يعتبر القلق والخوف مشاعر طبيعية عند الإنسان في حالات الطوارئ والأزمات، وخاصة عند الأطفال، كونهم لا يستطيعون تفسير المواقف التي تحدث من حولهم ولا يمتلكون الآليات الكافية للتعامل مع مشاعرهم والسيطرة عليها كما هو الحال عند الراشدين، إلا أن ردود الفعل قد يكون مبالغاً فيها وتختلف من شخص إلى آخر، وبالتالي قد تؤثر على مسار وحياة الطفل اليومية، ومن ثم قد يحتاج الأطفال إلى تدخل عاجل، علماً أن بعض مشاعر الخوف والصدمة قد تستمر مع الأطفال حتى بعد انتهاء الأزمات إذا لم يتم التدخل في حينه لتجنب تفاقمها.
ولا يعني كون الأطفال من ذوي الإعاقات الذهنية أو التوحد بأنهم لا يعرفون تماماً ما يدور حولهم، بل إن الجو العام للأسرة والحوار الذي يحصل يومياً بين أفرادها، وما يرتبط بذلك من متابعة لمواقع التواصل الاجتماعي والتلفاز، وتغيُّر السلوك الروتيني اليومي للأسرة وأفرادها، كلها مؤشرات من شأنها أن تسترعي انتباه الأطفال بأن هناك شيئاً ما يحدث، لذلك فإن حصولهم على المعلومة بطريقة مبسّطة تلائم قدراتهم أفضل من بناء معلومات مشوّهة غير دقيقة عن الأزمة.
قد يستجيب الأطفال ذوو الإعاقة للأزمات بناء على ردود فعل الراشدين وبناء على خبراتهم المسبقة في التعامل مع المواقف الضاغطة، لذلك؛ فالوالدان ومقدمو الرعاية هم الأدرى بكيفية استجابة الأطفال ذوي الإعاقة للمواقف الضاغطة، والتنبؤ بالمؤشرات الأولية التي قد تُنذر بوجود انتكاسات أو نوبات غضب عند هؤلاء الأطفال. وقد تختلف المؤشرات على عدم ارتياح الطفل وتأثُره بالأزمة المحيطة به وعدم شعوره بالأمان من طفل إلى آخر، ولكن أهمها: تعابير الوجه أو الحركات اللاإرداية في الجهاز العصبي، التغيُّرات في نبرة ونمط الصوت والكلام، التعثُّر، الشعور بالمرض، الانسحاب أو الهدوء الزائد عن اللزوم، الشكوى والتحسس الزائد، ظهور الخوف أو الاستجابات العنيفة المبالغ فيها.
ومن المهم الإشارة إلى أن تجاهل الراشدين لهذه المؤشرات قد يؤدي إلى تفاقمها لدرجة لا يمكن السَّيطرة عليها أو التسبُّب بنوبات الغضب، حينها لا بد من أخذ الطفل إلى المكان الأكثر أماناً في المنزل وتهدئته بشتى الطرق التي تُشعره بالأمان والراحة. وبما أن الطفل من أصحاب الهمم يقضي وقتاً طويلاً مع المعلمات والأخصائيين في المركز، لذلك فإنهم يملكون معلومات كثيرة وخبرة كافية عنه وعن آليات تهدئته وتعزيزه، لذلك فمن المهم على الأهل استشارة المعلمين والتنسيق معهم بخصوص السلوكيات التي قد تظهر على الطفل في البيت خلال الأزمة.
وأود أن أورد في هذه العجالة، أهم الأمور التي يجب أن نعرفها عن سلوك الأطفال من مختلف الإعاقات في حالات الطوارئ والأزمات وكيفية التعامل معها تبعاً لنوع الإعاقة، علماً أنه لا بد من التعامل مع كل حالة على حدة:
الأطفال ذوو اضطراب طيف التوحد:
- يواجه الأطفال ذوو اضطراب طيف التوحد تحديات كثيرة مع مقدمي الرعاية عند تغيُّر الروتين عليهم، وخاصة عند عدم الذهاب إلى المدرسة والبقاء في المنزل.
- من المهم معرفة قدرة الطفل الذي يتواصل بشكل غير شفوي على اكتساب المعلومات المقدمة له عن الأزمة من التلفزيونات ووسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال المحادثات.
- التعرُّف على المؤشرات الأولية التي قد تؤدي إلى نوبات الغضب وتوقُّعها قبل حدوثها، والتعرُّف على الظروف المحيطة التي أثارتها (هل هي الحديث عن الأزمة، مشاهدة صور معينة، مواعيد خروجه اليومية…).
- تزويد الطفل بطرق مناسبة للتواصل معه للتعبير عن الأزمة وتزويده من خلالها بالمعلومات اللازمة.
- إذا كان لا بد من تغيير الروتين اليومي للطفل أثناء الأزمة، فلنحاول قدر الإمكان المحافظة على الأمور الأساسية التي اعتاد عليها الطفل (مكان نومه ومواعيده، وجبات الطعام، الأدوات والأغراض والألعاب التي يستخدمها، مقدمو الرعاية الذين يقضون معه الوقت في العادة).
- قد يستفيد الأطفال من القصص الاجتماعية التي تشرح لهم المواقف التي يمرون بها خلال الأزمة، إضافة إلى التواصل عن طريق الصور لشرح المثيرات المحيطة (مثل عرض صورة سيارة اسعاف عند سماع صوتها)، لذلك يمكن الحفاظ على أن تكون هذه الصور والقصص قريبة من متناول الطفل.
- بالنسبة للأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد الناطقين، فقد يُكرِّرون عبارات سمعوها من المحيط مثل (الفيروس من حولنا، الناس ستمرض) مما يجعلهم أقل تقبُّلاً من المحيطين بهم، الأمر الذي يقتضي تقديم معلومات ملموسة لهم ودقيقة عن الأزمة، واستبدال العبارات السلبية بعبارات تفاؤلية إيجابية.
وقد قدّمت كارا هيوم وآخرون (Hume et al. 2020) الاستراتيجيات السبع التالية للتعامل مع الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد في حالات الطوارئ والأزمات:
- ادعم فهمهم للأزمة الراهنة بالطرق المناسبة لهم متضمناً الوسائل البصرية.
- امنح الفرص لهم للتعبير عما يدور في أذهانهم بما يتناسب مع قدراتهم وطرقهم في التواصل المتعددة كالصور والفنون والموسيقى وألواح التواصل واللعب.
- درِّبهم على مهارات المواءمة والتهدئة مثل تمارين التنفس، الموسيقى، التمارين الرياضية أو ممارسة نشاط محبب.
- الحفاظ على الروتين المُتبع مثل روتين النوم والاستيقاظ والوجبات والروتين اليومي في المنزل.
- شجّعهم على بناء روتينات جديدة بشكل تدريجي.
- ادعم تواصلهم داخل نطاق الأسرة أو الأصدقاء والأقارب أو الكوادر العاملة مع الطفل، عن طريق وسائل التواصل التقنية عن بعد.
- لاحظ التغيُّرات السلوكية التي قد تحدث معهم خلال الأزمة كمؤشرات الهيجان والغضب والقلق والسلوكيات النمطية.
الأطفال ذوو الإعاقات الذهنية:
- يستجيب الأطفال ذوو الإعاقة الذهنية للأزمة بناء على ردود فعل وسلوكيات الراشدين التي يلاحظونها وأقرانهم المحيطين بهم، أكثر من المعلومات الشفوية التي يسمعونها عن الأزمة.
- قد لا يفهم الأطفال ذوو الإعاقات الذهنية الأزمة المحيطة بهم بسهولة، أو قد يفهمونها منقوصة أو بشكل مشوَّه.
- يحتاج أولياء الأمور ومقدمو الرعاية إلى تقدير مدى قدرة الطفل على استيعاب ما يدور خلال الأزمة، من أجل تقديم المعلومات وأساليب التدخل والتمارين المناسبة لمستواه العقلي واللغوي.
- بعض الأطفال ذوي الإعاقات الذهنية الشديدة قد لا يفهمون ما يحدث خلال الأزمة وبالتالي لا يظهر لديهم الضغط أو التغيرات في السلوك، إلا أن الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية البسيطة قد يعّبرون عن المواقف الضاغطة خلال الأزمة بعدة طرق واضحة، ولكنهم يستجيبون لها بنفس طريقة الأطفال من غير ذوي الإعاقة الذهنية الأصغر سناً منهم.
- يجب أن يكون النقاش مع ذوي الإعاقة الذهنية عن الأزمة بسيطاً ومحدداً، ومن المهم استخدام الشُّروحات البصرية والمعلومات الملموسة والصور لشرح الأحداث المحيطة.
- يمكن للوالدين استخدام الشروحات الشفوية البسيطة المطمئِنة لهؤلاء الأطفال مثل: (نحن محظوظون بوجود الشرطة والاسعاف للمساعدة) (الأطباء يعالجون المرضى) (كثير من المرضى الذين تلقوا العلاج تم شفاؤهم بحمد الله).
- بما أن الأطفال بشكل عام قد يكونون بحاجة إلى التدخل وقت الأزمات، فإن الأطفال ذوي صعوبات التعليم قد يحتاجون إلى تقديم الدعم أثناء الأزمة، وذلك تبعاً لمستوى النضج لديهم.
- بعض الأطفال من ذوي صعوبات التعلم قادرون على معالجة اللغة واستيعاب المفاهيم المُجردة بدون صعوبة، فيما الآخرون لديهم تحديات في هذه المهارات، لذلك فمن المهم أن تعتمد عملية إيصال المعلومات لهم على الجانب الحسي المادي.
- بعض الأطفال من ذوي صعوبات التعلم يُفسّرون ما يسمعونه أو يقرؤونه بشكل حرفي، لذلك فمن المهم على الوالدين أو مقدمي الرعاية اختيار المفردات بعناية لكي لا يُساء فهمها.
- إذا كان من الصعب على الطفل من ذوي صوبات التعلم متابعة المفردات الشفوية واللغة المنطوقة التي يتم بثّها عن الأزمة، فمن المهم إضافة الإيضاحات البصرية كتلك التي تعرضها مواقع التواصل الاجتماعي، واستخدام المفردات المادية المحسوسة لشرح الوضع العام وتقديم المعلومات.
- قم بين وقت وآخر بالتأكد من أن الطفل قد فهم المعلومات الشفوية والمفردات التي سمعها.
- خذ بالاعتبار أن بعض الأطفال ذوي صعوبات التعلم يواجهون تحديات في مفاهيم الوقت والفراغ، لذلك فقد يكون من المُربك لهم فهم ما يبثُّه التلفاز عن الأزمة من مواضيع تتعلق بما حدث وأين حدث وما الذي سيحدث.
- يواجه بعض الأطفال مصاعب في المهارات الاجتماعية وإدارة الذات، لذلك فهم يحتاجون إلى تعليمات إضافية حول ضبط الشعور بالغضب، التحمُّل ومراقبة الذات.
- قد تكون بعض التعليمات المتعلقة بالأطفال ذوي الإعاقة الذهنية مفيدة لذوي صعوبات التعلم على الرغم أن مستوى ذكائهم في حدود الطبيعي أو أفضل من الطبيعي، إلا أنهم يواجهون مشكلات مشابهة في التعلم الشفوي، الذاكرة والتواصل.
- خذ بالاعتبار أنهم يواجهون تحديات في صيغة المعلومات المتوفرة عن الأزمة الحالية، خاصة أن غالبية المعلومات تتوفر بشكل شفوي كالإذاعة والتلفاز والحديث الذي يدور في الأسرة.
- تتأثر قدرتهم على قراءة المعلومات والتعليمات وإدراك المفردات المُجردة، الأمر الذي يحتاج منك إلى تبسيط المعلومات المكتوبة.
- الاعتماد بشكل أكبر على المعلومات المصوَّرة وعلى الفيديوهات لما فيها من شروحات بصرية.
- حاول أن تكون المعلومات المقدَّمة مادية قدر الامكان وليست مجردة، وتأكد من أن الطفل قد فهم معناها بين وقت وآخر.
- أهمية الترجمة المرافِقة للمعلومات السمعية بلغة الاشارة للصم، وخاصة الحوار الدائر بين أفراد الأسرة، مع احترام وجود الشخص الأصم بين الحضور.
- تأكد من أن المفردات قد وصلت إلى الشخص الأصم بشكل سليم، لكي لا تكون المعلومة منقوصة أو مشوَّهة، وبالتالي تسبب له مزيداً من الخوف والهلع عن الأزمة.
- قد لا يستطيع الأطفال الذين لديهم بقايا سمعية مواكبة الحديث الشفوي الدائر حولهم، لذلك لا بد من تفهُّم الاحباط الذي يتعرضون له نتيجة الجهد الذي يبذلونه لمتابعة الحديث الدائر والمعلومات الشفوية المقدَّمة.
- قد تكون هناك الكثير من المفردات الجديدة بالنسبة لذوي الإعاقة السمعية والتي تُعتبر غير مألوفة وبالتالي تسبب إرباكاً للطفل حين يقرؤها مثل (كوفيد 19، العزل المنزلي، العزل الصحي، حضانة الفيروس، الالتهاب الرئوي، التباعد الجسدي أو الاجتماعي..) الأمر الذي يتطلب شرحها بالطريقة المناسبة.
- خذ بالاعتبار أن الطفل من ذوي الإعاقة البصرية لا يستطيع التعرف على انفعالات الوالدين والمحيطين من خلال تعبيرات الوجه، لذلك لا بد من استخدام التعبيرات الشفوية لشرح ما تشعر به.
- الحاجة إلى الوصف الصوتي المرافق للفيديوهات المعروضة ليتمكّن الأطفال ذوو الإعاقة البصرية من فهم المعلومات أو الإرشادات المقدمة.
- اطرح أسئلة على الطفل للتأكد من أنه فهِمَ التعليمات أو الاجراءات الاحترازية المطلوبة، أو المعلومات المحدّثة حول الأزمة.
- قد يُشكّل البقاء في غرفة معينة عنصراً مملاً بالنسبة للطفل، لذلك من المهم الحرص على مساعدته على التنقل من مكان إلى آخر في أركان المنزل.
- من أجل بث روح التغيير والتجديد، يمكن إجراء تغييرات في ديكور الغرفة، وإضافة الزينة على الجدران، أو تعليق بعض الرسومات والصور.
- مساعدة الطفل على أداء بعض المهارات في المنزل، وتكليفه بمهام ولو كانت بسيطة جداً وتقود إلى النجاح والثقة بالنفس.
- تغيير وضعيات الجلوس على الأرض، الكرسي، السرير والاستلقاء بين وقت وآخر.
- مراعاة أي سلوكيات قد تنجم عن الاحباط والاحساس بالروتين وتفهُّمها.
- التغيير في الأنشطة والبرنامج اليومي للطفل واستشارته في الأمور التي يُحبُّها، مثل مشاهدة التلفاز، الأجهزة الالكترونية، الرسم، تغيير نمط الطعام.
- تغيير الملابس وارتداء ما يُحب، كنوع من كسر الروتين حتى لو لم يكن يريد الخروج.
- الحديث عبر الهاتف مع من يُحب من أقارب وأصدقاء.
- الحفاظ اليومي على مرونة العضلات والمفاصل حسب إرشادات المختصين.
- تعقيم الأجهزة والأدوات باستمرار وتدريبه على ذلك حسب قدراته.
الأطفال ذوو الاضطرابات النفسية الانفعالية:
- قد يكون هؤلاء الأطفال أكثر عُرضة لردود الفعل الضاغطة أثناء الأزمات.
- في العادة، يكون لديهم الحد الأدنى من الدراية عن كيفية التعامل مع الأزمات الاعتيادية الحياتية اليومية.
- من المتوقع أن تظهر أعراض على الأطفال الذين لديهم اكتئاب أو قلق، بشكل أوضح وأكثر حدة مثل الانسحاب، الاستثارة المُبالغ فيها، زيادة الشعور بعدم جدوى الحياة وقيمتها، الاحباط، السلوكيات العصبية مثل: مص الابهام، قضم الأظافر، التسرُّع.
- بالنسبة للآطفال الذين سبق أن كان لديهم سلوكيات تُشكِّل خطورة على حياتهم، أو أفكار مشوَّهة عن الذات والواقع، فمن المتوقع أن يكونوا أكثر عرضة في الأزمات لمشاعر اليأس وانفجار المشاعر والغضب.
- بالنسبة للأطفال الذين سبق أن كانت لديهم مشكلات سلوكية كعدم الالتزام بالتعليمات والعدوان والتمرد على الأنظمة، فمن المتوقع أن يكونوا وقت الأزمات أكثر عُرضة لمستوى أعلى من المشكلات السلوكية كالسلوك التدميري، وعدم الطاعة، وتكرار السلوكيات العدوانية.
- دكتوراه الفلسفة في التعليم الخاص والدامج ـ الجامعة البريطانية بدبي
- يعمل حالياً في إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم ـ وزارة تنمية المجتمع ـ دبي.
- له العديد من المؤلفات حول التقييم والتأهيل النفسي والتربوي وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة.
- باحث مشارك مع مجموعة من الباحثين في جامعة الامارات العربية المتحدة للعديد من الدراسات المنشورة في مجال التربية الخاصة.
- ألقى العديد من المحاضرات والدورات وشارك في الكثير من المؤتمرات حول مواضيع مشكلات الأطفال السلوكية، وأسر الأشخاص المعاقين، والتقييم النفسي التربوي، التشغيل، التدخل المبكر.
- سكرتير تحرير مجلة عالمي الصادرة عن وزارة تنمية المجتمع في الإمارات.
- سكرتير تحرير مجلة كن صديقي للأطفال.
جوائز:
- جائزة الشارقة للعمل التطوعي 2008، 2011
- جائزة راشد للبحوث والدراسات الإنسانية 2009
- جائزة دبي للنقل المستدام 2009
- جائزة الناموس من وزارة الشؤون الاجتماعية 2010
- جائزة الأميرة هيا للتربية الخاصة 2010
- جائزة العويس للإبداع العلمي 2011