تترك التربية المبكرة بصمات واضحة على شخصية الطفل وسماتها المستقبلية.. أتذكر قصص الأمس التي كانت جدتي (رحمها الله) ترويها لنا عندما كنا نأوي إلى فراشنا فلا تكاد تصل إلى نهايتها حتى يداعب جفوننا النوم فنغط بعدها في سبات عميق وتحلق بنا الأحلام.. ويبقى صدى صوتها المتهدج الحنون فتكتمل الحكاية في الحلم.
ذكريات الماضي الجميل هذه لا تزال في مخيلتنا جميعاً، ومع مضي الأيام وعندما اشتد عودنا وبدأ الفضول السمة الأبرز لطفولتنا كما هو سائد عند أقراننا فكنا نسأل: كيف ومن أين جئنا إلى هذه الدنيا.. تارة نجاب بالتأنيب وأخرى بتغيير الموضوع.. وعندما يتجرأ أحد الوالدين فإن إجابته لا تعدو أن تكون: وجدناك في كيس السكر (إذا كان الطفل أبيض البشرة) أو: وجدناك في كيس الفحم (إذا كان أسمر البشرة) وأرضعناك إلى أن أصبحت يافعاً.
أما اليوم في عصر العولمة والحداثة وحوار الحضارات.. في عصر أصبح فيه العالم قرية صغيرة ـ كما يقولون ـ فإن إجابتي ستكون ساذجة للغاية إذا كانت بنفس الأسلوب.. بل قد يستهزأ بها ابني إذا كانت بهذه السذاجة!
إن دعاة الثقافة الجنسية، أو ما يسمونها بالتربية الجنسية، والطريقة التي تدرس بها في الغرب، ليست تربية بل هدم للتربية لما تشتمل عليه من إثارة للغرائز وجرح للحياء..
لقد أعجبني أحد أصدقائي المقيم في إحدى الدول الأوروبية عندما استدعي من قبل مشرف المدرسة التي تدرس فيها ابنته البالغة من العمر أحد عشر ربيعاً لأنها رفضت حضور دروس التربية الجنسية بسبب تربيتها وتوجيه والدها.. يقول مشرف المدرسة للأب: نحن حريصون على مصلحة ابنتك وها هي مقبلة على سن البلوغ وهذه المادة للتوعية وبهذا تتجنب ابنتك الإصابة بالأيدز ولا تتعرض للحمل قبل الزواج.. وما إلى ذلك!
فأجابه صديقي الذي يحمل جنسية ذاك البلد بكل ثقة وكبرياء: ومن قال لك يا سيدي أن ابنتي ستصاب بالأيدز أو تتعرض للحمل قبل الزواج! نحن مسلمون والمسلم ليس معرضاً لكل هذا لأن علاقاتنا شرعية ولا تكون إلا من خلال الزواج الطاهر الشريف..
فأطرق الرجل باحترام وقال له: لك ما تريد.
إن الثقافة التي اكتسبناها والزمن الذي عشناه بما يحمل من بساطة وصفاء لا ينطبق البتة على أبنائنا في عصر يشهد انهيار القيم وشيوع المفاسد وانفتاحاً كاملاً بين الشرق والغرب.
في هذا العصر نحن معشر الآباء نعاني من القلق والخوف على مستقبل أبنائنا، لذا كان لزاماً علينا أن نسلحهم بالدين والخلق القويم وأن نحميهم من هذه المتناقضات وأن نكون على جانب كبير من الصراحة معهم في الرد على تساؤلاتهم واشباع فضولهم.. وهنا تسأل بعض الأمهات والآباء: كيف يكون هذا؟
هناك أمور لابد أن نتحدث معهم عنها.. متى وكيف.. وما هو الأسلوب الأمثل لذلك! وكيف يكون الرد على أسئلتهم المحرجة والتي تتعلق بالحمل والإنجاب والتكاثر وهم في أعمار لا تزال صغيرة؟ وخصوصاً أن أسئلة الأطفال وفضولهم لا حد له.. والأطفال في ذلك إما حائرون أو مضللون بمعلومات خاطئة من هنا وهناك حصلوا عليها من وسائل إعلام مضللة أو رفاق السوء!!
لذلك أقول إن لدينا أسس للتربية الجنسية في الإسلام تنسجم مع مختلف المراحل العمرية..
سيدتي الأم الفاضلة.. سيدي الأب الفاضل.. أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض.. فإن انزلقوا إلى مفاهيم خاطئة فقد نكون نحن السبب لأننا لم نتفهم رغباتهم وفضولهم ونرد على تساؤلاتهم بشكل صحيح إما بسبب الخجل أو الحرج الذي يغلب على الكثير منا أو حتى الاهمال.. وعلينا في هذه الحالة أن نتخلص من هذه المواقف قليلاً وأن نتعلم كيف نربي أبناءنا التربية الجنسية الصحيحة استناداً إلى تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف.. وهذا ينطبق على مربي الأجيال والمدرسين والإعلاميين ومن واجب الجميع أن يمدوا لهم يد العون وأن يردوا على تساؤلاتهم دون حياء أو تردد ولا سيما في مرحلة المراهقة.. ومن واجبنا أيضاً أن نبعدهم عن الإعلام المضلل ورفاق السوء.. فلا نعرض خيالهم للضياع ولا شخصياتهم للاضطراب.. يقول تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة).
أود في هذا المجال أن أطرح بعض النقاط لعل فيها بعض الإجابات الشافية:
- تربية الأطفال وتنشئتهم على الحياء والحشمة وهي الفطرة التي فطر الله الناس عليها، بحيث نعلمهم تغطية العورة والاحتشام باللباس، خصوصاً وأن هناك بعض الأمهات لا يراعين هذا بحجة أن البنت لا تزال صغيرة! والأصح أن تعويد الأطفال على الاحتشام في عمر مبكر أمر ضروري يكسبهم الحياء الذي هو شعبة من الإيمان ويعلم الإناث منهم عدم التعري أمام المحرمين من الرجال وحتى وإن أرادت الواحدة منهن ارتداء ثياب السباحة فلها الحق في ذلك ولكن لتذهب مع أمها إلى حوض السباحة في اليوم المخصص للنساء.·
- تعويد الطفل أو الطفلة عند سن التمييز اللعب كل مع أقرانه ومن جنسه، وبهذا ننمي مشاعر الرجولة عند الطفل الذكر، وصفات الأنوثة عند الطفلة الأنثى، وبهذا نجنبهم إباحة الاختلاط في المستقبل.
- ·التفريق بين الجنسين في المضاجع.. وهذه القيمة ثبتت مصداقيتها وفائدتها علمياً وتربوياً.. وكما قال رسولنا الكريم صلى الله عليهم وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم بالمضاجع).
- ·تعليم الأولاد آداب الدخول والاستئذان حتى لا يتورطوا باحراجات أو تقع أعينهم على عورات الآخرين. يقول تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الطهرة ومن بعد صلاة النساء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم) (النور 58).
- ·أما عن التساؤلات التي قد يطرحها الأبناء على الآباء، فعادة ما تسأل البنت أمها، وحتى الفتى، وذلك لقربهما من الأم، وهنا يأتي دور الأم المثقفة المسلمة الجريئة القادرة على صياغة الإجابات بطريقة سليمة والمتفهمة لهذه المرحلة فيشعر الشاب أو الفتاة معها بالأمان مما يجنبهما طرح مثل هذه الأسئلة على رفاق السوء.. وهما لن يفعلا ذلك إلا إذا وجدا لدى الأب والأم الترحيب والتشجيع على أن يكون في قالب من الأدب والحشمة..·
ونستطيع أن نذهب أبعد من ذلك بالقول إن من واجب الأبوين توعية أبنائهم بهذه المواضيع حتى قبل أن يسألوا عنها شرط أن يكون الشرح مناسباً لكل عمر.. فمثلاً قبل سن البلوغ يجب أن يعرف الشاب أو الفتاة كل شيء عن هذه المرحلة والتغيرات الفيزيولوجية والنفسية التي تطرأ عليه وكذلك معرفة أساليب الغسل والطهارة من الجنابة وما إلى ذلك ومعرفة أن إثارة الغرائز ستنعكس سلباً على شخصيته وتحصيله العلمي وبالتالي مستقبله.. وتعليمه كيفية التعامل مع التغيرات الجسدية والهرمونية التي تطرأ عليه.
إن تثقيف الأبناء وتوعيتهم بهذه الطريقة كفيل بتعزيز قدرتهم على تجاوز تلك المرحلة الحرجة من حياتهم والوصول إلى مرحلة اختيار الشريك والزواج وتأسيس أسرة سعيدة ناجحة مبنية على أسس قويمة.
- تابع الدكتور محمد زهير مهمندار دراساته العليا وتدريبه المتخصص في مجال طب الأطفال حديثي الولادة والأطفال في ايرلندا وكان لديه قبلها عقدان من الخبرة في العمل في مجال طب الأطفال في دبي. وهو خبير يحظى باحترام كبير في مجال الرعاية الصحية للأطفال وأحد الأطباء المعروفين في مجال طب الأطفال في دولة الإمارات العربية المتحدة.
- عمل في مستشفى دبي وأشرف على أول وحدة لرعاية الأطفال حديثي الولادة في دبي ودولة الإمارات العربية المتحدة تقدم خدماتها للأطفال المبتسرين (1981 ـ 2008),.
- قدم خدمات استشارية في طب الأطفال وحديثي الولادة في القطاع الخاص من خلال مستشفى الإمارات في الجميرا ودبي مارينا.
- عمل سابقاً مستشاراً صحياً لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية وجمعية متلازمة داون العالمية (DSI),، وهو أحد من مؤسسي فريق الإمارات لدعم ذوي متلازمة في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة.
- يعمل الدكتور زهير حاليا في مستشفى الإمارات بالجميرا في مجالات خدمات طب الأطفال العام والتي تشمل: رعاية الأطفال العامة، المولود الجديد ورعاية الرضع، طب الأطفال العام، اضطرابات الربو القصبي واضطرابات الحساسية، الاضطرابات النفسية، السمنة واضطرابات التغذية.