرد اللذين يتصف بهما تدخل الآباء أمر بالغ الأهمية، نظراً لاختلاف آباء الأطفال ذوي الإعاقة في مدى تفهمهم وقبولهم واستعداداتهم للتدخل ضمن البرامج العلاجية والخدمات.
إن اشتراك الآباء وتدخلهم قد يكون لهما تأثير ايجابي أيضاً في تعاملهم مع أطفالهم غير المعاقين.
هناك عدة مستويات للمشاركة من قبل الآباء وعلى أساسها يطور الممارسون ومقدمو الرعاية برامجهم بما يمكن الآباء من الانتقال من مستوى إلى آخر أكثر تقدم من التدخل (العجمي، 2001).
تفريد برامج التدخل المبكر:
يقوم التدخل المبكر على أساس الفروق الفردية بين الأطفال في النمو، فالبرنامج الذي يناسب طفلاً قد لا يناسب غيره بنفس الدرجة فكل طفل في حاجة إلى برنامج خاص به يقابل حاجاته ويناسب ظروفه الأسرية، وعلى هذا الأساس توضع خطة تربوية فردية لكل طفل يشترك في إعدادها وتنفيذها الاختصاصيون ووالدا الطفل، وتتضمن عادة الآتي:
مستوى نمو الطفل الحالي، الأهداف السنوية (البعيدة) والشهرية (القريبة)، الخدمات التعليمية التي يحتاجها الطفل، إمكانية استفادة الطفل من التعليم المادي، معايير تقويم تقديم الطفل أثناء البرنامج، مواعيد بدء الخدمات ومدة كل منها وأماكن تقديمها، مواعيد مراجعة البرنامج (القمش، الجوالده، 2014).
مراحل تطور برامج التدخل المبكر:
تطورت برامج التدخل المبكر عبر ثلاث مراحل رئيسية، وهي:
- المرحلة الأولى: كان التدخل المبكر يركز على تزويد الأطفال الرضع من ذوي الإعاقة بالخدمات العلاجية وبالنشاطات التي تستهدف توفير الإثارة الحسية لهم.
- المرحلة الثانية: أصبح التدخل المبكر يهتم بدور الوالدين كمعالجين مساعدين أو كمعلمين لأطفالهم ذوي الإعاقة.
- المرحلة الثالثة: أصبح جل الاهتمام ينصب على النظام الأسري بوصفه المحتوى الاجتماعي ذي التأثير الأكبر على نمو الطفل، فقد أصبح دعم الأسرة وتدريبها وإرشادها الهدف الأكثر أهمية (القمش، الجوالده، 2014).
ختاماً
إن التدخل المبكر يعد من أنجح الطرق لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة ويقلل من آثارها المستقبلية على قدر فاعلية التدخل الذي تم في المراحل العمرية الأولى.
لذلك يجب تضافر جهود الاختصاصيين كافة لتطوير التدخل المبكر نحو مستوى أعلى ووضعه في قائمة الأولويات التي تهم الأطفال ذوي الإعاقة.
المراجع:
- العجمي (2011). التدخل المبكر وبرنامج بورتج. دار يافا العلمية للنشر والتوزيع.
- القضاة (2017). الطفولة المبكرة (التدخل المبكر). الإعاقة. صحيفة مكة. مقالة علمية.
- الصمادي (2016). تقييم برامج التربية الخاصة في الطفولة المبكرة في الأردن في ضوء المؤشرات النوعية العالمية. رسالة ماجستير.
- القمش، الجوالده (2014). التدخل المبكر. دار الثقافة.
ريناد جازي مرزوق المطيري
- حاصلة على شهادة البكالوريوس من جامعة الإمام محمد بن سعود – تخصص تربية خاصة – إعاقة فكرية.
- طالبة دراسات عليا قسم التربية الخاصة – جامعة الطائف – تخصص تربية خاصة – إعاقة فكرية.
- مهتمة بخدمات التدخل المبكر لذوي الإعاقة.