تحدٍّ تعليمي أم موهبة
إعداد : أ. روان مرزوق القثامي
تعد القراءة فناً من الفنون الأساسية في تعليم اللغة، كما تعد الأساس الذي تبنى عليه سائر فروع النشاط اللغوي الأخرى من حديث واستماع وكتابة.
كما أن القدرة على القراءة من أهم المهارات التي يمكن أن يملكها الفرد، إذ إنه لا يستطيع فهم الإرشادات والتوجيهات بطريقة سهلة إلا إذا كان قارئاً.
والفرد القادر على القراءة الجيدة يملك الوسيلة التي يوسع من خلالها أفاقه العقلية، ويتزود من كنوز الحكمة والمعرفة والاستمتاع، فضلًا عن أنها تعد من العوامل الأساسية في النمو العقلي، والانفعالي للفرد (القرعان، 2018).
تطور مفهوم القراءة من التعرف، والنطق، والفهم، والنقد، وأصبح أسلوباً من أساليب النشاط الفكري في حل المشكلات، فهي ليست عملية متميزة، بل هي نشاط فكري متكامل، يبدأ بإحساس الفرد بمشكلة ما، ثم يلجأ للقراءة لحل هذه المشكلة (العزاوي، 2002).
كما يعرفها عطية (٢٠٠٧( ” القراءة عملية تربط بين لغة الكلام والرموز المكتوبة وتشمل المعنى والرمز الدال على اللفظ، وتتم آلياً من خلال عمليتين، الأولى إدراك الرموز المكتوبة بواسطة حاسة البصر ونقل صور تلك الرموز إلى الدماغ الذي يتولى تحليلها وإدراك محتواها، والثانية الترجمة اللفظية لتلك الرموز بواسطة إجازات يصدرها الدماغ إلى أعضاء النطق فتحولها إلى ألفاظ”.
وأشار أبو سعد (2015) إلى أن مهارات القراءة تنمو في ست مراحل متسلسلة، كما وضح العديد من المهارات اللازمة لتعلم القراءة وتشمل مهارة التعبير الشفهي ويقصد بها التعبير عن الأفكار شفهيًا، ومهارة التمييز السمعي وتعني قدرة الطالب على التمييز بين الأصوات المختلفة التي يسمعها، ومهارة الميل القرائي وهو تنظيم وجداني ثابت نسبياً يجعل الفرد يعطي اهتمامًا لموضوع معين، ويشترك في أنشطة إدراكية أو عملية ترتبط به، ومهارة التمييز البصري التي يقصد بها القدرة على تمييز أوجه الشبه أو الاختلاف، والمهارات الحسية الحركية أيضًا تعتبر من المهارات اللازمة للقراءة وهي تتمثل في استخدام العضلات المختلفة التي تعاون الطالب على السير نحو تعلم أفضل للقراءة.
وبالنظر إلى الطلبة الذين يعانون من صعوبات في التعلم فقد أشارت نظرية معالجة المعلومات إلى وجود أسباب قد تؤدي إلى صعوبات التعلم تعود ربما إلى مشكلات في عملية إدخال المعلومات والترابط، أو الذاكرة، أو إخراج المعلومات، بينما يرى بعض العلماء أنه ربما يكون هناك عوامل تساعد في ظهور صعوبات التعلم، مثل العيوب التي تحدث خلال نمو الجنين، بالإضافة إلى العيوب الوراثية وتأثير العقاقير والتدخين والمشكلات في أثناء الحمل (القبالي، ٢٠٠٣).
كما وضح القرعان (2018) أن الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-IV-TR) يحدد صعوبات التعلم على أنها انخفاض مستوى التحصيل الدراسي في أحد المجالات العلمية أو أكثر، مثل القراءة والكتابة، وذلك وفق أداء الطالب ضمن اختبار فردي مقنن، يكون فيه التحصيل أقل من المتوقع مقاربة بالعمر الزمني، والقدرات العقلية ومستوى الذكاء العام، مما يؤدي إلى إعاقة النشاط المدرسي، والقيام بمتطلبات الحياة اليومية، ولا يكون انخفاض التحصيل ناتجاً عن عوامل بيئية أو أية إعاقة، بل يرتبط باضطراب واحد أو أكثر من العمليات النمائية التي تختلف شدتها من فرد إلى آخر.
ويرى مصطفى ووافية (2015) أن صعوبات القراءة مشكلة جادة يعاني منها عدد كبير من الأطفال، فهي لا تؤثر على الطفل فقط، بل تترك آثارها على المجتمع، وقد زاد عدد الأطفال الذين يواجهون صعوبات القراءة بدرجة استدعت انتباه الخبراء والباحثين للبحث في مفهوم صعوبات القراءة، أو ما يطلق عليه مسمى “الديسلكسيا”.
كما أن صعوبات القراءة الشديدة (الديسلكسيا) أكثر صعوبات التعلم انتشارًا لوجود تباين بين القدرة العقلية والمهارات اللغوية مما يجعل التحصيل متدنياً، ونسبة إصابة الذكور أكثر من نسبة الإناث، إذ تكون قدراتهم العقلية عادية ولا يعانون من مشكلات حسية أو عقلية أو بيئية، كما تلعب الوراثة دوراً كبيراً حيث تنتقل الإصابة بالديسلكسيا من الآباء إلى الأبناء (أبو سعد، 2015).
وتتكون كلمة الديسلكسيا (Dyslexia) من المقطع اليوناني ((Dys، ومعناه خلل كما في كلمة (Dysfunction) التي معناها الاختلال الوظيفي، والمقطع اليوناني (Lexia) والذي يعني استخدام الكلمات بشكل عام في القراءة ومواقف الاتصال اللغوي الأخرى مثل الكتابة، والتحدث، والاستماع وتكون في مواضيع المدرسة المختلفة كالعلوم، والرياضيات، والاجتماعيات، وغيرها (حمزة، 2008).
عرّف اسمهان والزهراء (2014) الديسلكسيا بأنها: “عجز جزئي في القدرة على القراءة أو فهم ما يقوم الفرد بقراءته “.
هذه المقالة ستسلط الضوء على الديسلكسيا بشكل إيجابي وتشير إلى الديسلكسيا والأشخاص الناجحين والعظماء الذين واجهوها وتوضح أيضًا نسبة انتشار الديسلكسيا في الوطن العربي والمجتمع الغربي بشكل عام.
موهبة الديسلكسيا!:
عندما يسمع الناس كلمة “الديسلكسيا ” فإن أغلبهم يفكر فقط بالمشكلات التي يواجهها الطفل عند تعلمه القراءة والكتابة والتهجي والحساب في المدرسة، كما يربط البعض بينها وبين حالات تبديل الحروف أو الكلمة فقط، والبعض الآخر يربط بينها وبين صعوبات التعلم فقط، وكل الناس تقريبًا يعتبرونها شكلاً من أشكال صعوبات التعلم، ولكن، إن صعوبة التعلم ماهي إلا وجه واحد فقط من الديسلكسيا، وإحدى أفكار رون الذي اتسمت طرق تصحيحه للديسيلكسيا بالنجاح والفاعلية مع التلاميذ ذوي التفكير الصوري المرئي الذين يعانون من صعوبات كبرى في تعلم القراءة هي ” أن النباغة في بعض الحالات لا تحدث على الرغم من وجود صعوبات التعلم بل بسببها”
كما أنه وضع لائحة بمواهب الديسلكسيين تتضمن التطور في الحدس والبديهة، القدرة على التصور بأبعاد متعددة، الخيال الحيّ، النظرة الثاقبة، القدرة على اختبار الفكرة كواقع، القدرة العالية على الإدراك المكاني، القدرة على التفكير بالصور، وهذه المواهب الأساسية أصبحت مطلوبة أكثر ضمن ميدان العمل في العصر الحديث (ديفيس وبراون، 2011).
ومن وجهة نظر تاريخية هناك علماء وأشخاص ناجحون من ذوي الديسلكسيا، منهم النحات الفرنسي المشهور أوغست رودين ، وصاحب النظرية النسبية في الرياضيات ألبرت آينشتاين ، وأيضًا مخترع الهاتف جراهام بيل الذي جعلنا نتواصل مع بعضنا اليوم بكل يسر وسهولة، والفنان والمهندس المعماري والعالم الإيطالي ليوناردو دافنشي ، ومخترع المصباح الكهربائي الذي جعلنا نعيش في حياة أسهل مع الضوء توماس أيديسون ، ومخترع ألعاب ديزني الذي رسم لطفولتنا ملامح الفرح والبهجة والت ديزني ، والمؤلف الدنماركي للقصص الخيالية أو الخرافية التي استوحي منها الكثير من الأفلام والمسرحيات والرسوم المتحركة وأسعدت الكثير من الأطفال مثل حكاية بائعة الكبريت، وملكة الثلج وغيرها من مؤلفات هانز أندرسن.
ومن الجدير بالذكر أيضًا الجراح الرائد في مجال الجراحة العصبية هارفي كوشينج، كما أن هناك قادة ورؤساء من ذوي الديسلكسيا وضعوا بصمة ميزتهم في مجالهم كحاكم ولاية نيويورك السابق نيلسون روكفلر ومنهم من استطاع إدارة الأمور في أشد الظروف صعوبة كالرئيس الأمريكي خلال الحرب العالمية الأولى ودرو ويلسون، و وينستون تشرتشل رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية والقائد الأمريكي جورج باتون (آل عزيز، 2013).
أليس من المدهش أن يكون جميع هؤلاء الأشخاص عباقرة رغم أنهم من ذوي الديسلكسيا؟ والأكيد إن إجابة الجميع “نعم”.
ومما لا شك فيه إن الديسلكسيا لا تجعل من الشخص عبقريًا، لكن من المهم جدًا أن يدركَ الأشخاص ذوو الديسلكسيا عند تقييمهم لأنفسهم أن قدرتهم العقلية تعمل بنفس الطريقة تمامًا التي تعمل بها عقول العباقرة العظماء (ديفيس وبروان، 2011).
نسبة انتشار الديسلكسيا:
بناءً على الأبحاث فإن نسبة الأشخاص من ذوي الديسلكسيا على مستوى الوطن العربي كبيرة، وعلى سبيل المثال: تصل معدلات الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم في مصر إلى أربعة ملايين طفل، ومؤشرات نسبة إصابة الأطفال تصل إلى ٨-٩ ٪، وفي الكويت قامت «الجمعية الكويتية للديسيلكسيا» بدراسة مسحية حول الأطفال ذوي عسر القراءة في الكويت أفضت إلى نتيجة تؤكد ازدياد نسبتهم، حيث قدرت الجمعية الكويتية أن حوالي: ٣-٦٪ من تلاميذ المدارس يواجهونه. (مختار، 2017).
ومازلنا نواجه قصوراً في إجراء المسوح الميدانية للتعرف على حجم الانتشار في الوطن العربي، وبناءً على إحصاءات الدول الغربية نجد أنها تُصيب نسبة عالية من الأطفال تتراوح بين 3% و6% منهم في سن الدراسة للمراحل الثلاث في التعليم الأساسي، وبالنسبة لانتشارها حسب نوع الجنس لوحظ أن معدل إصابة الذكور بها أعلى من الإناث (1:8)، ويفسر ذلك زيادة عدد الذكور المصابين بالديسلكسيا، مما جعل البعض يعتقد أن مخ الرجل لا يعالج ما يصل إليه من معلومات بالسهولة التي يقوم بها مخ المرأة في المعالجة.
كما تؤثر صعوبة اللغة وتركيباتها وقواعد النحو فيها وطرق تعلم قراءتها في نسبة انتشار الديسلكسيا.
مثلاً، اللغة الصينية أصعب من اللغة اليابانية فالديسلكسيا تنتشر في الصين أكثر من انتشارها في اليابان وهذا يعود لصعوبة اللغة، وفي بحث مقارن لانتشار الديسلكسيا في إنجلترا وألمانيا أظهر أن انتشارها في إنجلترا أكثر من ألمانيا بين أطفال متساوين في العمر والجنس والمستوى التعليمي (الصف الثاني ابتدائي) وأن نسبة الأخطاء في القراءة تتراوح بين 40% و 60% في إنجلترا، بينما لم تتجاوز 17 % في ألمانيا وتقل تدريجيًا مع تقدم الطفل في السلم التعليمي، حيث أنها تنخفض إلى 8% في الصف الرابع الابتدائي.
ويرجع ذلك إلى سهولة تعلم اللغة الألمانية بالنسبة للإنجليزية، ففي اللغة الألمانية يتعلمون أصوات الحروف والكلمات صوتيًا قبل تعلم كتابتها، كما أن نطق الكلمات يتفق مع كتابة وتسلسل حروفها، بعكس اللغة الإنجليزية فإنها غالبًا ما يختلف فيها نطق الكلمة عن كتابتها وتسلسل حروفها، وبالتالي تزداد نسبة حالات الديسلكسيا (حمزة، 2008).
- أبوسعد، أحمد عبد اللطيف. (2015). الحقيبة العلاجية للطلبة ذوي صعوبات التعلم. مركز ديبونو لتعليم التفكير.
- قوقل ويب https://pmb.univ-saida.dz/busshopac/doc_num.php?explnum_id=268
- آل عزيز، محسن بن عبد الله. (2013). دمج برنامج “”TRIZ في تدريس ذوي صعوبات التعلم. مركز ديبونو لتعليم التفكير.
- العزاوي، نعمة. (2002). المحادثة العربية. مطبعة تونس للنشر والتوزيع.
- القبالي، يحيى. (2003). مدخل إلى صعوبات التعلم. دار وائل للنشر والتوزيع.
- القرعان، أسمهان محمود. (2018). مهارات القراءة لدى الطلبة العاديين وذوي صعوبات القراءة “الديسلكسيا” في الصف رابع في المدارس الحكومية الأساسية في محافظة إربد. مجلة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث والدراسات التربوية والنفسية، 9(25)، 149-136. DOI: https://doi.org/10.5281/zenodo.2544719
- حمزة، أحمد عبد الكريم. (2008). سيكولوجية عسر القراءة ” الديسلكسيا”. دار الثقافة للنشر والتوزيع.
- ديفس، رونالد، وبراون، إلدون. (2011). موهبة عسر القراءة ” الديسلكسيا”(ترجمة هيئة الترجمة في دار النهضة العربية). منشورات دار النهضة العربية. (نشر العمل الأصلي د.ت).
- عطية، محسن. (٢٠٠٧). تدريس اللغة العربية في ضوء الكفايات الأدائية. دار المنهاج للنشر والتوزيع.
- مختار، وفيق صفوت. (2017). عسر القراءة عند الأطفال. دار المنظومة http://search.mandumah.com/Record/835620
- منصوري، مصطفى،و بن عروم، وافية. (2015). صعوبات تعلم القراءة لدى تلاميذ السنتين الثانية والثالثة ابتدائي. دراسات نفسية وتربوية 14، 17-31. http://e-biblio.univ-mosta.dz/handle/123456789/9760
- طالبة دراسات العليا في تخصص الإعاقة الفكرية، بجامعة الطائف.
- حاصلة على بكالوريوس في التربية الخاصة – الإعاقة الفكرية، جامعة الطائف 2019.
- متطوعة في مركز تنمية الطفولة بمدينة الطائف.
- المشاركة والتنظيم في حملة ” ظاهرة التنمر داخل الجامعة”، بجامعة الطائف.
- المشاركة في ورشة عمل ” المسؤولية الاجتماعية والعمل التطوعي في ظل 2030″ تحت اشراف عمادة خدمة المجتمع والتنمية المستدامة في جامعة الطائف، عام 1440هـ.
- مشاركة في ورشة عمل ” إدارة وصناعة الفعاليات” تحت اشراف شركة غدن للاستشارات وبناء القدرات وكلية خدمة المجتمع بجامعة الطائف، 2019م.
- مشاركة في حضور ورشة عمل” قياس وتشخيص اضطرابات النطق” تحت اشراف كلية التربية بجامعة الطائف، 1438.