إعداد : الياس طباع
يقول العلامة العربي ابن خلدون: الإنسان كائن اجتماعي وعاقل بالطبع وهذا يعني أن اللغة ظاهرة اجتماعية لا محالة ولها صلة كبيرة بتطور الدماغ البشري وحضارة الإنسان وذات علاقة بعدد من العلوم المفردة مثل الفيزياء والانتروبولوجيا والفيزيولوجيا وعلم النفس وغيرها، واللغة هي نظام بنيوي ورمزي وذو كيفية معينة للتفاهم والتخاطب واكتساب المعرفة.
والنمو اللغوي هو اصطلاح يستخدم للدلالة على النمو الداخلي لنظام الرموز هذا والذي قد يأتي من مصدر سمعي أو بصري أو من كليهما أو أكثر، وثمة أمران ينبغي الانتباه إليهما بالنسبة للغة العربية وهما:
- أنها لغة إعرابية اشتقاقية
- أنها لغة فصحى في إطارها السليم
وقد واجهت لغتنا عوامل متعددة في الحياة اليومية من طغيان العامية واللهجات المحلية وأشكال الاستعمار الثقافي والحروب الثقافية المختلفة سواءً ما كان عن طريق زرع المدارس الأجنبية أو العمالة الوافدة أو الاستعمار الاستيطاني أو على شكل دعوات تشكك بقدرة اللغة العربية على مواجهة التقدم الحضاري ومما يؤسف له أن بعض المفكرين في الداخل يشجعون هذه الآراء ويجرون وراءها
وإذا عدنا إلى اللغة نستطيع أن نقول إن لها مستويات عدة منها الصرفية والنحوية وما شابه ذلك، وكذلك الحال فإن النمو اللغوي عند الطفل يمر بعدد من المراحل وقد عمد بعض الباحثين إلى رصد هذه المراحل وتبيان حيثياتها وكانت هناك محاولات متعددة منها محاولة العالم الإنكليزي بيرث والعالم الدانماركي اتو جسبرسن ومحاولات عربية منها محاولة الأستاذ خلف الله أحمد والمحاولة الجادة للدكتور مصطفى فهمي حيث يفند لنا تطور اللغة منذ بدايتها الأولى وحتى وصولها إلى شكلها النهائي كلغة تحدث واستماع وكتابة وقراءة وأهم هذه المراحل التي تمر بها اللغة هي :
مرحلة الصراخ : حيث تدل الأصوات الأولى للطفل أنه بدأ بالتنفس وليس لهذه العملية في صورتها الأولى أية قيمة سيكولوجية لأنها لا تعبر عن أية حالة انفعالية بل هي أشبه برد فعل منعكس، ويتحول هذا الصراخ بعد مدة قصيرة من عملية لا إرادية إلى عملية إرادية ومن صراخ لا متمايز إلى صراخ متمايز فتتمكن الأم بخبرتها أن تميز بين الصراخ الذي يعبر عن الضيق والأصوات التي تعبر عن الارتياح، وبعد فترة تستطيع أن تميز بين صراخ الضيق ما إذا كان بسبب البلل أو الألم أو الجوع، ويرى الباحثون أنه من الخطأ الحيلولة بين الطفل وصراخه لأنه يعبر من خلاله عن أحاسيسه من جهة ويقوي جهازه النطقي من جهة ثانية ويشكل مقدمة للمرحلة الصوتية التالية من جهة ثالثة.
مرحلة الأصوات العشوائية: في الأسابيع الأولى من عمر الطفل يصدر أصواتاً عديدة وغامضة ويقوم بها بشكل لا إرادي ونتيجة لبعض الدوافع الحركية، وتعتبر هذه الأشكال الصوتية المادة الأولية الخام التي ينحت منها الطفل أصوات الحروف اللغوية المختلفة، وأصوات الطفل في هذه المرحلة تكون كثيرة ومتنوعة وأكثر مما تحتويه أية لغة ويلعب النضج والبيئة دوراً كبيراً في تشكيل هذه الأصوات وتعديلها حتى تأخذ النمط المألوف في البيئة التي ينشأ فيها.
مرحلة الحروف التلقائية : تبين ملاحظات الباحثين أن أصوات الطفل الأولى تتصل بالحروف المتحركة أما الحروف الساكنة فتبدأ بالظهور عندما تأخذ حركات الانقباض والانكماش في أعضاء الجهاز الكلامي شكلاً أكثر تحديداً وأولى الحروف الساكنة التي تبدأ الظهور الحروف الأمامية الشفوية مثل الباء والدال و التاء، وترجع أسبقية هذه الحروف في الظهور إلى أن الطفل حين يستعد للرضاعة تكون هذه الحروف قريبة من هذا المكان تظهر الحروف الأنفية النون والميم ويصدرهما الطفل في مواقف الارتياح خلال النصف الثاني من العام الأول، وعندما يصل الجهاز الكلامي لدرجة من النضج تمكن الطفل من السيطرة على حركات لسانه تبدأ الحروف الساكنة الخلفية والحلقية في الظهور مثل ك-غ-خ-ع -ه
مرحلة التقليد: وهنا تدخل عوامل جديدة ومثيرات جديدة فالأصوات التي كان الطفل يصدرها بصورة تلقائية تأخذ معنى آخر، فعندما كان يصدر الحرف دا بصورة تلقائية لا إرادية يشعر عند سماعه بشيء من السرور يدفعه إلى تكرار هذا الصوت ومن هنا يرتبط سروره الناجم عن اللعب بالأصوات إلى إدراك هذا الصوت المسبب للسرور ويخلق سماع الطفل لصوته وسروره نتيجة ذلك عاملاً وجدانياً يدفعه إلى القيام بمحاولات تكرار جديدة فيقول دا- دا –دا – دا – فتنتج حلقة دائرية تتضمن القول والسمع وبنفس الطريقة تتكون أشكال أخرى مماثلة من التركيبات الدائرية الشرطية وعندما تتكون مجموعة من هذه التركيبات يتخذ منها الكبار الذين حوله موقفاً إيجابياً مشجعاً ويكررون ما يقوله الطفل فيبدأ الطفل بمقارنة الأصوات التي يخرجها بتلك التي نطقت بها أمه أو أخته أو عمته وكم يكون سرور الطفل كبيراً عندما يدرك وجه الشبه بين ما يقول وما ينطقون به ويحاول بذلك أن يربط بين صوته وأصواتهم وهنا ينتقل الطفل من التقليد الذاتي الذي يقلد به نفسه إلى التقليد الموضوعي الذي يقلد به غيره
مرحلة المعاني: وهنا تحاول الأم استخدام بعض الكلمات المؤلفة من الأصوات التي يستخدمها الطفل مسبقاً فهي تنطق له نفس الصوت الذي يعرفه مسبقاً وليكن حرف الدال – مصحوباً بكلمة تبدأ بنفس المقطع كأن تقول له –دا دا- وتشير إلى الشيء الذي تدل عليه هذه الكلمة وهنا يدخل عامل جديد من عوامل اكتساب اللغة ألا وهو عامل الإدراك البصري فيدرك الطفل عند ذلك معنى الكلمة المسموعة ثم يحاول أن يلمس هذا الشيء المدرك وأن يعبث به في مواقف أخرى وهذا ( إدراك لمسي ) فإذا وقع بصر الطفل وفي ظروف أخرى على المدرك ( دادا ) فإنه يصرخ منادياً بالكلمة نفسها وهكذا يتعلم الطفل معاني الأشياء والألفاظ التي تدل عليها.
وهكذا فقد بدأت العملية الكلامية بإصدار أصوات لا إرادية نتيجة لحركات الجهاز الكلامي وهو المظهر الحركي من اللغة والتي سرعان ما تكتسب دلالاتها المطلوبة نتيجة نمو المدركات الحسية وهو المظهر الحسي من اللغة فبقدر ما يحصل التوافق بين المظهر الحركي والمظهر الحسي بقدر ما تصبح اللغة أكثر دينامية وأكثر تطوراً.
مرحلة التعبير الشفوي : فالطفل في الشهر التاسع أو العاشر يستطيع أن يلفظ الكلمة الأولى وقد يتأخر نتيجة فروق فردية تتعلق بالذكاء أو البيئة أو الجنس حيث تثبت البحوث أن هذه العوامل تؤثر في النمو اللغوي وتعمل على توجيهه والارتقاء به فالطفل يستطيع في العام الأول من حياته أن يستعمل الكلمة بمعنى الجملة ويطلق على هذه المرحلة التعبيرية اسم ( مرحلة الكلمة الجميلة ) فالطفل عندما يشاهد التفاحة ويقول كلمة تفاحة فالسامع هنا تتطرق إلى ذهنه معانٍ عدة كأن الطفل يريد أن يقول ( أريد هذه التفاحة ) أو ( التفاحة على الطاولة ) أو ( اقطع لي هذه التفاحة ) أو غير ذلك من الاحتمالات الكثيرة ويعتمد الكبار على فهم مقصود الطفل من خلال ما يظهر عليه من انفعالات .
ويستطيع الطفل في سن عامين أن يستعمل كلمتين معاً وهنا تسمى الجملة (بالجملة التلغرافية) لأنها قصيرة وبسيطة كأن يقول (ماما بيت) (بابا راح) (بابا شغل) وكلام الطفل هنا سليم من الناحيلة الوظيفية وإن يكن غير سليم من الناحية التركيبية.
وفي نهاية العام الثاني وبداية العام الثالث يستطيع الطفل أن ينطق ويعبر بجمل وأشباه جمل مؤلفة من كلمتين أو ثلاث وأن يستخدم بعض الضمائر المنفصلة والأفعال الحسية البسيطة وبعض حروف الجر.
وفي العام الرابع والنصف يستطيع الطفل أن ينطق ما بين 4 إلى 6 كلمات ويستطيع أن يتابع حواراً مؤلفاً من 4 إلى 5 مشاهد ويفهم بعض عبارات المزاح ويخلو نطقه من أصوات الطفولة اللاهية.
أما بين العامين الخامس والسادس يزداد محصول الطفل اللغوي ويغدو قادراً على إنشاء حوار وتسمية أشياء بمسمياتها ومعرفة ظروف المكان والزمان والتمييز بين الفعل والاسم وإنشاء حوار مناسب للمستوى.
أما المرحلة الأخيرة فهي خلال الفترة من 6 إلى 8 سنوات وفيها يغدو قاموس الطفل اللفظي غنياً وقدراته التعبيرية كبيرة وتصير عنده القدرة على حفظ المقاطع الكلامية والأناشيد والأغاني المناسبة لمستواه وسرد القصص ومتابعة الحوار المناسب.
ولوحظ أن نسبة الخطأ في لغة الأطفال الذين ينحدرون من أوساط اجتماعية ثرية تكون أقل من نسبة الخطأ في اللغة لدى الأطفال الذين ينحدرون من أوساط اجتماعية فقيرة، ويرجع ذلك إلى تمكين الظروف للأطفال في الحالة الأولى من سماع عبارات ونماذج لغوية سليمة حيث تزودهم بيئتهم بخبرات أوسع.
مرحلة التعبير التحريري : عند التحاق الطفل بالمدرسة تنمو قدرته على التعبير التحريري بشكل بطيء وتتدرج مع مرور الزمن ويرجع هذا إلى أن التعبير التحريري آلية معقدة ويجد فيها الطفل صعوبة كبيرة فقد يطلب منه أن يكتب في موضوع تنقصه الأفكار اللازمة له إضافةً إلى صعوبات الخط والهجاء والقواعد وهذه كلها تحد من قدرات التلميذ على التعبير التحريري ولهذا فالتربية الحديثة تنصح المربين وخاصةً في الفصول الأولى من المدرسة الابتدائية أن يهتموا بالتعبير الشفوي مع التدرج البطيء نحو التعبير التحريري من خلال إكمال الجمل و التعبير عن الصور أو تدوين ما يشاهدونه، الأمر الذي يجعل الخبرات المدرسية مألوفةً وغير غريبة وهنا لا بد من التأكيد على عدم الإسراف في تصحيح التلاميذ كي لا يسبب لهم ذلك الشعور بالإحباط، والحرص على معالجة أخطاء التلاميذ معالجة مثمرة .
يتبع
المراجع :
- علم النفس اللغوي واضطرابات التواصل للدكتور سيد أحمد
- سيكولوجية اللغة والتنمية اللغوية للدكتور محمد رفقي محمد
- اللغة واضطرابات النطق والكلام للدكتور فيصل الزراد
الجنسية: سوري
الوظيفة:اختصاصي علاج نطق بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
الحالة الاجتماعية:متزوج ويعول أربعة أبناء.
المؤهلات العلمية:
- حاصل على درجة الدراسات العليا في الفلسفة من جامعة دمشق بتقدير جيد جداً عام 1979.
- حاصل على درجة الليسانس في الدراسات الفلسفية والاجتماعية بتقدير جيد جداً من جامعة دمشق عام 1975.
- حاصل على دبلوم دار المعلمين من دمشق عام 1972.
- حاصل على دورة عملية في طريقة اللفظ المنغم من بروكسل في بلجيكا.
الخبرات العملية:
- أخصائي علاج نطق بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- مدرس من خارج الملاك بجامعة الإمارات العربية المتحدة بالعين.
- عضو بالاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم منذ عام 1980.
- أخصائي نطق في اتحاد جمعيات الصم بدمشق.
- مشرف على مركز حتا للمعوقين بدولة الإمارات العربية المتحدة عامي 2001 و 2002.
المشاركات والدورات:
- عضو مشارك بالندوة العلمية الرابعة للاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم عام 1994.
- عضو مشارك بالندوة العلمية السادسة للاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم عام 1998.
- مشارك في المؤتمرين السادس والثامن للاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم 1991 و 1999.
- مشارك في ورشة توحيد لغة الإشارة بدبي عام 1998.
- مشارك في تنظيم وتخريج عدد من دورات المدرسين والمدرسات الجدد في مدرسة الأمل للصم.
- عضو مشارك في الندوة العلمية التربوية بمؤسسة راشد بن حميد بعجمان عام 2002.
- مشارك في عدد من المحاضرات التربوية والتخصصية.
- كاتب في مجلة المنال التي تصدرها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- عضو مشارك في مؤتمر التأهيل الشامل بالمملكة العربية السعودية.
- عضو مشارك في الندوة العلمية الثامنة في الدوحة بقطر.