لم تعد الثقافة اليوم ترفاً عقلياً خاصاً بفئات معينة، وإنما هي وسيلة للحياة الحرة الكريمة وأسلوب في العمل الصحيح المنظم.. لذا، كان لابد من أن يشمل التثقيف حياة الفرد باستمرار، ليكون قادراً على مواكبة التطور، متكيفاً مع روح العصر والتجديد.
إن عملية التغيير الاجتماعي ترتبط بقيمة عليا يتطلبها التجديد، ولقد زادت سرعة التجديد في العلم والتكنولوجيا، مما نتج عنه تغير دائم في كل مجال من مجالات المعرفة. لذا يجب أن يترجم التجديد إلى عمل وحركة، هذا التجديد الذي يدخل في النشاط اليومي لكل فرد، محدثاً تغييراً جذرياً في حياتنا الشخصية والعامة والعملية، مما يجعل كلاً منا يشعر عن قصد أو غير قصد بضرورة أن يكون على صلة بتقدم الاختراع والإبداع والبحث، أو بتعبير آخر، على صلة بكل جديد. ومن حيث مصادر الثقافة في هذا العصر فهي كثيرة جداً، تبدأ بالأسرة والطبيعة التي تحيط بنا ثم المدرسة والكتاب والصحيفة والمجلة والمتحف والآثار والإذاعة والتلفزيون والانترنت.. ولكن يبقى الكتاب المقروء على رأس تلك المصادر للمعرفة الإنسانية، ومن أعظمها ارتقاء بعمله وذوقه وثقافته.. فالكتاب زينة كل بيت، وضرورة من ضرورات التعليم والمعرفة والثقافة تمشياً مع قول الفيلسوف «شيشرون»: «كل بيت دون كتب جسد لا روح فيه»، وقول الشاعر الكبير المتنبي: «وخير جليس في الزمان كتاب».. إلا أن سر التعامل الذكي مع الكتاب يكمن في الدراسة الجيدة الواعية التي تعتبر المحور الأساسي الذي تبنى حوله شخصية الطالب القوية الواثقة المطمئنة، ومستقبله الجيد المشرق.
وانطلاقاً مما تقدم ثمة سؤال يجب أن يطرحه الطالب هو:
ما هي الدراسة الجيدة؟
وما هو تعريفها؟
وماذا يفعل من أجل تحقيق دراسة جيدة؟
وما هي عوامل الدراسة الجيدة؟
الدراسة الجيدة
إرادة وعمل وجهد ونظام يؤدي إلى المتعة والثقة والنجاح، ويستطيع الطالب المجد والحريص أن يعود إلى نفسه وأن يقوم بعملية المراجعة لذاته، فتمتد عملية المراجعة والتقويم وتستمر في حياته اليومية وأوقاته، حتى تبقى هذه الحياة اليومية مفتوحة وخاضعة للتحسين والتنظيم المثالي، هذا التنظيم الذي يقودنا إلى دراسة جيدة وبأعلى فاعلية وكفاية.
وللدراسة الجيدة عاملان رئيسان هما:
-
العامل الأول ـ الجانب النفسي
وهذا الجانب هو إرادة التعلم والاستعداد له وتمتع الطالب بعزيمة قوية، وقدرة على المثابرة والمتابعة والتحلي بالصبر والجلد وبذل الجهد، حيث نرى أن للإرادة والصبر والمثابرة دوراً مهماً في تسهيل عملية التعلم، فقد يحفظ الطالب مواد لا يميل إليها (كالرياضيات مثلاً) ويستطيع أن يتفوق فيها على أقرانه عن طريق الدراسة ومضاعفة الجهد والمثابرة وإرادة التفوق.. ناهيك عن دور المدرسة من خلال تقديم امكانات تساعد الطالب على اعتياد العمل الجاد مهما كان شاقاً.
-
العامل الثاني ـ الجانب البيئي
ويشمل التغذية والتهوية والإضاءة في البيت والمدرسة، فالتغذية الجيدة مثلاً، من العوامل الأساسية في تثبيت الدراسة أو اضعافها، ولا شك أن فقر الدم وقلة المواد الغذائية يترك آثاره السيئة في المراكز العصبية، ويؤدي إلى ضعف وتقصير في الدراسة، إذن لابد من تنظيم الغذاء والعناية بنوعيته وكذلك التهوية الجيدة والإضاءة الحسنة.
قواعد الدراسة الجيدة
للدراسة الجيدة قواعد يمكن تلخيصها بالآتي:
- فهم الموضوع المدروس بصورة اجمالية، وذلك من خلال قراءة الدرس أو الفصل كاملاً قبل الدراسة قراءة عامة مع فهم مجمل أفكاره وفقراته والرجوع عند تعذر فهم بعض الفقرات إلى المدرس، ثم العودة إلى دراسة الموضوع مفصلاً.
- تحديد أهداف مرحلية، أي تقسيم الموضوع إلى فقرات وأجزاء، وإنجاز دراسة كل جزء أو مرحلة في جلسة واحدة مهما كانت الظروف لأن تقسيم الموضوع إلى أهداف مرحلية، وانجاز كل مرحلة في حينها يشكل حوافز قوية ومشجعة لانجاز التعلم والدراسة بشكل جيد.
- التسميع الذاتي الفعال: يسمع الطالب لنفسه عند كل مرحلة، ثم يرجع عند كل خطأ إلى الكتاب، ويفضل أن يكون التسميع كتابياً.
- كتابة الأفكار الرئيسة للموضوع المدروس، وذلك عندما تكون دراستنا قائمة على الفهم والاستيعاب، وهذا يؤدي إلى تثبيت المعلومات في الذاكرة.
- الحماية من الكف الراجع: صحيح أن التنويع في الدراسة أمر لابد منه تجنباً للملل، إلا أن هذا التنويع يتضمن خطراً جدياً هو خطر الكف الراجع (عرقلة تعلم جديد للتعلم السابق)، لذلك يجب ترك فترة راحة كافية عند الانتهاء من دراسة مادة من المواد قبل الشروع في دراسة مادة أخرى.
- وضع برنامج منظم للدراسة والتقيد به، وذلك يتضمن توزيع الدروس على فترات زمنية محددة، وانجاز الدراسة المتخصصة في كل فترة بنظام وفي الموعد المحدد، والاعتياد في كل يوم على إنجاز ما نظم والابتعاد عن التأجيل.
- النوم الجيد، حيث النوم المبكر والاستيقاظ صباحاً باكراً للدراسة، مما يؤدي إلى نضج المعلومات في الذاكرة، لأن كمية النوم الكافية تريح الجملة العصبية وتجعلها مهيأة لتلقي المعلومات واستيعاب المادة الدراسية.
- يستحسن تكوين عادات سلوكية جيدة ومنظمة فيما يتعلق بوقت الدراسة والمكان.
دور الأسرة في تأمين دراسة جيدة للأبناء
ويتجلى ذلك في الاهتمام بدراسة الأبناء، وإشعار الطالب بأهمية دراسته واحترام راحته ومشاعره، وتضحية الأسرة في سبيل دراسته وبنجاحه، فمثلاً على الأسرة احترام المكان الذي يرتاح فيه الطالب. وعليها تنظيم واحترام وقته، وكذلك احترام مشاعره وتأمين الجو الهادى له. حيث يقول «غاندي»: «كل عائلة في هذه البلاد مدرسة وأولياء الأمور هم المعلمون».. ناهيك أن الأب والأم والأبناء والأخوة والأخوات يمكن أن يكونوا مدرسة ومصدراً للمعرفة، ويمكن الاستفادة من ولي الأمر مهما كان عمله.
دور الطالب في تحقيق الدراسة الجيدة
يخطىء الأهل الذين يقيدون أبناءهم ويمنعونهم من الترفيه وممارسة الهوايات المحببة والمفيدة، لذا لابد من تنظيم الوقت ووضع برنامج منظم للدراسة والتقيد بهذا البرنامج يفسح المجال أمام الطالب لتنظيم أوقاته، وممارسة هواياته لأن الدراسة الجيدة لا تتعارض اطلاقاً مع الأوقات الحرة التي يمتع الطالب فيها نفسه ويريح أعصابه.
كيف يستطيع الفرد أن يثقف نفسه ويغني معارفه باستمرار
يستطيع ذلك من خلال التثقيف الذاتي (التعلم الذاتي)، والذي يقوم على ما يبذله الفرد من جهد وقصد واعيين لكي يعلم نفسه بنفسه بهدف توفير الظروف الأحسن للاستمرار في اغناء نفسه وتثقيف ذاته. وتنمية الشخصية، وإغناء الفكر، مسؤولية الفرد تجاه نفسه، وأن ما يقوم به الطالب من جهد شخصي في سبيل إغناء ثقافته وتطوير نفسه، وما يقوم به من بحث واطلاع، وما يكتسبه من خبرة ومعرفة في هذه الحياة، يساعده كل ذلك على الدراسة الجيدة، لأن الثقافة تشكل لديه الأرضية والخلفية الغنية التي تجعله قادراً على التفكير الصحيح المنظم.. والثقافة بحد ذاتها تؤدي إلى شحذ وإذكاء القدرات الإنسانية والسلوك الإنساني بالنسبة للفرد والجماعة على حد سواء. وثمة سؤال:
«ما هي مصادر الثقافة والمعرفة؟!»؟
لقد نوهنا في المقدمة إلى مصادر الثقافة والمعرفة وذلك باقتضاب، ومن هذه المصادر: الإذاعة والتلفاز والانترنت والمراجع والخبرات اليومية والبيئة بكل ما فيها من امكانات بشرية ومادية وكذلك المعرفة النابعة من الأسرة والجيران، من العمل واللعب، من السوق والمعمل والمكتبة والصحف والمجلات والندوات والاحتفالات، ناهيك عن التعلم من الظواهر الطبيعية، وكما يمكن التعلم واكتساب المعرفة من الحياة الحيوانية والنباتية ومن مظاهر التقدم العلمي والتكنولوجي والمعالم العمرانية في البيئة.. وكلها تشكل مادة للتعلم ومصدراً للمعرفة والثقافة.
كيف يستطيع المعلم أن ينمي في تلميذه القدرة على الدراسة الجيدة؟
ثمة أمور على المعلم اتباعها حتى ينمي القدرة لدى التلميذ على الدراسة الجيدة، وأن يكسبه طرقاً وعادات وأساليب الدراسة الجيدة وهذه الأمور هي:
- التزام التلاميذ بمسؤولية القيام بالنشاط التنقيبي الاستقصائي للحصول على المعلومات والنتائج، كما في درس العلوم مثلاً.
- أن يجعل تجربة التعلم جذابة ومشوقة عن طريق الأساليب والطرق والوسائل التعليمية الموافقة.
- أن يوفر للطالب استخدام الكثير من المواد والوسائل التعليمية والأساليب المتنوعة في عمله وتحقيق أهدافه، مما يؤدي إلى ربط المعلومات وتثبيتها في ذهنه وإغناء معارفه.
- تعويد الطالب الاعتماد على نفسه، وعلى الطالب إجابة الأسئلة التي يوجهها الطلاب، كل ذلك من خلال القيام بالفعاليات والأنشطة ومناقشة الأسئلة، والرجوع إلى المصادر والمراجع والقواميس والأطالس.
- أن ينمي عند الطالب القدرة على حل المشكلات واستخدام معرفته في فهم المواقف، والأهم في المعلم أن يكون قدوة حية لطلابه.
- أن يعود الطالب على الاتصال المباشر بالواقع والبيئة وملاحظة ما يحيط به من الأشياء والظواهر والطاقات وتدريبه على استخدام حواسه في استقراء خصائص وصفات ما يشاهد ويرى، وتنمية المقدرة على الادراك والتفكير في الأحداث والظواهر وتعليلها.
لذا، فإن اتباع الأمور السابقة بدقة من قبل المعلم كفيل بأن يبني وينمي التفكير الصحيح المنظم المشرف المستنير القادر على الفهم والاستيعاب والحفظ والابتكار والابداع والتجديد.
ومن يملك هذا الفكر وتلك العادات والأخلاق، يستطيع أن يدرس جيداً.