يعتقد الكثيرون أن لغة الإشارة هي محض لغة أدائية وغير قابلة للتدوين. إلا أن هذا الاعتقاد تعوزه الدقة، حيث أن لغة الإشارة مثلها مثل باقي اللغات قد مرت في بداية تكوينها بحقب أدائية فقط، إلا أنه مع تطور اللغة وتركبها، ظهرت طرق التدوين المختلفة بهدف حفظ الرسالة اللغوية من الضياع عبر الزمان والمكان.
ويختلف تدوين لغة الإشارة عن تصوير شخص ما وهو يقوم بأداء الكلمة تصويرا فوتوغرافيا كما قد يتبادر للأذهان. حيث أن لغة الإشارة المكتوبة في الواقع تمتلك ألفبائية تناظر اللغات اللفظية في الوظيفة، إلا أنها ما زالت تحتفظ بقدر لا يمكن إغفاله من الأيقونية التي تتميز بها لغة الإشارة.
وكما تمتلك الألفبائية اللفظية طرقاً للتعبير عن الأصوات المتحركة (الفتحة والكسرة والضمة والمدود المرتبطة بها) فالالفبائية الإشارية تمتلك عنصرا يناظر المتحركات يعرف باسم “الموجهات” ففي حين يعبر الحرف عن حركة ما، فإن الموجه الذي يناظر التشكيل في الكتابة العربية يعبر عن اتجاه هذه الحركة.
وبطريقة أخرى، يمكن النظر إلى الكتابة الإشارية باعتبارها طريقة أيقونية في الكتابة لا تختلف في البنية اللنجوسطيقية linguistically structure عن الكتابة الهيروغليفية في مصر القديمة، أو الكتابة الصينية الحديثة.
وكعادة لغة الإشارة، فهناك تمايز واضح بين الكلمة والحرف، فلغة الإشارة الأدائية غالبا لا تعتمد على الهجاء الإصبعي إلا في مواقف جد محدودة، كما في حالة المفاهيم التي لا توجد إشارة تمثلها، حيث ينظر عادة إلى الهجاء الأصبعي باعتباره لا ينتمي فعليا إلى منظومة لغة الإشارة، بل هو مجرد تمثيل يدوي لحروف الكتابة اللفظية. فواقعيا لغة الإشارة لا تمتلك ألفبائية، حيث تعمد لغة الاشارة إلى تمثيل المفهوم مباشرة وليس إلى تكوين كلمة ذات علاقة اعتباطية بمدلولها كما يشير فرديناند دو ساسور في كتابه “محاضرات في الألسنية العامة Troisième cours de linguistique générale” ولتفسير ذلك يضرب ساسور مثلا بكلمة “كلب” فلا توجد أية روابط منطقية بين الأصوات (الحروف) المكونة لهذه الكلمة وبين الكلب في حقيقته، فحرف الكاف مثلا لا يشير إلى أنه حيوان ثديي، وحرف اللام لا يشير إلى أنه لاحم، وحرف الباء لا يشير إلى أنه مغطى بالفراء. لذا في اللغات اللفظية بشكل عام تكون العلاقة بين الدال (الكلمة) والمدلول (المعنى) علاقة اعتباطية لا يحكمها أي منطق سوى منطق الاتفاق بين جماعة الناس المستخدمين لهذه الكلمة بأننا دائما سنحدث هذه الأصوات عندما نكون نفكر بهكذا معنى.
فاللغة العربية تملك 28 حرفاً ناهيك عن عدد يفوق ذلك من المتحركات تمكن المتحدثين بها من التعبير عن أفكارهم من خلال الكلمات التي تتكون من توليفات لا نهائية من هذه الأصوات.
إلا أنه في المقابل، فلغة الإشارة لا تحفل بالأصوات ولا الحروف كوسيط رمزي مجرد يتم استخدامه للتعبير عن فكرة، بل تستخدم التصوير الأيقوني للتعبير عن الفكرة كما هي، بشكل رمزي لا خلاف، إلا أنه ليس بنفس درجة تجريد اللغات اللفظية. والجدير بالذكر أن اللغات اللفظية أيضاً في مرحلة ما من تطورها كانت تستخدم التمثيل الايقوني للمفاهيم خاصة الصوتية منها، وما زالت آثار تلك الحقبة الأيقونية في تاريخ اللغات نابضة بالحياة، ففي اللغة العربية مثلا هناك كلمة “صليل” وهي صوتيا تشابه بالفعل صوت السيوف المتقارعة، وكلمة “خرير” التي تشابه صوتيا صوت الماء المتساقط. كذلك في اللغة الانجليزية نجد كلمة Rattling وهي تشابه صوتيا المفهوم الصوتي التي تشير إليه وهو “شخللة” وكلمة أخرى مثل Hissing لوصف الصوت الحاد الناعم لتسرب غاز مضغوط مثلا. فعلى الرغم من اعتماد اللغات اللفظية هذه نظاماً أكثر تطورا وهو الحروف والأصوات، إلا أنها ما زالت تحتفظ بقدر من الأيقونية كدليل أحفوري على تلك الحقبة. تلك الحقبة التي تسكنها لغة الإشارة حاليا.
لنضرب مثلا بنفس الكلمة “كلب” سنجد أنها في لغة الإشارة الأمريكية تكون بالتربيت على أعلى الفخذ من طقطة الإصبع الوسطى مع الإبهام. وهي نفس الطريقة التي يتم بها النداء على الكلب بشكل عام في الثقافة الأمريكية.
في حين أنه يتم تمثيل نفس الكلمة “كلب” في لغة الاشارة العربية بتشكيل اليد على شكل رأس الكلب بأذنيه وفمه المميزين.
ويظهر جليا أن الاشارتين العربية والأمريكية كلتاهما تحملان قدرا من الرمزية والتجريدية، وهما سمتان أساسيتان تميز جميع اللغات بشكل عام، إلا أن الاشارتين كليهما تحملان آثاراً موضوعية خاصة بالمفهوم الذي تشيران إليه وهو الذي نعنيه بمصطلح أيقونية لغة الإشارة.
وكون لغة الإشارة لغة أيقونية فهذا أمر لا يعيبها، ولا يضعها في مرتبة أدنى على السلم التطوري للغات، فهو أمر لا تحتكره لغات الإشارة، بل هناك العديد من اللغات اللفظية التي ما زالت تحتفظ بأيقونيتها على الرغم من تطورها، ولعل من أهم وأوضح الأمثلة هي اللغة الصينية.
فاللغة الصينية هي أكثر اللغات اللفظية قربا من لغة الإشارة، فهي لا تعتمد في التدوين على نظام الأحرف الالفبائية ــ إلا أنها تمتلك الألفبائية بطبيعة الحال ــ لكنها تعتمد على التمثل الرمزي للمفهوم اللغوي المراد التعبير عنه كتابيا. فمثلا كلمة “شجرة” عندما تكتب باللغة الصينية تكتب هكذا “木” وكما نرى إنها ليست توليفة من الحروف، بل هي رمز أيقوني يشابه (دال) يشابه ما يعبر عنه في الواقع (مدلول) ولنأخذ مثالا آخر ولتكن كلمة “بيت” سنجد أنها تكتب هكذا باللغة الصينية “舍” وبأي حال لا يمكن إغفال التشابه بين الرمز المكتوب والمرموز الواقعي، فنحن نستطيع بسهولة أن نميز في المكتوب السقف المائل المميز للبيوت الصينية، مجموعة النوافذ والمدخل الأمامي للبيت. ولو أسقطنا تلك الأمثلة مباشرة على لغة الإشارة، سنجد تماثلا لا يمكن إغفاله، فالمثال القادم هو لأحد قصائد الشعر المكتوبة بلغة الإشارة الأمريكية بعنوان (الصداقة) ويمكن ترجمة النص إلى العربية على النحو التالي:
أنت صديقي
أنت صاحبي في أسعد الأوقات وأتعسها
أنت سندي في أوقات الضيق والفرح
رفيق الدرب الذي يتكلم معي ويستمع إلي بسعادة
ولنأخذ مثالأ آخر من لغة الإشارة الألمانية:
والترجمة العربية لهذه الكلمات هي:
Das Haus | البيت |
Der Himmel | السماء |
Der Löwe | أسد |
Der Baum | شجرة |
Das Fahrrad | دراجة |
Das Herz | قلب |
Der Ärger | سيئ |
Das Schaf | خروف |
وللأسف لا توجد أمثلة مكتوبة بلغة الإشارة العربية، إذ يبدو أن لغة الإشارة العربية لم تعبر إلى مستوى التدوين بعد، وما زال المتحدثون يضطرون للاعتماد على نظم كتابة تخص لغات أخرى لا سيما اللغة العربية اللفظية.
وقد يتبادر إلى الأذهان تساؤل يبدو وجيهاً في فحواه؛ إذا كانت مشكلة الصم تنحصر في أغلب الأحوال على التعامل السمعي والشفهي مع اللغة اللفظية، فلابد إذا أنه لن تواجههم أية مشكلات في التعامل الكتابي، إذن لمَ الحاجة إلى الكتابة بلغة الإشارة التي هي أقرب إلى الرسومات الهزلية منها إلى الكتابة الحقيقية؟!
يقول البروفيسور مايكل كورباليس Michael Corballis في كتابه الأشهر:
From Hand to Mouth: The Origins of Language, University Press Group Ltd 2003
(نحن نسلم عموماً بأن جوهر اللغة هو الكلام. والمؤكد أننا نستطيع أن نقرأ ونكتب صامتين، إلا أن اللغة المكتوبة ما هي إلا كائن طفيلي يعيش على الكلام).
فتعلم الكتابة والقراءة بأي لغة يستحيل دون تعلم هذه اللغة، اللهم الا اذا كانت الكتابة محض تقليد لرموز غير مفهومة. الكتابة على الرغم من كونها غير صوتية، إلا أنها ما زالت لفظية، تحمل أصوات اللغة في باطنها، فتستحيل الكتابة دون التعامل الصوتي مع الأحرف.
وبشكل عام لا يمكن فصل الكتابة عن الكلام وعن اللغة اللفظية، فإذا كان الكلام هو تعبير صوتي عن اللفظ، فالكتابة هي التعبير اليدوي عنه. والكتابة بوصفها تعبير أدائي هنا تختلف تماما عن التعبير الأدائي في لغة الإشارة، كون لغة الإشارة بذاتها لغة أدائية، وليست الأدائية فقط إحدى طرق التعبير عنها.
… فالكاتب يفكر لغويا بمنطق المتكلم، بمعنى أن إتقان الكتابة يعتمد على إتقان اللغة اللفظية، وكون الشخص أصماً فهذا يمنعه من إتقان اللغة الفظية كالسامعين، وبالتالي ينعكس ذلك بالسلب على الكتابة.
وبشكل عام فالشخص السامع عادة ما يتقن الكلام بطريقة أكثر مهارة من الكتابة، كون الكلام “فطرياً” والكتابة “متعلمة”، وبالمقارنة العامة نجد متوسط درجات الحذق اللفظي عند عينة عشوائية من السامعين يكون أعلى من متوسط الحذق الكتابي عند نفس العينة، وذلك يعكس الصعوبة النسبية للكتابة مقارنة بالكلام. فما بالنا بشخص أصم يفتقر إلى الطلاقة اللفظية وتبعات ذلك على الكتابة.
ولنا ان ندرك الحجم الحقيقي للصعوبة عندما نعرف أن غالبية الدراسات تشير إلى أن حوالي 75% من الصم في عمر 18 عاماً يكون لديهم ما يعرف بـ “الأمية الوظيفية functionally illiterate” وأن متوسط القدرات الكتابية والقرائية لدى الطالب الأصم في المرحة الثانوية لا يتعدى مستوى الصف الرابع الابتدائي.
http://www.allcountries.org/health/deafness_and_hearing_impairment.html
والمتعاملون مع الصم سواء كانوا من الأسر أو من أعضاء الفريق التربوي، يمكن أن يلاحظوا بسهولة أن الشخص الأصم “يفكر بلغة الإشارة” حتى لو استطاع كتابة نص ما بلغة لفظية، فلو قمنا بفحص غالبية الانتاج الكتابي للأشخاص الصم الذين يستخدمون لغة الإشارة كلغتهم الأم سنجد خصائص محددة مثل الإفراط في المضمون Semantics على حساب السياق Syntax والمورفولوجي Morphology، والاختزال المفرط للتفاصيل، وقصر حجم طول الجمل، والفقر في الخيال اللغوي، وإهمال النواحي البراجماتقية Pragmatic من اللغة. وجميع ما سبق من خصائص لغة الإشارة عند الحكم عليها من المنطق اللفظي.
البيانات الشخصية:
الاسم: باسم أحمد عبد الغفار
الجنسية: مصري
الوظيفة: المشرف الفني بمدرسة الامل للصم – مدينة الشارقة للخدمات الانسانية
المؤهلات العلمية
- ليسانس في علم النفس ـ كلية الآداب جامعة عين شمس ـ القاهرة.
- دبلوم التربية الخاصة تخصص إعاقات شديدة ومتعددة وصم مكفوفين ـ معهد التربية الخاصة بجامعة أوسلو ـ النرويج.
- دبلوم علاج أمراض التخاطب ـ كلية الطب جامعة عين شمس ـ القاهرة.
- دبلوم القادة التربويين (تخصص إدارة منشآت تأهيلية عاملة في مجال الإعاقة الشديدة والمتعددة) ـ بيركينز انترناشيونال – بوسطن ـ الولايات المتحدة.
- ماجيستير في علم النفس الإكلينيكي ـ جامعة عين شمس ـ القاهرة.
- شهادة ممارس ومدرب دولي في مجال الإعاقات الشديدة والمتعددة من المعهد الهولندي للأخصائيين النفسيين.
الخبرات المهنية
- مدرس علم النفس الإكلينيكي المنتدب لطلاب السنة النهائية ـ جامعة عين شمس.
- ) أخصائي علاج أمراض التخاطب ـ مستشفيات جامعة عين شمس.
- أخصائي علاج أمراض التخاطب ـ بالعديد من المراكز الخاصة والجمعيات الأهلية والعيادات.
- مدير وحدة الصم المكفوفين ـ جمعية نداء لمساعدة الأطفال على التواصل ـ القاهرة (أول وحدة للصم المكفوفين بمصر).
- محاضر ومدرب في العديد من الدورات وورش العمل في مجالات (التوحد ـ الإعاقات الحسية ـ الإعاقات الشديدة والمتعددة ـ إعداد الكوادر العاملة في مجال الإعاقة).
- أخصائي العلاج النفسي التحليلي والعلاج بالدراما النفسية ـ عيادة الدكتور خليل فاضل بالقاهرة.
- أخصائى تأهيل الصم المكفوفين ومنسق سكن داخلي للصم المكفوفين ـ معهد بيركينز للمكفوفين ـ بوسطن الولايات المتحدة.
مهارات خاصة:
- خضعت للتحليل النفسي التدريبي لمدة ثلاث سنوات بغرض إعدادي كمعالج بالتحليل النفسي.
- مهارات الترجمة الفورية من الانجليزية إلى العربية والعكس (ترجمة عامة ومتخصصة في التربية وعلم النفس العام والعصبي).
- أول عربي يتخصص أكاديميا وعمليا في مجال تأهيل الصم المكفوفين، مع ملاحظة أن المتخصصين العرب في المجال عدد محدود جدا (أقل من 10 أشخاص).
التدريب الشخصي المتقدم:
- في مجال أمراض التخاطب على يد البروفيسور محمد ناصر قطبي.
- في مجال التحليل النفسي على يد البروفيسورة نيفين مصطفى زيور.
- في مجال الإعاقة الشديدة والمتعددة على يد البروفيسورة كارين يوهان أندريسين والبروفيسيور إيجل هونستاد (النرويج) البروفيسور يان فان دايك (هولندا) البروفيسورة ماريان ريجيو والبروفيسورة سوزان بروس (الولايات المتحدة).
الاهتمامات العلمية والبحثية:
- علم النفس العصبي وفسيولوجيا الحواس.
- علم اللغويات والألسنية الأكلينيكية.
- التحليل النفسي وعلم الأمراض (السيكوباثولوجيا).
- علم التربية الخاصة والإعاقات الشديدة وآثارها.
- التواصل قبل الرمزي والتواصل غير اللفظي.
العضوية في:
- عضو الجمعية النفسية الأمريكية APA
- عضو الجمعية الأوروبية للصحة النفسية للصم ESMHD
- عضو الرابطة الأمريكية للأشخاص ذوي الإعاقة الشديدة TASH