اهتم الإسلام بالأشخاص ذوي الإعاقة غاية الاهتمام ويتجلى ذلك من خلال النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، فهناك الكثير من المواقف النبوية التربوية التوجيهية ومنها ما يؤكد دور الصلاة التي هي عماد الدين وركنه الأعظم والأهم بعد الشهادتين وكلمة التوحيد، وهي صلة بين العبد وربه. كما أشار القرآن الكريم إلى أثر الصلاة في تخفيف المصيبة وتخفيف ما يلقاه الإنسان من أنواع المشقة والابتلاء في الحياة الدنيا حيث يقول سبحانه وتعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة} (البقرة ـ آية 54)، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحز به أمر ـ أي أصابته شدة وكرب ـ قال: (قُمْ يَا بِلَالُ فَأَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ) (1) فينسى الدنيا وهمومها، لأن الصلاة تزيد الثقة بالله وتصغر بمناجاته فيها كل الهموم.
لننظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كأعظم الأنبياء والرسل والمصلحين والموجهين وكأعظم القادة التربويين على وجه التاريخ حيث جاءه رجل عميت عيناه فأبصر بقلبه، هذا الرجل الذي وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان منارة من منارات التوحيد، قتل في المعركة وقد استثنى الله العميان من حضور المعارك، أما هو فقد باشر القتال وقتل شهيداً في سبيل الله، ذهب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله أنا رجل أعمى وبيني وبين المسجد واد مسيل، وأنا نائي الدار، وليس لي قائد يلائمني، فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي. فرأى عليه الصلاة والسلام المشقة ورأى العذر واضحاً فقال: (نعم). ثم ولى الرجل فانتبه عليه الصلاة والسلام كالذي نسي أمراً ثم تذكره. فقال: (عليّ به). ماذا تذكر عليه الصلاة والسلام؟ ما هو الأمر الذي طرق أحاسيسه وأعاد الأعمى من أجله؟ إنها فريضة الجماعة فقال للرجل: (هل تسمع النداء بالصلاة؟) قال: نعم. قال: (فأجب)(1) وفي رواية: (لا أجد لك رخصة)(2).
إنه توجيه عظيم، بل قمة التوجيه والتأهيل الاجتماعي باصطلاح عصرنا الحديث، وليتساءل معي القارئ الكريم: هل للصلاة والذهاب إلى المسجد دور في تربية الكفيف؟ نستشف الإجابة على هذا التساؤل من خلال النقاط التالية:
- التربية الإيمانية: حيث التربية على العقيدة الصحيحة وتحسين المعاملة مع الله وطلب العون والسداد والاعتماد والتوكل على الله وإبعاد الوساوس الشيطانية والأفكار الداخلية التي تنتاب العديد من المكفوفين.
- الأمل وعدم اليأس: حيث أن الصلاة تتيح للمرء أن يسأل بارءه في كل ما يريد حتى ينفس عن مشاعره وتكسبه طاعة أوامر الله والتماس العون من الله.
- العزة والكرامة: حيث يتعود الكفيف على هذا الخلق لأن الله أكبر من كل من يستكبر من الخلق {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} (الحجرات ـ آية 31).
- التدريب على الطاعة والنظام: حيث يتعلم ذلك من خلال الذهاب لصلاة الجماعة كما يكتسب صفة التراحم والإحساس بالمساواة بين كل الناس.
- الاندماج الحقيقي الايجابي مع المجتمع بكل طبقاته وجنسياته وأعماره ومراكزه.
- تحويل الكفيف من مقود قعيد إلى قائد يقود الناس بل المجتمعات والدول بعقيدته ودينه وفكره وعقله، وتاريخنا أعظم شاهد حيث يحدثنا عن الأئمة الأعلام من المكفوفين الذين نشأوا على الايمان ومن خلال المسجد على مستوى العالم العربي والإسلامي منذ عهد النبوة حيث نرى الجامع الأزهر وقبوله للمكفوفين منذ ألف عام وتخريج العدد الكبير من العلماء المكفوفين الذين ذاع صيتهم وبرزوا في سماء الأدب والعلوم الإسلامية وتأليف المؤلفات العلمية الكبرى مثل الإمام الأزهري، وفي هذا يقول شوقي عن مكفوفي الأزهر:
فعساك لا تدري لعل كفيفهم يوماً يكون أبو العلاء مبصراً
- التدريب الحركي واكتساب الوضع السليم والصحيح من خلال حركات الصلاة حيث أنها تمثل أعظم رياضة حركية يومية للمكفوفين وأعظم برنامج للتوجه والحركة حيث تمثل زيادة ادراكية للعلاقات المكانية والزمانية وتحسين التوافق العضلي والعصبي وعلاج الانحرافات القوامية بشرط تطبيق الهدي النبوي الصحيح في الصلاة.
- التوافق النفسي حيث أن الكفيف يلتمس العون من الله والاستعانة به على تخفيف ما يلقاه من أنواع المشقة والبلاء في الدنيا لذا يؤكد الدكتور هنري لنك في كتابه (العودة إلى الإيمان): (إن كل من يعتنق ديناً أو يتردد على دار للعبادة يتمتع بشخصية أقوى)، كما يقول الدكتور ديل كارينجي: (إن المرء المتدين حقاً لا يعاني مرضاً نفسياً حقاً).
وخلاصة القول، فإن للصلاة تأثيرها البالغ في تربية الكفيف حيث تحقق المقاصد الدينية والعقائدية والروحية والنفسية والاجتماعية والتربوية والتدريبية والانضباطية والرياضية وخلق شخصية متوازنة، لذا كان علينا ـ نحن المربين والآباء ـ تعويد وتشجيع الطالب الكفيف على الذهاب إلى المسجد وتربيته على ذلك من خلال اليوم الدراسي داخل المدرسة أو داخل معاهد النور أو المنزل حيث نشاهد في المجتمع العربي خوف الأسرة من خروج ابنهم الكفيف إلى المجتمع خوفاً من الإساءة إليهم أو خشية الشماتة فيهم من أحد أو المبالغة في الشفقة عليه.
وقد تأكد لي من خلال الواقع العملي والمشاهد الآثار والفوائد العظيمة التي انعكست على شخصية الكفيف الملتزم بدينه المرتبط بمسجده والمحافظ على الصلوات الخمس جماعة، ووصيتي تتمثل في ضرورة دعم وإشاعة الجانب الديني والإيماني داخل مؤسسات الأشخاص ذوي الإعاقة التربوية بأنواعها المختلفة.
وختاماً يتضح لنا يوماً بعد يوم قيمة التوجيه النبوي للكفيف ودور الصلاة في تربيته.
هوامش
- أخرجه أبو داود في سننه، وأحمد في مسنده واللفظ المثبت له، والطّحاوي في شرح مشكل الآثار، والطبراني في المعجب الكبير، وأبو نُعيْم في معرفة الصحابة، وهذا التخريج مُجملًا، وإليك التفصيل: أخرجه أبو داود: كتاب الأدب – باب في صلاة العَتْمَةِ، ح / 4986.
- أخرجه ابن ماجه ـ 1/062)، رقم (297)، وأحمد (3/324) عن عبد الله بن أم مكتوم.