إعداد: د/ سامية محمد صالح
التعلم من خلال اللعب:
عبر التاريخ، منذ عصر أفلاطون، حتى يومنا هذا، هناك إجماع على أهمية اللعب بالنسبة للطفل الصغير كوسيلة للتسلية والتعلم.
حيث رأى أفلاطون في اللعب طريقة لتعليم الأطفال المهارات المطلوبة في أعمالهم عند الرشد. وقال كومينوس في كتابه ((مدرسة الطفولة)) (school of Infancy1657) ((ما دام لعب الأطفال لا يؤذي الآخرين يجب أن نشجعهم عليه بدلاً من نهيهم عنه لأن هذا هو أسلوبهم في التعلم)). أما جون لوك فيقول في كتابه ((آراء في التربية)) (Thoughts Concerning Education , 1693):
((علينا أن نتقبل الأطفال كما هم ونتيح لهم التعلم من خلال نشاطهم الطبيعي ألا وهو اللعب)) . وكذلك فعل الفيلسوف جان جاك روسو حيث أكد على اللعب كوسيلة للتعلم، وسلط الضوء على كمية الحيوية والنشاط والجهد الذي يضعه الطفل في نشاط من اختياره، أما روبرت أرين فقد منع الكتب من مدارس الأطفال وطالب في كتاب تناول سيرته الذاتية (Life of Robort Owen by Himself 1858) بأن يكون التعليم مسلياً ويقبل عليه الصغار بسعادة بدلاً من أن يكون واجباً مفروضاً عليهم وضد رغباتهم، وقدم أمثلة على أنشطة تعلم تتمثل في العديد من الألعاب داخل الفصل وخارجه.
ووصف فريدريك اللعب في كتابه ((تعليم الإنسان)):
((بأنه أنقى وأكثر الأنشطة الإنسانية روحية بالنسبة للصغار وأنه يستحق من المربية الاهتمام الجاد كأفضل الوسائل للتعليم والتعلم)) وقد طبق فروبل نظريته هذه عملياً في روضته حيث ابتكر مجموعة من اللعب والألعاب سماها ((الهدايا)) وكذلك فعلت من بعده ماريا منتسوري.
أما جون ديوى فقد ميز بين ((مجرد نشاط)) والخبرة وقال إن اللعب الذي لا يؤدي إلى النمو لا يعدو كونه مجرد تسلية، أي أن اللعب أو النشاط يجب أن ينطوي على خبرة ويؤدي إلى نمو حتى يكون له مكان في المنهج المدرسي ومع ذلك فإن ديوى كان يرى في اللعب فرصة جيدة لتعليم الأطفال لأنه يتماشى مع ميولهم واهتماماتهم، وإن كان تقسيمه للعب إلى مجرد لعب للتسلية ولعب لاكتساب خبرة تعليمية يثير جدلاً قديماً حول دور اللعب في التعلم والتعليم لم يحسم حتى الآن.
التعلم بالملاحظة والاستنتاج:
لعل أهم ما يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات قدرته على التفكير المنطقي، ففي حين يعتمد الحيوان على الغريزة وعلى الاستجابات المحددة لمثيرات معينة في بيئة محدودة لا يستطيع العيش خارجها، يستطيع الإنسان أن يتكيف مع البيئة التي يعيش فيها، بل أكثر من ذلك فهو يستطيع أن يسيطر عليها ويتحكم بها، وذلك بفضل ما يتمتع به من قدرة على التفكير المنطقي وحل المشكلات وتنظيم المعلومات التي اكتسبها من خلال حواسه وتوصيلها بنمط منظم إلى الآخرين.
باختصار، يستطيع الإنسان أن يحلل ويعالج (process) المعلومات التي يستقيها من خلال حواسه في حين لا يستطيع الحيوان ذلك، هذه القدرة على إجراء عمليات على المعلومات يمكن إرجاعها إلى الدافع العقلي القوي للإنسان لفهم البيئة والعالم من حوله، وهذا يفسر حب الاستطلاع الشديد لدى الأطفال وأسئلتهم الكثيرة ومحاولاتهم المستمرة لفحص ماهية الأشياء ومعرفة مكنوناتها، كما يفسر ظاهرة شعور الفرد بعدم الارتياح تجاه الأشياء أو الأحداث غير المتوقعة التي لا تتطابق مع توقعاته.
والحاجة لفهم العالم ترتبط بالحاجة لتنظيم هذا العالم بشكل يسهل عملية التفاعل معه، فالطفل الصغير يبدأ بتكوين نظام معين لما يعتبره سلوكاً مناسباً أو غير مناسب في تعامله مع الكبار والعالم، فسكب البن مثلاً أو رفع صوت جهاز الراديو والتليفزيون تصرف خاطئ يغضب الكبار لذا ينبغي تجنبه، يتعلم الطفل ذلك من خلال تعزيز الوالدين والكبار للسلوك الإيجابي المرغوب فيه، ولا شك أن مثل هذا التنظيم للعالم يتيح للطفل فرصة التنبؤ بنتائج تصرفاته مما يمكنه، مع الوقت من السيطرة على حياته وسلوكه، ويحتاج الطفل من وقت إلى آخر أن يتأكد من أن تصرفاً ما يترتب عليه نتائج معينة يستطيع أن يعرفها ويدركها مسبقاً، لهذا نجده يميل إلى تكرار نفس الأعمال ويتوقع في كل مرة نفس النتيجة، فإذا جاءت مخالفة لتوقعاته شعر بالقلق وعدم الاستقرار.
فاختلاف النتائج يعني أن النظام الذي وضعه لنفسه قد اختل، فنلاحظ مثلاً أن الطفل لا يمل من وضع زر في عروته ثم إخراجه وإعادة الكرة عشرات المرات. وقد يطلب أحياناً من أحد الوالدين أن يقرأ عليه أو يسرد له قصة للمرة الخامسة أو السادسة في نفس اليوم، ويقوم بالتصحيح إذا حاول أحد أن يضيف أو يغير من أحداث القصة لتتطابق مع ما سمعه في المرات السابقة.
وما يقال عن الأشياء صحيح جداً بالنسبة للأشخاص، فكي يستطيع الطفل أن يفهم الأشخاص الذين يتعامل معهم ويكون قادراً على التنبؤ بما ستغدو عليه رد فعلهم بالنسبة لسلوكه، لابد أن يكونوا متسقين في ردود أفعالهم على تصرفاته وإلا وقع الطفل في حيرة وفقد القدرة على الاستفادة مما يعرفه من معلومات عن مواقفهم وردود أفعالهم.
الملاحظة :
نظراً للسهولة التي نجمع بها الملاحظات (المعلومات) من خلال الحواس يُهيّأ لنا أن الملاحظة سلوك طبيعي لا يحتاج للتنمية، والواقع أن الإنسان يولد ولديه قدرة على الملاحظة، ولكن لابدّ من تنمية هذه القدرة واستغلالها إلى أقصى حد في تنمية مهارات التفكير، وهذا ما تهدف إليه معظم برامج رياض الأطفال، فتعليم صغار الأطفال الملاحظة الجيدة يحسّن قدرتهم على جمع معلومات عن بيئتهم، وهذه خطوة أولى نحو تحليل المعلومات ومعالجتها للتوصل إلى بناء محكم من المعرفة يسهّل عليهم فهم العالم والتفاعل معه، بهذا المنظور يمكن تفسير العلاقة بين المعلومات ذاتها وما ينتج عنها من استنتاجات أو تنبؤات أو تفسيرات بعد إجراء مجموعة عمليات عليها، وكلما كانت المعلومات (الملاحظات) دقيقة كانت الاستنتاجات المبنية أكثر دقة، كما أن إعطاء قيمة كمية للأشياء يزيد من دقتها، فذكر طول الشيء بالمتر مثلاً أدقّ من وصفه بأنه طويل.
الاستنتاج:
يستقي الإنسان معلوماته بطريقتين:
- عن طريق حواسه مباشرة كأن يلاحظ بأن الجو ماطر أو أن الكلب ينبح أو أن ملمس القطيفة ناعم وطعم السكر حلو ورائحة الورد زكية إلخ……
- بطريق غير مباشر كأن يقوم الآخرون بالملاحظة ويسجلوا ملاحظاتهم وننقلها عنهم .
والملاحظة ليست هدفاً بحد ذاتها لكنها مهمة لتزويدنا بالمعلومات، كما أن المعلومات، في كثير من الأحيان، ليست مهمة بحدّ ذاتها لكنها ضرورية لفهم العالم من حولنا من خلال ما نقوم به من عمليات عقلية لنصل إلى استنتاجات بأشكالها المختلفة: التعميمية والتفسيرية والتنبؤية.
يتبع في العدد القادم مع نظرية الاستكشاف
المرجع:
- كتاب – سيكولوجية الطفولة المبكرة ، نحو الاستثمار الأمثل في تربية الطفولة المبكرة ، الدكتور – محمد محمود بني يونس ، دكتوراه الفلسفة في علم النفس -علم النفس الفسيولوجي ، كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية- قسم علم النفس، الجامعة الأردنية ، دار الثقافة للنشر والتوزيع 2005، ص 16 وص 17 ، مكتبة مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ، رقم الورود:7706 ، تاريخ الورود: السبت 11-2-2006
د. سامية محمد صالح
- بكالوريوس – علم نفس ورياض أطفال
- ماجستير – في علم النفس (ذوي الإعاقة) بحث بعنوان فعالية التعزيز وتكلفة الاستجابة في خفض السلوك
- العدواني لدي الأشخاص من ذوي الإعاقة الذهنية
- دكتوراه -في علم النفس (ذوي الإعاقة) بحث بعنوان فعالية برنامج ارشاد جمعي في تخفيف الضغوطات النفسية لأمهات الأطفال من ذوي متلازمة داون
- من أكتوبر 2015 الى تاريخه مديرة مدرسة الوفاء لتنمية القدرات.
- 2007م – سبتمبر 2015 مشرفة تربوية أولي.
- 2005م -2007 مشرفة تربوية.
- 2003م-2005 أخصائية تعديل سلوك
- 1999 – 2003 معلمة تربية خاصة مدرسة الوفاء التابعة لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- مشرفة تربوية للإعاقات الشديدة والمتعددة (فترة مسائية)
- اخصائي نفسي معتمد للقيام بالتشخيص للأشخاص من ذوي الإعاقة.
- مدرب معتمد في برامج الدمج
- عضو لجنة المقابلات والتوظيف بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- عضو الفريق البحثي بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- عضو اللجنة العلمية لمؤتمر خارج المتاهة.
- رئس مجلس الاختصاصين النفسيين والمشرفين التربويين
- المشرف الفني عن برنامج العلاج بالموسيقى بمدينة الشارقة للخدمات الانسانية.