إن الجلد الذي لا يتم لمسه يموت ويموت معه صاحبه.
اللمس هي أول حاسّة تتطوّر لدى الأجنة.
انعدام اللمس يسبب الاكتئاب والعنف وعجز الذاكرة والتوتر.
لمس الأم لأبنائها يخفّف التوتر والإرهاق ويمنحهم النموّ السليم.
أعنف أنواع العقاب .. انعدام اللمسات.
الجلد هو «المخ الثاني» و «العين الثالثة».
تم وضع أشخاص في مكان ضيق ومزدحم، وتم رصد نسيج الجلد بكاميرات دقيقة فوجد أنه تقلّص واستنفر وبدأ يخرج روائح دفاعية كريهة يعبّر بها عن ضيقه الشديد، كما رصدت الكاميرات أن الجلد حين يكون مع إنسانٍ يحبّه يتمدّد ويرطّب نفسه وتفوح منه رائحة زكيّة ويتدفّق فيه الدم ليزيده حيوية وإشعاعاً.
يُعتبر الجلد أكبر وأثقل عضوٍ حيّ فينا، فهو يزن قرابة 4.5 كيلو جرامات، أي أنه يمثّل حوالي 5 ـ 10% من وزن الجسم كله، وهو يعادل مساحة 18 قدماً مربعاً، أي ما يعادل شرشف صغير، قطعة قماشٍ ربّانيةٍ نادرة الصنع، فالجلد ضد الماء، مطاطي، قابل للغسل والتجديد.
يُسمّى الجلد بـ»المخ الثاني» لأنه يعتبر ثاني جزء مهم بعد الدماغ في إدراك العالم وتسيير الحياة. كما يُسمّى أيضاً بـ»العين الثالثة» لأن اللمس يزوّد البصر بمعلوماتٍ تجعل الأشياء مفهومة ومشخّصة ويمنحها صفة محدّدة من حيث الوزن والصلابة والنعومة وغيرها.
الجلد أول عضو في الإنسان يتعلّم الإحساس ويرافق إحساسنا بالأشياء من خلال ملايين النهايات العصبية والتي تعمل كمحوّل للأحاسيس من الجلد للدماغ.
إن كل سنتيمتر مربع من الجلد به ثلاثة ملايين خلية: دهنية، عرقية، شعرية، عصبية.
تقول الدكتورة فوزية الدريع في كتابها «اللمس» : الجلد يحسّ، وهو كالطفل حين يشعر بالحرمان يعلن احتجاجه .. إن الجلد الذي لايتم لمسه يموت ويموت معه صاحبه، الأمر قد يبدو للبعض مبالغة وهو ليس كذلك، العلم يؤكد أننا كبشر نعيش على الهواء والماء والطعام .. واللمس أيضاً، وربما نموتُ أسرع بالعناصر الثلاث الأولى، لكننا بدون اللمس نموت بعد حين أو يموت شيء فينا، فقد رصد العلماء حالات محرومة من اللمس ماتوا بسبب مايُعرف «الجوع الجلدي Skin Hunger».
معرفة أهمية اللمس عرفها الإنسان من منذ قديم الأزل .. لكنها بدأت تأخذ مجرى علمياً بعد حادثةٍ بسيطةٍ أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث وضعت عنابر ليتامى الحرب من الأطفال، طبيب من الأطباء لاحظ أن أحد العنابر يبدو فيه الأطفال أكثر هدوءاً ونسبة الوفيات بينهم أقل وتنفيذهم لتعليمات الممرضات أكثر، وهنا كان التساؤل، لماذا هذا العنبر بالذات ؟! وبرصد كل العناصر وجد أن كل العنابر بها ذات الغذاء وذات العناية الطبية، لكن هناك شيء إضافيّ واحد في ذلك العنبر، هي سيدة عجوز تحضر كل يوم وتحتضن الأطفال وتربت على رؤوسهم.
وشاعت بعد ذلك التجارب على القردة والفئران حيث حرم بعضهم من اللمس وبعضهم الآخر مُنحوا لمس الأم أو غيرها، فعاش من تم لمسهم، ومرض وتخلف عقلياً ومات من لم يتلق أية لمسات.
إن علماء اللغة والتواصل يرون أن اللمس أهم جزء في التواصل غير اللفظي، فمن خلال اللمس تتواصل مشاعرنا ونعبّر عن احتياجاتنا النفسية والبدنية.
نحن نحتاج اللمس لأنه يحمل معاني أساسية لنا مثل المحبة والمداراة والود والدعم العاطفي.
قد لايصدق البعض أن الجلد يحسّ .. إنه فعلاً يحسّ ويفكّر .. ويرى أيضاً.
انعدام اللمسات الحانية من أكبر مسبّبات الأمراض
تتطوّر حاسة اللمس قبل كل الحواس لدى الأجنة، وهي الوسيط الأساسي لدى الرضّع للتعلّم والاستكشاف والتواصل مع الأم واستقبال مشاعرها.
توافر اللمسات الإنسانية ضروريّ جداً لنموّ الأطفال بصحةٍ جسديةٍ ونفسيةٍ سليمة، ومنحهم مناعة ضد المؤثرات النفسية السلبية، بينما تشيع في من حرمتهم أمهاتهم أو عوائلهم اللمس صفات الانطواء والخجل والعزلة والنزعة العدوانية والهوّامات السلبية، وصولاً إلى التعقيدات السلوكية المستقبلية في التعامل مع شريك المستقبل.
هناك أدلة مثبتة علمياً أن انعدام وجود اللمسات الحنونة يسبب الاكتئاب والعنف وعجز الذاكرة والتوتر. وفي المقابل فتأثير اللمسات كبير على السلوك والصحة العامة وأيضاً هناك العلاقة الثابتة بين اللمسات والإجهاد، حيث أنها تخفض الضغط ومستويات القلق بشكلٍ مباشر، في حين أن الحرمان من اللمس يرفع مستويات التوتر، حيث يأتي التوتر مع زيادة في مستويات هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، حيث تفرز في الدم مستويات عالية مزمنة من هرمون الكورتيزول تمنع التطوّر الطبيعي لأنسجة المخ في الأطفال. وهذا يفسّر أن الأطفال الذين لا يحصلون على لمساتٍ حنونة يعانون صعوباتٍ في التعلّم.
وعلى النقيض من آثار الحرمان من اللمس، فاللمسة الحنون تدعم تعزيز التعلّم واكتساب المهارات المختلفة ومنهم اللغة، بالإضافة لتحسين القدرة على حل المشاكل وزيادة سرعة الشفاء الجسدي وانخفاض احتمالات الضغط وأمراض القلب والأوعية الدموية لدى البالغين، وانخفاض الإحساس بالألم التي يعاني منها أولئك الذين يعانون من الأمراض المزمنة مثل التهاب المفاصل أو آلام العضلات.
وهنا يأتي العلاج بالتدليك كشكلٍ من أشكال الاتصال اللمسيّ، ويكتسب هذا النوع من العلاج قبولاً من المجتمع الطبي كعلاجٍ فعّال للعديد من المشكلات النفسية والجسدية.
لمسة الأمومة .. ساحرة
أثبتت بعض الدراسات أن الابن الذي تضمّه أمّه وتربت عليه بكثرة يكون أكثر جرأة وقدرة على المواجهة وقيادة دفة الأمور، كما أنه يتميّز بقدراتٍ ذهنيةٍ وإبداعيةٍ أعلى بشكلٍ ملموسٍ من غيره.
أما المفارقة الغريبة أن الأبناء الذين يتعرّضون لبعض السلوكيات العنيفة من أمهاتهم كنوع من العقاب، فهم يتمتّعون بقدراتٍ أكبر بكثير من الأبناء الذين تنعدم اللمسات تماماً من أهاليهم، سواءً كانت بدافع المحبة أو العقاب.
حاسة اللمس تنحاز للإناث
أفادت دراسة حديثة أجرتها جامعة ماك ماستر في كندا أن النساء يتمتعن بحاسة لمسٍ أقوى لأن أصابعهن أصغر، مشيرة إلى أنه كلما صغر حجم الأصبع كلما ازدادت قوة حاسة اللمس.
وأظهرت الدراسة أن الأشخاص الذين يتمتعون بأصبع سبابةٍ أصغر كانوا أفضل في تمييز الأثلام الصغيرة التي لمسوها، وتتمتع النساء عادةً بأصابع أصغر من أصابع الرجال، غير أن الجنس لم يشكل عاملاً مهماً في هذه الدراسة، إذ ظهر أن الرجال الذين يتمتعون بأصابع صغيرة، تكون حاسة اللمس لديهم أقوى من النساء اللواتي لديهن أصابع كبيرة.
وعزا معدّو الدراسة هذه الظاهرة إلى كمية خلايا «ميركل» التي تخوّل الشخص التمييز بين الأشكال والقوام من خلال إرسال إشارات إلى الدماغ حول الشعور، وكلما ازدادت كمية هذه الخلايا كلما قويت حاسة اللمس.
وقاس العلماء المسافة بين مسامات العرق لدى المشاركين في الدراسة، إذ تتجمع خلايا ميركل حول هذه المسامات. ويتمتع الأشخاص ذوو الأصابع الصغيرة بكثافةٍ أعلى في مسامات العرق، لذلك فإن خلايا ميركل لديهم تكون قريبة من بعضها ما يمنحهم حاسة لمسٍ أقوى.