إعداد: علا محمود محمد
قدمنا في العددين السابقين العوامل الذاتية التي تؤثر على النمو اللغوي بالإضافة إلى الجزء الأول الخاص بالعوامل البيئية المؤثرة والمتمثلة في دور القائمين على رعاية الطفل في اكتساب اللغة المبكرة و دور المحيط الأسري والرعاية الوالدية في ذلك.
في الجزء الأخير من المقال، سنستكمل باقي العوامل المتمثلة في مستوى الأسرة التعليمي والاجتماعي والاقتصادي، مشاهدة التلفزيون، عدد الأطفال ضمن الأسرة والترتيب الميلادي للطفل، تعدد اللغات والالتحاق بالروضة.
أولاً- مستوى الأسرة التعليمي والاجتماعي والاقتصادي:
أثبتت العديد من الدراسات والبحوث العلاقة الوطيدة بين النمو اللغوي للطفل ومستوى الوالدين التعليمي حيث أن ثقافة وتعليم الوالدين من العوامل المساعدة التي تكسبهما الأسلوب والطريقة الصحيحة في تربية الأطفال، لاسيما الإجابة عن أسئلتهم واستفساراتهم ومشاركتهم الحديث باستمرار، وتساعد هذه العوامل على زيادة المحصول اللغوي للأطفال.
وقد أكد “براون”1964 أن جمل الأطفال الذين يمتلك آباؤهم ثقافة أعلى تكون أطول، كما أنهم أكثر قدرة على التحكم في الكلام من الأطفال ذوي الآباء الأقل ثقافة، إلى جانب أن مفردات الطفل وسلامة اللغة وصحة الكلام تختلف باختلاف مستوى تعليم الأسرة والمستوى الاجتماعي لها، فالأطفال الذين يأتون من مستويات أدنى، أفقر في الحديث، وفي النطق، وفي مقدار الكلام، وفي الدقة اللغوية.
إلى جانب ذلك تؤكد الدراسات وجود ارتباط بين غزارة المحصول اللفظي والمستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي للأسرة، فأطفال البيئات الاجتماعية الاقتصادية العالية يتكلمون أفضل وأسرع وأدق من البيئات الدنيا لأنهم ينشؤون في بيئة مجهزة بوسائل الترفيه ويكون أهلهم متعلمين وتمكنهم فرصهم من التزود بعدد كبير من المفردات وتكوين عادات لغوية صحيحة.
وهناك بعض الدراسات التي تؤكد أن الأطفال الرضع ممن لم يكملوا السنة الأولى من العمر والذين ينتمون إلى أسر رجال الأعمال وأصحاب المهن الراقية تصدر عنهم أنماط صوتية أكثر من أطفال أسر الطبقة العاملة.
ثانياً – مشاهدة التلفاز:
لقد أوضح “ريس وهو ستون تروجليو ورايت” 1990/1995 أن الحصيلة اللغوية (المفردات) للأطفال تتزايد بمشاهدة التلفاز.
وأوضحت دراسة قام بها كل من “هوستون” “رايت”و”إياكينز” و”كيركمان” و”بنينون” و”روسين كويتر” و”تروجليو” عام 1985 على أطفال من سن 3 إلى 5 سنوات أعطوا اختبارًا للحصيلة اللغوية في بداية ونهاية فترة السنتين فأوضحت هذه الدراسة التأثير الإيجابي لمشاهدة التلفاز على الحصيلة اللغوية.
ثالثاً – عدد الأطفال في الأسرة والترتيب الميلادي للطفل:
إن عدد الأطفال في الأسرة وترتيب الطفل الميلادي عاملان مؤثران في نمو لغة الطفل، فالطفل الوحيد في الأسرة يكون نموه اللغوي أسرع وأحسن من الطفل الذي يعيش بين عدد من الأخوة، لأن احتكاكه بالراشدين يزداد أكثر.
وهذا ينسحب على الطفل الأول في الأسرة، وكذلك الطفل الذي يعيش في أسرة صغيرة فالطفل الوحيد – خصوصًا البنت الوحيدة – أكثر تقدمًا في كل جوانب النمو اللغوي، كما أنه يتمتع بمزايا كثيرة، لأنه عادة يأتي من بيئات تتيح قدرًا أكبر من الارتباط بالراشدين وخبرات أوسع وفرص أكثر للتدريب على استخدام اللغة في ظروف أفضل، كما يعزى السبب أيضًا إلى أن الطفل الذي لا يقاسمه أحد من الإخوة استماع الأم إليه يكون قادرًا على التكلم بسرعة.
وقد بينت بعض الدراسات أن ترتيب ميلاد الطفل بين إخوته عامل مؤثر في عدد كلماته ولوحظ أنه إذا كانت ولادة الأطفال متقاربة، كأن يولد الطفل الثاني بعد مرور سنة ونصف السنة على ميلاد الأول، فإن ذلك يعوق النمو اللغوي عند الطفل الأول وأن كلام الطفل الأول أفضل من الطفل الأخير ضمن نفس الأسرة، والسبب أن الوالدين يقضيان وقتًا أكثر في تعليمه وتشجيعه على الكلام مقارنة بالطفل الأخير.
رابعاً – تعدد اللغات:
تؤثر اللغات التي يتعلمها الطفل وخاصة في مرحلة الطفولة المبكرة في نمو لغته فحينما يتكلم الطفل لغتين نتيجة لاختلاف لغة البيت عن لغة الأصدقاء وأطفال الجيران، أو عن لغة المدرسة، أو حينما يضطر إلى تعلم لغة أجنبية في الوقت الذي لا يزال يتعلم لغته الأم، فإن ذلك يربك مهارته اللغوية ويؤخرها في كلتا اللغتين.
وقد أظهرت بعض الدراسات أن تعلم لغتين في وقت واحد يعد تعطيلاً لتقدم التلاميذ عند تعلم اللغة،
ويبدو أن تعلم كلمتين لشيء واحد أو لفكرة واحدة ونظامين للقواعد يؤدي إلى التداخل في تفكير الطفل.
وأكدت مجموعة من الدراسات أن ميلاد الأطفال في أسر تتكلم لغتين يؤدي إلى أن تكون مفرداتهم أقل من المعدل بالنسبة لأعمارهم الزمنية وكذلك بالنسبة لكلتا اللغتين وبالتالي فإنهم يجدون صعوبات أكثر في تعلم اللغة من الأطفال الذين تتحدث أسرهم لغة واحدة، وأننا لو شجعنا الأطفال من الأسر ذات اللغتين تشجيعًا قويًا على التمكن من اللغة التي تعلم في المدرسة ترتب على ذلك أن تخف الآثار الضارة الناتجة عن الازدواج اللغوي .
وأظهرت الدراسات أيضًا أن سماع الطفل لغة أخرى غير لغته الأم في المنزل يؤخر الطفل في نموه اللغوي ، فيبدو أن هناك علاقة بين ثنائية اللغة والتأتأة ، فقد وجد في بحث أن 2,8 % من الأطفال ثنائي اللغة كانوا مصابين بالتأتأة مقابل 1,8 % من الأطفال الذين يتحدثون لغة واحدة ، لذلك من الأفضل في الأسر التي يتكلم أهلها لغتين ، الاقتصار على استعمال اللغة نفسها مع الطفل دائمًا ، ولاسيما اللغة التي يتحدث بها في المدرسة أو مع الأقران.
خامساً – الالتحاق بالروضة:
تلعب خبرات الطفل والمؤثرات التي يتعرض لها دورًا مهمًا في زيادة ثروته اللغوية واتساع مداركه، كما أن الخبرات والفرص التي تتهيأ للأطفال قبل دخولهم المدرسة الابتدائية تسهم في تطوير لغتهم وزيادة مفرداتهم، بالإضافة إلى إسهامها في رفع مستوى تحصيلهم الدراسي، وقد أكدت نتائج الدراسات التي أجريت في هذا المجال أهمية دور الحضانة ورياض الأطفال في إنماء خبرة الطفل واكتسابه مفردات جديدة.
وقامت دراسات عدة في المجتمع العربي لمعرفة أثر الالتحاق برياض الأطفال على نمو لغة الأطفال ومن هذه الدراسات على سبيل الذكر، دراسة الزند عام 1976، ودراسة الكبيسي وهجرس 1981 في العراق، ودراسة الهراس في مصر 1977، وأجمعت كل هذه الدراسات أن دخول الأطفال في الروضة يؤثر على إنماء ثرواتهم اللغوية.
وتؤثر الروضة بشكل سلبي أحيانًا على النمو اللغوي، فالروضات التي يزداد فيها عدد الأطفال عن الحد الموصى به، وتقل فيها التنبيهات الضرورية، وينعدم التفاعل الاجتماعي بين الطفل والمدرسة، تحدث تخلفًا في لغة الطفل، وتنسحب هذه النتائج على الأطفال الذين يعيشون في الملاجئ.
وبعد هذا العرض لأبرز العوامل الذاتية والبيئية المؤثرة في النمو اللغوي للطفل يجب أن نشير إلى أن هذه العوامل لا تعمل كآليات منفردة، كل منها يؤثر على حدة، بل تعمل مجتمعة في التأثير على نمو الطفل اللغوي وغير اللغوي فهناك شيء من التفاعل يحدث بين هذه العوامل مع بعضها البعض أما تناولها منفردة فهو لغرض الدراسة فقط.
انتهى
المراجع:
- https://www.hopkinsallchildrens.org/Patients-Families/Health-Library/HealthDocNew/Delayed-Speech-or-Language-Development
- https://www.asha.org/public/speech/disorders/Late-Blooming-or-Language-Problem/
- https://www.aafp.org/afp/1999/0601/p3121.html
- https://www.asha.org/practice-portal/clinical-topics/late-language-emergence/
علا محمود محمد ـ السيرة الذاتية
- اسمي علا محمود محمد، ولدت في مصر وتخرجت من كلية الآداب في جامعة عين شمس سنة 1999 وحصلت على ليسانس في علم النفس واجتزت دورة التأهيل التخاطبي بوحدة أمراض التخاطب بقسم الأذن والأنف والحنجرة بكلية الطب جامعة عين شمس من 1-9-2007 وحتى 1-11-2010.
- أعمل بوظيفة اختصاصي تخاطب في مدرسة الوفاء لتنمية القدرات التابعة لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- عضو في مجلس التخاطب في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- لدي العديد من النشاطات العلمية على مستوى مجلس التخاطب وعلى مستوى تدريب الأسر على فنيات العمل مع الأبناء.
- شاركت في التنسيق والمتابعة لعقد جلسات العلاج بالموسيقي للاختصاصيات من جامعة ايوا من كوريا الجنوبية خلال الفترة من 19 يناير إلى 15 ابريل 2015.