أوضح الباحث «بينروز» وجود علاقة في نسبة حدوث متلازمة داون مع زيادة عمر الأم ووجد أن نسبة 75% من الأطفال المصابين ولدوا من أمهات أعمارهن تزيد عن الثلاثين عاماً ولا علاقة للوراثة بها
يمكن تشخيص إصابة الجنين بمتلازمة داون بعمل فحص للسائل الأمينوسي في الشهر الرابع من الحمل، وعند التأكد من ذلك يجب تدارس الاجراءات اللازمة، وبعد الولادة فإن من واجب الإختصاصيين أن يشرحوا للأهل حالة طفلهم وأبعادها
الاطفال من ذوي متلازمة داون لديهم بطء في التعلم والإستجابة والإرتكاس مع تأخر في النطق، ويعود ذلك إلى بطء نقل المعلومات إلى الدماغ مع وجود ضعف في توصيل الأوامر إليه
سمي الأطفال الذين لديهم «عرض داون» بهذا الاسم نسبة إلى مكتشف هذا العرض الدكتور جون داون المولود في انكلترا عام 1828 من أصل ايرلندي وكانوا يسمون خطأ بـ (الأطفال المنغوليين) وهو اسم غير مستحب بسبب نكهته العنصرية وحيث أن ملامحهم تشبه ملامح الآسيويين المقيمين في منغوليا وما يجاورها من حيث شكل العينين والأنف المفلطح وسوف نذكر ذلك بالتفصيل فيما بعد.
يعود اكتشاف هذا العرض إلى عام 1866 حين وجد الدكتور داون أثناء عمله في مركز متخصص للأشخاص ذوي الإعاقة العقلية عقلياً نسبة من الأشخاص المتشابهين في أكثر من صفة ولهم مظهر (الإنسان المنغولي) وقد تركزت الدراسات التي قام بها الباحث «لجيون» عام 1959 حول معرفة تركيب الخلايا عند الأطفال المصابين وأسرهم فتبين وجود كروموزوم زائد في خلية الطفل المصاب ما جعل العدد الكلي 47 بدلاً من 46 وهذا الكروموزوم يحمل المورثات أو ما يسمى بالجينات وهو المسؤول عن جميع حالات التشابه بحيث يخيل لمن يراهم بأنهم من أسرة واحدة.. وفي عام 1866 قام العالم الإنكليزي جون داون بدراسة حالات اضطراب الكروموزومات وتوصل إلى اكتشاف الكروموزوم الزائد رقم 21.
لقد أثبتت الدراسات التي أجريت مؤخراً أنه من 20 ـ 25% من الحالات يكون الكروموزوم الزائد آت من الأب وقد أطلق العلماء على حالة اختلال الكروموزومات هذه مسمى متلازمة داون وهي ليست وراثية بمعنى أنها تنتقل من جيل إلى آخر بالعائلة بل تنجم عن خلل يصيب المادة الوراثية كما أن نسبة حدوثها بين أطفال الأقارب وأولاد العم لم تختلف عن تلك التي أصابت العائلات الاخرى التي لم تتبع سياسة زواج الاقارب، وفي عام 1930 أوضح الباحث بينروز العلاقة في نسبة حدوثها مع زيادة عمر الأم ووجد أن نسبة 75% من الأطفال المصابين ولدوا من أمهات أعمارهن تزيد عن الثلاثين عاماً، بالرغم من أن غالبيتهن قد أنجبن أطفالاً سليمي الجسم والعقل في السابق.
كما تبين في إحصائية قامت بها إنكلترا وجود طفل مصاب من أصل عشرة الآف طفل لأمهات أعمارهن دون الخامسة والعشرين، في حين يولد طفل مصاب من أصل خمسين مولوداً لأمهات أعمارهن فوق الأربعين، ولم تؤكد الدراسات أن قصر المدة أو طولها بين الولادات المتكررة قبل ولادة الطفل المصاب لها أي أثر يذكر.
المظاهر المميزة لمتلازمة داون
تلخص هذه المظاهر بأنها مظاهر جسمية وعقلية وشخصية وهي مميزة إلى درجة أن التشخيص يمكن أن يكون بعد الولادة مباشرة بالنسبة للمظاهر الجسمية، أما العقلية والشخصية فيحتاج ظهورها إلى فترة زمنية بعد الولادة. وأثناء التشخيص يجب الإعتماد على جميع المظاهر مجتمعة لأنه في كثير من الأحيان قد يوجد بعض منها لدى الأطفال غير المعاقين.
- المظاهر الجسمية
الرأس أصغر من الطبيعي، عظامه منبسطة من الناحية الخلفية، مع وجود تأخر في عظم اليافوخ وزيادة في مساحته، الجمجمة حجمها صغير وهذا يؤدي إلى اضطربات سمعية لأن مساحة الأذن الداخلية والوسطى أصغر من الطبيعي، الوجه يبدو بشكل مفلطح والخدان منتفخان، والأنف غائر وصغير، الشعر ناعم وخفيف، العينان منحرفتان للأعلى والخارج مع صغر في فتحتيهما لوجود الزوائد اللحمية في الزوايا الداخلية، وقد تظهر حول في العينيين نتيجة لضعف في عضلاتهما القزحية لطاخات تسمى لطاخات براشفيليد، تبدو كحبات مائلة إلى البياض حول إطار القزحية، هذه البقع تظهر بشكل واضح لدى الأطفال ذوي العيون الزرقاء، وتقدر نسبة وجودها بـ 30 ـ 70% من الأطفال الذين لديهم هذا العرض.الفم مفتوح غالبا وتجويفه والشفتان أصغر من الطبيعي، سقف تجويف الفم مسطح مع وجود قوس أو شق في منتصفه. يبرز اللسان نحو الخارج بسبب صغر تجويف الفم ويتدلى نتيجة ضعف وتراخٍ في عضلاته مع ظهور تشققات عليه، يتأخر ظهور الأسنان، وتكون عديمة الإنتظام في مواقعها. عضلات الفك صلبة، بحيث لا تستطيع المضغ بشكل جيد لذا يصعب عليهم تناول الأطعمة الصلبة، والأذن غالباً ما تكون صغيرة وتفتقر إلى غضروف متكامل، وتكون ملتصقة بالرأس مع صغر حجم شحمة الأذن وغيابها في أغلب الاحيان.العنق قصير مع وجود بعض النتوءات على الجلد تختفي مع مرور الوقت والأكتاف مدورة، ويتعرض أصحاب هذه المتلازمة لاضطرابات صحية متعلقة بالأنف والجهاز التنفسي وعسر في البلع، كما أن الضلع الثاني عشر في الصدر قد يكون غائباً ويعاني البعض منهم من خلع في فقرتين وهذا يؤدي إلى ليونة تنتج عنها اضطربات في المشي والحركة مع فقدان التوازن.تكون عظام الحوض صغيرة وغير كاملة التكوين، أحياناً وقد نجد خلعاً في الحوض، وتكون وضعية الجلوس عندهم ضعيفة يمكن تقويتها بالتمارين الطبية، والأطراف الأربعة قصيرة فاليدان قصيرتان وعريضتان وممتلئتان والأصابع قصيرة.الإصبع الصغير ينحني نحو الداخل غالباً ويوجد أصبع واحد عريض في راحة اليد مع وجود مساحة تزيد عن الحد الطبيعي بين الأصبع الأول والثاني.الفخذ قد يكون بوضعية خلع خلقي، والقدمان ممتلئتان وشكلهما مسطح، الأصابع قصيرة مع وجود مسافة تزيد عن الحد الطبيعي بين الإصبع الأول والثاني، ويظهر أحياناً خط طولي يمر من الإصبع إلى بقية الأصابع، الوزن أقل من الطبيعي، التوازن الكيمائي غير مستقر بسبب عدم التوازن في الهرمونات والأنزيمات والمعادن، المناعة ضعيفة لذلك يزداد تعرضهم للأمراض القلبية 30 ـ 40، عدم انتظام ضربات القلب، ضعف في الجهاز الدوراني، الإصابة بسرطان الدم أحياناً، قد يعاني بعضهم من حالات تشنج عامة بسبب ضعف العضلات في المعدة ويتعرضون للقيء ويقل ذلك مع تقدم العمر.
ويتعرض الأطفال من ذوي متلازمة داون إلى حالات الاسهال نتيجة ضعف العضلات، وتظهر عليهم علامات الشيخوخة بشكل مبكر، وهم معرضون لإمكانية الإصابة بالصرع في سن الخمسين، أما نسبة الخصوبة لدى الجنسين فهي أقل من الطبيعي فجهاز التناسل الذكري أصغر من الطبيعي وقد يتأخر نزول الخصية كما تتأخر مظاهر البلوغ والنضوج عند الفتيات اللواتي يمكن أن يحملن ويلدن بنسبة 32% من أولئك غير المعاقين.
- المظاهر العقلية
القدرات العقلية تتأثر نتيجة لوجود خلل كروموزومي، لذا نجد درجات من الإعاقة العقلية تتفاوت ما بين الإعاقة الشديدة والمتوسطة والبسيطة، ويكون الذكاء عادة أقل من الطبيعي، ونجد تفاوتاً كبيراً في درجاته، والأطفال ممن لديهم متلازمة داون يتسمون ببطء التعلم والإستجابة والإرتكاس مع تأخر في النطق، ويعود ذلك إلى بطء نقل المعلومات إلى الدماغ مع وجود ضعف في توصيل الأوامر إليه. - المظاهر الشخصية
تؤكد الدراسات عدم وجود نمط واحد لشخصيتهم ومزاجيتهم، وتؤثر البيئة على مزاجهم وشخصيتهم، طبعهم هادىء، بكاؤهم ضعيف وقصير، نتيجة احتكاكهم مع أفراد أسرتهم وإحاطتهم بعناية ومحبة وعطف، تظهر لديهم مع بدء تعليمهم وإرشادهم في المراحل المبكرة مظاهر الإستجابة فيبدون منبهين مع حبهم للفضول والإستكشاف.قد يظهر شكل من أشكال الفساد لدى المراهقين منهم، وهذا يعود إلى عدم مشاركتهم في الحياة العائلية، وقد تظهر لدى بعضهم اضطرابات في الشخصية كالعدوانية والإندفاع والتهيج بسبب خلل في تربيتهم.وبشكل عام فإن الأطفال الذين لديهم متلازمة داون لطفاء، منفتحون، يستمتعون بتسلية الآخرين وتقليدهم، لغتهم المحكية مختلفة كثيراً عن إدراكهم اللغوي، يتميزون بتمثيلهم المسرحي، يشجعون ويساعدون الأطفال الآخرين على المشاركة، ويتميزون بحبهم للسباحة والرقص وركوب الخيل.
التشخيص
أثبتت الدراسات إمكانية اكتشاف هذه الحالة أثناء فترة الحمل وذلك عن طريق أخذ عينة من السائل الامينوسي المحيط بالجنين في رحم الأم، وبواسطة اختبار مزرعة الخلايا تظهر ملامح الكروموزوم لحظة انقسام الخلايا، وعندها يمكن معرفة وجود خلل واضطرابات في الكروموزومات منذ اللحظة التي يتصل بها الحيوان المنوي مع البويضة لتشكيل خلية جديدة، أما الخلل الذي يحصل في طريقة اتحاد الكروموزومات وانقسامها فتنجم عنه الأنواع التالية:
- الداون التقليدي: حيث نجد في بعض خلايا الطفل كرموزوماً زائداً أي 47 بدلا من 46 وهذا النوع يمثل 90 ـ 95% من الحالات.
- الموزاييك: ونجد فيه بعضاً من خلايا الطفل سليمة أي تحمل 46 كروموزماً وبعضها الآخر يحمل 47 كروموزوماً وهذا النوع يمثل 2 ـ 5% من الحالات.
- الزائد الكروموزمي: ونجد فيه جزءاً إضافياً ملتصقاً بالكروموزوم الأصلي، ويمثل هذا النوع 2 إلى 5% من الحالات.
الرعاية
الإصابة بتناذر داون قد تكون ضعيفة، متوسطة، أو شديدة، والبعض منهم لا يتعلم الكلام، وبعضهم الآخر يتعلم الكلام ويحب العديد منهم تعلم القراءة والكتابة فيتمتعون بسلوك طيب ومعشر لطيف مع من يتعامل معهم بشكل صحيح، ويمكن أن يتعلموا مهناً يحتاج أداؤها إلى عملية التكرار، وباعتبار مستوى التطور العقلي والجسدي فهم بحاجة إلى بذل جهد أكبر منذ الطفولة، من أجل تطور قابلياتهم الجسدية والعقلية.
البعض منهم قادر على الذهاب إلى المدرسة لكن يبقى على المعلم والطلاب أن يتعاملوا معهم بشكل خاص من أجل الإهتمام بهم ورعايتهم، ومن أجل هذا يتوجب علينا:
- حمايتهم من الأمراض المعدية: ويتم ذلك بالإرضاع الطبيعي، والبدء من الشهر الخامس بإعطائهم أنواعاً أخرى من الطعام إلى جانب إعطائهم كل اللقاحات.
- تصحيح التشوهات: ويتم ذلك بالأحذية الخاصة من أجل معالجة أصبع القدم الكبيرة البارزة، وكذلك أحذية من أجل القدم المسطحة.
- تطوير قابلياتهم العقلية: وهذا يتطلب جهداً كبيراً ومستمراً ودؤوباً.
الوقاية
وتتم بفحص السائل الأمينوسي في الشهر الرابع من الحمل، وإذا تأكد التشخيص يجب تدارس الإجراءات اللازمة، وبعد ولادة طفل بتناذر داون فإن من واجب الإختصاصيين أن يشرحوا للأهل حالة طفلهم وأبعادها واحتمالات الإعاقة العقلية وأن يوضحوا لهم معنى مثل هذه الحالة، وكذلك ينصح الأهل بالتوقف عن الإنجاب خاصة أنهم لم يدركوا بعد الجهد المطلوب في رعاية هؤلاء الأطفال.
وحتى يومنا هذا لا يوجد علاج طبي لمتلازمة داون سوى تقديم برامج التوعية والإرشاد والنصائح إلى جانب الدعم المستمر للأسر من أجل أن تلعب دوراً فعالاً في خدمة هؤلاء الأطفال فتؤمن لهم الراحة والطمأنينة، لاسيما أن العمر الإفتراضي لهم يتراوح بين 30 ـ 40 سنة، مع العلم أن مراكز التأهيل المهني بدأت بالتزايد يوماً بعد يوم وتلعب دوراً فعالاً وايجابياً في تأهيل وإدماج الأطفال ممن لديهم متلازمة داون من أجل أن يصبحوا مواطنين قادرين على خدمة بلدهم حسب قدراتهم ومؤهلاتهم.