يعتبر التعليم أساس بناء جيل المستقبل، وحتى نرتقي بمستوى طلابنا يتطلب علينا النهوض والرقي بالعملية التعليمية بالشكل الذي نطمح له ونسعى به لتحقيق أهدافنا، وهناك حقيقة ظاهرة للعيان بأن التلاميذ ذوي صعوبات التعلم لا يستفيدون الاستفادة الكافية في الفصل الدراسي العادي، وقد يترتب عليه تفاقم هذه الصعوبة نظراً لعدم تناسب استراتيجيات التدريس والمنهج الدراسي مع قدراتهم وإمكاناتهم، وهذا يضعنا أمام معضلة حقيقية تتمثل في إما ذهاب التلميذ إلى غرفة المصادر لتلقي الخدمات المناسبة لقدراته والنظرة التي سوف يتلقاها من زملائه أو بقائه في الصف بدون أي فاعلية.
وحينما نلقي نظرة خاطفة نحو أبرز التوجهات الحديثة في التربية الخاصة نجد أن التعليم الشامل ركز على أن يتلقى التلميذ من ذوي صعوبات التعلم الخدمات التربوية والتعليمية في الفصل الدراسي العادي برفقة زملائه من نفس العمر الزمني، مع الأخذ بعين الاعتبار خصائص التلاميذ وإمكاناتهم وقدراتهم المختلفة، وهذا بلا شك يتطلب معلماً ذا مهارة عالية وقادراً على أن يتفهم احتياجات هؤلاء التلاميذ وقدراتهم، ويكون على معرفة بأهم الاستراتيجيات المناسبة لكل تلميذ، فليس هناك استراتيجية واحدة تتلاءم مع جميع التلاميذ.
ولعل من أبرز وأهم الاستراتيجيات الحديثة والتي يمكن استخدامها مع التلاميذ ذوي صعوبات التعلم هي استراتيجية التعليم المتمايز، وقد تتساءل عزيزي القارئ: ما هو التعليم المتمايز؟! وكيف يمكننا تقديم هذه الاستراتيجية للتلاميذ ذوي صعوبات التعلم في الصفوف العادية ومع التلاميذ العاديين؟!
تشير المشايخ وجروان (2015) إلى أن استراتيجية التعليم المتمايز تهتم بمقابلة الاختلاف في قدرات الطلبة جميعهم والتركيز على ميول الطالب ورغباته، كما أنها تركز على تعميق الفهم في مجال المعرفة، والفهم، والتطبيق، ويكون دور الطالب مُخططاً باحثاً وهو محور العملية التعليمية من خلال الانهماك في المهمة وذلك باستخدام التمايز في الأساليب والإجراءات داخل الصف العادي.
ومما تجدر الإشارة إليه؛ أن الالتزام بتنفيذ التعليم المتمايز يضمن المشاركة في إنجازات الطلاب، والتطوير المهني، والعملية التعاونية التي تؤكد أن التعلم والنجاح للجميع، كما أن الالتزام بالتعليم المتمايز يشمل استخدام التقويم للتعرف أكثر على استعدادات الطلاب واهتماماتهم، وتفضيلات التعلم لديهم، كما يشمل استخدام هذه المعلومات للتمايز في بيئة التعلم والتعليم، وأيضاً يشمل الاختيار من بين مخزون متنوع من الاستراتيجيات لتلبية الاحتياجات الخاصة بالطلاب، وكذلك يشمل تعديل الخطة لحظياً للاستجابة لنقاط القوة والاحتياجات غير المتوقعة التي يكتشفها التقويم. (باقاسي وآخرون، 2018).
وقد يتخذ التعليم المتمايز أشكالاً عدة تتمثل في: التدريس وفق نظرية الذكاءات المتعددة أو التعلم التعاوني أو التدريس وفق أنماط المتعلمين، وجميع هذه الأشكال تؤثر في التعلم الفعال داخل الصف.
صعوبات التعلم والتعليم المتمايز:
على الرغم من الجهود المشتركة لوزارتي التربية والتعليم والرعاية الاجتماعية لرفع مستوى الوعي حول (الدمج) و(الإعاقة)، إلا إنه لا يزال تحقيق (الدمج) بمعناه الشامل بعيداً؛ لذا يجب بذل الجهود من صانعي القرار لتصميم برامج تدريبية للمعلمين بشكل احترافي وذلك لتنفيذ تدريس متمايز للطلاب ذوي صعوبات التعلم الذين يتم وضعهم في الفصول الدراسية العادية (Abu-Hamour & Al-Hamouz, 2013).
فالتدريس المتمايز هو عملية معقدة تمكن الطلاب من تنفيذ أنواع مختلفة من المهام على مفهوم مركزي بمساعدة المعلمين الماهرين الذين يخططون وينفذون مستويات مختلفة لمفهوم التعلم نفسه وفي الوقت نفسه، وقد أظهرت دراسة (Siam & Al-Natour, 2016) أن كفاءة المعلم والتطوير المهني هما المفتاح في تنفيذ التعليم المتمايز للطلبة ذوي صعوبات التعلم.
وبالرغم؛ من أن الإلقاء أو المحاضرة من الطرق السائدة في المدارس، إلا أنها ليست الأكثر فاعلية في تدريس التلاميذ الذين لديهم صعوبات تعلم في فصول التعليم العام، فهم يختلفون عن كثير من زملائهم في سرعة معالجة المعلومات، وطول مدة الانتباه، وفهم المعلومات المجردة، واستخدام استراتيجيات التعلم، ومعالجة المعلومات لغرض التذكر، وهنا يبرز دور المعلم في التنويع في طرق التدريس ليتماشى مع التنوع في أساليب التعلم عامة، وتنوع قدرات التلاميذ الذين لديهم صعوبات تعلم على فهم المواد العلمية وذلك من خلال إجراءات معينة في التدريس أو تفعيل استراتيجيات تدريس الأقران (أبو نيان، 2020).
وقد أكدت دراسة (Magayon & Tan, 2016) فعالية التعليم المتمايز لذوي صعوبات تعلم الرياضيات، حيث أشارت إلى أن نجاح التلاميذ في الرياضيات مرتبط بأنشطة التعلم وفق أساليبهم المفضلة، ومساعدة المعلمين وتحفيزهم، واختيار التلاميذ لأنفسهم في المجموعات؛ مما جعل تعلم الرياضيات أكثر مرونة وسهولة، وحقق نتائج إيجابية.
نموذج الاستجابة للتدخل والتعليم المتمايز:
يعتبر نموذج الاستجابة للتدخل من النماذج الحديثة والتي في محصلتها النهائية نستطيع تحديد التلاميذ ذوي صعوبات التعلم بدقة، وهو نموذج يتكون من عدد من الإجراءات تشمل جميع جوانب التدريس، بما في ذلك تقييم أداء التلاميذ. ولكن ما هي التكتيكات التي قد يلجأ لها المعلم في نموذج الاستجابة للتدخل لتحقيق تعليم متمايز؟!
هل تعلم عزيزي القارئ؛ أنه يمكن الحصول على نفس المعلومات حول فهم التلميذ من خلال تنسيقات متعددة بعيداً عن الخيارات التقليدية، وذلك بتجنب الأسئلة ذات الاختيارات المتعددة والمعقدة، كما أن تمديد وقت الاختبار ضرورياً للحصول على صورة واضحة عن مدى فهم التلاميذ ذوي صعوبات التعلم للمعلومات، وعلى اعتبار أن اختبارات الورق والقلم الرصاص تعد من التحديات المخيفة لكثير من التلاميذ، فمن الممكن استبدالها بتقديم نفس الاختبار شفهياً للحصول على صورة أفضل لأداء التلميذ، فبعض التلاميذ يتحسن أداؤهم إذا تخلصوا من متطلبات الكتابة، كما يمكن للتلاميذ أن يقوموا بتسجيل صوتي لإجاباتهم المقالية وهذا بلا شك سوف يعزز من أدائهم، كما يمكن أن يؤدي تقديم عناصر أقل إلى التخفيف من قلق الاختبار للعديد من التلاميذ ذوي صعوبات التعلم، كذلك فإن أداء الاختبارات بشكل فردي قد يؤدي إلى فرصة أفضل لهؤلاء التلاميذ للاستجابة بشكل كامل (Bender, 2012).
معوقات تنفيذ استراتيجية التعليم المتمايز:
يتطلب علينا معرفة؛ أنه لابد أن تواجهنا الكثير من العوائق لتنفيذ استراتيجية التعليم المتمايز لفئات التربية الخاصة وخصوصاً مع الطلبة ذوي صعوبات التعلم، فكما نعرف فإن التمايز يتطلب أن يكون في المحتوى وفي طرائق التدريس ومخرجات التعلم وكذلك في التقويم، وهذا يبرز أهمية حصول المعلمين على التدريب الكافي والكفاءة المهنية التي تمكنهم من تنفيذ هذه الاستراتيجية على الوجه الأمثل والذي يحقق منظومة التعليم الشامل.
ولعل من أبرز العوائق التي تواجه تنفيذ هذه الاستراتيجية ما أشارت له نتائج دراسة (Gray, 2008) من مستويات القلق العالية بشأن تنفيذ استراتيجية التعليم المتمايز، بالإضافة إلى انخفاض مستوى التعاون بين المعلمين، وبالتالي؛ قيام القليل من المعلمين بتنفيذ استراتيجية التعليم المتمايز في الصفوف العادية، مما كان له بالغ التأثير على إنجاز التلاميذ ذوي صعوبات التعلم.
ختاماً: يرتكز التعليم الجيد على إشراك المتعلمين في جميع جوانب العملية التعليمية؛ فهم يستطيعون النجاح في الفصول العادية إذا تلقوا الدعم الأكاديمي، العاطفي، الصحي والطبي، ولا نغفل أهمية التدخل المبكر.
قائمة المراجع:
- أبو نيان، إبراهيم، (2020)، صعوبات التعلم ودور معلمي التعليم العام في تقديم الخدمات، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية.
- المشايخ، فاتن نبيل؛ جروان، فتحي عبد الرحمن، (2015)، أثر استخدام التعليم المتمايز في تحسين الفهم القرائي والتعبير الشفوي لطلبة صعوبات التعلم، (رسالة ماجستير غير منشورة)، جامعة عمان العربية، عمّان.
- باقاسي، ماجد؛ السالمي، أسعد؛ السلمي، هند؛ بخاري، حامد؛ حلواني، أريج؛ الحمدان، دلال، (2018)، نظرة على الممارسات التربوية الحديثة المطبقة تعليم اونتاريو – كندا، جدة: مكتبة الملك فهد الوطنية.
- Abu-Hamour، B.، & Al-Hamouz، H. (2013). Special Education in Jordan، European Journal of Special Needs Education. International Education Studies، 6(12).
- Bender، W. N. (2012) Differentiating Instruction for Students with Learning Disabilities: New Best Practices for General and Special Educators. California: Corwin Press.
- Gray، j. (2008).The Implementation of Differenced Instruction for Learning Disability Students Included In General Education Elementary classrooms Unpublished Doctoral Dissertation، University Of LA Verne، California، United States.
- Magayon، V. C.، & Tan، E. B. (2016). Learning Mathematics and Differentiated Instruction in The Philippines: A Phenomenographical Study on Struggles and Successes of Grade 7 Students. International Journal of Educational Studies in Mathematics، 3(3)، 1-14
- Siam، K.، & Al-Natour، M. (2016). Teacher has Differentiated Instruction Practices and Implementation Challenges for Learning Disabilities in Jordan. International Education Studies، 9(12)، 167-181
الكاتب: م. امل الخوفي
جامعة الامام عبدالرحمن بن فيصل