بات التدخل المبكر يُعرّف على أنه تقديم الدعم والمساندة وتعزيز الثقة والكفاءة للآباء ومقدِمي الرعاية لتقديم الفائدة المرجوة لتطوير قدرات الأطفال للإنخراط في المجتمع بشكل فاعِل، ويتم ذلك عبر مجموعة الإجراءات التي تُسهل تطور الرضع والأطفال الصغار الذين لديهم إعاقة أو المعرضين لخطر الإعاقة أو المتأخرين نمائياً. وتشمل الميزات الرئيسية لبرامج التدخل (البحوث والدراسات والمراجعات وتحليل السياسات والمفاهيم).
إن برامج التدخل المبكر تعمل كجزء من النظام الشامل لبرامج الطفولة وتنخرط في برامج التوعية المجتمعية وتركز على أهمية الاكتشاف المبكر واحتمالات التأخر في النمو للرضع والأطفال الصغار.
وقد دلت الشواهد على وجود فوائد تنعكس على الطفل والأسرة والمجتمع ويمكن اجمالها بما يلي:
الفوائد التي تنعكس على الطفل:
إن للتدخل المبكر في مرحلة الطفولة نتائج ايجابية كثيرة فهو يساعد الأطفال الصغار على:
- المشاركة الفاعلة في الفعّاليات والأنشطة التي يحبونها أو الفعّاليات والأنشطة المتوقع أن يحبوها أو يرغبون بها.
- التكيف في البيئة الطبيعية والتفاعل الفعّال مع أقرانهم وأفراد عائلتهم والأشخاص الآخرين المحيطين بالطفل وأسرته.
- التدخل المبكر في مرحلة الطفولة عبارة عن برنامج متكامل بخدماته ودعمه وهو جزء لا يتجزأ من الأنشطة التي تحدث بشكل طبيعي وروتيني للأسرة والطفل.
- تطوير مهارات الطفل وقدراته إلى أقصى مستوى ممكن.
ولقد تناول كثير من العلماء في ميدان التربية الخاصة بالدراسة والبحث فاعلية برامج التدخل المبكر للأطفال، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر (دنست وسنايدر ومانكتDunst, Snyder, & Mankenin ) حيث قاموا بالعمل على تحليل نتائج عدد كبير من الدراسات حول التدخل المبكر، مستخدمين إطاراً نظرياً جديداً لتقييم فاعلية برامج التدخل. وهذا الإطار لا يهتم فقط بتحديد أثر التدخل على نمو الطفل ومستوى تطوره، ولكنه يهتم أيضاً بتحليل التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للتدخل على الوالدين والأسرة. وقد خلص دنست ورفاقه إلى النتائج الرئيسية التالية:
- إن معظم الأطفال الذين يلتحقون ببرامج التدخل المبكر يحققون تطوراً نمائياً، ويظهرون تغيرات سلوكية طويلة المدى نسبياً إلا أنه من المتعذر حالياً معرفة أي العناصر في برامج التدخل المبكر مسؤول عن هذا التطور وهذه التغيرات.
- إن برامج التدخل المبكر التي تعتمد المناهج السلوكية والمعرفية هي البرامج الأكثر انتشاراً على مستوى العالم.
- إن معظم الأدلة على فاعلية التدخل المبكر وجدواه قدمته الدراسات ذات العلاقة بالأطفال المعرضين للخطر لأسباب بيئي، أما الدراسات ذات العلاقة بالأطفال المعرضين للخطر لأسباب بيولوجية ـ طبية، فهي لم تنجح في تقديم أدلة مقنعة بعد.
- ثمة أدلة متزايدة على أن التدخل يكون أكثر فاعلية عندما يكون لمدة أطول ومبكراً أكثر.
- إن التقدم الذي يحرزه الأطفال المستفيدون من خدمات التدخل المبكر تتأثر بشكل واضح بخصائص الطفل وأسرته.
- إن معدل تحسن أداء الأطفال المستفيدين من خدمات التدخل المبكر يختلف جوهرياً باختلاف شدة إعاقتهم، فكلما كانت الإعاقة أشد، كانت الفوائد التي يجنيها الأطفال أقل. والعكس صحيح.
ومن كل هذا فإن السنوات الأولى من حياة الأطفال مرحلة حرجة جداً ومهمة للغاية وهذا ما أكده عدد كبير من الدراسات والأبحاث في المجال حيث يكون الطفل في المراحل الأولية من عمره أكثر حساسية وعرضة للاستجابة للتجارب والمثيرات المحيطة به وبالتالي فإن توفير خدمات التدخل المبكر للأطفال المتاخرين نمائياً أو ذوي الاعاقة من شأنه العمل على تطوير مهاراتهم المختلفة وتقليص الفجوة في مجال النمو بين الأقران.
والتدخل المبكر يشمل برامج الوقاية من التأخر في النمو ودرء مظاهر العجز والإعاقات الإضافية لدى الأطفال بالإضافة إلى المساهمة في عمليات الكشف المبكر عن هذه المؤشرات والبوادر. ولقد أشارت الدراسات إلى أن 5 إلى 10% من الأطفال لديهم تأخر في النمو وتؤكد الاستراتيجيات الحديثة على ضرورة تحديد هؤلاء الأطفال من خلال برامج المسح النمائية ومراقبة تطور النمو لدى الأطفال.

وقد وفرت لنا التطورات الحديثة في أبحاث الدماغ وأوضحت كيفية تطور الدماغ وأعضاء الجسم وكيف أن النضج يستمر بعد الولادة في خلايا الجسم. وقد ازداد التأكيد على أن التجارب التي يتعرض لها الطفل تسهم في إنضاج هذه الخلايا وذلك من خلال قدرة الدماغ على اكتساب أو تطوير وتغيير الاستجابات للمطالب البيئية المتنوعة وهو ما يعرف باللدونة الدماغية (Brain Plasticity)، وبينت دراسات (لوثر هامر) والتي أجريت على الأطفال من ذوي الإعاقة في سنوات حياتهم المبكرة في ألمانيا أن لبرامج التدخل المبكر فاعلية كبرى في إصلاح الانحرافات النمائية الممكنة لديهم، وكونهم في مراحل العمر الأولى لنموهم وتشير الأبحاث إلى أن هناك 5 ملايين طفل سنوياً تحت عمر 5 سنوات معرضين لخطر التأخر النمائي أو الإعاقة في الولايات المتحدة الأمريكية وبحسب التقديرات فإن 93 مليون طفل أو 1 من كل 20 طفلاً ممن تبلغ أعمارهم أقل من 14 سنة يعيشون مع نوع ما من أنواع الإعاقة.
وتشير الأبحاث إلى أن ما يحدث في السنوات الأولى هو أساس نجاح الطفل على المدى الطويل كذلك فإن 80% على الأقل من نمو الدماغ وتطوره يحدث في الثلاث سنوات الأولى من العمر، وتشكل التجارب خلال هذه السنوات كيفية رؤية الطفل للعالم حوله، وخلال هذا العمر سيطور الطفل أول 1000 مفردة من مفرداته، علاوة على أن الأطفال الذين يتلقون تعليماً مبكراً عالي الجودة من الوالدين والأسرة ومقدمي الرعاية أكثر سعادة وأكثر احتمالاً للنجاح في وقت لاحق في الحياة.
وتشير الأبحاث في مجال الطفولة والتي تمت بواسطة علماء النفس أن 90% من شخصية الطفل تتشكل خلال الـ 7 سنوات الأولى من حياته وخلالها يبدأ الطفل بالتعلم وتحدوه الرغبة الملحة لاكتشاف ما حوله، والاعتماد على ذاته والميل للاستقلال وتكوين قناعاته الخاصة، وأول ما تظهر هذه النزعات لديه في السنتين الأوليتين من عمره، فهو يضيق بمعاونة الأم الدائمة له ويحاول أن يشب عن الطوق ولو بإطعام نفسه، وارتداء ثيابه بدون مساعدة، ومع نموه تنمو معه الرغبة الملحة في الاستقلالية وتحقيق الذات.
وكل هذه المعلومات والدلائل تشير إلى أهمية التدخل المبكر بالنسبة للأطفال.
الفوائد التي تنعكس على الأسرة:
- تحسين معاملة الأسرة للطفل مما يكسبهم المعلومات والمهارات اللازمة لتعليم طفلهم وإكسابه المهارات المطلوبة.
- تخفيف الأعباء المتعلقة برعاية الأطفال، والأسر والمجتمع بشكل عام.
- مساعدة الأسرة على تقبل طفلها والانخراط بالمجتمع وأنشطته المختلفة وتعديل اتجاهات الأسر ومساعدتها على تدريب طفلها.
- إعداد المتطلبات الإرشادية والعلاجية التي تساهم في إعطاء المعلومات التي تطلبها أسرة الطفل.
- تدعيم العلاقة بين أسرة الطفل وباقي الجهات المسؤولة عن الرعاية والتعاون بينهما.
- تخفيف تكاليف رعاية الطفل على المدى البعيد.
- تفريغ الطاقة السلبية والتفكير بشكل ايجابي وتخفيف الضغوط النفسية وايجاد حلول ملائمة لأولويات واحتياجات الأسر وزيادة الوعي الصحي والاجتماعي لهم وايجاد مصادر الدعم المتنوعة.
- التعرف على الأنظمة والقوانين والتي تكفل حقوق الأطفال والأسر والتعرف على المصادر المجتمعية والتي تساهم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر في تطوير قدرات الأطفال ودعم الأسر على كافة الاصعدة.
الفوائد التي تنعكس على المجتمع:
- تعود برامج التدخل بالفائدة على الفرد والأسرة والمجتمع، حيث أن الطفل الذي يتعلم ويعتمد على نفسه يقلل الاعتماد على المؤسسات الاجتماعية وهذا يحقق فائدة اقتصادية.
- وكذلك فإن الذين يستفيدون من التدخل المبكر، يظهر عليهم تطور ملحوظ سواء كان هذا التطور أكاديمياً أو إجتماعياً وتعود هذه البرامج بالنفع اقتصادياً على الدولة بمبالغ تتراوح ما بين 10000 إلى 30000 دولار سنوياً لكل طفل حسب الإحصاءات الأمريكية، حيث أن كل دولار يتم استثماره في الطفولة يعود على الدولة في المستقبل بزيادة من 7 إلى 10% كاستثمار طويل الأمد.
- ولقد قامت وود Wood بتحليل الفوائد الاقتصادية للتدخل المبكر في عدد من الدراسات التقييمية وحساب مجموع تكاليف التربية الخاصة حتى وصول الطفل إلى عمر 18 سنة والمقارنة بين هذه التكاليف في حال بدء خدمات التربية الخاصة عند الميلاد، وفي عمر 2 سنة و6 سنوات حيث اتضح أن خدمات التدخل المبكر يمكنها توفير حوالي 1600 دولار لكل تلميذ ذي إعاقة طوال سنوات الدراسة حيث اتضح لهم أن متوسط التكلفة السنوية 2021 دولاراً إذا بدأت الخدمات منذ الميلاد، و2310 دولارات إذا بدأت في عمر سنتين، و4445 دولاراً إذا بدأت في عمر المدرسة. ومن ثم يبلغ مجموع تكلفة الخدمات في عمر 6 سنوات 46,816 دولاراً إذا كان التلميذ يعود أحياناً إلى الصف، أو 53,340 دولاراً إذا ظل في صف خاص حتى عمر 18سنة.
- كذلك فإنه يؤدي إلى الحد من عدم تساوي الفرص الاجتماعية والاقتصادية: وذلك بتهيئة الظروف للأطفال الأقل حظاً لأن يبدؤوا بداية عادلة في المدرسة وفي البيت.
- علاوة على ذلك فإن التربية المبكرة يمكن أن تعمل بمثابة إستراتيجية فاعلة لتطوير العمل الجماعي.
- بالإضافة إلى تعريف المسؤولين على كيفية حماية الطفل وفهم مطالبه وتحقيقها وتشجيع المعلم ومقدم الرعاية على التعاون في مساعدة الطفل من ذوي الإعاقة أو المتأخر نمائياً.
- الاهتمام بالإعلام والتوعية المجتمعية لتدارك أسباب الإعاقة وسبل اكتشافها مبكراً ووسائل التعامل معها.
- الانخراط في برامج التوعية المجتمعية وإبراز أهمية الاكتشاف المبكر واحتمالات التأخر في النمو للرضع والأطفال الصغار.
ومن هذا كله تكمن أهمية توفير برامج التدخل المبكر وخصوصاً للأطفال الصغار من الفئة العمرية أقل من 3 سنوات سواء للأطفال من ذوي الإعاقة أو الأطفال من ذوي التأخر في النمو أو من المعرضين لخطر الإعاقة أو خطر التأخر في النمو.