إعداد: علا محمود محمد
عرضنا في العدد السابق العوامل الذاتية التي تؤثر في النمو اللغوي، نظراً لأهمية فهم العلاقة القائمة بين النمو اللغوي والعوامل التي تؤثر في هذا النمو مما يتيح ويسهل لنا إمكانية التعرف على هذا النمو تقويمًا وضبطًا وتوجيهًا.
وسنسلط الضوء في هذا العدد على العوامل البيئية المؤثرة في النمو، فماهي هذه العوامل وما هو تأثيرها؟
العوامل البيئية:
دور القائمين على رعاية الطفل في اكتساب اللغة المبكرة:
يجب أن نعي أن اللغة لا تنمو في الفراغ، فالطفل يواجه عملية الاكتساب بحافز بيولوجي قوي كي ينمِّي اللغة، كما أن بزوغ اللغة يرتبط تمامًا بالنمو المعرفي، والطفل لن يكتسب اللغة إذا لم يتعرض لنماذج لغوية، فهناك دليل على أن السماع البسيط للغة ليس كافيًا لاكتسابها، فتفاعلات الطفل الاتصالية مع القائمين على رعايته تيسر وتسهل اكتساب الحصيلة اللغوية والنمو اللغوي ككل.
فحينما يستجيب القائم على رعاية الطفل لتلفظات الطفل المبكرة فإنه يوسع من هذه التلفظات، فإذا ما قال الطفل “بابا شغل” فقد يستجيب القائم على رعايته “نعم، بابا ذهب إلى الشغل”، فالقائم على رعاية الطفل لا يغير فقط من ترتيب الكلمات في تلفظ الطفل، ولكنه يحتفظ ويستبقي ما يعتقد أنه اتصال مقصود من الطفل وكذلك يوسع التلفظ إلى شكل تام كامل.
ويذهب بعض الباحثين مثل “هيريش ” و” تريمان “1984 إلى أن القائمين على رعاية الطفل يوسعون حوالي 20% من تلفظات أطفالهم في عمر السنتين إلى جمل تامة وأكثر صحة من حيث التركيب، ويستجيب الأطفال غالبًا لهذه التوسعات بتقليدها.
وعلى الرغم من أننا نعرف تمام المعرفة ما تسهم به التوسعات في النمو اللغوي فإن “شرر وأولسوانج Scherer & Olswang1984” يعتقدان أنها تساعد في اكتساب اللغة من خلال مساعدة الطفل على فهم أفضل للوظائف النحوية للكلمات والقواعد التي تحكم اتحاد الكلمات، ومن خلال الاحتفاظ بالمجهود الاتصالي المركز على الموضوعات التي يختارها الطفل، ومن خلال تعزيز عنصر التبادل في المحادثة.
ويرى “فارار” أن الطفل قد يستمد منافع مختلفة من الأنماط المتنوعة للتوسع في تعلم التصاريف النحوية، فعلى سبيل المثال فإن تدعيم تلفظات الطفل بالإضافة أو بمراجعة التصاريف النحوية قد يساعد الطفل على اكتساب الجمع والملكية، بينما توسيع الموضوع أو القصد العام لتلفظ الطفل قد يكون أكثر فائدة في اكتساب التصاريف النحوية الأخرى بما في ذلك دلائل الزمن.
ومن الواضح أن القائمين على رعاية الطفل ذوي حساسية لطول وتعقد نماذجهم اللغوية حتى قبل أن يوسعوا تلفظات طفلهم.
وطبقًا لما يذهب إليه “مواري وبيترز وجونسون “فإن القائمين على رعاية الطفل يحدثون تلفظات قصيرة حينما يتحدثون إلى صغار الأطفال أكثر مما يفعلون مع الكبار منهم، وعلاوة على ذلك، يبدو أن هناك علاقة بين تلفظات الراشدين القصيرة خلال النصف الثاني من العام الأول من عمر الطفل وبين قدرات اللغة الاستقبالية لديه في عمر 18 شهراَ.
فمن الواضح أنه عندما يشعر الراشدون أن الطفل كبر بما فيه الكفاية ليستفيد من النماذج اللغوية والكلام، فإنهم يولون اهتمامًا أكبر لطول وتعقيد النماذج التي يوفرونها كي يعطوا الطفل نماذج لغوية واضحة.
وأحيانًا يقوم القائمون على رعاية الطفل بأكثر من توسيع تلفظاته، فعلى سبيل المثال قد يقول الطفل “دادي ذهب” ويستجيب القائمون على رعايته قائلين “نعم، لقد ذهب دادي إلى العمل”، وفي هذه الحالة فإن القائمين على رعاية الطفل لا يقدمون فقط نموذجاً أكثر دقة من حيث التركيب ولكنهم يوفرون معلومات متعلقة بالمعنى أيضًا.
وهذا النوع من الاستجابة يسمى الامتداد، وفي مناسبات أخرى فإن الراشدين قد يقلدون ما قاله الطفل، وحينما يقلد الراشدون تلفظات الطفل فإن الطفل سوف يقلد التقليد ليخلق شكلاً بسيطًا من المحادثة.
المحيط الأسري والرعاية الوالدية:
يذهب الكثير من الباحثين إلى أنه كي ينمو الكلام ويتطور، لابد أن يتلقى الطفل اتصالاً فيزيقياً وانفعالياً يتسم بالدفء من القائمين على رعايته، فمن خلال ذلك يتم تحفيز واستثارة الأطفال واستثارة دافعيتهم للقيام بالمناغاة، والتحول في النهاية إلى الكلام ذي المعنى.
ولهذا، فإن الأسباب التي تكمن وراء تعلم الأطفال اللغة هي اجتماعية في الأساس، ولهذا أيضاً هم مرتبطون من خلال اتصالهم بالوالدين أو بمن يقوم على رعايتهم بالبهجة والمحبة التي يتلقونها.
ويرى “شانتز “1983 في إحدى الدراسات الحديثة أنه تم تأكيد وتوسيع الفكرة القائلة إن العلاقات السارة والمحبة هي جوانب حيوية في النمو المبكر للكلام، علاوة على ذلك، ونظرًا لكون الراشدين والأطفال الكبار يعبرون عن سرورهم عند الاتصال بهم من خلال الابتسام لهم، أو الحديث إليهم، فإنه يمكن أن نفترض أن هذه الاستجابة الشخصية الإيجابية تجاه تلفظات الطفل ذات أهمية وتأثير كبيرين على تقدم الأطفال.
فالعلاقة الطبيعية بين الأم والأب عمومًا أو من يقوم مقامهما والطفل، وتشجيعه على التلفظ وإصدار الأصوات يحث على تعلم اللغة بشكل جيد.
وتشير الأدلة والنتائج التجريبية إلى أن الأطفال الذين ينتمون إلى أسر تشجع على اللغة والكلام وتثيب عليهما، يكونون بالفعل أكثر تفوقًا من حيث المهارات اللغوية الكفء.
أكثر من ذلك، إن المناغاة وإصدار الأصوات فيما بعد، دائمًا ما يحدث حينما يكون الأطفال الصغار سعداء، فعندما يكونون غاضبين أو متضايقين هم لا يتكلمون، ويبدو أكيداً أن التقدم اللغوي مرتبط بالانفعالات السارة وليس بالانفعالات غير السارة، وهذا يتضح في المثل الشعبي “إن شبعوا غنوا وإن جاعوا زّنوا”، فالغناء فيه مناغاة وألفاظ، أما الزن فهو إشارة إلى الصراخ، أي مرحلة مبكرة جدًا وبدائية من التطور اللغوي.
وهكذا نجد أن تنشئة الطفل في وسط أسري حاني ودافئ مشجع ومثيب لسلوك الطفل اللفظي وكلامه، أسرة يتمتع فيها الطفل بفرصة الاستماع والتحدث مع الوالدين… الخ، كلها عوامل مشجعة على النمو اللغوي
ويتضح تأثير الأسرة ومدى أهمية دورها في النمو اللغوي إذا ما قارنا أطفالاً نشأوا وتربوا داخل مؤسسات الأطفال المحرومين من الوالدين بالأطفال الذين تربوا داخل أسرهم مع الوالدين والأخوة والأقران.
فكي يتعلم الطفل اللغة لا بد أن يكون قادرًا على التفاعل مع أفراد ينطقون هذه اللغة، أي لابد للأطفال أن ينشأوا في بيئة توظف فيها اللغة في الاتصال مع الآخرين.
يتبع في العدد القادم
المراجع:
- https://www.hopkinsallchildrens.org/Patients-Families/Health-Library/HealthDocNew/Delayed-Speech-or-Language-Development
- https://www.asha.org/public/speech/disorders/Late-Blooming-or-Language-Problem/
- https://www.aafp.org/afp/1999/0601/p3121.html
- https://www.asha.org/practice-portal/clinical-topics/late-language-emergence/
علا محمود محمد ـ السيرة الذاتية
- اسمي علا محمود محمد، ولدت في مصر وتخرجت من كلية الآداب في جامعة عين شمس سنة 1999 وحصلت على ليسانس في علم النفس واجتزت دورة التأهيل التخاطبي بوحدة أمراض التخاطب بقسم الأذن والأنف والحنجرة بكلية الطب جامعة عين شمس من 1-9-2007 وحتى 1-11-2010.
- أعمل بوظيفة اختصاصي تخاطب في مدرسة الوفاء لتنمية القدرات التابعة لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- عضو في مجلس التخاطب في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- لدي العديد من النشاطات العلمية على مستوى مجلس التخاطب وعلى مستوى تدريب الأسر على فنيات العمل مع الأبناء.
- شاركت في التنسيق والمتابعة لعقد جلسات العلاج بالموسيقي للاختصاصيات من جامعة ايوا من كوريا الجنوبية خلال الفترة من 19 يناير إلى 15 ابريل 2015.