إعداد: د/ سامية محمد صالح
أولاً: نظرية، التفتح الطبيعي للطفل
رائد هذه النظرية هو مؤسس رياض الأطفال “فريدريك فروبل” الذي كان يؤمن بأن الطفل كالزهرة ((تتفتح)) (unfolds)عندما يحين الوقت المناسب وليس قبل ذلك، أي أن القوى الداخلية (النضج) هي التي تحدد معدل وتوقيت التعلم، فالطفل يتعلم في الوقت المناسب وفق ما تمليه طبيعة نموه والقدرة التي وضعها الله فيه، ويقول “فروبل” في كتابه ((تربية الإنسان)) (The Education of Man 1893):
((نحن نمنح الوقت والمكان للنباتات والحيوانات الصغيرة لأننا نعرف أنها، بفضل القوانين الكامنة فيها، ستنمو وتكبر بطريقة جيدة، وأي تدخل في نموها سيحول دون تفتحها النقي ونموها السليم، أما بالنسبة لصغار الأطفال فإننا ننظر إليهم وكأنهم قطعة من الشمع أو الطين باستطاعة الإنسان أن يشكلها كيفما يشاء)).
وتنسجم فكرة النمو الذاتي التلقائي النابع من الطفل نفسه مع إيمان “فروبل” المطلق بأن التربية يجب أن تكون في انسجام تام مع العالم الطبيعي الذي خلقه الله سبحانه وتعالى، وبدون هذا الانسجام لن يتفتح الطفل ليحقق ذاته وقدراته الكامنة، أما ما تقوم به المدارس التقليدية من إكراه الأطفال على تعلم أشياء تتنافى مع طبيعتهم، فإنه تعليم مصطنع لا يؤدي إلى نمو حقيقي.
ويعتبر “أرنولد جيزيل” واتباعه من مؤيدي نظرية ((التفتح)) الطبيعي في العصر الحديث (morrison.1988)
ثانياً: التعلم من خلال الحواس
صاحب هذه النظرية هو الطبيب الفيلسوف “جون لوك” الذي كان يعتقد أن البيئة والخبرات الحسية التي يمر بها الطفل هي التي تحدد ما سيصبح عليه وليس قدرات الطفل الكامنة بداخله، وقد شبّه عقل الطفل عند الولادة بصحيفة بيضاء تنقش عليها المعرفة من خلال الخبرات، وما الأطفال إلا حصيلة هذه الخبرات.
اعتقد “لوك” وأتباعه، خاصة “ماريا منتسوري”، بأن أفضل وسيلة للاستفادة من الخبرات المتاحة أن يتم تدريب حواس الطفل باعتبارها النوافذ التي تدخل منها المعرفة، وقد كان من تأثير هذه النظرية أن استمر الاهتمام بتنمية حواس الطفل حتى يومنا هذا كما نلاحظه في العديد من برامج رياض الأطفال، والأدوات والمواد التي تصمم خصيصاً لأطفال المرحلة بهدف تدريب الحواس.
ويترتب على هذه النظرية ((الإمبريقية)) أمران بالنسبة لعملية التعلم والتعليم:
- ينظر إلى الطفل على أنه ((مُستقبِل)) فقط للمعرفة الحسية من البيئة وغير مطلوب منه أن يعيد بناء المعرفة عقلياً.
- يتلخص دور المعلمة في توفير الخبرات الحسية لمساعدة الأطفال على تنمية قوى الإدراك الحسي أي أن كل ما يهم في الأمر هو: إلى أي مدى ينمي الطفل حواسه وكيف يستخدمها، لا كيف يعيد بناء وتفسير المعلومات التي تصل إليه من خلال الحواس. وهذا يعني أن المعلمة التي توفر للأطفال خبرات حسية قد أدت وظيفتها بغض النظر عما يفعله الطفل بما يستقبله من معلومات من خلال حواسه، وهكذا تصبح الخبرات الحسية هدفاً في حد ذاتها بدلاً من كونها وسيلة للتفكير والنمو المعرفي.
ثالثا: النظرية السلوكية | التعلم من خلال المثير والاستجابة
يمكن القول بأن النظريات التي تستند إلى أفكار “فروبل” و”جيزل” و”منتسوري” و”بياجيه”، جميعها تقوم على فكرة وجود مراحل عمرية يحدث فيها النضج بشكل منتظم وفي تسلسل وتعاقب زمني يتحكم في عملية التعلم والنمو.
وبالمقارنة، فإن السلوكيين لا يعنيهم الجانب البيولوجي أو النضج المرتبط بمرحلة عمرية معينة بقدر ما يعنيهم النمو الناتج عن التعلم، والتعلم يحدث وفقاً لهذه النظرية نتيجة لتفاعل الطفل مع المثيرات في البيئة واستجابة لها، ويعرف التعلم الذي يتم على هذا النحو بالتعلم (( الاستجابي الشرطي)) (Response) وهناك نوعان من الاستجابة الشرطية:
أولهما : الاستجابة الشرطية الكلاسيكية (Classical Conditioning):
وقد أرسى قواعدها العالم الفسيولوجي الروسي “إيفان بافلوف” من خلال تجاربه مع الكلب. حيث نجح في تحويل استجابة طبيعية غير متعلمة وغير شرطية (Unconditioned) تتمثل في سيل لعاب الكلب لدى رؤيته الطعام، إلى استجابة شرطية (conditioned) بأن كان يقدم اللحم للكلب مقروناً أو متبوعاً بصوت جرس ويكرر هذه العملية عدة مرات إلى أن ينجح في تكوين استجابة شرطية لدى الكلب بحيث يسيل لعابه لمجرد سماع صوت الجرس دون أي وجود لطعام سواءً قبل أو أثناء أو بعد الجرس مباشرة.
ثانيهما: الاشتراط الإجرائي (operant conditioning)
ويعتمد التعلم في ((الاشتراط الإجرائي)) على نتائج السلوك (law of ef) بمعنى أن السلوك يقوى أو يضعف بناءً على نتائجه. فإذا ترتب على سلوك ما الحصول على إثابة مثل الشعور بالسعادة أو الحصول على قطعة حلوى فإن الطفل يميل إلى تكرار ذلك السلوك، أما إذا ترتب عليه الحصول على العقاب أو الألم فإن الاستجابة التلقائية تكون تجنب ذلك السلوك، وقد ارتبط هذا النوع من التعلم باسم “سكنر” وتجاربه مع الفأر والحمام (أبو علام، 1982).
رابعا: نظرية التعلم الاجتماعي:
ظهرت هذه النظرية على يد جماعة من السلوكيين، على رأسهم “باندورا” (Bandura)، عرفوا باسم أصحاب النظرية الاجتماعية في التعلم لتأكيدهم على الدور الذي تلعبه الملاحظة والنماذج أو القدوة والخبرات المتنوعة وعمليات التحكم في السلوك والتأمل الذي يقوم به الطفل في استجابته للمثير، إذ ليس من المعقول أن ينتظر المتعلم كل مرة النتائج التي تسفر عنها تصرفاته ليقرر ما ينبغي أن يفعله أو لا يفعله.
وهناك أربع خطوات في عملية التعلم بالقدوة (النموذج):
- ملاحظة الآخرين
- تذكر السلوك الملاحظ
- استرجاع ما لوحظ
- تعديل السلوك القدوة في ضوء التغذية الراجعة.
وتعتبر عملية التحكم الذاتي في السلوك من أهم الاختلافات بين النظرية السلوكية البحتة وأنصار التعلم الاجتماعي، ففي حين يستجيب الطفل بطريقة تلقائية، آلية للمثير في النظرية الأولى نجده وفقاً لنظرية التعلم الاجتماعي يتأمل المثير ويحلله في ضوء خبراته السابقة ومستوى أدائه المعرفي وقيمة نفسه بالنسبة له قبل أن يستجيب له. (morrison,1988,144)
خامسا: التعلم البنائي (نظرية بياجيه)
بناءً على نظرية “بياجيه” في النمو المعرفي وتفسير تلامذته الذين عملوا معه في تجاربه مع الأطفال لتلك النظرية، فإن نظرية “بياجيه” في البناء (constructivism) تعني بأن كل طفل يبني معرفته الفيزيقية والمنطقية- الرياضية من خلال ما يقوم به من أعمال وتفاعلات مع الأشياء. وتتطلب عملية البناء هذه نشاطاً فعالاً من داخل الطفل نفسه. هذه الأفكار تتعارض مع النظرية الحسية التي ترى أن الطفل يتعلم بشكل أساسي مما يستقبله من معارف عبر حواسه.
وتستمر عملية البناء مدى الحياة من خلال ما يقوم به الفرد من تنظيم وبناء وإعادة بناء لخبراته في ظل أبنية وخطط (schemes) فكرية قائمة ويجري تعديل وإثراء الخطط الفكرية نتيجة للتفاعل مع العالم الفيزيقي والاجتماعي ومن خلال عمليتين أسماهما “بياجيه” استدماج أو تمثل (Assimilation) ومواءمة أو توافق (accommodation)
والطفل من خلال تعامله مع الناس والأشياء من حوله في حالة تعديل دائم للصور الذهنية التي تتكون لديه، فالطفلة التي كانت تطلق اسم ((قطة)) على كل حيوان لديه أربع أرجل، مع ازدياد خبرتها مع الحيوانات المختلفة ونمو قدراتها المعرفية تعيد بناء الصورة الذهنية عن القطط لتشمل فقط الحيوانات الصغيرة ذات الشكل المميز الذي يختلف عن شكل الكلاب وغيرها من الحيوانات ذات الفراء وتمشي على أربع.
ومصادر المعرفة وفقاً للنظرية البنائية (الإنشائية) ثلاثة:
الطفل نفسه – الأشياء – الناس.
فالطفل يبني معرفته عن العالم الطبيعي من خلال تفاعله مع الأشياء ويتعلم من الناس العادات والسلوكيات الاجتماعية (Remii De Vries.1978)
يتبع في العدد القادم مع التعلم من خلال اللعب ، التعلم بالملاحظة والاستنتاج ، وبالاستكشاف
المرجع:
- كتاب – سيكولوجية الطفولة المبكرة ، نحو الاستثمار الأمثل في تربية الطفولة المبكرة ، الدكتور – محمد محمود بني يونس ، دكتوراه الفلسفة في علم النفس -علم النفس الفسيولوجي ، كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية- قسم علم النفس، الجامعة الأردنية ، دار الثقافة للنشر والتوزيع 2005، ص 16 وص 17 ، مكتبة مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ، رقم الورود:7706 ، تاريخ الورود: السبت 11-2-2006
د. سامية محمد صالح
- بكالوريوس – علم نفس ورياض أطفال
- ماجستير – في علم النفس (ذوي الإعاقة) بحث بعنوان فعالية التعزيز وتكلفة الاستجابة في خفض السلوك
- العدواني لدي الأشخاص من ذوي الإعاقة الذهنية
- دكتوراه -في علم النفس (ذوي الإعاقة) بحث بعنوان فعالية برنامج ارشاد جمعي في تخفيف الضغوطات النفسية لأمهات الأطفال من ذوي متلازمة داون
- من أكتوبر 2015 الى تاريخه مديرة مدرسة الوفاء لتنمية القدرات.
- 2007م – سبتمبر 2015 مشرفة تربوية أولي.
- 2005م -2007 مشرفة تربوية.
- 2003م-2005 أخصائية تعديل سلوك
- 1999 – 2003 معلمة تربية خاصة مدرسة الوفاء التابعة لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- مشرفة تربوية للإعاقات الشديدة والمتعددة (فترة مسائية)
- اخصائي نفسي معتمد للقيام بالتشخيص للأشخاص من ذوي الإعاقة.
- مدرب معتمد في برامج الدمج
- عضو لجنة المقابلات والتوظيف بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- عضو الفريق البحثي بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- عضو اللجنة العلمية لمؤتمر خارج المتاهة.
- رئس مجلس الاختصاصين النفسيين والمشرفين التربويين
- المشرف الفني عن برنامج العلاج بالموسيقى بمدينة الشارقة للخدمات الانسانية.