طنين الأذنين، أو الطنين الأذني، هو إزعاج متواصل لا يرغب فيه أحد، وهو حالة يصدر فيها ضجيج متواصل حتى ولو لم يكن هناك شيء مسموع. والحل صعب العثور عليه.
خلال فترة طويلة كان وليام ليتون قد سمع المئات، إن لم يكن الآلاف من صفارات الإنذار خلال عمله فترة 29 سنة متواصلة في فرق الإنذار في الولايات المتحدة، لكن ذلك لم يزعج هذا الضابط شبه المتقاعد مثلما تزعجه الأصوات التي يسمعها الآن، خاصة عند الهدوء التام… «إنه كرنين قرع المعادن، أي كالصوت الذي تسمعه لدى وقوفك تحت أسلاك الطاقة العالية؛ الجهد الكهربائي، لكنه في النهاية صوت صادر من رأسي»، يقول ليتون البالغ من العمر 59 سنة.
إذن، يعاني ليتون من طنين الأذنين الذي يدعى بالانجليزية Tinnitus الذي هو إدراك الصوت من دون صدوره من أي مصدر خارجي، وجميعنا نعاني من رنين في آذاننا في وقت من الأوقات، لكنه يكون في العادة مؤقتا بعد حفلة موسيقية صاخبة مثلا. لكن بالنسبة إلى الذين يعانون من طنين الأذنين مثل ليتون هذا، يبدو أن الضجيج يبدأ من دون أي سبب معين، ولا يزول بعد ذلك. وهو كان قد تقاعد من عمله قبل عشر سنوات، أو أكثر، عندما بدأ طنين الأذنين لديه.
رنين وأزيز
والرنين هو أمر شائع، لكن الناس تعاني أيضا من أزيز لا ينقطع، أو صرير، أو هسيس، أو طنين. والرجال يعانون منه أكثر من النساء، وهو شأنه شأن جميع الحالات الأخرى يصبح أمراً شائعاً مع التقدم بالعمر.
وحسب بعض الإحصاءات فإن نحو 90 في المائة من جميع مرضى طنين الأذنين يعانون من نقص معين في مستوى السمع الذي له علاقة بالضجيج، فالمرض هذا هو مشكلة بالنسبة إلى موسيقي الروك أند رول والآخرين الذين يتعرضون إلى الأصوات العالية، والصيادين والمحاربين القدامى ورجال الأطفاء مثل ليتون الذي كان يمتنع عن وضع واقيتين للأذن المطلوبتين حالياً وفقاً لقواعد أنظمة السلامة الاتحادية الأميركية، ولعل بيتهوفن كان من أكثر المشهورين الذين عانوا من هذا المرض، رغم أن حالته لا علاقة لها بالتلف الناجم عن الأصوات العالية، لأنه كان يشكو من صفير وأزيز مستمرين في أذنيه بعد تردي سمعه، وهو في سن الثلاثين، قبل أن يفقد سمعه كلياً ويصاب بالصمم وهو في سن الرابعة والأربعين.
وطنين الأذنين مقرون بشكل وثيق بفقدان السمع من دون أي سبب واضح. لكن إحدى الفرضيات تقول إن الخلايا الدماغية في منطقة الدماغ التي تقوم عادة بمعالجة الصوت، تصبح طليقة ونشطة تلقائيا عندما تتوقف عن تلقي «دفق» كاف من الأذن وأعصابها السمعية، ولهذا السبب تجري مقارنة طنين الأذنين بالألم الوهمي للأطراف الذي يعاني منه الأشخاص الذين بترت منهم وفقدوها.
والأطباء من جهتهم لا يملكون أي علاج جراحي، أو صيدلاني للكثير من حالات طنين الأذنين، لذلك غالباً هناك الكثير من حالات التجربة والخطأ من دون أن تكون هناك ضمانة للنجاح. ويقول ليتون الذي قضى عمره كإطفائي في مكافحة الحرائق والنيران، إن طبيبه أبلغه أن عليه أن يفترض لنفسه دورا جديدا عندما يتعلق الأمر بطنين الأذنين، فقد أوضح له أنه بحاجة أن يكون رجل التحري الخاص بذاته، ليستقصي العلاج!
الأسباب
غالباً ما ينقسم الطنين الأذني إلى حالات موضوعية وغير موضوعية، أي وهمية. وقوقعة الأذن هي ذلك التركيب اللولبي داخل الأذن الذي يحتوي على الخلايا الشعرية التي ترتج وتهتز لتترجم الإرتجاجات والإهتزازات الصوتية إلى إشارات عصبية.
وفي حالات الطنين الأذني الموضوعي يجري تنبيه قوقعة الأذن، ولكن من داخل الجسم، وليس من قبل الموجات الصوتية التي تصل من مكان آخر. والمثال الكلاسيكي على ذلك هو الطنين النبضي، أو الخفقي الذي يسببه تدفق الدم المضطرب عبر الأوعية الدموية قرب قوقعة الأذن، وفي بعض الأحيان تقوم الخلايا الشعرية بالإهتزاز عفوياً، أو تلقائياً بحد ذاتها مولدة الصوت الذي يمكن سماعه بواسطة آلات خاصة. ويمكن أن يكون سبب الطنين الأذني الموضوعي الارتعاشات العضلية قرب الأذن، أو داخلها التي تسبب الصوت الشبيه بدقات الساعة.
أما الطنين الأذني غير الموضوعي، أي الوهمي، فهو عبارة عن مصطلح سيء الحظ لأنه يؤول الأمر بأن المشكلة هي عبارة عن مسألة رأي ليس إلا، أو أنها مجرد فكرة في رأس صاحبها. وقد استخدمها الأطباء لإبراز النقص في وجود أي منبهات صوتية موضوعية. والأغلبية الساحقة من الناس التي تعاني من طنين الأذنين تنتمي إلى فئة الطنين غير الموضوعي، أي الوهمي، الذي يدعى أحياناً: «الطنين النابع من الجهاز السمعي». والأخير يتألف من قوقعة الأذن والأعصاب البارزة منها، والعصب الذي يؤدي إلى الدماغ والمراكز السمعية الموجودة فيه، وهذه التسمية غير أنيقة لكنها ترسم صورة أكثر دقة، وهنالك أسباب كثيرة لما يدعى «الطنين غير الموضوعي» لكن الفكرة السائدة أن سببها نوع من التلف، أو العطب أصاب الأذن، أو المراكز السمعية، أو كليهما.
التشخيص
ولأن طنين الأذنين عارض ظاهر، فإن خيارات العلاج تكمن في الأسباب الكامنة، لهذا يقول الخبراء إن من الضروري بشكل خاص بالنسبة إلى الأطباء سؤال المريض العديد من الأسئلة مثل:
- هل يصدر الصوت من إحدى الأذنين، أم من كلتيهما؟
- وهل درجة الصوت هذا عالية أم منخفضة؟
- وهل تعرض المريض إلى أصوات وضجيج عال؟
- هل تناول أدوية وعقاقير قد تكون مؤذية للأذنين؟
وقد يسأل بعض الأطباء المرضى عن حياتهم الإجتماعية وصحتهم العقلية لكون الطنين الأذني غالباً ما يكون شديد الوقع على الأشخاص المنعزلين المنطوين على أنفسهم، أو المصابين بالإكتئاب، أو التوتر، ولا يقدرون على الحركة بسهولة، أو يتألمون من أسباب وأوضاع أخرى.
ويركز الفحص الطبيعي على الرأس والرقبة والأذنين طبعاً. كما أن اختباراً للسمع هو أمر في غاية الأهمية بسبب العلاقة بين فقدان السمع والطنين الأذني. وأخيراً ووفقا للنتائج المستخلصة من الفحوصات المذكورة أعلاه فقد يحتاج الأمر إلى الكشف بجهاز المسح بالرنين المغناطيسي (إم آر آي) أو بغيره.
العلاج
الإنتفاخات والإلتواءات في الأوعية الدموية التي هي وراء تدفق الدم المضطرب، يمكن إصلاحها عن طريق التدخل الجراحي. ولكن إذا كانت المشكلة هي عضلات مرتعشة فقد أظهرت بعض الأبحاث أن الحقن بواسطة سم بوتيولينيوم (بوتوكس) قد يساعد على ارتخاء العضلات. كما قد جرى تجربة عمليات لقطع جزء من العصب السمعي، أو تخفيف الضغط عليه. وقد تمت الإفادة عن بعض قصص النجاح القليلة، لكن مثل هذا المسعى مثير للجدل وينبغي تفاديه.
وقد جرت دراسة العديد من العلاجات الطبية، لكن لم يثبت ولا واحد منها أنه وسيلة فعالة يعول عليها. ويقول بعض الخبراء إن الاختبارات السريرية يصعب تفسيرها، لكون تأثير العلاجات والعقاقير الوهمية كانت أشد تأثيرا من المستوى العادي في تجارب الطنين الأذني.
ويبدو أن «ليدوكاين» Lidocaine مخفف الألم فعال ضد الطنين الأذني الخفيف، لكن العلاج ينطوي على حقن بالوريد، مما حال دون استخدامه على نطاق واسع، كما وأن التأثيرات الجانبية أثارت مشاكل. وللأسف فإن تناول العقاقير المشابهة لهذا العقار عن طريق الفم لم تؤد إلى نتيجة.
وعندما يكون الأفراد مكتئبين فإنهم يميلون إلى التركيز أكثر على المشاكل الأخرى مثل الطنين الأذني. وقد تساعد العقاقير المقاومة للاكتئاب في تخفيف هذه الحالة، وبالتالي الطنين الأذني. لكن هناك أيضاً نظرية تقول إن طنين الأذنين سببه عدم التوازن في الناقلات العصبية «سيروتونن» و«غاما ـ أمينوبيوتريك»، أوGABA التي تسبب الاكتئاب. فإذا كان ذلك صحيحاً، فهذا يعني أن مضادات الاكتئاب قد تكون تؤثر على كيمياء الدماغ مسببة الطنين الأذني، وليس الاكتئاب ببساطة الذي يجعل الناس أكثر وعياً بالمشكلة.
المساعي الأخرى
ويسعى بعض الأطباء المعالجين إلى جعل المزيد من الناس يتجاهلون، أو يبدون ـ على الأقل ـ انزعاجا أقل من الطنين الأذني بدلاً من محاولة مجابهة المشكلة، فهناك الأجهزة الشبيهة بالقناع التي تبدو أشبه بمساعدات السمع التي تولد مستويات منخفضة من الصوت. ولدى تشغيل هذه الأقنعة يبدو أن الأذن والدماغ ينسيان الطنين الأذني، على الأقل مؤقتاً، لكن للأسف لا تفيد هذه الأجهزة الجميع، كما أنها تجعل الحالة أكثر سوءاً بالنسبة إلى البعض.
الطب البديل
وكلما افتقد الطب وطرقه الحالية إلى الأجوبة الصحيحة، لا سيما فيما يتعلق بالحالات المزمنة، يتحول الناس إلى الطب البديل، وطنين الأذنين ليس باستثناء. ومن الطب البديل هذا الأبر الصينية، والعلاج بالغينغوبيلوبا (نوع من الشجر الصيني) والفيتامينات والأملاح المختلفة. ومثل هذه العلاجات لا تصمد كثيراً امام الدراسات الجدية لكن الأطباء يميلون إلى التساهل، بل إلى تشجيع مثل هذه التجارب طالما أنها لا تؤذي.
وظن ليتون أن عمله الاستقصائي بات يؤدي مفعوله عندما استأنف تناوله لفيتامينات «بي»: «اتصلت بابني سكوت لأخبره أنني عثرت على الجواب»، لكن بعد أيام قليلة عاد الطنين ثانية.
وهو يماشي الوضع عن طريق البقاء نشيطاً (الصوت يختفي عندما يذهب مجدفاً قاربه في المياه السريعة المجرى)، كما يبقي على جهازه التلفزيوني شغالاً في الأمسيات عندما لا يكون هناك الكثير من الأصوات، أو الضجيج. ويدرك ليتون أن مرضه متعلق بفقدانه بعض السمع بسبب صفارات الإنذار وأبواق التنبيه التي كانت تقصف أذنيه أثناء عمله، وهو الآن يفعل ما في وسعه لوقايتهما من الأصوات والضجيج العالي لكون الطنين الأذني يزداد سوءاً مع زيادة فقدان السمع.