زاد الاهتمام الطبي العالمي خلال السنوات الماضية بالطب التكميلي الذي كان معروفاً بين الناس بالطب البديل إلى أن قررت منظمة الصحة العالمية تغيير مسماه إلى الطب التكميلي واعتماد استراتيجية جديدة له من سنة 2014 إلى سنة 2023 بهدف تطويره واعتماد المنهجية والبحث العلمي في تطبيقه.
ويعد مسمى الطب التكميلي أشمل وأوسع لأنه يعد مكملاً لدور الطبيب وليس بديلاً عنه كما كان يشاع. ولكن للأسف ظهرت مغالطات كثيرة في تطبيقه ومفاهيمه، بل بالعكس تم استغلال هذا النوع من الطب للترويج لأساليب علاج غير مبنية على أسس علمية ومنهجية، وكان الهدف الأساسي لهذه الممارسات هو الجانب المادي والاستغلال، وهذا أدى أيضاً إلى عدم اقتناع كثير من الأطباء بهذا النوع من العلاجات لعدم وجود أدلة علمية وبحثية كافية تساندها أو تستند إليها، لكن العديد من الهيئات الصحية بدأت خلال السنوات الماضية إجراء عدد من الدراسات والأبحاث العلمية، خاصة في مجال الطب الصيني والعلاج بالحجامة والعلاج بالأعشاب وتقويم العمود الفقري والعلاج بالأوزون وغيرها مما ساعد على تقوية الجانب العلمي لبعض أنواع الطب التكميلي. ومع ذلك، فإن كثيراً من الناس يربطون الطب التكميلي بالأعشاب فقط، وهذا الكلام غير صحيح، فالطب التكميلي له أنواع وأقسام عدة ومن أهمها الطب الإسلامي (النبوي).
ويندرج تحت هذا النوع من الطب التكميلي العلاج بالأعشاب والعلاج بالحجامة. والعلاج بالأعشاب هو أحد أهم أقسام الطب التكميلي والأساس للعديد من أقسامه الأخرى، ويحتاج إلى علم ومعرفة كبيرين لتحديد نوعية النبات المستخدم والسمية وطريقة التحضير والجرعة وغيرها. وإذا استخدم العلاج بالأعشاب بطريقة علمية ومنهجية فإن النتائج، بإذن الله، تكون أكثر من رائعة على صحة الإنسان.
أما الحجامة فتعريفها اللغوي هو أنها كلمة مأخوذة من حَجَم وحجَّم، ونقول حجم الأمر أي أعاده إلى حجمه الطبيعي. والحَجمُ هي عملية المص. وللكلمة أصول لغوية أخرى منها أحجم بمعنى تراجع أو منع، ومنها أحجم فم الحيوان إذا جعل عليه حجاماً ليمنعه من العض، وحجم فلاناً عن الأمر أي كفه وصرفه.
أما تعريف الحجامة طبياً، فهي عملية سحب للدم أو مصّه من سطح الجلد باستخدام كؤوس الهواء بإحداث (أو من دون) خدوش سطحية حيث تخدش الشعيرات الدموية بغرض إخراج الأخلاط الدموية والشوارد الحرة، وليس الدم الفاسد كما يشاع.
وتعد الحجامة من أقدم الفنون العلاجية التي عرفها الإنسان في العديد من المجتمعات البشرية من مصر القديمة غرباً التي عرفتها منذ 2200 ق.م وتوجد لها رسوم منقوشة على جدران مقبرة الملك توت عنخ آمون وعلى معبد كوم أمبو أكبر مستشفى في ذلك العصر، مروراً بالآشوريين عام 3300 ق.م إلى الصين شرقاً، وفي اليونان من 502 إلى 575 ميلادية استخدم هذا النوع من العلاج الكثير من الأطباء وبخاصة في عهد أبوقراط، أبو الطب اليوناني.
وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحث الناس عليها وأوصى بإجرائها، وفي الدولة الإسلامية كانت أحد أهم العلاجات، وكان محمد بن زكريا الرازي 860 ـ 932 م أحد رواد الطب الذين تحدثوا عن أهمية الحجامة. وذكر ابن سينا الحجامة 980 ـ 1037م في كتابه الشهير القانون في الطب.
الحجامة ودورها المسكّن للألم
توجد نظريات عدة تفسر عمل الحجامة، وحتى يومنا هذا ما زال البحث جارياً في الصين وألمانيا وكوريا والعديد من دول العالم لتفسير آلية عمل الحجامة بالجسم. ونورد فيما يلي بعض النظريات وفقاً للدور الذي تقوم به.
- نظرية الأندروفين (نظرية برومرز):
تقول هذه النظرية إنه عند إجراء الحجامة لنقاط ذات مفعول مسكّن فإن الغدة النخامية تصدر أوامرها لإنتاج الأندروفين، وهي مادة كيمائية ذات تأثير يشبه المورفين، ووفقاً لنظرية (برومرز) فإن الأندروفينات التي تفرز من الغدة النخامية والتي تعرف (بالأنكافالين) تقوم بالالتحام مع مستقبلات الألم في النهايات العصبية ما يؤدي إلى تقليل الجهد الممارس على النهاية العصبية وتقليل التوصيل وبذلك تنقل الإشارات العصبية المؤلمة ببطء شديد، كما تستقبل الخلايا العصبية الناقلة لإشارات الآلام موجات أقل وإحساساً أقل وتكون النتيجة النهائية انحسار الألم. - نظرية بوابة التحكم في الآلام (نظرية ملزاك ووول):
ينتقل الإحساس بالألم على شكل موجات عبر بوابات متعددة على مسار الجهاز العصبي المركزي، وخلال نهايات الألياف العصبية الدقيقة، ومنها إلى الحبل الشوكي ومن ثم إلى الدماغ، وعند عمل الحجامة فإنه يتم إرسال موجات هائلة من الإشارات غير المؤلمة التي تنقل عبر نهايات الألياف العصبية الغليظة إلى بوابات الحبل الشوكي، وهذا يؤدي إلى ازدحام الإشارات العصبية وبالتالي إلى عدم انتقال الإحساس بالألم، لكنه بعد ذلك يسمح بمرور الإشارات غير المؤلمة الآتية عبر الألياف الغليظة وهذا ما يعرف بالتفاعل الاستبدالي. أي بدلاً من وصول الإشارات المؤلمة إلى الجهاز العصبي المركزي فإن إشارات غير مؤلمة تصل إليه ويحدث المفعول المسكن وللجهاز السمبثاوي دور في هذه الخاصية. - نظرية رد الفعل الانعكاسي:
تعتمد هذه النظرية على تنبيه المناطق العصبية التي لها اتصال بالجلد أي الوصلات العصبية المشتركة مع الجلد في مراكز واحدة وينتقل هذا التأثير عن طريق رد الفعل الانعكاسي إلى الجهاز العصبي المركزي ومنه إلى الأعصاب الداخلية المسؤولة عن إفراز المناعة ومضادات الألم ومضادات الالتهاب وترتفع هذه المواد تباعاً في الدم. - نظرية البروستاجلاندين:
تخرج هذه المادة من الخلايا الملتهبة، ووظيفتها نقل إشارات الألم إلى المخ، وتعد ناقلاً كيمائياً يساعد على تقليل إحساس المريض بالألم.
الحجامة ودورها في تخلص الجسم من الشوارد الحرة
تفرز العمليات الأيضية المختلفة بالجسم الكثير من الفضلات بالإضافة إلى الملوثات التي نتعرض لها، وهذا يؤدي إلى ضعف الدورة الدموية وحملها لكثير من الشوارد الحرة والسموم التي تستخرج عن طريق الحجامة الطبية وليس الدم الفاسد كما يشاع، وهذا يؤدي إلى تنشيط الدورة الدموية وإعادة التوازن إلى الجسم.
المحافظة على توازن وظائف الأعضاء وانتظامها
- تنظيم مسارات الطاقة وتصحيحها:
ترتكز هذه النظرية على أن الجسم فيه 12 قناة أساسية وأربع قنوات فرعية وهذه القنوات تجري فيها طاقة مغناطيسية وما دامت هذه الطاقة تجري في سلاسة ويسر من دون أي عوائق فإن الجسم يبقى معافى وعندما يحدث أي اضطراب في مجرى هذه الطاقة يبدأ ظهور الأعراض المرضية، وكل نقطة من نقاط المجال المغناطيسي على سطح الجسم لها دلالتها الخاصة وعند تحفيز هذه النقطة تؤدي إلى تقوية مسار الطاقة لهذه النقطة المرتبطة بالعضو. - تنظيم عمل الجهاز العصبي الإرادي واللارادي (السمبثاوي والباراسمبثاوي):
يؤدي التعامل مع النقاط التوازنية إلى إحداث نوع من التوازن والانتظام في عمل الجهاز السمبثاوي والباراسمبثاوي وهما جهازان مضادات لبعضهما بعضاً والتعامل مع نقاط القوى المغناطيسية يعيد إلى الجسم حالته الطبيعية. - تنظيم الهرمونات:
تحفيز النقاط التوازنية يؤدي إلى إحداث نوع من التوازن لاضطربات الهرمونات عن طريق تنظيم عمل الغدد الصماء. - تنشيط الجهاز المناعي:
تؤدي الحجامة الطبية إلى تحفيز وتنشيط الجهاز المناعي بداية عن طريق تحفيز البشرة وبالتالي خلايا لانجرهانز المسؤولة بدورها عن تحفيز الجهاز المناعي للتعامل مع البكتيريا والميكروبات، كما وجد أن التأثير في بعض النقاط يؤدي إلى زيادة كريات الدم البيضاء وكذلك الغاما غلوبيولين والأجسام المناعية المختلفة، ووجد أيضاً أن قدرة كريات الدم البيضاء على إفراز مادة الإنتروفيرون، وهي مادة بروتينية تفرزها كريات الدم البيضاء لمحاربة الفيروسات، تزيد على المعدل الطبيعي مما يعطي الجسم مقاومة أكثر ضد الفيروسات.
أنواع الحجامة
توجد سبعة أنواع من الحجامة، وهي:
- الحجامة الجافة: هي حجامة تتم بالحد الأدنى للشفط من الكأس بحيث يرتفع الجلد وأنسجته داخل الكأس بدرجة بسيطة، ويحدث هذا الشد تحفيزاً للأنسجة العميقة تحت الجلد محدثاً كدمة بسيطة، وفائدة هذا النوع من الحجامة هو تخفيف الألم والاحتقان وفي حالات ركود الدورة الدموية، وتعد أيضاً الخطوة الأولى للحجامة الرطبة ويمكن أن تجرى لوحدها أيضاً.
- الحجامة الرطبة: هي الحجامة الأكثر انتشاراً ويتم فيها إحداث خدوش سطحية في سطح الجلد لاستخراج الدم من الشعيرات الدموية، وتعمل الحجامة الرطبة على تخفيف الألم وتنشيط الدورة الدموية والتخلص من الشوارد الحرة.
- الحجامة المتزحلقة: هي عملية تدليك ولكن باستخدام بعض الزيوت مثل زيت الكتان مع كاسات الحجامة ويمكن استخدامها كإعداد للحجامة الدموية عن طريق تنشيط هذه المنطقة وتكون حركة الكاسات دائرية عكس عقارب الساعة.
- الحجامة المائية: يتم ملء ثلث الكأس بالماء الدافئ الذي يذاب فيه بعض التركيبات الدوائية ويوضع على مكان الألم، ويفيد هذا النوع من الحجامة للكحة الجافة والحساسية الصدرية.
- حجامة البامبو: تستخدم فيها كؤوس مصنوعة من خشب البامبو وتغمر بالماء في إناء معدني عميق مع الأعشاب الطبية المناسبة للحالة (مثل البابونج أو عشب الموكسا) وتترك لتغلي على النار لمدة 30 دقيقة، ثم تستخرج الكؤوس لتبرد قليلاً وتوضع على المكان المراد علاجه حيث يمتص خشب البامبو المواد الفعالة في الأعشاب وينقل تأثيرها العلاجي إلى الموضع، وهذا النوع من الحجامة مفيد للتشنجات العضلية وبخاصة العنق والكتفان.
- حجامة المغناطيس: هي أيضاً حجامة جافة يستخدم فيها نوع خاص من الكؤوس مثبت به قطب مغناطيسي ويوضع بالمواضع المختلفة بناء على خريطة الجسم، ويظهر فيها توزيع نقاط المجال المغناطيسي لمختلف أعضاء الجسم الداخلية والخارجية. ويفيد هذا النوع من الحجامة لأمراض المفاصل.
- حجامة الإبر الصينية: يستخدم هذا النوع من الحجامة مع حالات الألم للمفاصل وتترك فيها الإبر في مواضعها ويتم تركيب كأس الحجامة المناسب ويكون الشفط بين المتوسط والقوي على المفاصل وما بين الخفيف والمتوسط في المناطق العضلية وتترك الكأس لدقائق.
فوائد الحجامة الطبية
- تنشيط الدورة الدموية واستخراج الشوارد الحرة والأخلاط الدموية.
- تنشيط وإثارة أماكن ردود الفعل ومراكز الحركة بالجسم.
- تنشيط العمليات الحيوية في طبقات الأنسجة الجلدية عن طريق امتصاص السموم وآثار الأدوية من الجسم.
- تسليك مسارات الطاقة وإعادة الحيوية للجسم.
- تقوية المناعة العامة للجسم بإثارة غدة الثايموس أمام عظمة القص.
- تسكين الألم عن طريق استخراج البروستاغلاندين.
- الحجامة تثير المواد المضادة للأكسدة وتحفزها.
- الحجامة تقلل نسبة الكوليسترول الضار LDL وترفع نسبة الكوليسترول النافع بالدم HDL.
- الحجامة ترفع نسبة المورفين الطبيعي بالجسم.
- تنشيط عمل الغدد وتنظيم الهرمونات وبخاصة عند إجراء الحجامة عند الفقرة السابعة من الفقرات العنقية.
- تنشيط الدورة الدموية موضعياً عن طريق تجمعات دموية في بعض الأماكن التي تحتاج إلى دم زيادة.
- تحفيز الجهاز السمبثاوي والباراسمبثاوي وتأثير ذلك في الناحية النفسية للمريض عامة.
قسم الخدمة الإجتماعية بمركز التدخل المبكر التابع لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية