هل نعرف حقيقة مشاعرنا؟ وإذا عرفناها هل نعترف أو نبوح بها للآخرين؟ قد نكون ممن لم يكتسبوا مهارة الإفصاح عن مشاعرهم نتيجة تربية ما، أو بيئة ما، أو ممن لم يُسألوا يوماً عما أحبوه أو كرهوه، وربما فقدان الإحساس بالأمان أيضاً يكون سبباً من أسباب اندفاعنا القوي إلى المشاجرات والصراعات والغضب السريع، وعدم السيطرة على انفعالاتنا. وهي أسباب تعود لمشكلات متجذرة بذواتنا منذ الطفولة والمراهقة، وقت كنا بأمس الحاجة إلى اكتساب المهارات الذاتية التي توفر لنا الصلة بين شخصيتنا والإحساس بها، واستعدادنا لممارسة أخلاقنا الفطرية، وهذان الموقفان الأخلاقيان ملزمان للإنسان في حياته العامة والاجتماعية وهما: ضبط النفس والرأفة.
ما هو الذكاء العاطفي*؟ وكيف نربط الذكاء بالعاطفة؟
لقد عالج هذا الموضوع الكاتب «دانييل جولمان» في كتابه «الذكاء العاطفي» هذا المصطلح الذي أصبح من أهم الموضوعات انتشاراً وتداولاً. وفي تعريفه «للذكاء العاطفي» يقول: هو الاستخدام الذكي للعواطف، فالشخص يستطيع أن يجعل عواطفه تعمل من أجله أو لصالحه باستخدامها في ترشيد سلوكه وتفكيره بطرق ووسائل تزيد من فرص نجاحه إن كان في العمل أو في المدرسة أو الحياة بصورة عامة.
ويضيف جولمان بأن عواطفنا هذه تنبع من أربعة أبنية أساسية وهي
- الوعي الذاتي: القدرة على الفهم الدقيق لمشاعر وعواطف الشخص نفسه، وكذلك الدوافع وتأثيرها على الآخرين من حوله
- ضبط الذات: القدرة على ضبط وتوجيه الانفعالات والمشاعر القوية تجاه الآخرين
- الحافز: حب العمل بغض النظر عن المصالح المادية
- التعاطف: هو القدرة على تفهم مشاعر وعواطف الآخرين، وكذلك المهارة في التعامل معهم.
وتسمى هذه الأبنية بالمهارات، الممكن تطويرها ونموها بالتعلم والتمرين، وبالقدرة الذاتية أولاً التي يتشكل منها بناء الذات، وبالطبع هذه المهارات أيضاً يمكن تعليمها لأطفالنا، لنوفر لهم فرصاً أفضل أياً كانت الممكنات الذهنية التي منحها لهم حظهم الجيني، فنعلمهم أولاً كيف يتعاطفون مع الآخرين، بإشاعة المشاعر الطيبة وممارسة فعل الرحمة أمامهم للسيطرة على الغضب. وذلك قبل أن تفوت الفرص التي يقدمها لهم بالأساس نضج المخ الهادئ البطيء بجهازه العصبي لمساعدتهم وهم أطفال بعد.
أما كيف نربط الذكاء بالعاطفة؟
إن آخر الاكتشافات العلمية بحسب جولمان المتعلقة بموضوع الذكاء، هو اكتشاف تركيبة المخ العاطفية، التي قدمت تفسيراً لتلك اللحظات التي تهيمن فيها مشاعرنا على عقولنا من خلال عمل المجموعة المعقدة من الخلايا في الأثناء التي نفكر فيها أو نشعر أو نتخيل أو نحلم، هذا الفيض من البيانات العصبية البيولوجية يجعلنا نفهم بوضوح كيف تحركنا مراكز «المخ» الخاصة بالعاطفة المرتبطة بكل المشاعر السلبية أم الإيجابية، هذه المنطقة من الدماغ تسمى النتوء اللوزي «الاميجدالا» وهي موجودة في الدماغ بمنزلة مخزن للذاكرة العاطفية. ولهذه «الاميجدالا» دور الحارس الذي يتحدى كل موقف وكل تصور ويطرح على العقل الأسئلة السهلة التي تتعلق بالمشاعر مثل « هل أكره هذا الشيء» ؟ أو « هل هذا الشيء سيصيبني بالضرر؟» هل هو شيء أخافه؟» وهكذا… فيرسل رسالة إلى باقي أجزاء الدماغ بالشعور الذي نحس به.
وهنا يمكن أن نطرح السؤال الآتي:
هل يمكن للإنسان أن يرفع من مستوى ذكائه العاطفي؟
تجيب الدراسات أن هامش التطوير في الذكاء العاطفي أوسع بكثير من هامش التطوير في الذكاء العقلي. لذلك نربط الذكاء العاطفي بالتربية، لأنه ينطبق على أفعالنا اليومية، مثال على ذلك: إذا كرر احد على مسامع الطفل بأنه طفل عنيد، فإنه سيصبح عنيدا بالفعل، ولهذا السبب علينا دائماً أن نشيع المشاعر والصفات الإيجابية على مسامع الأطفال، والكبار أيضاً لأنها تترك أثراً طيباً وحافزاً إضافياً للتمثل بالصفة التي أطلقت عليهم.
وخلاصة القول يمكن تعريف الذكاء العاطفي بأنه قدرة الإنسان على التعامل الإيجابي مع نفسه ومع الآخرين. والذكي عاطفياً هو الذي لا يتجاهل عواطفه ولا يكبتها وإنما يفهمها ويتعامل معها بطريقة إيجابية، حيث إن كبتها يؤدي إلى الاحتقان وينعكس سلباً على صحته النفسية والجسدية، وهناك قاعدة أساسية في الذكاء العاطفي تقول: نحن لا نستطيع أن نقرر عواطفنا ولكننا نستطيع أن نقرر ما نفعل حيالها. مثلاً لا نستطيع أن نقرر متى نغضب ولكن نستطيع أن نقرر كيف نتعامل مع غضبنا، فيقول أرسطو في كتابه الأخلاق إلى نيقوماخوس: «أن يغضب أي إنسان، فهذا أمر سهل.. لكن أن يغضب
من الشخص المناسب، وفي الوقت المناسب، وللهدف المناسب وبالأسلوب المناسب.. فليس هذا بالأمر السهل..»
هذه هي حال عقولنا وقلوبنا، التي نختزن فيها الكثير من الصفات والمميزات: الإرادة، النوايا الحسنة والمشاعر الطيبة والإيجابية، مهارات عاطفية، فن وجمال، التسامح والتعاطف، التفاؤل والثقة بالنفس اللذان لا يقبلان الخوف من الفشل، المسؤولية، وتقبل الرأي الآخر، تقييم الوقت، والهدوء …. كلها صفات ومهارات تساوي بمجموعها «الذكاء العاطفي»، وبالتالي يصبح الإنسان إنساناً، سيداً على نفسه، مريداً لما يحب ويرضى، ناجحاً، يقدر قيمة الأشياء، يضبط نفسه ويرأف بالآخرين.
الاسم : سنا أحمد الحاج
مواليد بيروت 4 نيسان / أبريل 1965
الشهادة العلمية:
دكتوراه في الفلسفة ومقارنة الاديان ـ الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية (لندن).
العمل والنشاطات:
- ـ رئيسة دائرة الدراسات والبحوث في وزارة الاعلام اللبنانية – مديرية الدراسات والمنشورات.
- ـ عضو تحرير الصفحة الالكترونية لوزارة الاعلام.
- ـ عضو هيئة تحرير مجلة "دراسات لبنانية".
- ـ ممثل وزارة الاعلام في لجنة وضع خطة توجيهية لتسهيل ذوي الاحتياجات الخاصة في العمليات الانتخابية الصادرة عن مجلس الوزراء اللبناني.
- ـ مشاركة في مجلة "تحالف الحضارات" الصادرة عن "البيت اللبناني – الروسي".
- ـ مشاركة في مجلة «المنال» ـ مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- ـ مشاركة في مجلة طبيب الجمال.
- ـ مشاركة في مجلة أحمد ـ كاتبة قصص اطفال
- ـ كاتبة للعديد من المقالات والملفات والمقابلات والدراسات في عدد من الصحف اللبنانية.
- ـ مؤلفة كتاب بعنوان «ماهية الانسان وعوامل تكامله في الفلسفة والدين» الصادر عن دار فكر للأبحاث والنشر.
- ـ متعاملة سابقاً مع مديرية السينما والمسرح والمعارض اللبنانية.
- ـ موظفة سابقاً في وزارة الثقافة اللبنانية.
- ـ العمل سابقاً في مشروع إعادة تأهيل المكتبة الوطنية في لبنان ـ عضو لجنة إعداد دليل تصنيف المكتبة.
- ـ المشاركة في العديد من المؤتمرات والندوات والمعارض وورش العمل