إعداد: د/ سامية محمد صالح
مظاهر النمو خلال مرحلة الطفولة المبكرة
النمو الجسمي:
يشمل النمو الجسمي: الزيادة في الوزن والطول، والتغير الذي يحدث في نمو الأسنان والهيكل العظمي والعضلات.
بالنسبة للتسنين، فخلال مرحلة الطفولة المبكرة يكتمل نمو الأسنان المؤقتة، ويصبح الطفل قادراً على تناول الطعام، وفي نهاية هذه المرحلة أي في عمر السادسة تقريباً، تبدأ الأسنان المؤقتة بالسقوط لتظهر بعدها الأسنان الدائمة، حيث تسقط تباعاً وحسب ظهورها، كما يظهر في عمر السادسة واحد أو اثنان من الأسنان الدائمة. وبذلك يصبح الفك السفلي ظاهراً بشكل جيد، والفك العلوي أعرض من الفك السفلي، ويصبح الوجه أكبر، وتظهر تقاطيعه أوضح مع نهاية هذه المرحلة.
النمو العقلي :
تعتبر هذه المرحلة جزءاً من مرحلة ما قبل العمليات التي تحدث عنها “جان بياجيه”، ففيها يمكن تنمية القدرات العامة وبعض القدرات الخاصة، مثل اللغة وحل المشكلة وتنمية الإدراك والتذكر، وبهذا نساعد الطفل في إدراكه لصورة العالم، إذ يتصوره بشكل أوسع وأعمق مما كان يتصوره الطفل الرضيع.
وفي هذه المرحلة يكثر التساؤل حتى أن البعض أطلق عليها مرحلة السؤال لكثرة أسئلة الأطفال في هذه المرحلة، وهذه الأسئلة تكون نابعة من إحساسهم بوجود مشكلة يعانون منها نتيجة تفكيرهم بما يحيط بهم، وأسئلتهم أحيانا تكون مملة وسخيفة ومحرجة، ومهما كان الأمر فيجب على الآباء أن يجيبوا عن تلك الأسئلة أياً كانت كي نسهل عليهم بعض العمليات العقلية الناجمة عن التفكير.
ويجب علينا ألا نحبطهم نتيجة تكرار الأسئلة فهذا شيء طبيعي، ويتكرر على لسانهم دون ملل ما يلي: ماذا؟ من؟ لماذا؟ أين؟ متى؟ كيف؟ وغيرها، وتشكل أسئلة الطفل ما بين 10-15 % من حديثه.
كما أن للأسئلة وإجابتها الدور الهام في نمو خبرات الأطفال فهم تواقون أيضاً إلى معرفة كل ما يدور حولهم من خلال حب الاستطلاع، فهم لا يتركون شيئاً مغلقاً إلا ويفتحونه، ولا شيئاً مجهولاً إلا ويفحصونه، وعلينا ألا نمنعهم من الوصول إلى ما يريدون، بل نوجههم للوصول إلى ذلك دون القيام بالإتلاف أو التخريب للأشياء التي يتفحصونها، وتساعدهم اللغة أحياناً في التعبير عن رغبتهم في استطلاع الأمر مما يؤدي إلى كثرة الأسئلة.
النمو الانفعالي:
يعتبر النمو الانفعالي الوجه الرئيسي للسلوك الإنساني، وأحد الأسس التي تعمل في بناء الشخصية السوية، ويشمل مفهوم الانفعال جميع الحالات الوجدانية بصورها المختلفة من حب وفرح وحزن وغضب وخوف وغيرها.
والانفعال تغير مفاجئ يشمل الفرد نفسياً وجسمياً ويؤثر في سلوكه الخارجي وفي إحساسه الداخلي، ويصاحب الانفعال عادة تغيرات فسيولوجية عدة منها تغير في ضربات القلب وازدياد في ضغط الدم واضطراب في التنفس.
يبدو على طفل هذه المرحلة نشاط انفعالي متزايد يبلغ قمته في نهاية السنة الثالثة والرابعة من عمره خاصة في حالات غضبه وخوفه وحنانه وغيرته ويطلق على هذه المرحلة ب الطفولة الثائرة الهائمة نظراً لما تبدو عليه من انفعالات شديدة، وتتميز انفعالاته في هذه المرحلة بما يلي:
- التنوع: لدى طفل هذه المرحلة أنواع شتى من الانفعالات، فلديه الخوف والغضب والفرح والحزن ولديه الشماتة والغيرة، وكل هذه تكون متمايزة عن بعضها البعض.
- التقلب: فالطفل ينتقل سريعاً من حالة البكاء إلى الفرح، ومن الحزن إلى الارتياح ومن النشاط الجسمي إلى الخمول ومن الكلام المتواصل إلى الصمت العميق.
ويلاحظ على الطفل الابتسامة العريضة، أو الضحكات الصارخة في الوقت الذي تكون الدموع تسيل فوق خديه، فالطفل الباكي عندما يشاهد تغير منظر أمامه مثل انتعال أخته الصغيرة لحذاءٍ كبير فإنه يضحك لبرهة ثم يعود إلى البكاء، وسرعان ما يعود إلى الضحك مرة أخرى لحدوث أي تغير في بيئته، ولكنه لن يتوانى عن العودة إلى البكاء مرة ثالثة لحدوث تغير في محيطه وهكذا…
- انفعالات الطفل قصيرة المدى: لا تدوم طويلاً لسرعة تقلبه بين انفعال وآخر، وفي حال نقل انتباه الطفل أو تفكيره إلى موضوع جديد فإنه يتخلى عن انفعاله السابق ويبدأ نشاطه مع الحدث الجديد، فتغيير موضوع الانفعال، وعرض موضوع جديد يسهم في تخلي الطفل عن انفعاله السابق.
- التطرف في الشدة والحدة: يبالغ الطفل في غضبه إذا غضب وفي حبه إذا أحب ولا يعرف الاعتدال في ذلك.
- شفافية انفعالات الطفل: فتعبيرات وجهه ومظهر جسمه يكشفون عما يدور في خلده فيما إذا كان معتدياً أو مُعتدىً عليه، ومظهر الحزن يظهر بشكل واضح على قسمات وجهه حال الاعتداء إذا كان عمره ثلاث سنوات.
النمو الاجتماعي:
يرتبط الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة ارتباطاً وثيقاً بأمه لأنها هي التي تشبع حاجاته، وكلما تقدم في سنوات طفولته يتناقص اعتماده على سواه تدريجياً ويزداد استقلاله الاجتماعي حتى يتكامل نضجه الاجتماعي، ويتجلى تطور الطفل الاجتماعي في سنته الثالثة عندما تكتمل السيطرة على المشي، والتواصل مع الأفراد كلما أراد، وتكتمل لغته التي تساعده على التعبير عما يشعر به أثناء ذهابه وإيابه ولعبه وجلوسه وغير ذلك، ويتصف سلوك الطفل الاجتماعي في مرحلة الطفولة المبكرة بالعناد وفرض السيطرة وحب العصيان، ويتميز نموه الاجتماعي بميله نحو المنافسة، ويتجه نحو الاستقلال في تنظيم أموره وحفظ أدواته وارتداء ملابسه وتناول طعامه، وما أن يصل إلى نهاية السنة الخامسة من عمره إلا ويكون قد أتقن هذه الجوانب.
يرى بياجيه أن الطفل بين الثالثة والخامسة يتصف بمركزية الذات وبالأنانية، فهو يهمه نفسه ويفسر الأحداث من وجهة نظره الخاصة، ويساعده النمو اللغوي في التحرر من مركزية الذات ويبدأ التعرف على آراء الآخرين، وفي اكتساب السلوك الاجتماعي الذي يساعده على الاندماج ضمن الجماعة فيقلل الطفل من اللعب الانفرادي، ويميل إلى اللعب مع الجماعة (جلال 1985). فالأسرة هي المكان الأول الذي تبدأ فيه معالم التنشئة الاجتماعية للطفل وترجع أهمية الأسرة في تنشئة الأبناء إلى ما يلي:
أولاً: الأسرة هي المكان الأول الذي يبدأ فيه الطفل الاتصال الاجتماعي مع بداية سنوات هذه المرحلة والذي ينعكس على عمره الاجتماعي فيما بعد.
ثانياً: تتحدد القيم والاتجاهات والعادات المرغوبة التي يتعلمها الطفل من خلال الوالدين، وتتأثر تلك بشخصية الوالدين والمستوى الاجتماعي للأسرة وجنس الابن وغيرها.
ثالثاً: الأسرة هي المكان الوحيد الذي يزود الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة ببذور العواطف والاتجاهات اللازمة للحياة في المجتمع.
رابعاً: تأثير الأسرة على أطفال هذه المرحلة أكبر من بقية المؤسسات التي تسهم في تربية الطفل مثل مدارس الرياض ووسائل الإعلام والرفاق وغيرهم.
خامساً: التفاعل بين الطفل والأسرة في هذه المرحلة يكون مكثفاً ومستمراً أكثر من تفاعله مع بقية المؤسسات.
سادساً: الأسرة هي الجهة المرجعية التي يعتمد عليها الطفل في مختلف شؤون حياته، والوالدان يملكان أفكاراً وآمالاً عن الخصائص الاجتماعية التي يرغبان في تحقيقها عند أطفالهم، وهناك أساليب سلبية يتجنبون تطبيقها وأساليب إيجابية يسعون إلى تحقيقها.
وفي هذه المرحلة تستمر عملية التنشئة الاجتماعية وتزداد المشاركة الاجتماعية، وابتداءً من العالم الثالث يزداد التفاعل الاجتماعي، ويتعلم المعايير الاجتماعية التي تبرز الدور الاجتماعي.
النمو اللغوي:
تعتبر هذه المرحلة من أسرع مراحل النمو اللغوي لدى الطفل تحصيلاً وتعبيراً وفهماً، وللنمو اللغوي قيمة كبيرة في التعبير عن الذات والتوافق الاجتماعي والنمو العقلي، ويميل التعبير اللغوي نحو الوضوح ودقة التعبير والفهم، ويستطيع الطفل التعبير عن حاجاته وخبراته.
واللغة هي نتاج للنمو العقلي ودليل عليه، فكلما نما الطفل عقلياً نجد أن فهمه للكلمات يتغير بصورة ملحوظة تبعاً للاختلاف بين الأشياء التي يدركها، وتعتبر اللغة مظهراً من مظاهر نمو القدرات العقلية العامة، والكلام مؤشر على النمو العقلي، فالطفل الذي يتكلم أولاً يكون أذكى من الطفل الذي في عمره ويتأخر كلامه، ويرتبط التأخر اللغوي الشديد بالضعف العقلي، فقدرة الطفل على استخدام اللغة بصورة صحيحة عادة تشير إلى عمق الفهم والإدراك لديه.
يتأثر النمو اللغوي باختلاط الأطفال بالراشدين، وبتوفر وسائل الإعلام المتعددة، وبالجنس، فالبنات يتكلمن في هذه المرحلة أسرع من البنين ويمتلكن مفردات أكثر، وأحسن نطقاً، وأكثر تساؤلاً منهم، ويساعد الحب والحنان في النمو اللغوي السوي، كما يؤثر الجو الثقافي في الأسرة بنمو لغة الأطفال، وتسرع العلاقة السوية بين الطفل وأمه في نموه اللغوي، كما تؤثر سلامة جهاز الكلام وكفاءة الحواس على النمو اللغوي السوي، والحكايات والقصص تزيد من مفردات الأطفال خاصة الأذكياء منهم، ويلاحظ بأن هناك فرقاً كبيراً بين النمو اللغوي في بداية هذه المرحلة، وبين نهايتها .
يتبع في العدد القادم عن النظريات (نظرية التفتح الطبيعي للطفل ، التعلم من خلال الحواس ، النظرية السلوكية ، نظرية التعلم الاجتماعي)
المرجع:
- كتاب – سيكولوجية الطفولة المبكرة ، نحو الاستثمار الأمثل في تربية الطفولة المبكرة ، الدكتور – محمد محمود بني يونس ، دكتوراه الفلسفة في علم النفس -علم النفس الفسيولوجي ، كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية- قسم علم النفس، الجامعة الأردنية ، دار الثقافة للنشر والتوزيع 2005، ص 16 وص 17 ، مكتبة مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ، رقم الورود:7706 ، تاريخ الورود: السبت 11-2-2006
د. سامية محمد صالح
- بكالوريوس – علم نفس ورياض أطفال
- ماجستير – في علم النفس (ذوي الإعاقة) بحث بعنوان فعالية التعزيز وتكلفة الاستجابة في خفض السلوك
- العدواني لدي الأشخاص من ذوي الإعاقة الذهنية
- دكتوراه -في علم النفس (ذوي الإعاقة) بحث بعنوان فعالية برنامج ارشاد جمعي في تخفيف الضغوطات النفسية لأمهات الأطفال من ذوي متلازمة داون
- من أكتوبر 2015 الى تاريخه مديرة مدرسة الوفاء لتنمية القدرات.
- 2007م – سبتمبر 2015 مشرفة تربوية أولي.
- 2005م -2007 مشرفة تربوية.
- 2003م-2005 أخصائية تعديل سلوك
- 1999 – 2003 معلمة تربية خاصة مدرسة الوفاء التابعة لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- مشرفة تربوية للإعاقات الشديدة والمتعددة (فترة مسائية)
- اخصائي نفسي معتمد للقيام بالتشخيص للأشخاص من ذوي الإعاقة.
- مدرب معتمد في برامج الدمج
- عضو لجنة المقابلات والتوظيف بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- عضو الفريق البحثي بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- عضو اللجنة العلمية لمؤتمر خارج المتاهة.
- رئس مجلس الاختصاصين النفسيين والمشرفين التربويين
- المشرف الفني عن برنامج العلاج بالموسيقى بمدينة الشارقة للخدمات الانسانية.