يعد السكري أحد أمراض العصر المنتشرة في جميع دول العالم النامي منها والمتحضر والفقير، ويصيب العديد من فئات المجتمع، حتى أن الأطفال في أرحام أمهاتهم لم ينجوا من ذلك المرض الشائع، وتكمن الخطورة أيضاً في تنامي أمراض الزهايمر التي تصيب عادة كبار السن وتعرض ذاكراتهم للنسيان، وهنا تأتي المفارقة التي أحدثت دوياً علمياً حينما أكد علماء من خلال فحوص مؤكدة وجود علاقة مباشرة بين الإصابة بالنوع الثاني من السكري ومرض الزهايمر، حيث تبدأ رحلة النسيان وتدمير الذاكرة بالسكري الذي طالما اشتكى منه الملايين.
يؤكد الأطباء أن الإصابة بالنوع الثاني من السكري هو طريق الإصابة بالزهايمر، وعلى الرغم من خطورة نتائج الدراسة فإن الأطباء القائمين على البحث العلمي أكدوا في الوقت نفسه طريق وعلاجات مجربة على فئران تجارب تقوم بفعل عكسي مضاد لعوامل أمراض الذاكرة، وهو الأمر الذي يفتح الطريق أمام عقاقير جديدة لعلاج الزهايمر بشكل عام.
يقول إيوان مكلاي اختصاصي الأعصاب بجامعة ألباني في نيويورك: إن المريض بالنوع الثاني من السكري عليه أن يتناول عقاقير مضادة للزهايمر كمرحلة وقائية من خطر إصابته به في المراحل المتقدمة، ويضيف أنه مرض يتميز باختلافه عن النوع الأول من حيث وجود مقاومة مضادة لمفعول الأنسولين، إضافة إلى قلة إفرازه، ولا تستجيب مستقبلات الأنسولين الموجودة في الأغلفة الخلوية لمختلف أنسجة الجسم بصورة صحيحة له.
ويكلف الزهايمر وحده الولايات المتحدة قرابة 130 مليار دولار سنوياً، وإذا صحت فرضية الدراسة الأخيرة، ستتضاعف التكاليف وستضطر الحكومات لمحاربة مرضين من أجل القضاء على مرض واحد.
ينشأ النوع الثاني من السكري بسبب توقف خلايا الكبد والعضلات والدهون عن الاستجابة بكفاءة للأنسولين وللهرمون الذي يوجهها لامتصاص الغلوكوز من الدم، وهو الهرمون الذي ينشط حينما يتم تناول الأطعمة التي تحتوي على كميات كبيرة من السكر والدهون، وهو ما يسبب أيضاً البدانة، وطبقاً للدراسة فإنه يؤدي في مراحله المتقدمة إلى الارتباك وفقدان الذاكرة التدريجي الذي يؤدي بالضرورة الحتمية إلى الإصابة بالزهايمر، وهو ما أكدته سوزان دي لا مونتي الأستاذة بجامعة براون الأمريكية حينما فسرت تطور حالات الزهايمر لمن يصابون بالنوع الثاني من السكري، ففي هذا النوع من (الخرف) وجدت أن (الحصين)، وهو جزء من الدماغ مسؤول عن أنشطة التعلم والذاكرة، يبدو غير حساس للأنسولين، لذا فقد خلصت الدراسة إلى أن العقل أيضاً يتضرر من الإصابة بالسكري وفي موضع غاية في الحساسية يؤدي مباشرة إلى تضاؤل القدرات العقلية على التعلم والتذكر على المدى الطويل.
وأثبتت تجارب أخرى على مجموعة من الحيوانات من خلال إطعامهم أغذية تساعد على الإصابة بالسكري، فسبّب حالة من التمزق في أنسجة عقولهم بسبب نوع من البروتين غير القابل للذوبان أو الامتصاص يسمى (إميلويد بيتا)، وهو أحد الأسباب المباشرة لمرض الزهايمر، ما قاد للاعتقاد أن الزهايمر في أغلب الأحيان ينشأ بسبب نوع معين من السكري.
وتكونت العديد من الأفكار العلمية حول نشوء المراحل الأولية من الزهايمر بعد الإصابة بالنوع الثاني من السكري أكثر من كونها نوعاً من التدهور المعرفي والإدراكي الذي يصاحب العديد من الأمراض الأخرى، وعلى الرغم من أنه حتى الآن لا يوجد توافق نهائي على ما يسبب الزهايمر، إلا أن العلماء أكدوا أن بروتينات الأميلويد – بيتا ليست نفسها المسببة لأنواع الانسداد داخل المخ مع لويحات الخرف أو ما يعرف علمياً بـ Senile Plaques، ولكن (قليل الوحدات)، وهو مركب يتكون من عدد محدود من الوحدات يعرف في الكيمياء باسم Olygomer، يمكن أن يكون المتسبب الحقيقي من ورائها، ومن ثم فعند الإصابة تكون اللويحات طريق المخ الوحيد لعزل قليل الوحدات من الـ Olygomer السامة.
وللتأكد من تسبب الأميلويد بيتا في الإصابة بالزهايمر خلال النوع الثاني من عدمه، قام الأطباء في جامعة براون الأمريكية بتجربة على 20 من الفئران وتغذيتها بصورة كبيرة على أغذية تحتوي على دهون مشبعة لإصابتها بالنمط الثاني من السكري، وبالتوازي كان هناك إطعام لـ 20 أخرى بصورة سليمة، وإيداعها في قفص مظلم وتعريضها في بعض الأحيان لبعض الصدمات الكهربائية البسيطة لبيان بعض النتائج، وبذلك ضمن العلماء أن تظل الفئران في حالة خوف شديد وبعد عدة أيام تم قياس واستنتاج مدى صحة ذاكرتها من خلال التحاليل.
وكما توقع الأطباء أصيبت الفئران غير المصابة بالنوع الثاني من السكري بحالات فقدان للذاكرة أكثر ممن أصيبت بالسكري، حيث تجمدت لفترة أكبر داخل القفص المظلم، ما كان يعكس غيابها عن الواقع لفترات طويلة من دون حراك أو تفقد البيئة المحيطة بها.
وللتأكد مرة أخرى من أن الأميلويد ـ بيتا هو المتسبب في حالات فقدان الذاكرة تلك، قام بيتر تيثير من معهد الرينيسيلا بوليتكنيك في نيويورك بتصميم جزيئات من الأجسام المضادة التي تستطيع تعطيل عمل واحدة أو أكثر من اللويحات داخل المخ، فوجد الباحثون علاقة وثيقة بين الفقدان المعرفي وحالات فقدان الذاكرة ومرض النوع الثاني من السكري بسبب قلة الأنسولين المفرز كما حدث في حالات فئران التجارب.
وتم رصد أحد الآثار الجانبية بعد إصابة الفئران بعدم قدرة (الحصين) التدريجية على نقل الطاقة والغلوكوز من المخ إلى الأعصاب مما يؤثر بالسلب في تخزين المعلومات ومن ثم الإصابة بضعف الذاكرة الذي يؤدي للزهايمر بالنسبة للبشر.
وقدمت دراسة أخرى حلاً لمرض الزهايمر الناتج عن السكري بحقن المريض بالعديد من المركبات التي تحتوي على بعض الأجسام المضادة، حيث قام العالم مكلاي بعدة تجارب على مجموعة من الفئران، وبعد حقنها بعلاجه الجديد لاحظ إغراق الأجسام المضادة وتحكمها في مركبات قليل الوحدات للأميلويد ـ بيتا بشكل يسمح لها بتقليل أو منع الأنسولين من أداء عمله.
ويقول العالم تريس سامبسون أستاذ الأعصاب بجامعة تكساس، إن الأجسام المضادة أصبحت الحل الفعلي للنجاة من الزهايمر المصاحب لمرض النمط الثاني من السكري، وأضاف أنه على الرغم من فشل تلك المحاولات التي قام بها شخصياً في الماضي إلا أنها ستكون فعالة في الحالات التي تبدأ أعراض الزهايمر بالظهور عليها، بخلاف الحالات المتقدمة التي كانت تحت الدراسة في الماضي.
ويؤكد تلك الفرضية أوليفر ثيبولت الأستاذ بجامعة كنتاكي حيث يؤكد أن هناك العديد من التقنيات الجديدة التي تربط بين الأميلويد ـ بيتا وإشارات الأنسولين، كما يجب استحداث العديد من وسائل الأجسام المضادة لتناسب كل الأعمار، على الرغم من ارتباط مرضي الزهايمر والسكري بكبار السن.
وتقول جيسيكا سميث المتحدثة باسم جمعية (مجتمع الزهايمر البريطاني)، بعد الاطلاع على نتائج التجارب الأخيرة لعلاج الزهايمر بالأجسام المضادة تبين أنه الحل الأمثل في المستقبل، ولكن نجاحه يتوقف على التشخيص المبكر للمرض، لأنه من غير المضمون فعاليته في الحالات المصابة كلياً، ويقول مكلاي، إنه توجد أيضاً العديد من العلاجات الأخرى التي لا تحتاج إلى تجارب أو تحاليل كيميائية للوقاية من السكري والزهايمر بصورة طبيعية مثل الذهاب للصالات الرياضية وممارسة المشي والتقليل من المأكولات السكرية والدهنية الضارة والمواظبة على الفواكه والخضراوات.
قسم الخدمة الاجتماعية في مركز التدخل المبكر
التابع لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
قسم الخدمة الإجتماعية بمركز التدخل المبكر التابع لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية