المنزل هو المؤسسة التربوية الأولى التي تحتضن الفرد طفلاً ويافعاً وشاباً، وتؤكد التربية الحديثة على أهمية التربية المنزلية في غرس الأسس السليمة، ويتفق جميع الباحثين، على أن المنزل هو المكان الأفضل لتربية الأبناء وأن دور الأم التربوي هو الدور البارز في حياتها وحياة طفلها.
تربية الأبناء فيها رسالة عظيمة لأنها ستعود بالنفع أولاً على المربي (الأم والأب) وسيجنون ثمرة تربيتهم لأطفالهم، وهذه التربية العظيمة تجمع أهم ثلاثة أمور: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث (صدقة جارية فتثاب أنت مثلاً في تعليمك لابنك الصلاة، والصلاة أيضاً أصبحت علماً ينتفع به، وهذا الابن البار الذي يدعو لهم بعد الممات)، كما أن تربية الأبناء سبب في دخول الجنة، فالأبناء مسؤولية سيحاسبنا الله عليهم. والحمد لله على نعمة الايمان والاسلام، فنربيهم على التربية النبوية الصالحة لكل زمان ومكان، حتى ينشأوا نشأة متوازنة تلبي حاجات الروح والجسد والعقل والقلب، وتوزع هذه المسؤوليات بين الأب والأم، ولا ننسى أننا قدوة لهم.
أنماط تربية الأبناء:
هناك أربعة أنماط لتربية الأبناء. تعتمد هذه الأنماط الأربعة على شعور الوالدين تجاه حاجات الطفل منهما. نتيجةً لذلك يستخدم كل من أنماط التربية أسلوباً مختلفاً في تحقيق الانضباط والتأديب:
- التربية الاستبدادية (التسلطية): من خلال وضع القوانين من قبل الوالدين وفرضها على الأبناء.
- التربية الديمقراطية: يوجد فيها قوانين ولكنها غير مفروضة.
- التربية السلبية (المتساهلة): والتي لا يتم فيها أي تأديب أو اتخاذ موقف.
- التربية الغائبة (الفوضوية): والتي لا يمتلك فيها الوالدان أية معرفة بالتربية.
وأفضل أنماط التربية هي (التربية المتوازنة).
توازن الأسرة:
لا شك أن الأسرة تمارس دورها الطبيعي في ظل توازن العديد من العوامل والمتغيرات التي تعد مصدراً لذلك الاستقرار والانسجام الذي قد يحدث بين جميع أفرادها، وعلى وجه الخصوص الأبوين، غير أن حدوث أي أزمة يخل بهذا التوازن (الوابلي، 2006: 14).
نحن نعلم أن التحديات والظروف الصعبة التي أوجدتها جائحة كورونا عند ظهور فايروس (COVID-19) ولّدت ضغطاً نفسياً كبيراً على الأسرة والأطفال، ونوعاً من التوتر والقلق أخلّت بهذا التوازن الطبيعي في حياة الأسر.
والجدير بالذكر أن هناك فرقاً بين مفهوم إدارة المخاطر (بمعنى أن هناك توقعات وحلول لها) وبين مفهوم إدارة الأزمة (وهي تحديات تظهر فجأة وفي وقت غير متوقع).
ومع ظهور جائحة كورونا انتقلت الحياة في الأسرة من مرحلة (الاستقرار) إلى مرحلة (الأزمة)، حيث انتقلت من مظاهر الترفيه والزيارات والاحتفالات والدراسة والعمل إلى مظاهر عدم الاستقرار وعدم التأقلم لاختلاف الحياة، وخلقت هذه الأزمة بعض الضغوطات النفسية على الأسرة أولاً، وعلى الطفل ثانياً، وبالأخص الطفل من ذوي الإعاقة.
ماذا يعني (طفل من ذوي الإعاقة في الحجر المنزلي)؟
يعني تواجده على مدار الـ 24 ساعة لأسابيع متواصلة في المنزل.. مما يعني تغير الروتين اليومي المعتاد، بالإضافة إلى صعوبة في التحكم بالسلوكيات، توقف الأنشطة والممارسات السابقة التي اعتاد عليها، بكاء، نوبات غضب، ومن هذه الضغوطات: أعراض مزاجية كأن يصبح الطفل أكثر عصبية أو أسرع استثارة أو أن يبكي بكاء غير مبرر، أو يغلب عليه الحديث عن الخوف، اضطرابات النوم، اضطرابات الأكل، تفاقم العادات السيئة، سمات عُصابية مثل قضم الأظافر ومص الإبهام وغيرها، ضغوط نفسية وقلق، انتكاسة سلوكية لغوية لعدم حضوره إلى المراكز والخدمات المنزلية، رفض ارتداء القفازات ولبس الكمامة لعدم التعود على هذا السلوك، الصراخ والانفعال والغضب، التخريب، الايذاء…
الفرص والتحديات:
وبنظرة سريعة إلى ما سببته أزمة كورونا يمكننا استعراض بعض جوانب القوة والضعف والفرص والتحديات من خلال تحليل سوات (SWOT) وتتضح في الآتي:
الأبعاد الحقوقية في التوعية بفايروس كورونا للأشخاص ذوي الإعاقة:
وضعت منظمة الصحة العالمية بعض الاعتبارات للأشخاص ذوي الإعاقة أثناء تفشي فيروس كورونا، يجب اتخاذ إجراءات لضمان أن الأشخاص ذوي الإعاقة يمكنهم دائماً الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية وخدمات المياه والصرف الصحي ومعلومات الصحة العامة التي يحتاجونها، بما في ذلك أثناء تفشي COVID-19.
قد يكون الأشخاص ذوو الإعاقة أكثر عرضة للإصابة بـ COVID-19 بسبب: العوائق التي تحول دون تنفيذ تدابير النظافة الأساسية، مثل غسل اليدين على سبيل المثال، أو الأحواض التي قد يتعذر الوصول إليها جسدياً، صعوبة التمكن من التباعد الاجتماعي بسبب احتياجات الدعم الإضافية – الحاجة إلى لمس الأشياء للحصول على معلومات من البيئة.
التربية المنزلية ودورها في التغيير (التعامل مع الأزمة):
كان من الضروري دعم الأسر للتعامل مع (الأزمة) وتبعاتها والتأقلم معها والتي تتطلب فهماً للحقيقة واستيعابها.
ومن أهم الأمور للتعامل مع الأزمة والتي نستقي منهجيتها الأساسية التربوية من المبدأ التربوي الاسلامي ومنها:
- مراعاة الجوانب النفسية لهم (تبني الهدوء في أوقات تغيير السلوكيات والانفعالات، السماح لهم بالتعبير عن مشاعره من غضب، أو صراخ أو تملل فهو شيء طبيعي للتخفيف من الضغط النفسي الذي يشعرون به).
- تقليل مشاعر قلق الأطفال (الأطفال لا يدركون أن سلوكهم قد تغير أو ما السبب في تغيره؟ لذلك هم بحاجة إلى الكبار لمساعدتهم على فهم مشاعرهم والتعبير عنها بطرق صحية، ومشاركتهم هذه المشاعر لما يحدث في حياتهم من خلال الحد من تعريضهم المستمر للأخبار التي يتم تناقلها وحالات الإصابات والوفيات لأنها كلها تشكل رواسب في نفسيتهم، وبطبيعة الحال من خلال وسائل التواصل الاجتماعي نسمع كل يوم أخباراً متنوعة وأطفالنا أو الكبار من أبنائنا ممن هم في مرحلة (المراهقة)، الذين قد يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، ينبغي أن نهتم بهم وبما يتابعون من أحداث ونساهم في تقنين المعلومات التي تصلهم.
- الابتعاد عن التوتر والسلبية قدر المستطاع (من خلال تفاعلاتنا مع بعضنا بعضاً خلال الأزمة، والتعامل مع الضغوط التي نواجهها باستقرار نفسي واجتماعي ملائم، ومواجهة أنفسنا، ويمكن عمل بعض تمارين الاسترخاء أو التنفس العميق).
- وصف ما يحدث للطفل من حوله بشكل مبسط (الحوار الهادف) حيث تلعب الأسرة دوراً مهماً ومحورياً في تعزيز توعية الأبناء باتباع السلوكيات والممارسات الصحية، التي يجب أن تقترن منذ الصغر، حتى تصبح ثقافة يمارسها الأطفال في سلوكياتهم وتعاملاتهم اليومية.
- أطفالنا بحاجة إلى هذا التواصل معنا بشكل مباشر وبكل هدوء ووضوح لأنهم سيفهمون العالم من حولهم من خلالنا، ونوضح لهم المواقف من منظورها الصحيح، ومن المهم جداً أن ندرك أن أطفالنا ليست لديهم تجارب حياتية كافية حتى يفهموا (خطورة المرض أو الفايروس) لذلك تقديم وتفسير المعلومات يجب أن يكون من قبل الوالدين، ونحن يجب أن نطمئنهم لأن ترجمة ما يُقال لهم قد تُفسر أو تحلل من قبلهم بطرق مختلفة حسب فهمهم) مع تقديم حقائق دقيقة ومناسبة لأعمارهم حول فيروس كورونا وتوعيتهم حول (العزل الصحي)، و(الحجر المنزلي) وأننا سنبقى في البيت أكثر للمساعدة في منع انتشار الجراثيم والتأكد من حصول المرضى على المساعدة التي يحتاجونها من الأطباء والعاملين في مجال الرعاية الصحية، وشرح أهمية الاحتياطات للمحافظة على سلامتهم، واستخدام عادات النظافة الشخصية مع التوضيح لهم أن المدارس أغلقت لهذا السبب للحد من انتشار الوباء أولاً، وأنه يجب تحقيق (التباعد الاجتماعي) والتقليل ما أمكن من التجمعات وأن الانفصال عن اصدقائهم في المدارس فترة مؤقتة، وأننا سنعود لاحقاً إلى المدارس بإذن الله وسنعود لأعمالنا.
- احترام وتقدير ذات الطفل (دعم وتقوية مفهومه عن ذاته وما يحمله من تصورات عن نفسه).
- تربية معتمدة على الحب والعطف والحنان (التربية العاطفية) والتي تهدف إلى بناء شخصية الطفل وكيانه (فالأسرة هي أول مؤسسة اجتماعية يتعامل معها الفرد، ولها تأثير بالغ في رسم الإطار العام لمعالم الشخصية).
- فرصة للاهتمام بجوانب تعديل السلوك (تطبيق ممارسات فاعلة تدعم تعديل السلوك).
الدعم النفسي للأطفال في الحجر المنزلي:
تعتبر الأسرة محدداً أساسياً للصحة النفسية للفرد والمجتمع، كما أن للتربية المنزلية دور كبير في تعليم أفراد الأسرة على المفاهيم العلمية والايجابية. وتختلف طرق التعامل مع القلق أيضاً من طفل إلى آخر، لكن وبشكل عام تقدم منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة – اليونيسف طرقاً يمكن من خلالها للآباء والأمهات دعم أطفالهم للتعامل مع ما يمرون به من مشاعر خلال هذه المرحلة، تشمل تهيئة نفسية وتهيئة مادية.
التهيئة النفسية:
- هناك التزام، والآن ليس فترة (اجازة) بل هناك دراسة وتعلم عن بعد.
- فهم ما يجري من حوله، فهم ما يحدث، فهم الفايروس؟
- الأطفال يرون عالماً مذعوراً، الناس حبيسو المنازل، يقول ابني ما أحب كورونا، ما أقدر أروح الملاهي، ولا النادي (السباحة وغيرها).
- بث الطمأنينة (تشجيع الأطفال على التعبير عن مشاعرهم وطمأنتهم من خلال الحديث إليهم حول الفيروس بهدوء وروية).
- ممارسة أنشطة محببة للأطفال، والاستمرار بالحياة الطبيعية قدر الإمكان للتخفيف من حدة التغييرات التي يمرون بها.
التفكير في البدائل:
تكمن عملية التفكير بالبدائل من خلال ما يلي:
- عمل خطة منظمة وهادفة، متنوعة ومجددة، مبنية وفق الاهتمامات، تحقق جوانب متعددة في اكتساب المهارات.
- تأسيس روتين يومي جديد للطفل ولأسرته.
- تهيئة البيئة المنزلية.
- استثمار أوقات الفراغ.
- تكييف القوانين والقواعد للطفل لاتباعها.
التهيئة المادية: وتشمل:
- توفير المتطلبات التي تعزز ممارسة الأنشطة اليومية في المنزل مثل (السباحة في المنزل ـ الرياضة).
- برامج وفعاليات تربوية وتثقيفية.
- فترة العزل فرصة للتعلم الذاتي عند الأطفال.
- الجو العائلي القديم (حياة الأجداد) أعجبتني عبارة سمعتها أن (كورونا نقلت ألعاب الأهل إلى الأولاد وجمعت العائلة) خلق الحجر المنزلي لنا ولهم تفكيراً مختلفاً، عاد الطعام المنزلي، ونزلت الألعاب الجماعية من الرفوف، ونشطت المناقشات العائلية.
- ظهرت العديد من التطبيقات ومنها مثلاً: تطبيق الطلب أون لاين على سبيل المثال (السوبرماركت – تعلم الطلب، الأعداد، تعلم الجمع).
- الألعاب الالكترونية مع الحذر من المخاطر – الألعاب المهارية (الكيرم، الطبخ)، ألعاب التفكير (الكوتشينة أو ورق اللعب، الشطرنج، المونوبولي) … ألعاب حركية (السباحة والرياضة)، اكتشاف الهوايات والمواهب (التمثيل، المسرح المنزلي – طبعا نتفليكس اكتسح الحياة اليومية بالأفلام).
التأقلم مع الأزمة:
تحاول الكثير من الأسر إيجاد أفضل السبل للتعامل مع الأطفال الصغار داخل المنزل (في محيطها الأسري) وتنظيم نشاطاتهم، سواء الأكاديمية منها أو الاجتماعية، وحتى الأسرية، ويرى الخبراء التربويون أن على الآباء أن يدركوا ثلاثة أمور أساسية يحتاجها الطفل خلال فترة بقائه في المنزل وهي:
- القيام بالأدوار وتعزيز الهوية والإنتاجية، بمعنى مساعدة الأطفال على الشعور بالإنتاجية أثناء وجودهم في المنزل وتمكينهم من المساعدة في الأعمال والمهام المنزلية كالطهي على سبيل المثال. وأياً كانت تلك الأدوار التي يقوم بها الطفل خلال فترة العزل سواء صغيرة أو كبيرة، فإن ذلك يساهم في قتل الفراغ لديه.
- 2) ترسيخ القيم الأسرية وتعزيز الإنتاجية في ذات الوقت. حيث يمكن للآباء تعليم أبنائهم الصغار كيفية صنع كوب من الشاي، أو عمل المعكرونة، أو المهام المنزلية الأخرى، ومن خلال هذه الأنشطة يمكن للطفل أن يطبق مفاهيم رياضية مثل تحديد المعايير وحساب الكميات.
- تعزيز القراءة لدى أفراد الأسرة، بغض النظر عن الأعمار. فالطفل عموماً يتعلم عن طريق التقليد، والتعلم عندما يقترن بالحب فهو يصوغ العادة: فإن كان الأب أو الأم يواظبان على القراءة فإن الطفل سيلتزم ذات النهج، وإن كان الطفل لا يتمكن من القراءة فيتعين على الآباء أن يقرؤوا له.
ختاماً:
لا يمكن منع الأزمات، ولكن يمكن الحد منها بالالتزام بالتعليمات والإرشادات
ولنتذكر أن العزلة ساعدت نيوتن في اكتشاف الجاذبية؟ فالملل ولد الابتكار.
جوال 00966505471171
الرياض – المملكة العربية السعودية
مديرة إدارة العوق السمعي
مشرفة عموم بالإدارة العامة للتربية الخاصة في وزارة التربية والتعليم
دكتوراه الفلسفة في الإدارة التربوية من جامعة الملك سعود
ماجستير المناهج وطرق التدريس العامة من جامعة الملك سعود
بكالوريوس التربية الخاصة مسار الإعاقة السمعية من جامعة الملك سعود