لقد خلق الإنسان فأحسن خلقه وإن من أجمل ما في الإنسان عيناه، والحول ذلك المرض ـ لنا أن نسميه مرضاً ـ هو اختلال في وضع العينين أو إحداهما بحيث لا يكون وضع العينين متماثلاً، ولانتشار هذه الظاهرة ووجودها الشائع بحيث يعرفها الصغير قبل الكبير والأمي قبل المتعلم فإن الحول أمر يكاد يكون مألوفاً عند الكثير من الناس، فقليلاَ ما يتساءل الناس عن الأسباب المؤدية إليه أو عن مخاطره، بل ويظن أكثر الناس أن المسألة جمالية فقط وليس هناك أي خطر على النظر فتجد الأب يتأخر في استشارة الطبيب إلى أن يبلغ الطفل سن السادسة من العمر وربما بعد ذلك.
الحول عند الأطفال:
أسبابه: هناك أسباب عديدة جداً وراء ظاهرة الحول عند الأطفال.
- أن تكون خلقية مع الولادة أو تكون وراثية.
- العيوب الانكسارية في السن المبكر مثل بعد النظر وهو الشائع عند معظم الأطفال المصابين بالحول، أو قصر النظر وهو أقل شيوعاً.
- ضعف الرؤية في إحدى العينين لأي سبب من الأسباب، وعلى سبيل المثال وجود عتامة على العين المصابة بالحول سواء في القرنية أو العدسة، وجود تغيرات في الشبكية أو أورام في العين قد تحجب الرؤية في تلك العين.
- ضعف أو شلل الأعصاب المؤدية للعضلات التي تحرك العينين وغالباً ما تكون في عين واحدة فقط.
- قد يكون الحول مصاحباً لأمراض أخرى في الجسم كبعض الاعتلالات الخلقية .
- في حالات نادرة قد يحدث الحول نتيجة إصابات نفسية شديدة يضيق المجال عن ذكرها أو مصاحباً لبعض الأمراض العصبية.
علاج الحول عند الأطفال:
إن المهم في علاج الحول عند الأطفال ليس تصحيح الحول جراحياً فقط بل المهم أن يصحح النظر في العين المصابة بالحول بحيث لا تصاب بالكسل البصري، فالحول أو هبوط الجفن العلوي للعين أو غيره إذا لم يُزل أو يصحح العامل المُسبب لهذه الإعاقة من هبوط في الجفن أو حول أو غيره في الوقت المناسب، قبل بلوغ الطفل سن الخامسة أو السادسة على الأغلب، فسينتج عن ذلك رؤية ضعيفة ودائمة ويصعب علاجها حتى لو أزيل السبب الذي أحدثها بعد هذه السن.
إن الطفل حديث الولادة يستطيع الإبصار وإنما يحتاج أن يستعمل عينيه للتدقيق (Focus) في الأشياء أمام عينيه حتى تتدرب الخلايا الدماغية المسؤولة عن الرؤية على دمج صورة الأشياء الواصلة إليها من كل عين في صورة متجانسة ومتماثلة، فالخلايا العصبية لا تنمو نمواً طبيعياً في حالة انعدام التركيز بتلك العين، ويكتمل نمو تلك الخلايا العصبية عندما يبلغ الطفل السادسة أو السابعة من عمره لذلك فإن النظر لا يتحسن أبداً بعد هذه السن مهما كان نوع العلاج، وهذا هو الخطر الذي يجب أن ينتبه له كل والد ووالدة عندما يلاحظان الحول عند ابنهما او ابنتهما.
لذا فإن علاج الحول قد يكون عسيراً إلى حد ما بالنسبة للأسرة، كما يحتاج إلى متابعة مستمرة من قبل طبيب العيون فقد يحتاج الطفل إلى تصحيح بعد النظر بنظارة يجب أن يلبسها الطفل حتى ولو كان في السنة الأولى من العمر حيث تقوم النظارة بتركيز الصورة على الشبكية وتنقل للعصب البصري صورة على الشبكية وتنقل للعصب البصري صورة مركزة واضحة، لذلك فإن الحول قد يتلاشى تماماً إن لبس النظارة مبكراً وكان سبب الحول هو بعد النظر مثلاً، كما قد يحتاج الطبيب إلى أن يغطي العين السليمة لكي يركز الطفل بالعين المصابة بالحول وذلك من أجل علاج الكسل البصري ، ورغم أن ذلك العلاج يعتبر قاسياً بالنسبة للأطفال وقد لا يطيقونه لكنه من المهم جداً اتباع إرشادات الطبيب المعالج وتغطية العين حسب الأوقات المطلوبة وإلا فلن تحصل الفائدة المرجوة من العلاج مطلقاً، وسوف يلاحظ والدا الطفل بعد انتهاء مرحلة التغطية للعين والتي قد تستغرق عدة أشهر أن العين التي كانت مصابة بالحول والتي كانت في السابق لا ترى إلا اليسير أصبحت رؤيتها مماثلة للعين السليمة.
وقد ينزعج الوالدان عندما يلاحظان أن العين السليمة أصبحت تنحرف وأن الطفل يستطيع التركيز بالعين المصابة، في الحقيقة أن ذلك الأمر هو ما ينشده الطبيب من العلاج، إلا أنه في هذه المرحلة يطمئن إلى أن العلاج كان ناجحاً وأن قدرة العينين على التركيز متساوية وهذا يسمى بالحول المتبادل، وعند ذلك يكون وقت العلاج بالجراحة قد حان من أجل تعديل العينين بحيث تكونان في خط مستو لإعطاء شكل أجمل وربما رؤية أفضل للطفل في بعض الحالات.
مخاطر قد تكون مصاحبة للحول:
إن المسألة الجمالية للعينين أمر هام جداً والحول قد يؤثر على نفسية الطفل ولكن الأمر المهم أيضاً هو معرفة أسباب الحول عند الأطفال وهذا لا يتسنى إلا بعرض الطفل على طبيب العيون المختص حتى ولو كان هناك شك في احتمال وجود الحول فلا بأس من الاطمئنان على ذلك، وقد تكون الأسباب لا سمح الله خطيرة مما قد يهدد حياة الطفل إذا أهمل العلاج وتأخرت الأسرة في عرض الطفل على المختص، فأمراض Retinoblastoma)) أورام الشبكية قد تكون أعراضها المبدئية الحول كما أن الأورام داخل الجمجمة قد لا تظهر في البداية إلا بشكل حول، إلى غير ذلك من الأمور التي تحتم علينا أن نهتم بهذه الظاهرة التي قد تصيب أبناءنا وبناتنا الذين هم فلذات أكبادنا وأمانة في أعناقنا بأن نعرضهم على طبيب العيون في أسرع وقت متى لاحظنا فيهم ظاهرة الحول.
الحول عند الكبار:
أسبابه: أسباب الحول عند الكبار كثيرة وتقل خطورتها عن أسباب الحول عند الأطفال، فقد يكون الحول مبتدئاً منذ الصغر بدون أن تتم ملاحظته وقد يبدأ في أي وقت عند البالغين لأحد الأسباب الآتية:
- خلل أو تلف أحد الأعصاب المؤدية لعضلات العين وقد يكون ذلك ناتجاً عن إصابة العين أو الرأس إصابة شديدة أو إصابة الأعصاب بالتهابات في أنسجتها.
- ضعف تغذية أعصاب عضلات العين نتيجة بعض الأمراض مثل داء السكري وغيره.
- اضطرابات بعض الغدد مثل اضطرابات الغدة الدرقية وبعض الأمراض العصبية التي تصيب الأعصاب أو مراكز التحكم في عضلات العين.
- في حالات قليلة قد يكون سبب الحول وجود ورم أو انتفاخ دموي يضغط على العصب ويفقد العضلة القدرة على التحرك مما يؤدي إلى ظهور الحول.
علاج الحول عند الكبار:
عند ظهور الحول عند الكبار يجب إجراء بعض الفحوصات الطبية للتأكد من وجود الأسباب التي ذكرت آنفاً وبالتالي علاجها مبكراً قبل أن تسبب مضاعفات أخرى، وفي كثير من الحالات يختفي الحول بدون أي علاج بعد مرور فترة من الزمن وفي حالة بقاء الحول لمدة طويلة قد ينصح طبيب العيون بإجراء عملية جراحية لتعديل الحول.
وعملية تعديل الحول تعتبر من العمليات البسيطة التي قد تجرى في عين واحدة أو في كلتا العينين ويتم بواسطتها تقصير أو إطالة بعض العضلات حسب مقاييس معينة حتى يتم تعديل الحول وتكون العينان في استقامة واحدة.