إن حظ الطفل من القراءة رهين باستعداده لها، فهذا الاستعداد يسهل عليه أن يقوم بالإقدام والمغامرة، وأن يقتحم عالم القراءة. فما هو إذن الاستعداد؟ وما معنى القراءة؟ وكيف يتم استعداد الطفل لها؟
يعرف الاستعداد بأنه هو الناحية التنبؤية للقدرة، فهو التجمع المتناسق للصفات والخواص التي تدل على استطاعة الفرد القيام بعمل أو نمط محدد من أنماط السلوك. أما القراءة فيقصد بها (تلك العملية التي يعمل بها الذهن على حروف مادة مقروءة دون أية مساعدة من خارج المادة المقروءة، ويرقى بها الذهن من خلال قواه الذاتية)، وفي هذه الحالة ينتقل الذهن من مرحلة الفهم الأقل إلى مرحلة الفهم الأكثر، وهذه العمليات الماهرة التي تسبب حدوث هذه الحالة تتألف من الأفعال المختلفة لفن القراءة.
الاستعداد للقـراءة
القراءة هي عملية معقدة مركبة ترتكز على الحركية والتفكير والتذكر والتخيل وغير ذلك من نواحي النمو العقلي المعرفي، كما أنها ترتبط ارتباطا وثيقا بالناحية الشعورية، لذلك فالقراءة لا تنضج ثمارها ولا يؤتى أكلها إلا إذا تم إعداد الظروف لنموها ونمائها، وتوافر استعداد الطفل لها، فليس كل طفل يستطيع أن يصبح قارئا ناضجا إلا إذا توافرت فيه بعض الشروط العامة وقدرات خاصة، وأن يملك الاستعداد الطبيعي في ذلك، بالإضافة إلى الممارسة والتدريبات الشديدة.
ومن جملة هذه الشروط والإعدادات التي يتضمنها الاستعداد للقراءة نذكر الاستعداد الجسدي، ويتضمن الرؤية الجيدة والسمع الجيد، فالطفل حديث الولادة ليس متهيئا للقراءة، فالعين هي أقل الحواس كمالا عند الميلاد، وأبطأها في الوصول إلى درجة النضج الكاملة، كما أن الطفل يكون أقرب إلى الأصم في الساعات الأولى التي تعقب الميلاد. وعملية القراءة تستلزم نضج حاستي البصر والسمع، مما يظهر قدرة الطفل البصرية على إدراك الحروف والاستجابة للأصوات، وأن يميز بين الحروف والأصوات، وبعد أن تظهر قدرة الطفل الكلامية لا بد أن يمرن الأعضاء المصدرة للأصوات على التلفظ الصحيح فالتمرن والتعود يجعلا الطفل قادرا على القراءة الصحيحة. أما الاستعداد اللغوي، فيتمثل في إدراك الطفل ما للغة من وظيفة رمزية فالكلمات التي يطالعها ما هي إلا رموز بدل الأشياء أو المفاهيم التي تمثلها.
ويبدو الاستعداد اللغوي جليا في قدرة الطفل على تلقي الأفكار والمعاني من غيره، وفي فهمه للألفاظ والجمل، وإدراك ما بينهما من علاقات، والقدرة على التكلم بشكل واضح وسهولة التعبير.
ويتطلب الاستعداد العقلي، أن يبلغ الطفل مستوى عقليا معينا، فقد أكدت الدراسات النفسية والتربوية أن الطفل إذا بلغ عمره العقلي ست سنوات فإنه يصبح قادرا على القراءة. أما الاستعداد الشخصي، فيشمل النمو العادي للشخصية وسواء السلوك وقابلية الطفل على تركيز انتباهه واتباع التعليمات.
عوامل تنمية الاستعداد للقراءة
هناك بعض العوامل التي تساهم في تنمية الاستعداد للقراءة لدى الطفل، نذكر منها ما يلي:
-
طبيعة الطفل نفسه
تتحدد الخصائص الوراثية للفرد عن طريق الجينات (المورثات) التي تحملها الكروموزومات -وهذه الجينات جملة الاستعداد الوراثي لا تعمل منفردة بل مجتمعة ويؤثر كل واحد منها في الآخر، كما أنها تتأثر بالمجال الذي تنشأ فيه، فإصابة الأم ـ مثلا ـ في الأسبوعين الأولين من الحمل بالحصبة الألمانية مدعاة إلى احتمال تعرض الجنين لإصابات في العين أو الأذن أو القلب مما قد يسبب عقبة كبيرة في إظهار ما لدى الطفل من استعداد للقراءة، كما تحدث في بعض الحالات أن تنتج عن الولادة المتعسرة جروح وكدمات في المخ فتكون كفاءة الطفل الذي عنده استعداد للقراءة كفاءة ضعيفة.
-
طبيعة الأسرة المنزلية
تشكل الأسرة عاملا هاما في تنمية الاستعداد للقراءة، فهي المسرح الأول الذي ينمي فيه الطفل قدراته وميوله واستعداداته، كما أنها المجال الخصب الذي تتكون فيه شخصيته وعاداته واتجاهاته. ولا يغرب عن البال أن مرحلة الاستعداد للقراءة تبدأ وتستمر بشكل طبيعي حتى السنوات الست من العمر تقريبا، وهذا يعني أن استعداد الطفل للقراءة يكون قبل التحاقه بالمدرسة.
وإذ يؤكد علماء التربية والنفس ما لهذه السنوات من أهمية بالغة في تكوين الركائز الأساسية للشخصية وفي تحديد اهتمامات الطفل الفكرية والانفعالية والنفسية فهي مرحلة تعلم غنية يكتسب فيها الطفل نتيجة تفاعله مع الأسرة مجموعة من الألفاظ والأفكار والمعارف والخبرات والحساب وغيرهما، وتعده إلى تقبل المرحلة الابتدائية وهو على أتم استعداد. وإذا ما أدرك الأبوان أن اكتساب المعرفة بالأشياء عن طريق ألوانها، وأن الطفل يملك الصورة الإجمالية حول الشيء، ويستثار من الكتب الحافلة بالصور، ويتجاوب معها، ويخاطبها بفطرته السليمة ويستمع إليها ويستمتع بها، فإنه يصبح من الضروري إتحافه بالكتب المصورة والقصص الملونة ما يلائم مرحلة النمو التي يكون فيها، إنها ضرورية جدا لتنمية استعداده للقراءة، ودفعه شوقا لرؤية الكتاب وتقديره إياه تقديرا رائعا وقد تغدو القراءة عنده كشفا عظيما، وذلك قبل وصوله سن دخول المدرسة.
-
دور المدرسة
عندما يبدأ الطفل مرحلة المدرسة في سن السادسة، يكون محصوله اللغوي تقريبا 2000 كلمة، ويستطيع أن يستعمل جملا في تعبيره الشفهي، ويدرك الحروف الهجائية.
والطفل الذي ألف سماع القصص والنظر إلى الكتب المصورة يأتي إلى المدرسة وهو يملك قدرا وافرا من الاستعداد، ويقدر المتعة واللذة التي تحملها إليه الكلمات، أما غيره من الأطفال فيأتون إلى المدرسة دون أن يتكون لديهم هذا الاستعداد.
وما تجدر الإشارة إليه أن الطفل غير المستعد للقراءة سوف يصاب بإحباط شديد إذا ما حاول المعلم إجباره على تعلمها وقد يؤدي ذلك إلى كرهه للمادة خلال تدرجه في صفوف المدرسة. فحري بالمدرسة إذن ـ وقد يكون هذا من أهم واجباتها ـ أن تتفطن إلى ضرورة تكوين الاستعداد للقراءة عند الأطفال قبل البدء في تعليمهم إياها، وأن تسعى إلى توفير مثل هذه الفرص لجميع التلاميذ، وأن تؤهلهم ليدركوا أن القراءة تفتح
-
دور البرامج التلفزيونية
وكما تسهم الأسرة والمدرسة في تنمية الاستعداد ونمو مهارات القراءة لدى الأطفال، تشكل البرامج التلفزيونية جزءا لا يتجزأ في تدعيم الطفل في هذا المجال وهي بلا منازع أشد وقعا على نفسية الطفل وإثارة خياله، لذا أضحت رسالتها التربوية اليوم ضرورة ملحة ومطلباً لا بد منه، وهي بهذا الدور ولما تتمتع به من قدرة فائقة على الإثارة والتأثير، وسرعة الاتصال والتوصيل، ينبغي أن تسعى جاهدة في بناء مواهب الأطفال وتنمية استعدادهم للقراءة وإسهامها في الوصول بهم إلى مستوى عال من التكافل والاندماج.
إن لتلك البرامج قيمتها الفعلية في تنبيه الآباء والمربين إلى حاجة الطفل للمعرفة ومساهمتها في تنمية لغته وتشجيعه على تدعيم هذا الاستعداد القرائي.
والبرامج التلفزيونية لما فيها من أهمية كبيرة وما تتركه في النفوس من أثر تعتبر خطرة وذات خطب في حد ذاتها، إلا أن مشاهدة التلفزيون ينبغي أن لا تحول بين الأطفال وبين اكتساب مهارة القراءة.
وعلى الرغم من أنها تجعلهم يقرؤون أقل، وتوفر لهم بديلا آخر وتقلل من استعدادهم للقراءة، فإنه يمكن استخدام التلفزيون ذاته كحافز لتشجيع الأطفال على المزيد من القراءة.
المراجع
- الشيخ كامل محمد محمد عويضة / الحياة النفسية دار الكتب العلمية ـ بيروت لبنان ـ الطبعة الأولى 1996م.
- الدكتور عبد العلي الجسماني / علم النفس وتطبيقاته الاجتماعية والتربوية ـ الدار العربية للعلوم ـ بيروت لبنان ـ الطبعة الأولى 1994.
- طلال الحمصي ـ ترجمة ـ كيف تقرأ كتابا / الدار العربية للعلوم ـ بيروت ـ لبنان ـ الطبعة الأولى 1995
- الدكتور حنفي بن عيسى / محاضرات في علم النفس اللغوي – ديوان المطبوعات الجامعية ـ الجزائر – الطبعة الرابعة 1993.
- الشيخ كامل محمد محمد عويضة / سيكولوجية الطفولة – دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان – الطبعة الأولى 1996.
- د. عدنان السبيعي / الصحة النفسية لأطفال المدرسة الابتدائية – دار الفكر- دمشق ـ سوريا – الطبعة الأولى 1998.
- الشيخ كامل محمد محمد عويضة / علم نفس النمو – دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان -الطبعة الأولى 1999.
- عبد الفتاح الصبحي ـ ترجمة – الأطفال والادمان التلفزيوني – سلسلة عالم المعرفة 247 – المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ـ الكويت.
- دكتوراه الفلسفة في التعليم الخاص والدامج ـ الجامعة البريطانية بدبي
- يعمل حالياً في إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم ـ وزارة تنمية المجتمع ـ دبي.
- له العديد من المؤلفات حول التقييم والتأهيل النفسي والتربوي وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة.
- باحث مشارك مع مجموعة من الباحثين في جامعة الامارات العربية المتحدة للعديد من الدراسات المنشورة في مجال التربية الخاصة.
- ألقى العديد من المحاضرات والدورات وشارك في الكثير من المؤتمرات حول مواضيع مشكلات الأطفال السلوكية، وأسر الأشخاص المعاقين، والتقييم النفسي التربوي، التشغيل، التدخل المبكر.
- سكرتير تحرير مجلة عالمي الصادرة عن وزارة تنمية المجتمع في الإمارات.
- سكرتير تحرير مجلة كن صديقي للأطفال.
جوائز:
- جائزة الشارقة للعمل التطوعي 2008، 2011
- جائزة راشد للبحوث والدراسات الإنسانية 2009
- جائزة دبي للنقل المستدام 2009
- جائزة الناموس من وزارة الشؤون الاجتماعية 2010
- جائزة الأميرة هيا للتربية الخاصة 2010
- جائزة العويس للإبداع العلمي 2011