عندما تحدث أمور مفجعة في مجتمعاتنا وبلداننا وعالمنا، فإننا نرغب في أن نمد يد العون إلى الأشخاص المتأثرين بتلك الأزمات. يغطي هذا الدليل الإسعافات الأولية النفسية التي تشمل المساعدة الإنسانية والداعمة والعملية لأمثالنا من بني البشر الذين يعانون من أحداث أزمة خطيرة. وقد تم وضع هذا الدليل لمن هم في وضع يمكنهم من مساعدة الأشخاص الذين تعرضوا لأحداث أليمة. ويوفر الدليل إطاراً لدعم الأفراد بطرق تراعي كرامتهم وثقافتهم وقدراتهم. ورغم تسميته، فإن دليل الإسعافات الأولية يوفر الدعم الاجتماعي أيضآ إلى جانب الدعم النفسي.
قد يجري استدعاؤكم باعتباركم موظفين أو متطوعين لتقديم المساعدة في كارثة كبيرة، أو ربما تجدون أنفسكم في موقع ّحادث يتعرض الناس فيه لأذى؛ وقد تكونون معلمين أو عاملين صحيين تتحدثون إلى أحد أفراد مجتمعكم كان قد شاهد لتوه موت أحد أحبائه بطريقة عنيفة.
من شأن هذا الدليل أن يساعدكم على معرفة ما ينبغي قوله أو فعله لتقديم أفضل مساعدة ممكنة لأناس يعانون من محنة شديدة وسيوفر الدليل أيضآ معلومات عن كيفية التعامل مع الوضع الجديد بطريقة تضمن السلامة لكم وللآخرين من دون أن تتسبب إجراءاتكم بأي أذى.
توصي الكثير من مجموعات الخبراء على المستويين الدولي والوطني، بما فيها اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات IASC و(مشروع Sphere) بالإسعافات الأولية النفسية. وتشكل الإسعافات الأولية النفسية بديلاً عن التفريغ النفسي. في العام 2009 قامت مجموعة تطوير إرشادات برنامج سد الثغرات في ميدان الصحة النفسية التابع لمنظمة الصحة العالمية MH GAP بتقييم أدلة استخدام كل من الإسعافات الأولية النفسية والتفريغ النفسي وتوصلت المجموعة إلى أن الإسعافات الأولية النفسية ـ وليس التفريغ النفسي – هي التي ينبغي تقديمها إلى الأشخاص الذين يعانون من محنة شديدة بعد تعرضهم لحادث مروع.
إن الهدف من إعداد هذا الدليل هو وضع مواد إسعافات أولية نفسية متفق عليها على نطاق واسع ليتم استخدامها في البلدان ذات الدخل المتدني والمتوسط. وتعتبر المعلومات الواردة هنا بمثابة نموذج ليس إلا لذلك لابد من تكييفها بما يتناسب مع السياق المحلي وثقافة الأشخاص الذين ستقومون بمساعدتهم.
إن هذا الدليل، الذي حظي بتأييد العديد من الوكالات الدولية، يوضح علماً في طور النشوء وإجماعاً دولياً حول كيفية دعم الأفراد مباشرة بعد تعرضهم لأحداث أليمة.
فهم الإسعافات الأولية النفسية
كيف تؤثر الأزمة على حياة الناس؟
هناك أنواع مختلفة من الأحداث الأليمة التي تقع في العالم، مثل الحروب والكوارث الطبيعية وحوادث المرور والحرائق والعنف المتبادل ما بين الأفراد وقد يتأثر بهذه الأحداث أفراد وأسر وجماعات ومجتمعات بأكملها. وقد يفقد البعض بيوتهم أو أحباءهم، أو قد ينفصلون عن أسرهم ومجتمعاتهم، أو قد يشهدون الموت أو العنف أو الدمار.
ورغم أن أحداثاً كهذه تؤثر على جميع الأفراد بطريقة أو بأخرى، إلا أن لكل فرد نطاق واسع من ردود الأفعال والمشاعر التي قد تصدر عنه. وقد يشعر الكثير من الناس بالانجراف أو الارتباك أو الحيرة حيال ما يحدث.
قد يشعرون بالخوف الشديد أو القلق، أو بحالة من البلادة والانعزال قد يصدر عن بعض الأشخاص ردود فعل بسيطة، في حين قد يظهر البعض الآخر ردود فعل أشد. وتعتمد ردود فعل الأفراد على عدة عوامل منها:
- طبيعة ومدى شدة الأحداث التي اختبروها.
- تجربتهم مع أحداث أليمة سابقة.
- الدعم الذي يحصلون عليه في حياتهم من الآخرين.
- صحتهم الجسدية.
- تاريخهم الشخصي والعائلي في مشكلات الصحة النفسية.
- خلفيتهم الثقافية وتقاليدهم.
- أعمارهم على سبيل المثال، الأطفال في مراحل عمرية مختلفة يظهرون ردود فعل مختلفة.
لكل شخص نقاط قوة وقدرات تساعده على مواجهة تحديات الحياة. لكن البعض يكونون أشد عرضة للتحديات وبشكل خاص أوقات الشدائد وقد يحتاجون إلى مساعدة إضافية، بما في ذلك الأشخاص المعرضين للخطر أو الذين يحتاجون إلى دعم إضافي بسبب أعمارهم كالأطفال وكبار السن أو الأشخاص من ذوي الإعاقة أو الاضطرابات النفسية، أو الأشخاص الذين ينتمون إلى جماعات مهمشة أو مستهدفة بأعمال العنف
ما هي الإسعافات الأولية النفسية
بحسب مشروع (Sphere 2011) واللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات IASC 2007 فإن الإسعافات الأولية تصف استجابة إنسانية داعمة لأشخاص يتعرضون للمعاناة وقد يكونون بحاجة إلى الدعم. وتنطوي الإسعافات الأولية النفسية على الجوانب التالية:
- تقديم الرعاية والمساندة العمليتين من دون تطفل.
- تقدير الاحتياجات والمخاوف.
- مساعدة الناس على تلبية احتياجاتهم الأساسية مثل الغذاء والماء والمعلومات.
- إراحة الناس ومساعدتهم على الشعور بالهدوء.
- مساعدة الناس في الوصول إلى المعلومات والخدمات والدعم الاجتماعي.
- حماية الناس من التعرض لمزيد من الأذى.
ومن المهم أيضا فهم ما لا ينطبق عليه وصف الإسعافات الأولية النفسية:
- فهي ليست أمراً لا يقوم به إلا المحترفون.
- وهي ليست إرشاداً احترافياً.
- وهي ليست التفريغ النفسي حيث أنها لا تتضمن بالضرورة مناقشة تفصيلية للحادث الذي تسبب بالضيق.
- وهي ليست الطلب من شخص ما بتحليل ما قد حدث أو بوضع الأحداث في ترتيب زمني متسلسل.
- ورغم أن الإسعافات الأولية النفسية تشمل الاستماع إلى الناس وهم يروون ما حدث لهم، إلا أنها لا تنطوي على ممارسة الضغط عليهم للإفصاح عن مشاعرهم وردود أفعالهم حيال الحادث.
إن الإسعافات الأولية النفسية هي بديل عن التفريغ النفسي الذي ثبتت عدم فعاليته. في المقابل، يشتمل الإسعاف الأولى النفسي على عوامل تبدو مفيدة للغاية في عملية تعافي الناس على المدى البعيد بحسب الدراسات المختلفة وإجماع العديد من مقدمي المساعدة في الأزمات. وتشمل هذه العوامل:
- الشعور بالأمان والارتباط بالآخرين والهدوء والأمل.
- إمكانية الحصول على الدعم الاجتماعي والجسدي والعاطفي.
- الإحساس بالقدرة على مساعدة الذات كأفراد ومجتمعات.
الإسعافات الأولية النفسية من تستهدف؟ متى وأين؟
من تستهدف الإسعافات الأولية النفسية؟
إنها تستهدف الأشخاص الذين يعانون من ضيق نفسي، الذين تعرضوا مؤخراً لحدث ينطوي على أزمة حقيقية. بإمكانكم، تقديم المساعدة للأطفال والبالغين على حد سواء. ولكن ليس كل من يختبر أزمة ما قد يحتاج أو يريد الإسعافات الأولية النفسية. ولا تفرضوا المساعدة على الأشخاص الذين لا يريدونها، بل ضعوا أنفسكم تحت طلب أولئك الذين قد يحتاجون إلى الدعم. وقد تكون هناك حالات يحتاج فيها الشخص إلى أشكال دعم تتجاوز الإسعافات الأولية النفسية وحدها.
ولذلك عليكم أن تدركوا نطاق حدودكم وأن تحصلوا على مساعدة من الآخرين مثل الكوادر الطبية إن كانت متوفرة ومن زملائكم أو من أشخاص آخرين في المنطقة أو من السلطات المحلية، أو من قادة المجتمع أو الزعماء الدينيين.
وقد تم في هذا الإطار وضع قائمة بالأشخاص الذين يحتاجون إلى دعم فوري أكثر تقدماً فالأشخاص في هذه الحالات هم بحاجة إلى مساعدة طبية أو غيرها كأولوية لإنقاذ حياتهم.
الأشخاص الذين يحتاجون إلى دعم فوري أكثر تقدماً
- الأشخاص المصابون بجروح خطيرة تهدد حياتهم ويحتاجون إلى رعاية طبية طارئة.
- الأشخاص الذين يعانون من الانزعاج الشديد بحيث لا يستطيعون الاهتمام بأنفسهم أو بأطفالهم.
- الأشخاص الذين قد يؤذون أنفسهم.
- الأشخاص الذين قد يؤذون الآخرين.
متى يجري تقديم الإسعافات الأولية النفسية؟
رغم أن الناس قد يحتاجون إلى الحصول على المساعدة والدعم لفترة طويلة من بعد الحادث، إلا أن الإسعافات الأولية النفسية تهدف إلى مساعدة الأشخاص الذين ما لبثوا أن تعرضوا إلى حادث أليم. بإمكانكم تقديم الإسعافات الأولية النفسية منذ المرة الأولى التي تتواصلون فيها مع أشخاص يعانون من ضيق ٍ نفسي شديد. وعادة ما يكون ذلك خلال الحادث أو بعده مباشرة. ولكن في بعض الأحيان، قد يكون ذلك بعد أيام أو أسابيع من وقوع الحادث، نسبة إلى الفترة الزمنية التي استغرقها الحادث ومدى شدته.
أين يجري تقديم الإسعافات الأولية النفسية؟
بإمكانكم تقديم الإسعافات الأولية النفسية في أي مكان آمن بما يكفي للقيام بذلك. ويجري ذلك على الأغلب في إطار المجتمع المحلي، على سبيل المثال في موقع حادث ما، أو الأماكن التي يتم فيها تقديم الخدمات لأناس يعانون من ضيق نفسي، مثل المراكز الصحية، والملاجئ أو المخيمات، والمدارس ومواقع توزيع التغذية وغيرها من أشكال المعونة. وفي الوضع الأمثل، حاولوا تقديم الإسعافات الأولية النفسية في مكان يوفر لكم قدرا من الخصوصية في التحدث مع الشخص عندما يكون ذلك ملائماً. فبالنسبة إلى الأشخاص الذين تعرضوا إلى أنواع معينة من الأحداث الأليمة، كالعنف يكون توفير الخصوصية ضروري لضمان السرية واحترام كرامة الشخص.
كيفية المساعدة بطريقة مسؤولة
إن تقديم المساعدة بشكل مسؤول يتضمن أربع نقاط رئيسة:
- احترام السلامة والكرامة والحقوق
- تكييف الأفعال بما يراعي ثقافة الشخص
- الدراية بإجراءات أخرى للاستجابة لحالات الطوارئ
- الاعتناء بالنفس
احترام السلامة والكرامة والحقوق
عندما تتولون مسؤولية تقديم المساعدة في أوضاع قد تعر ّض فيها الناس لحادثة أليمة، من المهم أن تتصرفوا بطرق تحترم سلامة وكرامة وحقوق الأشخاص الذين تقومون بمساعدتهم. وتنطبق المبادئ التالية على أي شخص أو وكالة معنية بالاستجابة الإنسانية، بمن فيهم العاملون على تقديم الإسعافات الأولية النفسية:
احترام ما يلي لدى الأشخاص الذين تساعدونهم
السلامة
- تجنبوا تعريض الأشخاص لمزيد من الخطر أو الأذى نتيجة لإجراءاتكم.
- تأكدوا إلى أبعد حد من أن يكون البالغون والأطفال الذين تساعدونهم بأمان، واحموهم من الأذى الجسدي أو النفسي.
الكرامة
- عاملوا الناس باحترام وبحسب ثقافتهم وأعرافهم الاجتماعية.
الحقوق
- تأكدوا من إمكان حصول الناس على المساعدات بشكل منصف ومن دون تمييز.
- ساعدوا الناس على تحصيل حقوقهم والوصول إلى الدعم المتوافر.
ضعوا هذه المبادئ نصب أعينكم في كل ما تقومون به من أعمال ومع كل شخص تقابلونه بغض النظر عن عمره أو جنسه أو خلفيته الثقافية فكروا فيما تعنيه هذه المبادئ بالنسبة للسياق الثقافي الذي تعملون فيه. كونوا على دراية بالقواعد السلوكية الخاصة بمنظمتكم، واعملوا على اتباعها في جميع الأوقات، سواء كنتم متطوعين أو أنكم تعملون في منظمة لديها مثل هذه القواعد.
فيما يلي نقدم إرشادات أخلاقية بصيغة (افعلوا) و(لا تفعلوا) وذلك لتجنب إلحاق المزيد من الأذى بالشخص وتوفير أفضل رعاية ممكنة له، والتصرف بحسب مصلحته الفضلى.
تكييف الأفعال بما يراعي ثقافة الشخص
عندما يكون من بين المتأثرين أشخاص من خلفيات ثقافية مختلفة بما في ذلك أقليات أو فئات قد تكون مهمشة عندما تقع حادثة أو أزمة ما، وتحدد الثقافة الاجتماعية كيفية تعاملنا مع الآخرين وما الذي يستحسن أو لا يستحسن قوله وفعله. ففي بعض الثقافات على سبيل المثال فإن العرف لا يجيز للشخص أن يفضي بمشاعره لشخص آخر خارج نطاق العائلة. أو قد لا يكون من الجائز للنساء التحدث إلا إلى نساء أخريات، أو ربما تنطوي طرق معينة في اللباس أو الغطاء على أهمية كبيرة.
قد تجدون أنفسكم تعملون مع أشخاص من خلفيات تختلف عن خلفيتكم. وباعتباركم أحد مقدمي المساعدة، فمن المهم أن تتنبهوا إلى خلفيتكم الثقافية ومعتقداتكم الخاصة حتى تتمكنوا من تحييد مشاعر التحيز لديكم. اعملوا على تقديم المساعدة بالطرق الأنسب للأشخاص الذين تقومون بدعمهم، والتي توفر لهم أكبر قدر ممكن من الارتياح.
إن كل أزمة تعتبر وضعاً فريداً بحد ذاتها. ولذلك، اعملوا على تكييف هذا الدليل بما يتناسب مع السياق الخاص، آخذين في الاعتبار الأعراف والمعايير الاجتماعية والثقافية المحلية. انظروا للأسئلة التالية والتي يمكنكم أخذها بالاعتبار عند تقديم الإسعافات الأولية النفسية في ثقافات مختلفة:
- : هل أحتاج لأن ألبس بطريقة معينة لأظهر الاحترام للناس؟ هل يحتاج الأشخاص المتأثرون إلى ملابس معينة للحفاظ على كرامتهم وعاداتهم؟
- : ما هي الطريقة التقليدية لإلقاء التحية على الأشخاص في هذه الثقافة؟ ما هي اللغة التي يتحدثونها؟
- هل ينبغي مساعدة النساء المتأثرات فقط من قبل النساء ممن يقدمن المساعدة؟ مع من قد أتعامل؟ بعبارة أخرى: هل أتوجه إلى رب الأسرة أم إلى رأس الجماعة؟
- : ما هي التقاليد المتبعة بخصوص ملامسة الأشخاص؟ هل من الجائز الإمساك بيد الشخص أو التربيت على كتفيه؟ هل هناك ما ينبغي أخذه بالاعتبار في ما يتعلق بالسلوك لدى التواجد مع كبار السن أو الأطفال أو النساء أو غيرهم؟
- : من هي الجماعات الدينية المختلفة من بين الأشخاص المتأثرين؟ ما هي المعتقدات أو الممارسات المهمة بالنسبة إلى الأشخاص المتأثرين؟ كيف يمكن أن يفهموا أو يفسروا ما حدث؟
يتبع …. تقديم الإسعافات الأولية النفسية