إن المتأمل في طبيعة معاملة المجتمعات الإنسانية للأشخاص المكفوفين يرى أنها تقوم على افتراض أن الأشخاص المكفوفين مختلفون عن غيرهم من الناس وأن الشخص الكفيف بحاجة إلى الشفقة لأنه عاجز ويعيش في عالم صغير مظلم… أو افتراض آخر أنه يمتلك قدرات حسية خارقة أو قدرات موسيقية خارقة وما إلى ذلك من اعتقادات خاطئة ليست إلا حصيلة للمعلومات غير الصحيحة الناتجة عن عدم التعامل مع الأشخاص المكفوفين.
وإذا كنا نريد أن نهيئ الظروف الاجتماعية الملائمة للشخص الكفيف لتحقيق ذاته والتمتع بالمسؤوليات والواجبات والحقوق التي يتمتع بها أقرانه المبصرون فلا بديل عن مقاومة مثل هذه الاعتقادات الخاطئة، فالحاجز الأكبر الذي يعيق تفاعل الشخص الكفيف مع مجتمعه ليس كف البصر بحد ذاته بل مواقف الأشخاص المبصرين نحوه التي لها أثر بالغ في تكيفه النفسي وفي مفهوم الذات لديه وفي طبيعة ظروفه الحياتية.
إذن، نؤكد أن الأشخاص المبصرين والأشخاص المكفوفين يتشابهون أكثر بكثير مما يختلفون، والفرق بين الشخص الكفيف والمبصر هو أن الشخص الكفيف يتعامل مع ظروف الحياة اليومية بوسائل وطرق مختلفة بعض الشيء ولكنها في النهاية تؤدي إلى النتيجة نفسها التي يحصل عليها الشخص المبصر، كما أن الإنسان مبصراً كان أم كفيفاَ بحاجة إلى مساعدة الآخرين، فلا أحد منا يستطيع أن يعيش حياته دونما يد تمتد لمساعدته بين الحين والآخر، ولكن الافتراض الخاطئ هو أن الشخص الكفيف يحتاج إلى مساعدة مبالغ فيها وحماية زائدة. وهنا مكمن الخطر، فالحماية الزائدة تحد من قدرة أي إنسان كفيفاً كان أم مبصراً، كما أن الأشخاص المبصرين يجب ألا ينصب اهتمامهم على الإعاقة نفسها، فينظروا إلى الشخص الشخص الكفيف من خلال كف البصر الذي لديه وبالتالي إلغاء كل الخصائص الفردية الأخرى. وعليهم أن ينظروا إلى الأشخاص المكفوفين كأفراد لكل منهم خصائصه وصفاته المميزة.
لذا نكرر أن ما يحتاجه الشخص الكفيف هو إتاحة الفرصة المناسبة للاستقلالية وأن يكون جزءاً فاعلاً في مجتمعه، ولن يتحقق ذلك إلا إذا تزود الأشخاص المبصرون بالمعلومات الصحيحة عن الأشخاص المكفوفين وقدراتهم وحاجاتهم وعن الطرق الصحيحة في التعامل معهم.
إذا كنت تقابل شخصاً كفيفاً لأول مرة، فإنك تتساءل كيف تتصرف معه بطريقة صحيحة تجعلك أنت والشخص الكفيف تشعران بالارتياح! وللإجابة على ذلك إليك هذه الإرشادات:
- الشخص الكفيف مثل أي شخص آخر لا يختلف عنك. لذا عامله كما تعامل أي شخص بشكل طبيعي وبدون افتعال. لا تظهر له العطف الزائد والشفقة، فأكثر ما يؤثر في نفسية الشخص الكفيف نظرة الشفقة، وخاصة كلمة مسكين، فهذه الكلمة تجعله يشعر وكأنه عاجز حقاً.
- عند التقائك بشخص كفيف لابد من تحيته ومصافحته عوضاً عن الابتسامة التي ترتسم على شفتيك لغيره.
- عندما تتحدث مع الشخص الكفيف اعلمه أنك تتحدث إليه فهو لا يرى عينيك حتى يعرف أنك تتحدث إليه، لذا ناده باسمه حتى يعرف أن الحديث موجه إليه وخاصة عندما يكون مع مجموعة فإنك في حديثك تنتقل من شخص إلى آخر.
- عند التحدث مع الشخص الكفيف لا تحاول رفع صوتك بل اجعل حديثك معه مثل الشخص المبصر تماماً لأن ارتفاع الصوت يؤذيه ويضايقه.
- لا تشعر بالإحراج من استخدام كلمات تتعلق بالنظر مثل: انظر، هل رأيت، من وجهة نظرك… إلخ، فهذه الكلمات لا تحرج الشخص الكفيف فهو يستخدمها في حديثه وإن كان لا يرى… ولا تتجنب استخدامها لأن ذلك سوف يحرجه.
- لا تشعر بالإحراج من التحدث عن كف البصر وعن إعاقته فهذا لا يضايقه لأنه قد اعتاد عليها وإنما عليك إتباع الأسلوب المناسب.
- إذا قابلت شخصاً كفيفاَ ومعه مرافق مبصر وكان الشخص الكفيف يريد شيئاً فلا توجه الأسئلة وتخاطب المرافق المبصر بما يريده الكفيف، وإنما خاطب الشخص الكفيف نفسه فهو يستطيع التحدث عن نفسه والتعبير عما يريد.
- عند التحدث مع الشخص الكفيف عليك أن تستدير وتنظر باتجاهه وإن كان لا يراك فهو يشعر ويعرف إن كنت تتحدث إليه وتنظر باتجاهه من خلال اتجاه صوتك. وكما أنه من غير اللائق التحدث إلى شخص مبصر دون النظر إليه فإن ذلك ينطبق على الشخص الكفيف أيضاُ.
- عند دخولك على شخص كفيف دعه يشعر بوجودك وذلك عن طريق إخراج بعض الأصوات، ولا تعتمد على أنه يعلم بوجودك، فهو لا يراك وأنت تدخل.
- إذا كنت قد انتهيت من حديثك وأردت الخروج من الغرفة مثلاً، فعليك أن تعلم الشخص الكفيف وتنبهه لذلك فهو لا يراك وأنت تخرج.. ومن المحرج له أن يتحدث إليك وهو يظن أنك ما زلت في الغرفة ويكتشف بعد ذلك أنه يحدث نفسه.
- لا تقدم الكثير من المساعدات للشخص الكفيف وخاصة في الحالات التي يمكنه القيام بالعمل بمفرده، فإنك إن فعلت تجعله عاجزاً عن القيام بأبسط الأفعال، ومع مرور الزمن فإنه لن يستطيع الاعتماد على نفسه أبداً ويتكل على الآخرين بشكل تام.
- إذا قام الشخص الكفيف بأداء عمل بسيط معتمداً على نفسه فلا تنظر إليه باستغراب وكأن عمله معجزة وتقول له: (هل فعلت ذلك وحدك دون مساعدة)، فإنك تعامله وقتها وكأنه طفل.
- إذا أردت إرشاد الشخص الكفيف إلى موضع شيء فلا تقل له هناك! فهو لا يرى هناك.. وإنما كن دقيقاً في الشرح وقل مثلاً: على يمينك على بعد ثلاثة أقدام.
- عند تواجدك في مكان ما مع كفيف اشرح له ما يوجد حوله حتى تكون لديه فكرة عما يحيط به تفادياً لما قد يقع إذا تحرك دون أن يكون على علم بما حوله، فقد يصطدم بأشياء أو يوقع أشياء أخرى إذا لم يكن على علم مسبق بموقعها، وكذلك فإن الأشياء المعلقة والبارزة على مستوى رأسه قد تكون خطيرة عليه إذا لم يعلم بوجودها.
- لا تترك الأبواب نصف مفتوحة فإن ذلك يعرض الشخص الكفيف لخطر الاصطدام بها فالأبواب يجب أن تكون إما مغلقة تماماً أو مفتوحة تماماً.
- إذا لزم الأمر تغيير أثاث الغرفة أو تحريك أي قطعة من مكانها الذي اعتاد عليه الشخص الكفيف. فعليك إعلامه بهذا التغيير تجنباً لأية صدمات غير متوقعة.
- عند تقديمك شيئاً ما للشخص الكفيف لا تقل له خذ فهو لا يرى اتجاه يدك وموقعك، وبالتالي فإنك إما أن تصدر صوتاً بالشيء الذي تريد تقديمه له فيسمع الصوت ويعرف الموقع والاتجاه ويسهل عليه أخذه، وإما أن تقربه إلى يده حتى يلمسه ويشعر به فيستطيع أخذه.
- عند تقديمك شراباً من أي نوع للشخص الكفيف لا تملأ الكأس إلى آخره فإن ذلك يؤدي إلى سكبه.
- إذا قدمت للشخص الكفيف طعاماً فاذكر ما هو هذا الطعام واذكر موقعه على الطاولة وموقع الكأس والأدوات الأخرى، وذلك لكي يتسنى له أخذه دون أن يوقعه. وأفضل طريقة لشرح مواقع الأشياء هي استخدام طريقة الساعة، وهي كالتالي:
تشرح للشخص الكفيف وتقول له إن صحن السلطة عند الساعة 06 والطبق عند الساعة 03 وقطعة الجبن عند الساعة 09 وهكذا.
- عند مرافقة الشخص الكفيف إلى سيارة ما، لا تفتح له الباب، فإنك إن فعلت تعرضه لخطر الاصطدام بحافة الباب… لذا يكفي أن تضع يده على مقبض باب السيارة وهو يقوم بالباقي.
- إذا قابلت شخصاً كفيفاً في الطريق فلا تمسك يده مباشرة وتجره فقد لا يحتاج إلى مساعدتك… وعليك أولاً أن تعرض عليه المساعدة. فإذا كان بحاجة إليها طلبها منك وإذا رفضها فهذا يعني أن بإمكانه الاعتماد على نفسه في هذا الأمر ويجب أن نشجعه على ذلك.
طريقة المرشد المبصر
إذا أردت أن ترشد الشخص الكفيف إلى مكان ما وأصبحت أنت المرافق المبصر فلا تجره خلفك جراً أو تدفعه أمامك دفعاً، وإنما اتبع طريقة المرشد المبصر الصحيحة، وهي كالتالي:
- يقف المرشد المبصر متقدماً نصف خطوة عن الشخص الكفيف، ويقف الشخص الكفيف خلف المرشد المبصر وإلى يساره.
- يمسك الشخص الكفيف منطقة فوق الكوع (المرفق) للشخص المبصر خلف خط الوسط بالنسبة لجسم الشخص الكفيف، مستخدماً يده اليسرى ليمسك فوق المرفق لليد اليمنى للمرشد المبصر، وتكون مسكة اليد معتدلة وخفيفة.
- عند السير في ممرات ضيقة يقوم المرشد بتحريك يده واليد التي يمسك بها الشخص الكفيف إلى الخلف ووسط ظهره وهذه الإشارة تنبه الشخص الكفيف إلى الوقوف خلف المرشد مباشرة على بعد خطوة، وبعد الانتهاء يعيد المرشد يده إلى الوضع السابق.
- عند صعود ونزول السلالم على المرشد أن يتوقف برهة للإشارة بأنه سوف يصعد أو ينزل السلم، ومن حركة جسم المرشد سوف يدرك الشخص الكفيف ذلك، وبإمكانه أن يوضح ذلك لفظاً بقوله: (اصعد الدرج).
- عند الجلوس على مقعد يقوم المرشد بوضع يد الشخص الكفيف على ظهر أو يد الكرسي.