جميع اللغات المؤشرة تتطور بصورة تلقائية عفوية من خلال مجتمعات الصم التي تستخدم تلك اللغات ودون تدخل خارجي من أشخاص سامعين أو لجان يتم تشكيلها لاختيار المفردات عن طريق التصويت. التصويت بحد ذاته، ورغم أنه وسيلة ديمقراطية عادلة، إلا أنه يساء إليه عندما يستخدم للتصويت على اختيار إشارة واحدة. جميع اللغات الإنسانية الحية سواء منطوقة أو مؤشرة تتميز بتعدد المفردات وتنوعها. وهذا دليل على غنى اللغة وثرائها. ويستحيل أن توجد لغة إنسانية حية تتكون من مفردة واحدة فقط لمفهوم معين دون وجود مرادفات لذلك المفهوم.
لغة الإشارة السعودية هي كغيرها من اللغات الإنسانية الحية نمت وتطورت من خلال مجتمع الصم السعودي. وهي لغة غنية وثرية بالمفردات المؤشرة وقادرة على مواكبة التطور العلمي في العلوم والتقنية. وكلما ارتقينا بتعليم الصم، ارتقت اللغة. وكلما زاد إشراك الصم في النواحي الاجتماعية والثقافية والعلمية والترفيهية والرياضية وغيرها من الأنشطة، زادت المفردات الإشارية التي يستخدمها مجتمع الصم السعودي.
لغة الإشارة السعودية مثلها مثل اللغات المؤشرة الأخرى تختلف عن اللغات المنطوقة من حيث الطريقة التي يتم عن طريقها إنتاج اللغة. في اللغة العربية وجميع اللغات المنطوقة يتم إنتاج الكلمات من خلال الجهاز الصوتي، والذي بدوره ينتج الأصوات التي يتم إدراكها سمعياً، بينما في لغة الإشارة السعودية وجميع اللغات المؤشرة يتم انتاج الكلمات من خلال اليدين والذراعين والجذع العلوي لجسم الانسان والوجه والرأس، هذه الأجزاء كلها تنتج إشارات يتم ادراكها بصرياً.
مفاهيم خاطئة عن لغة الإشارة السعودية:
- ـ اللغات المؤشرة هي من أكثر مواضيع علم اللغويات التي أسيء فهمها، هناك اعتقاد خاطئ سائد بأن اللغة المؤشرة ليست لغة حقيقية وأنها ليست سوى نظام متطور من الإيماءات.
- ـ بعض الأشخاص يرون أن اللغات المؤشرة ليس لها قواعد ولا تراكيب وإنما هي محاولات للتواصل من خلال الإيحاءات والإيماءات.
- ـ الكثير من الأشخاص يعتقدون أن اللغات المؤشرة موحدة في جميع دول العالم، بينما هي في الحقيقة تختلف من دولة لأخرى، بل من منطقة لأخرى تماماً كاختلاف اللغات المنطوقة بين الدول واختلاف اللهجات بين المناطق. وقد يوجد في دولة ما أكثر من لغة مؤشرة، مثلاً كندا توجد فيها لغتان مؤشرتان: لغة الإشارة الأمريكية وهي المستخدمة في معظم مناطق كندا، ولغة الإشارة الفرنسية المستخدمة في إقليم الكيبيك. لغة الإشارة الفرنسية المستخدمة في إقليم الكيبيك تختلف عن لغة الإشارة الفرنسية المستخدمة في فرنسا. فنلندا توجد فيها ثلاث لغات مؤشرة: لغة الإشارة الفنلندية وهي التي يستخدمها معظم الصم في فنلندا، ولغة الإشارة السويدية وهي التي يستخدمها الصم في المناطق القريبة من السويد، ولغة الإشارة الفنلندية -السويدية وهي اللغة التي يستخدمها الصم الذين التحقوا بمدرسة الصم السويدية الوحيدة في فنلندا في Porvoo / Borga والتي تأسست في القرن التاسع عشر لكنها أغلقت عام 1993 م. الصم الذين يستخدمون لغة الإشارة الفنلندية – السويدية لا يجدون أي مشكلة في فهم لغة الإشارة الفنلندية.
جدير بالذكر أن لغة الإشارة الفنلندية قريبة جداً من لغة الإشارة السويدية.
http://en.wikipedia.org/wiki/Finland-Swedish_Sign_Language
- ـ كما أن اللغات المنطوقة تختلف فيما بينها في القواعد والتراكيب، كذلك اللغات المؤشرة تختلف فيما بينها في القواعد والتراكيب، مثلما أن اللغة العربية مثلاً تختلف في قواعدها وتركيبها عن اللغة الإنجليزية، فإن لغة الإشارة السعودية تختلف من حيث القواعد والتركيب عن لغة الإشارة الأمريكية.
- ـ اللغات المؤشرة لا ترتبط أبداً باللغات المنطوقة، وكون دولتين أو أكثر تستخدمان لغة منطوقة واحدة، هذا لا يعني أن صم تلك الدول يستخدمون لغة مؤشرة واحدة. فمثلاً أمريكا وبريطانيا واستراليا هذه الدول تتحدث لغة منطوقة واحدة وهي اللغة الإنجليزية، لكن صم تلك الدول يستخدمون لغات مؤشرة تختلف عن بعضها. فلغة الإشارة الأمريكية تختلف تماماً عن لغة الإشارة البريطانية، وكل من هاتين اللغتين المؤشرتين لهما قواعد وتراكيب تختلف عن بعضهما.
- ـ من ضمن المفاهيم الخاطئة عن اللغات المؤشرة أن اللغة المؤشرة هي ترجمة حرفية لما يرادفها من اللغة المنطوقة. فمثلاً: هناك الكثيرون من الأشخاص ممن يعتقد أن جملة أو نص معين باللغة العربية يمكن ترجمته حرفياً بنفس قواعد وتركيب الجملة في اللغة العربية ويتناسون أن للغة الإشارة السعودية تركيباً وقواعد تختلف تماماً عن قواعد وتركيب اللغة العربية. فمثلاً: عند ترجمة جملة إنجليزية إلى اللغة العربية فنحن لا نتقيد بنفس ترتيب وتركيب وقواعد اللغة الإنجليزية، بل نقرأ الجملة ثم نترجم المعنى مع الالتزام بقواعد وتركيب الجملة في اللغة العربية (اللغة الهدف) وليس قواعد اللغة الإنجليزية.
أمثلة:
مثال رقم 1
ـ عندما نحاول ترجمة جملة إنجليزية بسيطة مثل:
I am From Kingdom of Saudi Arabia
إن حاولنا ترجمة هذه الجملة حرفياً فلن تكون صحيحة:
أنا أكون من المملكة من السعودية العربية
لكن عندما نترجم الجملة ونتقيد بقواعد وتركيب اللغة العربية ستصبح مفهومة: (أنا من المملكة العربية السعودية)
مثال رقم 2
This is my father
عندما نترجم الجملة السابقة حرفياً للغة العربية تصبح هكذا:
هذا / هذه يكون / تكون ضمير المتكلم المضاف إليه أب
لكن عندما لا نتقيد بترتيب الجملة في اللغة الإنجليزية ونلتزم بقواعد وتركيب الجملة في اللغة العربية ستصبح الجملة مفهومة:
(هذا أبي)
مثال رقم 3
Sign Language Structure
الترجمة الحرفية ستكون بهذا الشكل: (توقيع لغة بناء)
والترجمة الصحيحة: (بناء لغة الإشارة)
وللأسف هذا من الأخطاء الفادحة والمنتشرة بين المترجمين والتربويين عند ترجمة نص من اللغة العربية إلى لغة الإشارة السعودية فهم يحاولون ترجمة النص العربي كلمة كلمة وحرف حرف إلى لغة الإشارة السعودية وكأن لغة الإشارة السعودية مرآة للغة العربية، مما يؤدي إلى عدم وصول ووضوح المعنى للأشخاص الصم.
من المفاهيم الخاطئة أيضاً عن لغة الإشارة السعودية أنها أبطأ من اللغة العربية. في الحقيقة إن استخدام الفراغ والاختصارات المعرفية الأخرى في لغة الإشارة السعودية تجعلها مساوية للغة العربية في السرعة. لغة الإشارة السعودية ليست أبطأ ولا أسرع من اللغة العربية، ولكنها تختلف في طريقة انتاج الكلام. حيث أن لغة الإشارة السعودية تستخدم تعابير الوجه وحركات الجسم بالإضافة للفراغ لنقل المعنى.
الدكتور ويليام ستوكي:
في عام 1955 م انضم الدكتور ويليام ستوكي إلى هيئة التدريس في جامعة جالوديت في واشنطن دي سي ـ الجامعة الوحيدة في العالم المتخصصة في تدريس الصم وضعاف السمع ـ كأستاذ مساعد في قسم اللغة الإنجليزية. وكان كغيره من أعضاء هيئة التدريس في ذاك الوقت ليست لديه أية خبرة أو معرفة بلغة الإشارة الأمريكية. ولم يكن في ذاك الوقت فصول دراسية لتدريس لغة الإشارة الأمريكية كلغة لها قواعد وتراكيب خاصة بها، وكانوا يعتبرون لغة الإشارة الأمريكية قاصرة ولا تصل لمستوى اللغات الإنسانية الحية وإنها مجرد إشارات وإيحاءات لتسهيل التواصل مع الصم لكنها لا ترقى إلى مستوى اللغة الحقيقية. كانوا يدرسون بعض المفردات الإشارية فقط. ستوكي التحق بهذه الفصول لتعلم المفردات الإشارية لمدة 3 أسابيع وفي نهاية مدة التدريب بدأ بتدريس الطلاب الصم، وكان التواصل مع الطلاب الصم يتم عن طريق التحدث باللغة الإنجليزية مع تأدية بعض الإشارات في الوقت نفسه. هذه الطريقة يطلق عليها طريقة (التواصل المتزامن) Simultaneous Communication or SimCom. في ذاك الوقت كانوا يعتقدون أن استخدام طريقة (التواصل المتزامن) تساعد الطلاب الصم في اكتساب اللغة الإنجليزية. بالإضافة لطريقة التواصل المتزامن كان بعض الطلاب يتم تدريسهم بإنتاج إشارات وكأنها كلمات إنجليزية، والبعض الآخر من الطلاب يتم تدريسهم باستخدام نظام إشارة مصطنع مصمم لتمثيل الجمل الإنجليزية بصرياً.
بعد مرور سنة على عمل ستوكي في تدريس الصم بدأ بالاقتناع أن إشارات الطلاب الصم تختلف عن الإشارات التي تم تدريبه عليها عند التحاقه بالعمل في جالوديت. عندما يتحدث الطلاب الصم فيما بينهم، فهم لا يتحدثون بالإشارات بنفس ترتيبها في اللغة الإنجليزية المنطوقة، بل هم يؤدون الإشارات وفقاً لقواعد لغة تختلف عن اللغة الإنجليزية.
وقد وصف ستوكي هذه الحالة كالتالي:
(لقد عرفت أن الأشخاص الصم عندما يكونون مع بعضهم البعض ويتواصلون فيما بينهم، أن ما يتواصلون به هو "لغة حقيقية"، وحيث أن اللغة التي يتواصلون بها ليست اللغة الإنجليزية، فإذاً لا بد أن تكون لهم لغتهم الخاصة. لا يوجد ما يسمى بعبارات مكسرة أو غير ملائمة، بل هم يتواصلون بطريقة رائعة وسلسة).
في عام 1957 م بدأ ستوكي تجارب جدية على لغة الإشارة الأمريكية حيث أنه كان مقتنعاً تماماً بأنها لغة كاملة ومستقلة ولها خواص وصفات اللغات الإنسانية الحية. بعد 3 سنوات من الأبحاث المستمرة نشر ستوكي بحثه:
Sign Language Structure: An Outline of the Visual Communication System of the American Deaf
هذا البحث كان أول تحليل لغوي للغة مؤشرة. في هذا البحث أثبت الدكتور ويليام ستوكي أن لغة الإشارة الأمريكية وجميع اللغات المؤشرة التي يستخدمها الصم في جميع دول العالم هي لغات إنسانية حقيقية طبيعية حية لها قواعد وتراكيب تختلف عن قواعد وتراكيب اللغات المنطوقة.
وقد كانت ردة فعل الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الصم والسامعين على نتائج بحثه سريعة وقوية: (لا بد أن ستوكي جن) مجرد ذكر أن مفهوم الإشارات التي يستخدمها الصم للتواصل هي لغة حقيقية كان متطرفاً جداً، ورغم كل الهجوم الذي قوبل به بحثه فإن ستوكي استمر في إجراء أبحاثه. وفي عام 1965 م أصدر ستوكي بالتعاون مع كل من دوروثي كاسترلاين Dorothy Casterline وكارل كرونبرغ Carl Croneberg قاموس المبادئ اللغوية للغة الإشارة الأمريكية:
Dictionary of American Sign Language on Linguistic Principles
وفي بداية عام 1970 م بدأ العديد من اللغويين وعلماء النفس دراسة خصائص لغة الإشارة الأمريكية. في ذلك الوقت كانت بحوثهم المنشورة تبدأ عادة بشرح موجز لمبررات كون لغة الإشارة الأمريكية لغة، مثل هذه الشروحات كانت ضرورية حيث أن الكثير من الناس كانوا لا زالوا يعتقدون بأن لغة الإشارة الأمريكية ليست لغة. وقد أثبتت الدراسات في مختلف الجوانب النحوية بما لا يدع مجالاً للشك بأن لغة الإشارة الأمريكية هي لغة إنسانية حقيقية.
كيف تتغير وتتنوع اللغات المؤشرة:
عندما ينتشر استخدام لغة مؤشرة ما، يبدأ يحدث لها تطور مشابه لتطور اللغة المنطوقة من حيث تغير اللهجات وتنوعها بنفس الطريقة التي تطورت من خلالها لغات كاللغة الفرنسية والإسبانية والإيطالية وغيرها من اللغات الرومانسية التي تطورت تدريجياً من اللغة اللاتينية. عندما تستخدم لغة مؤشرة من قبل عدد كبير من الأشخاص قد تحتوي على قدر كبير من الاختلاف والتنوع، ويمكن ملاحظة ذلك في لغة الإشارة الأمريكية والتي يستخدمها أكثر من نصف مليون من الأشخاص الصم. بعض هذه الاختلافات هي في الأصل إقليمية، لكن بعضها الآخر يعود للعمر الذي بدأ فيه تعلم لغة الإشارة وكذلك لعوامل اجتماعية مثل بيئة المنزل (كون الأبوين صم أو سامعين) والخلفية التعليمية للشخص الذي يستخدم اللغة.
منسقة برنامج الصم ولغة الإشارة مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة الرياض ـ المملكة العربية السعودية
هند الشويعر هي فتاة صماء ومن أبرز الناشطين في مجال حقوق الصم والحفاظ على لغة الإشارة السعودية وتطويرها والسعي لتوثيقها ونشرها بين أفراد المجتمع. وهي حالياً تدير المشروع الوطني ممثلة عن الاتحاد العالمي للصم لتوعية النساء الصم بأهمية الاكتشاف المبكر لسرطان الثدي والذي ترعاه جمعية زهرة لسرطان الثدي بالتعاون مع الاتحاد العالمي للصم ومركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة والجمعية السعودية للصم بالرياض.
ولها العديد من الكتابات باللغتين العربية والإنجليزية نشرت في الصحف السعودية ومجلة المنال ومجلة عالمي ومجلة الاتحاد العالمي للصم وتقوم بعمل دورات تعليمية للصم، ودورات تدريبية في لغة الإشارة السعودية للسامعين. وشاركت في العديد من المؤتمرات والملتقيات المحلية والعربية والدولية من أهمها المؤتمر العالمي الخامس عشر للاتحاد العالمي للصم في مدريد يوليو 2007 م، حيث ألقت ورقة عمل لاقت نجاحاً كبيراً وحظيت باهتمام الأوساط العالمية ونتج عنها اصدار قرار ينص على أهمية الحفاظ والارتقاء وحماية لغات الإشارة المحلية والتراث الثقافي وتشكيل سياسات اللغة لتقوية لغات الإشارة بما فيها اللغات المحلية الطبيعية. وألقت محاضرات في الجامعات السعودية ومعاهد الأمل ومدارس الدمج وجامعة جالوديت وجامعة نيومكسيكو وجامعة كاليفورنيا لوس أنجليس في الولايات المتحدة الأمريكية، وجامعة هيرويت وات في أدنبرة ـ اسكتلندا.
بالإضافة لعملها كمنسقة برنامج أبحاث الصم ولغة الإشارة في مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة فهي عضوة في العديد من اللجان والمنظمات المحلية والعربية والدولية، منها:
- رئيسة اللجنة التعليمية في القسم النسائي للجمعية السعودية للصم بالرياض.
- عضوة في الجمعية السعودية للصم.
- عضوة في اللجنة السعودية لخبراء ومترجمي لغة الإشارة.
- عضوة في الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم.
- ممثلة الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم في الجمعية العالمية لمترجمي لغة الإشارة WASLI (2005 ـ 2011 م),
- عضوة في المجموعة الدولية للأكاديميين والباحثين الصم.
- عضوة في الاتحاد العالمي للصم.
- عضوة في الشبكة الدولية لخبراء ومستشاري الاتحاد العالمي للصم (2007 ـ 2012م),.
- عضوة وضابط الاتصال للمنطقة العربية في الجمعية العالمية لمترجمي لغة الإشارة WASLI (2011 م ـ وحتى الآن),.
- عضو اللجنة الاستشارية للمكتب الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط لمنظمة سي بي إم الدولية المعنية بالإعاقة ممثلة عن الأشخاص الصم (2010 م ـ وحتى الآن),.