ظهر التعليم الاحتوائي مع تقدم وتطور مفاهيم المجتمع وطرق التعامل مع الأفراد ذوي الإعاقة وتطور العلوم التربوية وما تبع ذلك من تطور في التشريعات والقوانين التي تحمي حقوق هذه الفئة من أفراد المجتمع.
قبل التعرف على التعليم الاحتوائي ومكوناته وأطرافه لا بد من الإشارة إلى أن مفهوم هذا النوع من التعليم لا يقتصر على الأطفال المعاقين بل يشمل فئات أخرى من الأطفال والذين نتيجة ظروف اقتصادية واجتماعية حيل بينهم وبين الالتحاق بنظام التعليم العام. إلا أن حديثنا هنا سوف يركز على الأطفال ذوي الحاجات التعليمية الخاصة بما في ذلك الأطفال ذوو الإعاقة.
يشير مفهوم التعليم الاحتوائي بمفهومه الواسع إلى أن جميع الأطفال الملتحقين بالمدرسة ينتمون إلى المجتمع المدرسي الواحد وذلك بغض النظر عن قدراتهم المختلفة أو نواحي القوة والضعف عندهم.
فلسفة التعليم الاحتوائي
تقوم فلسفة التعليم الاحتوائي على الحقيقة القائلة إن الأطفال الذين يتعلمون معاً يتعلمون كذلك العيش معاً. وبأن التعليم هو حق لجميع الأطفال الذين من حقهم الحصول على تعليم فعال ومناسب ضمن بيئتهم المجتمعية، وحتى يصبح التعليم الاحتوائي فعالاً على المؤسسات التربوية المختلفة تعديل وتكييف المناهج الدراسية وطرق وآليات التعليم والتدريس والاختبارات المدرسية وتوفير البيئة المادية والتربوية الملائمة لجميع الطلاب.
وينظر إلى التعليم الاحتوائي على أنه استراتيجية تهدف إلى تحقيق الهدف النهائي وهو المجتمع المتضامن والذي يسهم جميع أفراده ببنائه بغض النظر عن قدراتهم مع الأخذ بعين الاعتبار الفروق بين الأفراد.
أدوار مختلفة في التعليم الاحتوائي
يشترك في تخطيط وتنفيذ مفهوم التعليم الاحتوائي أطراف عدة بما في ذلك المختصون والتربويون وأولياء الأمور والأطفال ذوو الإعاقة. ولكل طرف من هذه الأطراف اهتمامات وأدوار معينة.
القائمة التالية توضح المجالات التي يهتم بها كل طرف في عملية التعليم الاحتوائي:
المختصون والهيئة التربوية
- تشخيص الإعاقة (تشخيص طبي)
- تقييم الطالب ذي الإعاقة في النواحي التطورية المختلفة
تحديد:
- العلاج
- الحاجات الجسدية
- الحاجات العقلية
- الحاجات الاجتماعية
- التواصل
- تحديد البديل التربوي المناسب
- إعداد الخطة التربوية الفردية
- المراجعة السنوية للخطة التعليمية
- تحضير الطالب المعاق للعمل والتأهيل المهني والوظيفي
- تحديد الخدمات اللاحقة والممتدة التي يحتاجها الشخص المعاق طيلة الحياة
أولياء الأمور والأشخاص ذوو الإعاقة
- فهم مسببات الإعاقة أو الضعف وتأثيرها على الطفل
- التعرف على نواحي القوة والضعف عند الطفل المعاق
- إلحاق الطفل بالبديل التربوي المناسب
- الاشتراك في إعداد الخطة الفردية وتحديد الأهداف
- مساعدة الشخص المعاق على اختيار المهنة المناسبة
- اختيار مكان الإقامة
- الدعم الدائم للشخص المعاق
مساعدة أولياء الأمور وتطوير توقعاتهم
من الركائز الأساسية التي يقوم عليها التعليم الاحتوائي هي تعريف أولياء الأمور بهذا النوع من التعليم وأهميته ومكوناته وتعريفهم بدورهم في هذه العملية مما يجعل منهم قوة دافعة في نجاح احتواء الطفل المعاق في نظام التعليم العام. ويعتبر تدريب الوالدين على كيفية مساعدة طفلهم ركيزة أخرى في نجاح عملية دمج الطفل المعاق في إطار التعليم العام.
من الأمور الأخرى التي يجب أن يحرص عليها جميع العاملين في إطار التعليم الاحتوائي هي تطوير توقعات الوالدين حول مخرجات تعليم طفلهم المعاق في إطار التعليم العام، حيث أن الكثير من أولياء الأمور تكون توقعاتهم منخفضة فيما يخص طفلهم ومستوى تحصيله الدراسي ومدى قدرته على مجاراة أقرانه. وفي هذا الإطار من المهم تعريف أولياء الأمور بنتائج الكثير من الدراسات التي أشارت إلى أن التحصيل الدراسي للأطفال المعاقين الذين يتم دمجهم في إطار التعليم العام من الممكن أن يوازي تحصيل الأقران غير المعاقين بشرط التخطيط الصحيح لعملية الدمج وتوفير البيئة التربوية والمدرسية المناسبة. وهذا ما أكدته الكثير من إفادات المدرسين في المدارس التي تتبنى نظام التعليم الاحتوائي والذين أشاروا إلى أن تحصيل الطلاب المعاقين يساوي تحصيل الطلاب غير المعاقين عند التخطيط الجيد لعملية الدمج.
من المعتقدات الأخرى التي يجب تبيان عدم صحتها ما يعتقده بعض أولياء الأمور بأن البيئة الصفية العادية لا تناسب طفلهم المعاق أو أن طفلهم سوف يشعر بالإحباط نتيجة عدم قدرته على التعلم في البيئة الصفية الاعتيادية وهذا ما ناقضته دراسة قامت بها الباحثة Chris Macfarlane في إحدى الولايات الأمريكية وتمت هذه الدراسة على 90 طالباً من ذوي الإعاقة ملتحقين بالصف السادس الابتدائي، حيث بينت هذه الدراسة أن 3 طلاب فقط من المدموجين في نظام التعليم العام كان لديهم صعوبة في التحصيل الدراسي في البيئة الصفية العادية.
فئة أخرى من أولياء الأمور يعتقدون أن طفلهم المعاق سوف يتعرض للمضايقة أو الأذى أو فقدان الأمان في البيئة المدرسية العادية وهذا ما نقضته الباحثة نفسها في دراسة أخرى قامت بها حيث بينت أن حجم هذه المشكلة قليل جداً وبأن عدم التقبل يتلاشى بشكل كامل بعد سنتين من الالتحاق بنظام التعليم العام.
دور المدرسة في تطوير مفاهيم أولياء الأمور في التعليم الاحتوائي
يقع على عاتق الهيئة الإدارية والكادر التربوي دور كبير في تطوير مفاهيم أولياء الأمور حول فعالية التعليم الاحتوائي ابتداء من تزويد ولي الأمر بالمعلومات الصحيحة حول تطور الطفل وتحصيله الدراسي وانتهاء باقتراح الحلول للتغلب على الصعوبات التي تواجه الطفل. عليهم كذلك تشجيع الوالدين على الاشتراك بشكل فعال ونشط في عملية تعلم الطفل. ويشمل دورهم كذلك تدريب الوالدين على كيفية مساعدة الطفل المعاق على تعميم المعارف والمهارات التي يكتسبها في المدرسة إلى المنزل وكذلك تعميم المهارات والمعارف التي يكتسبها في البيت إلى المدرسة.
الكادر التربوي والتعليم المستمر
من أهم ما يجب على الكادر التربوي والهيئة الإدارية الاهتمام به هو التعليم المستمر فيما يخص الإعاقة وقضايا الأطفال المعاقين والحاجات التعليمية ومتابعة التطورات في مجال تعليم الأطفال المعاقين وتوفير البيئة المؤهلة واستخدام التقنيات التعليمية الحديثة وغير ذلك من الأمور التي يجب أن يحرص عليها جميع العاملين في التعليم الاحتوائي. والنموذج المتبع في إطار التعليم الاحتوائي هو ما يعرف بمسمى (التدريب أثناء الخدمة In-service training) حيث يتلقى المدرسون والعاملون في المدرسة دورات تدريبية حول جميع المستجدات في طرق التعليم والمتابعة والتقييم والتكنولوجيا المستخدمة في التعليم.
نماذج تربوية متنوعة في التعليم الاحتوائي
هناك عدة نماذج تربوية تطبق في إطار التعليم الاحتوائي، ويعتمد اختيار واحد منها على مجموعة من العوامل مثل عدد الطلاب ذوي الإعاقة الملتحقين بالمدرسة وعدد الطلاب الكلي وطبيعة الصعوبات التي يعاني منها الطالب وغير ذلك من الأمور. ونشير إلى النماذج التربوية التالية:
النموذج الإرشادي Consultant Model:
من الممكن أن يطبق هذا النموذج في المدارس التي تضم عدداً قليلاً من الطلاب ذوي الإعاقة ويعتبر مناسباً للمدارس الصغيرة. بهذا النموذج يقوم مدرس التربية الخاصة بتعليم الطالب بعض المهارات الصعبة أو إعادة شرحها أو مساعدته للتدرب على مهارات جديدة.
نموذج الفريق Teaming Model:
بهذا النموذج يخصص مدرس التربية الخاصة لمستوى أو صف معين مع تخصيص وقت محدد في كل أسبوع للفريق العامل مع الطفل يتم فيه تقديم معلومات حول الطفل للفريق وكذلك تحديد تعديلات معينة أو إتباع استراتيجيات تربوية معينة وتقديم استشارة فيما يخص تعديلات معينة مثل تعديل الاختبارات المدرسية وغير ذلك من الأمور، وتتم هذه الاجتماعات بشكل منتظم بحيث يكون هناك تواصل منتظم بين فريق العمل. ولا يخلو هذا النموذج من مساوئ تتمثل في عدم تقبل بعض أعضاء الفريق للتعديلات أو التأخر في تطبيقها أو التأخر في مواعيد الاختبارات المدرسية للطلاب ذوي الإعاقة وكثرة عدد الطلاب للمدرس الواحد وعدم تمكن مدرس التربية الخاصة من التدريس في الصف الدراسي الملتحق به الطالب أو الطلاب ذوو الإعاقة.
النموذج التعاوني Collaborative Model:
يدعى هذا النموذج كذلك Co-teaching Model وبهذا النموذج يشترك كل من مدرس التربية الخاصة والمدرس العام في تدريس الطلاب ذوي الإعاقة والطلاب غير المعاقين، ومن محاسن هذا النموذج عدم الحاجة إلى جدول مواعيد للاجتماعات وكذلك وجود تواصل جيد بين المدرسين وقلة عدد الطلاب بالنسبة للمدرس. وتوجد إمكانية في هذا النموذج لتوزيع الطلاب على مجموعات وتدريس كل مجموعة على حدة ولكن بشكل موازٍ للمجموعات الأخرى. وهناك بدائل أخرى في هذا النموذج.
فوائد التعليم الاحتوائي
عدد كبير من الفوائد تعود على الطلاب ذوي الإعاقة والطلاب غير المعاقين عند تطبيق نظام التعليم الاحتوائي. ويمكن إجمال هذه الفوائد بالنقاط التالية:
الطلاب ذوو الإعاقة
- زيادة فرص تطوير العلاقات والمبادرات والمهارات الاجتماعية للطالب المعاق مما يسهم إلى حد كبير في الاندماج في المجتمع العريض فيما بعد.
- تمكين الطالب المعاق من متابعة تعليمه واكتساب المعارف والمهارات المحددة في المنهج الدراسي العادي والتي تمكنه من الالتحاق بالتعليم الجامعي فيما بعد. حيث أن دراسة المنهج الدراسي العادي تعتبر شرطاً أساسياً في الالتحاق بالتعليم العالي في الكثير إن لم يكن معظم دول العالم.
- زيادة فرص الطالب المعاق بتكوين صداقات مع الأقران غير المعاقين.
- تحسن في قدرة الطالب المعاق على إتباع المهارات السلوكية والاجتماعية والتحصيل الدراسي بما يتناسب مع أقرانه من غير المعاقين.
- تحسن كبير في قدرة الطالب المعاق على تحقيق الأهداف التربوية الموضوعة في الخطة الفردية.
- تطوير قدرة الطالب المعاق على اكتساب المهارات التنظيمية.
- تحسن كبير في توقعات ولي الأمر من الطالب المعاق.
- تحسن في مخرجات التعليم.
- تحسن وتطور في اشتراك ولي الأمر في عملية التعليم والتدريب والتأهيل.
- تطور في قدرة عائلة الطالب المعاق على الاندماج في المجتمع.
الطلاب غير المعاقين
- تطوير مهارات الطلاب غير المعاقين في تقبل الأشخاص المختلفين عنهم وتقديرهم.
- توفير نوع من المنافسة الإيجابية في الصف الدراسي.
- زيادة معرفة الطلاب غير المعاقين في فهم وتقبل الاختلاف والتنوع.
- تحضير الطلاب للحياة في المجتمع العريض والذي يضم فئات مختلفة من أفراد المجتمع مختلفين عنهم في القدرات والمهارات أو ما يعرف بالفروقات الفردية.
- تطوير مفهوم الاحترام لجميع الأشخاص.
- إتاحة الفرصة لزيادة المهارات والتحصيل الدراسي للطلاب غير المعاقين من خلال تكلفيهم بمساعدة الطلاب المعاقين في التحصيل الدراسي والمهارات الأكاديمية المختلفة.
إضافة إلى الفوائد التي سبق ذكرها هناك مجموعة أخرى من الفوائد الاقتصادية والنفسية والمجتمعية في عملية دمج الأطفال المعاقين في نظام التعليم العام نترك الحديث عنها إلى مقالات أخرى.
نختم حديثنا بالإشارة إلى عدم وجود دراسة واحدة أشارت إلى وجود نتائج سلبية لعملية دمج الأطفال المعاقين في نظام التعليم العام وتطبيق مفاهيم التعليم الاحتوائي سواء كانت هذه النتائج على الطلاب ذوي الإعاقة أو الطلاب غير المعاقين بشرط أن تتم هذه العملية بتطبيق جميع شروط ومتطلبات الدمج.