دراسة خاصة أجرتها مؤسسة الشارقة للتمكين الاجتماعي
تطرقنا في العدد السابق للحديث عن حياة الأسرة في السنة الأولى من وفاة عائلها وما تمر به الزوجة من تحديات عقب انتقالها إلى خانة الأرملة والأم لأيتام، وتطرقنا للحديث عن مصطلح (سنة أولى ترمل)، وحددنا العوامل التي يحملها بين طياته ذلك المصطلح، مدى المعاناة التي تلحق بالأرملة وأسرتها، وأشرنا إلى عدد من الخطوات الإيجابية التي ينبغي على الأرملة أن تخطوها في البداية كي تستطيع حماية أبنائها من الهزة النفسية التي أصابتهم عقب فقدان أبيهم، مبينين لحالة الأرملة الأم في عامها الأول.
ولكي نكون منصفين فإننا نعلم يقيناً أن ما تعانيه الأرملة لا يقتصر على السنة الأولى فقط بل هي رحلة طويلة من الألم والبطولة والتي تحتاج لأن نفرد لها مساحة كبيرة من البحث بطول عدد سنوات ترملها وبعرض كم المسؤوليات التي تتحملها خلال تلك السنوات، فوفاة الأب حادث جلل ومتفرد فيما يخلفه من آثار، ذلك أن الخسارة لا تكون على المستوى الوجداني فحسب بل إنها تمتد لتشمل كافة شؤون الحياة اليومية، ولتبسيط ذلك يمكننا النظر إلى موقع الشخص المتوفى في الأسرة، فقد تكون لوفاة الطفل جرح لا يندمل في نفوس أسرته خاصة الوالدين ولكنها لا تلقي بظلالها على الحالة الاقتصادية للأسرة، فهو ليس فرداُ عاملاً، وقد يكون لوفاة الأم الطاعنة في السن عظيم الأثر في نفوس أبنائها الذين فرغت من تربيتهم وأصبح بعضهم آباء وأمهات ولكنها لا تنطوي على نفس العمق على المستوى الوظيفي والاجتماعي لهم، أما الأب فغالباً ما يكون هو العائل الوحيد لأسرته والتي كلما كانت أكثر اعتماداً عليه كانت الخسارة فيه أفدح، لاسيما إن كان الأبناء صغاراً.
ويعد دعم ورعاية تلك الشريحة من المجتمع (الأرامل وأيتامهن) واجباً وطنياً، وبه يقاس مدى تحضر المجتمعات ومدى تطبيقها لحقوق المرأة والطفل، إلا أن هذا الدعم لا نقصد به الرعاية المالية أو النفسية فحسب، بل لابد وأن يتسع ليشمل كافة جوانب الحياة التي تعيشها الأسر، ولكي يتحقق ذلك فنحن في حاجة إلى دراسة واقع تلك الأسر دراسة متعمقة ومستفيضة لكل مناحي الحياة التي تمر بها، ونعني بذلك شمولية الدراسة للظروف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والنفسية والصحية للأسرة ككل، وذلك حتى نستطيع تقديم رؤية متكاملة عن واقع الأسر وحيدة الوالدية بفعل وفاة الأب، وبالتالي وضع الخطط العلاجية المناسبة لها.
دراسة الوضع الاقتصادي
الأهمية:
يعتمد استقرار كل أسرة على العديد من العوامل والتي كلما ارتفعت وتضافرت مع بعضها زادت مؤشرات نجاح تلك الأسرة، واختلال أحدها يُنشئ توتراً ويقلل من احتمالية الاستقرار، ويعد العامل الاقتصادي عنصراً في غاية الأهمية ذلك لما له من تأثير على مختلف جوانب الحياة الأسرية، هذا على مستوى الأسر مكتملة الأركان أي التي تشمل أب وأم وأبناء، فما بالنا بالأسر التي قد توفى عنها عائلها والذي قد يكون هو المسؤول الأوحد عن تسيير الشؤون المالية بالبيت وبوفاته يتأثر المصدر المالي للأسرة.
ومن واقع الخبرة في مجال العمل مع الأرامل وأسرهم تنامى لدينا التأكيد بأن الوضع الاقتصادي لتلك الأسر يعد العامل الأكثر أهمية وتأثيراً، فباستقراره تمر الحياة بسلام دون منغصات إضافية على الأرملة، إذ تتفرغ لرعاية أبنائها، ولكن تدهور وضع الأسرة اقتصادياً غالباً ما ينسحب على العديد من الشؤون الأسرية، فالحالة النفسية والحياة الاجتماعية والمستوى التعليمي والصحي والبيئي وحتى التنشئة الاجتماعية كلها أمور تتأثر بالوضع الاقتصادي.
تحديد الوضع الاقتصادي للأسر فاقدة الاب
تؤكد البحوث الميدانية والاستقصائية التي تجريها مؤسسة الشارقة للتمكين الاجتماعي بشكل دوري على ما أفضت إليه الدراسات العلمية في أن الاوضاع الاقتصادية لأغلب الأسر تنخفض بشكل ملحوظ عقب وفاة العائل لها، ويرجع ذلك لعوامل عدة منها ما هو عام ينسحب على الأرامل في مختلف المجتمعات ومنها ما يرتبط بالبيئة والمجتمع الذي تحيا فيه الأسرة، ويمكننا بنظرة سريعة على تلك العوامل في سياق دولة الإمارات العربية المتحدة إجمالها فيما يلي:
1 ـ طبيعة ونوع القطاع الذي كان يعمل به الأب المتوفى:
- إن الدخل الذي تتحصل عليه الأسرة غالباً ما يتحدد وفق موقف الزوج من العمل في حياته، فالرجل إذا كان يعمل ولديه دخل واحد أو أكثر يعني احتمال أكبر بحصول أسرته على معاش ثابت يتحدد وفق الأجر الذي كان يتحصل عليها من قبل، والأمر يختلف ما إذا كان عاطلاً عن العمل أياً كانت الأسباب، كأن يكون مكتفياً بمعاش الشؤون الاجتماعية وهو ما قد يزيد من توقع انخفاض المستوى المعيشي للأسرة نظراً لانخفاض المعاش المتوقع صرفه لها.
- كما أن الدخل الذي تتحصل عليه الأسرة كثيراً ما يتأثر بنوع القطاع الذي كان يعمل فيه الزوج، حيث غالباً ما يحدد كم المستحقات المالية التي ستتلقاها الأسرة عقب وفاته ومدى استمراريتها، فعمل الزوج في القطاع الحكومي يسمح لأسرته بالحصول على معاش التقاعد والذي يتحدد حسب طبيعة عمله والمدة التي قضاها في العمل وكذلك الراتب الذي كان يتلقاه، ويختلف الأمر كثيراً حينما يكون الزوج عاملاً في القطاع الخاص إذ غالباً ما تكون المستحقات المالية متجمعة وتصرف مرة واحدة عقب الوفاة وهو ما يزيد من احتمالية تعرض الأسرة لكبوات اقتصادية قد تضطر المرأة للعمل أو البحث عن جهات ومؤسسات مساندة.
2 ـ القروض والديون:
تعد القروض والديون عبئاً ثقيلاً على الأسرة سواء كان الأب على قيد الحياة أم متوفى، إلا أنها تصبح أكثر وبالاً على الجميع في حال التزمت الأسرة بتسديدها عقب وفاة الزوج، وهو ما يزيد من احتمالية انخفاض المستوى المعيشي للأسرة، حيث أننا نعلم بأن معاش الأسر لا يكون بنفس القيمة التي كان يتحصل عليها الأب قبل الوفاة، وهو ما يضع الأسرة في مأزق، ولقد عايشنا في المؤسسة العديد من الأسر التي اضطرت إلى إعادة جدولة القروض البنكية أكثر من مرة لتدخل في حلقة مفرغة من الاستدانة والجدولة، وقد رأينا عدداً من الأمهات اللواتي تعرضن لقضايا وصلت لحد الحبس بسبب القروض.
3 ـ ممتلكات الأسرة وإمكانية التصرف فيها:
قد تجد الأسرة نفسها خالية الوفاض ليس لديها ما يمكنها الارتكاز عليه قليلاً، فلا مال مخزون ولا ممتلكات ولا إرث يعينها بعض الشي، وقد يكون للأسرة ما ترثه وتظل المشكلة قائمة، فالقضية ليست في عدم الامتلاك فقط وإنما في مدى قدرتها على التصرف فيما تملك، فلا يخفى علينا أنه بزيادة عدد الورثة وخروجهم عن نطاق الأسرة الصغيرة قد يعني للبعض مزيداً من الوقت في المحاكم إثباتاً للحقوق، وقد تكون الممتلكات اسم أكثر منها فعل، حيث تتلاشي قيمتها بزيادة عدد الورثة، وقد نجد للأسرة ممتلكات ولكنها تحتاج لمن يديرها ويكون أميناً عليها وهو ما قد يصعب على الأرملة.
وفي ذات السياق نجد أن الأسرة قد تمتلك المال ولكن بحكم وضعه تحت الوصاية من قبل المحكمة أو شؤون القصر صيانة لممتلكاتهم فقد لا تستطيع الأرملة التصرف فيه إلا في أضيق الحدود ذلك حتى يصل الأبناء إلى العمر المناسب لحماية حقوقهم بأنفسهم.
4 ـ تصنيف الأسرة ضمن نطاق التركيب السكاني
يؤثر التركيب السكاني بدولة الإمارات على الوضع لاقتصادي للأسر عقب وفاة الزوج، ففي حالة الأسر التي تحمل جنسية الدولة تزداد احتمالية أن يكون للأسرة مستحقات مالية عاملاً كان الاب أم لم يكن، أما في حال الأسرة المقيمة فيكون الدخل المتوقع للأسرة عقب الوفاة مقتصراً على المستحقات المتجمعة فقط على الأغلب، ولا يحق للأسرة الحصول على معاش عن الأب، وهو ما يزيد من انخفاض مستوى المعيشة بشكل كبير جداً
كما وأن وجود الأسرة في نطاق عائلي يساعد على الوقوف بجوارها ومساندتها وهو ما يتحقق على الأغلب للأسر المواطنة، بعكس العديد من الأسر المقيمة والتي تعيش بمفردها دون عائلة تكون سند لها.
5 ـ موقف الزوجة من العمل
يتأثر الوضع الاقتصادي للأسرة بالوفاة في كل الاحوال إلا أن آثاره تكون أخف وطأة في حال كانت الزوجة امرأة عاملة إذ يعني ذلك وجود قدر ولو محدود من المدخول للأسرة يعينها على تيسيير شؤونها، وهو ما يختلف عما لو كانت الأرملة ربة بيت.
6 ـ المستوى الاقتصادي للمجتمع الذي تعيش فيه الأسرة
قد لا تكون الأسرة في حد ذاتها قادرة على تحقيق الاكتفاء الاقتصادي لنفسها فلا دخل ثابت ولا ممتلكات ولا عمل للزوجة، إلا أن هذا كله يتلاشى أمام وجودها في مجتمعات تؤيد صدقاً حق اليتيم وأسرته في الحياة وبالتالي تعمل على تذليل كافة الصعوبات التي تعترض طريق تلك الأسرة، وهذا هو ما نلمسه بالفعل في دولة الإمارات العربية المتحدة، إذ نجد فيها من المؤسسات والجمعيات الحكومية والأهلية ما يضمن وصول الدعم الكافي لأسرة اليتيم، وبالتالي يمكننا الجزم بأن اليتيم في تلك الدولة يختلف عنه ما إذا كان خارجها، فالمستوى الاقتصادي للدول والدعم الحكومي والخاص بمثل تلك الدول يحدد مدى المعاناة الاقتصادية التي قد تمر بها الأسرة.
تحديات الأرملة
لقد عرضنا فيما تقدم العوامل الأكثر تأثيراً على تحديد الوضع الاقتصادي للأسر المعنية والتي كلما اجتمع منها عاملان أو أكثر على الأسرة كلما كان احتمال تعرضها للضغوط المالية أعلى، والحقيقة أن الجهود الرامية لتحسين مستوى معيشة تلك الأسر تقع على عاتق المجتمع بكافة مؤسساته بدأً من المؤسسة الصغيرة إلا وهي الأسرة، ويتأتى ذلك من خلال خطوات عدة يمكن إيجازها فيما يلي:
دراسة الأرملة للوضع المالي والوقوف على حقيقة المدخول الأسري
لقد أشرنا في العدد السابق أنه عقب الوفاة مباشرة يكون هناك على الأغلب مدخول للأسرة أعلى من النمط الطبيعي في الفترة الأولى من الابتلاء، والذي يكون نتيجة مستحقات متجمعة للمتوفى من عمله بالإضافة لما يترتب على التكافل الاجتماعي الذي حث عليه ديننا الحنيف، حيث تسارع الأيادي البيضاء من الأقارب والجيران والأصدقاء إلى مد يد العون للأسرة، إلا أن هذا الدخل (كما أشرنا في العدد السابق) لا يتمتع بصفة الثبات أو الاستمرارية، فبمرور الوقت وبفعل عامل النسيان والانشغال بالحياة وبالأمور العائلية للجميع يبدأ البعض في رفع يده عن الأسرة المتوفى عائلها، وبالتالي تتوقف بعض المساعدات التي كانت تصل إلى الأسرة في بداية عهدها بالترمل، وهنا تبدأ الصورة تتضح أكثر فأكثر للأرملة ويتبين لها حجم الدخل الذي يتمتع بالديمومة والتي يمكنها الاعتماد عليه فيما بعد، حيث يكون المعاش الخاص بالأسرة قد تحدد وتم صرفه بشكل ثابت، وتكون الأمور المتعلقة بالإرث أو القروض أو الديون قد تبلورت وتحددت.
هنا تصبح المرأة على بينة أكثر بمدخولها الثابت والذي بناء عليه تستطيع اتخاذ قراراتها، ونلاحظ هنا أنه كلما كانت حياة الأسرة المالية قبل الوفاة واضحة وجلية للزوجة، وكلما كانت الأمور المالية بسيطة ومحددة، بات الانتهاء منها سريعاً أمراً أكيداً وبالتالي تصبح المرأة أكثر قدرة على تحديد خطواتها التالية في وقت قصير.
الالتحاق بسوق العمل
قد تجد الأرملة ربة البيت في الالتحاق بالعمل ما ينهي أزمتها ويساعدها على الثبات وإعادة التوازن، وهي في ذلك محقة، إلا أنها لكي تحقق هذا الهدف فإنها تواجه بتحديات عديدة منها تحديات تتعلق بالمستوى التعليمي لها ومنها ما يتعلق بمستوى الخبرات التي تمتلكها وأخرى تتعلق بطبيعة العمل، وغيرها بعدد ساعاته، والتحدي الأكبر هو ما يتعلق بالأجر، فأغلب الظن أن الأرملة المعيلة حينما تبحث عن عمل فهي تبحث عما يتناسب مع وضعها كأم، لذا فهي تحتاج لعمل بساعات محددة ليست طويلة بحيث تضمن رعاية أبنائها، والحقيقة أن هذا الأمر لا يكون متاحاً بسهولة ـ كما وأن الأرملة عندما تكون ربة بيت فإن الخبرة العملية لها ليست كبيرة، وإذا أضفنا المستوى التعليمي الذي حصلت عليه قبل الزواج والذي هو في معظم الأحوال تعليم متوسط إن لم يكن أقل من المتوسط، فذلك أيضاً أمر لابد وأن يوضع في الحسبان، كل ذلك ونحن لم نتحدث بعد عن عمر الارملة ولا نوعية العمل الذي يناسبها، ولا مدى علاقاتها التي قد تساعدها في البحث عن العمل المناسب.
وللتغلب على هذه المشكلة تكون الأرملة في حاجة إلى سرعة التفكير في تحقيق نمو في جانب أو أكثر من تلك الجوانب التي لديها قصور فيها، كأن تسعى لاكتساب خبرات في مجال ما يحقق لها العمل بساعات مناسبة، مع العمل على توسيع دائرة علاقاتها وفي ذلك نجد أن تكاتف مؤسسات الدول العاملة في مجال مساعدة المرأة يكون له دور في تهيئة المناخ المناسب لها لاكتساب الخبرات، فإذا انتقلنا بالحديث إلى دولة الإمارات العربية المتحدة فإننا نجد أن الطفرة غير المسبوقة في تمكين المرأة ورعايتها وتأهيل سبل النجاح لها ساعد ويساعد بشكل كبير في تأهيل الأرملة مهنياً باعتبارها جزءاً من الكل، وبتخصيص الأمر فإن هناك من المؤسسات ما يكون شغلها الشاغل الأرملة وعليه فتكون تلك الخدمات التأهيلية أكثر تخصيصاً، ومنها مؤسسة الشارقة للتمكين الاجتماعي التي تتبنى الفكر الشمولي في رعاية الأسرة، إذ لا تقتصر خدمات التدريب والتأهيل المهني على الأبناء فقط بل تمتد لتشمل الأوصياء انطلاقاً من الإيمان العميق بأن تدعيم الأرملة وترسيخ أقدامها في مجتمع العمل هو في حد ذاته دعم اقتصادي كبير للأسرة ككل وأمان وضمان لاستقرارها وعدم تخبطها، ولكي تحقق المؤسسة تلك المهمة فقد آلت على نفسها مهمة تدريب وتأهيل الأرامل في مجالات متعددة، فهي تقدم لهن دورات متخصصة في مجال دراسة آليات السوق وتحديد مجالات العرض والطلب، كذلك تدريبهن على عدد من المهن التي يمكن مزاولتها من المنازل بما يوفر دخلاً مناسباً لهن دون أن يطغى على رعايتهن للأبناء، كما تسعى المؤسسة لإكسابهن خبرة في مجال فن التسويق، وكيفية الاستفادة من الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في الترويج لمنتوجاتهن، كما تكسبهن خبرات في مجال فن التنسيق والديكور والتصميم وذلك كي تتمكن من المنافسة بشكل قوي، كما تقوم المؤسسة بتوفير دورات متخصصة في مجال الإدارة المالية لمشروعاتهن وكيفية تحقيق الاستثمار الناجح، بل ويتم تدريبهن أيضاً على مهارات التواصل ومهارات التخطيط وتنظيم الوقت، وكذلك المهارات الخاصة بكيفية إدارة مشروع صغير، بالإضافة إلى الدورات التدريبية المستمرة في مجال إدارة الذات واكتشاف مواطن القوة لديهن وليس هذا فحسب بل تسعى المؤسسة دائما من الاستفادة من فرص العمل المتاحة بجهات المجتمع من خلال ترشيح الأرامل المنتسبات للمؤسسة للعمل بها كلُ حسب قدراته وما تتطلبه الوظيفة من مهارات وخبرات.
وفي سبيل تذليل كافة العقبات التي قد تقف حائلاً دون عمل الأرملة تعمل المؤسسة على توفير الدعم المادي للأرامل ممن حصلن على التأهيل الكافي لإنشاء مشروعاتهن الخاصة كما تسهم في تذليل العقبات التي تواجههن فتفتح لهن آفاقاً تسويقية جديدة.
الإدارة المالية لشؤون الأسرة
تحتاج الأرملة في هذه المرحلة إلى إدارة الشؤون المالية لأسرتها بوعي يتناسب مع طبيعة الظروف الراهنة، بحيث تعمل على تخفيض النفقات قدر استطاعتها، وواقعياً قد لا تستطيع فعل ذلك كلياً بمفردها، فقد تتحكم في بعض المصروفات ولكن الغالبية العظمى من النفقات تحتاج لتعاون الأبناء معها، فكم الاستهلاك العام لأي أسرة غالباً ما يحتكره الأبناء بالاحتياجات والرغبات التي لا تنتهي، فالأبناء على الأغلب عناصر استهلاكية لا سيما إن كان نمط التربية في الأسرة داعماً للسلوك الاستهلاكي، ولكي تتمكن من تحقيق إدارة مالية منضبطة لابد وأن تضمن تكاتف الأسرة ككل، وهذا يتطلب منها تقييم سلوك الأبناء المالي، فإن كان هناك اتزان ومرونة ووسطية في نفقاتهم فسيكون ذلك عنصراً داعماً لها على تقليل حجم الإنفاق في الأسرة، بل ومعاونتهم للأم في الاستفادة من الموارد المتاحة بشكل يضمن سرعة تخطي الأزمة المالية، أما في حال دعمت التنشئة الاجتماعية للأبناء سلوك الإسراف والتبذير أو كان لديها من يتسم بالأنانية أو التدليل المفرط فستكون الأرملة في حاجة إلى إعادة تأهيل الأبناء وتشكيل سلوكيات جديدة لديهم ترتبط بالوضع الحالي، وبحكم العمل في هذا الحقل فنحن نرى أنها عملية في غاية الصعوبة وتستلزم وقتاً طويلاً حتى تستطيع الأم إعادة تشكيل السلوك المالي لأبنائها وذلك لارتباط الأمر بالتنشئة الاجتماعية منذ الصغر، كما تتطلب تضافر جهود المؤسسات التي ينتمي إليها الابناء كالعائلة والمدرسة والنادي … إلخ، فبتعاون الجميع وبخطة متكاملة يمكن إعادة الأمور إلى نصابها.
وتسعى مؤسسة الشارقة للتمكين الاجتماعي – باعتبارها شريكاً فاعلاً في تنشئة الأبناء – إلى معاونة الأم في الوصول إلى الإدارة المالية المنضبطة للأسرة ككل، حيث تخصص دورات وبرامج تأهيلية لها وللأبناء في مجال التربية المالية، وذلك بالتركيز على غرس قيم الذكاء المالي في النفوس، تنمية ثقافة الادخار، والوعي بالفرق بين الاحتياجات والرغبات، وكيفية إعداد ميزانية مالية فردية، هذا بالإضافة إلى الدورات المتخصصة في كيفية الاستثمار بوعي ودورات توعوية تتعلق بالحفاظ على موارد الأسرة عموماً سواء كانت مادية أو عينية، فضلاً عن برامج الإرشاد التوعوي للحد من ظاهرة الاقتراض والاستدانة.
وفي إطار سعي المؤسسة إلى تنمية الحرية المالية فإنها تعمل على توفير برامج التدريب الفعلي في الجهات المختلفة لأبنائها الأيتام وهو ما يضمن اعتماد الابن على نفسه وإكسابه الخبرات التي تمكنه من إدارة الشؤون المالية للأسرة بوعي وتخفيف العبء المالي عن كاهلها.
الجهود المجتمعية
يجدر بنا هنا الإشارة إلى أن الأرملة في العالم أجمع برغم تعرضها لكبوة اقتصادية إلا أن العوامل المجتمعية لها دور كبير في التخفيف أو التعميق من تلك الكبوة، فالعوامل الاقتصادية والتشريعات المنظمة لحقوق الأسرة والمؤسسات الخدمية إذا كانت فاعلة بحق يمكنها أن تتقاسم مع الأرملة تلك المحنة فتخفف من آثارها للحد الذي يمكن أن تتلاشى فيه الأزمة. وللتدليل على ذلك يمكننا عقد مقارنة ما بين دولة الإمارات وغيرها من الدول العربية حيث نجد أن بها من المؤسسات ما يقف حليفاً رئيساً للأرملة في محنتها، فعلى مستوى الأسر المواطنة فإن الدور الذي تقوم به شؤون القصّر ومحكمة الأسرة والشؤون الاجتماعية… وغيرها من المؤسسات التي تعنى بحقوق اليتيم والارملة هو دور كبير حيث يتم من خلالها سد النقص أو الفراغ المالي الذي ينشأ بفعل وفاة المعيل الرئيسي، وعلى مستوى كل الأسر المتوفى عائلها سواء كانت أسرة مواطنة أم مقيمة فإننا نجد الكثير والكثير من المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية والخيرية والتي جميعها تسعى جاهدة لتوفير الدعم المادي المناسب لتلك الأسر، وبالفعل تنجح في ذلك إلى حد بعيد، وليس أدل على ذلك من بقاء الأسر المقيمة المتوفى عنها عائلها في دولة الإمارات وعدم نزوح الغالبية العظمى منهم إلى بلاده مرة أخرى برغم المعاناة التي تلقاها فيما يتعلق بتكاليف وإجراءات الإقامة بالدولة لها ولأبنائها. وبحكم الخبرة في العمل مع الأرامل ومن خلال المسح الشامل التي تجريه المؤسسة على الأسر المقيمة والمنتسبة لها فإن أول ما تذكره الأرملة من أسباب أبقتها على أرض الدولة دون الرجوع لبلادها هو الدعم المادي الذي تتلقاه بالدولة والذي قد لا يتوفر لها ببلادها هذا فضلاً عن الأمن والأمان والطمأنينة التي تشعر بها هنا.
ملخص
- إن ما تعانيه الأم الأرملة لا يقتصر على السنة الأولى فقط بل هي رحلة طويلة من الألم والبطولة والتي تحتاج لأن نفرد لها مساحة كبيرة من البحث، بطول عدد سنوات ترملها وبعرض كم المسؤوليات التي تتحملها خلال تلك السنوات، فوفاة الأب حادث جلل ومتفرد فيما يخلفه من آثار.
- تعد الديون والقروض وبالاً على الأسر المتوفى عنها عائلها، لقد عايشنا في المؤسسة العديد من الأسر التي اضطرت إلى إعادة جدولة القروض البنكية أكثر من مرة لتدخل في حلقة مفرغة من الاستدانة والجدولة، وقد رأينا عدداً من الأمهات اللواتي تعرضن لقضايا وصلت لحد الحبس بسبب القروض.
- تقف دولة الإمارات بمؤسساتها حليفاً رئيساً للأرملة في محنتها سواء كنت مواطنة أو مقيمة.
- لا تستطيع الأرملة خفض كافة المصروفات بوعي دون تعاون الأبناء معها، فكم الاستهلاك العام لأي أسرة غالباً ما يحتكره الأبناء بالاحتياجات والرغبات التي لا تنتهي، وهم على الأغلب عناصر استهلاكية لا سيما إن كان نمط التربية في الأسرة داعماً للسلوك الاستهلاكي.