لقد تعاملت مع أكثر من مكان متخصص في تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة وبالأخص ذوي الإعاقة الذهنية، ومن خلال مشاهدات وتأملات ومراقبة عن قرب حول تصرفات هذه الفئة خلال الأنشطة اليومية المتعددة داخل مكان التأهيل.. وأيضاً من خلال تعاملي الشخصي عن قرب مع العديد من ذوي الإعاقة سواء داخل مكان العمل أو خارجه.. ومن خلال الحوار المتبادل بيننا.. ومع استمرار هذه المراقبة والمشاهدة والتأملات شهوراً عديدة.. وجدت أن أغلب الأشخاص ذوي الإعاقة ذهنياً يتمتعون بقدر عال جداً من الفهم.. والقدرة على استيعاب وتحصيل بعض المواد العلمية التي تعطى لهم عن طريق الكمبيوتر بطريقة سهلة.. ومشوقة.. وأكثر إثارة..
والبعض منهم يفوق في أدائه للأشياء أمثالهم من غير ذوي الإعاقة.. وذلك في نواح كثيرة.. وإذا بحثنا عن السبب الحقيقي وراء تقدم هذه الفئة التي قدر لي أن أعمل معها سنجد أن الله عز وجل سخر لهم ومنحهم أسراً مؤمنة بقضاياهم ومتفانية في خدمتهم، وأيضاً فريق العمل من المدرسين والأخصائيين المخلصين والمحبين للعطاء دائماً وبلا حدود ومهما كانت الظروف.. ومع دور الدولة الإيجابي الذي لا يستطيع أحد إنكاره.. فبالأمس كان من لديه ابن ذو إعاقة يتخفى به ويخشى أن يعرف أحد أنه لديه طفل ذي اعاقة..
هذا كان بالأمس.. أما الآن.. والحمد لله.. أصبح لهم حقوق والكل يرغب في مساعدتهم.. كل هذا وغيره كان سبباً لنجاح ووصول هذه الفئة من ذوي الإعاقة إلى هذا النجاح والتقدم المشرف لنا جميعاً، الأمر الذي جعلني.. والحمد لله.. أتشجع وأقوم بمحاولة متواضعة لعمل شيء ولو بسيط على قدر استطاعتي من أجل الارتقاء بمستوى الأداء للأشخاص ذوي الإعاقة على المستوى العام والخاص ومواكبة أحدث المستجدات فكانت فكرة تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية على:
• استخدام الكمبيوتر كوسيلة تعليمية وليست ترفيهية فقط.
• التأهيل والتدريب على الأعمال المكتبية والسكرتارية.
• التأهيل والتدريب على العلاقات العامة.
• التأهيل والتدريب على المساعدة في تدريب زملائهم من ذوي الإعاقة.
وبالفعل قمت بالإشراف على تأسيس مكان يتم فيه تنفيذ هذه الفكرة في القاهرة والإسكندرية وبدأت بوضع خطة لتأهيل فريق عمل من المدرسين وقمت بتنفيذها.. حيث تم تدريب أكثر من حوالي 95 مدرساً ومدرسة في القاهرة والاسكندرية ليقوموا بتأهيل الطلبة ذوي الإعاقة على استخدام الكمبيوتر. ثم وضع خطة أخرى لتأهيل عينة من الدارسين من ذوي الإعاقة الذهنية بتصنيفات مختلفة (كبداية لفكرة تأهيل المعاقين ذهنياً) على استخدام الكمبيوتر وعلى الأعمال المكتبية والسكرتارية والعلاقات العامة.
وفي أقل من ستة شهور استطاع الطلبة ذوو الإعاقة الذهنية أداء المهام المطلوبة منهم بكفاءة عالية جداً.. وكانوا في غاية السعادة وهم يؤدون تلك الأعمال.
لقد أصبحت تكنولوجيا الحاسب الآلي عصباً للحياة على المستوى المحلي والعالمي ويعتبر الكمبيوتر من أهم الوسائل المساعدة في تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة والهدف من وراء ذلك هو الارتقاء بحياة الأشخاص ذوي الإعاقة في مجتمعنا العربي والوصول بهم إلى الاستقلالية التي تغنيهم عن الاعتماد الكلي على ذويهم أو القائمين على رعايتهم لقضاء جميع حوائجهم ومن ثم تحويلهم إلي عناصر إنتاجية قادرة على السعي والتكسب ولعب دوراً إيجابياً نافعاً للذات والمجتمع كسائر أعضائه من غير ذوي الإعاقة.
إننا وعبر ملكات إنسانية مثل الرغبة في التطور والارتقاء لدى الشخص ذي الإعاقة ورغبات إنسانية مثل الحب والتواصل مع المجتمع المحيط، يمكننا إيجاد السبل المواتية لإيصال المعلومات وتنمية المهارات لدى الأشخاص ذوي الإعاقة عن طريق استخدام الكمبيوتر بشكل يسمح لهم بمواكبة ما يحدث من متغيرات وتقدم للمجتمع المحيط بهم.
وتبرز أهمية مثل هذه التجربة أيضاً استناداً إلى اعتبارات عديدة أخرى.. كرفع مستوى الأداء للشخص من ذوي الإعاقة بوجه عام وتحقيق الاستيعاب المناسب للحواس والجوارح لديه بوجه خاص.. فضلاً عن العمل على تفريغ تلك الطاقات والمشاعر المكبوتة والتي لا تجد الرافد التلقائي المناسب لانسيابها تجاه محيطه الخارجي.
ويعتبر الكمبيوتر مكملاً لعملية التدريس بطريقة مفيدة للطرفين (الدارس ذي الإعاقة والمدرس) فهو يقلل العبء الملقى على عاتق كل من الدارس والمدرس.. ويجب أن ننتبه إلى أن الكمبيوتر لا يمكن أن يحل محل المدرس.. فهو لا يتعدى كونه جهازاً.. وبالتالي لا يعطى أية ردود أفعال إنسانية أو يظهر أية مشاعر إنسانية.. وهو ما يحتاج إليه الدارس من ذوي الإعاقة.. فهذه النواحي الإنسانية مهمة جداً بالنسبة له لإقامة مواقف تعليمية جيدة.. لذا فالكمبيوتر عبارة عن وسيلة مساعدة فقط.. لما يحويه من برامج متعددة تتمتع بالإثارة وشد انتباه الدارس من ذوي الإعاقة.. والغرض من هذا كله هو.. اكتساب الأشخاص ذوي الإعاقة مهارة ما أو تدريبهم عليها حتى يتقنوها..
اختيار البرامج
يجب اختيار البرامج المناسبة لغرض تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة.. ووفقاً لمستوى كل دارس (مهما كانت درجة إعاقته).. ويمكن للمدرس أن يقوم بنفسه بإعداد برنامج خاص لكل دارس بعد تقييم قدراته.. ومعرفة الأشياء التي يعرفها أصلاً وتحديد احتياجاته.
ويجب أن يكون لدى المدرس القدرة الكافية على اختيار البرامج أو الألعاب المناسبة والتي سيتعلم من خلالها الدارس المعاق ذهنياً ما يفيده ويساعده على تنمية قدراته.
اعتقاد خاطئ.. ألعاب الكمبيوتر تضيع وقت الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية
قد يعتقد البعض أن استخدام ألعاب الكمبيوتر مجرد تضييع لوقت الدارس من ذوي الإعاقة الذهنية أو تتويهه عن الواقع الذي يعيشه.. فهذا فهم خاطئ.. فكل خطوة يقوم بها الشخص ذو الإعاقة الذهنية على جهاز الكمبيوتر يتعلم بها شيئاً جديداً.. ليس عن الكمبيوتر فحسب.. بل عن أشياء أخرى كثيرة هو في أشد الحاجة إليها.. وقد لا يستطيع أن يستوعبها (الدارس ذو الإعاقة الذهنية) بالطريقة التقليدية.. فهنا جاء دور الكمبيوتر.. للمساهمة في التعليم والترويح في ذات الوقت.
فوائد الكمبيوتر في تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة
• يوفر رد فعل ودعم فوري.
• يوفر توجيهات وسبل المحاكاة.
• يساعد في عملية التحفيز.
• يساعد في عملية التركيز.
• يساعد في عملية التدريب والتطبيقات.
• يجنب الدارس من الأشخاص ذوي الإعاقة عند الخطأ الشعور بالحرج والفشل.
• يساعد على تنمية الاعتماد على الذات وعدم الاتكال التام على المدرس.
• لن يظهر الكمبيوتر أي تذمر عن الخطأ فهو يتسم بالصبر ولا يغضب أبداً ولا ينفذ صبره.
• التنويع في عرض الأشياء بصورة مشوقة للغاية.
• لن يستهزأ أو يسخر من الدارس (من الأشخاص ذوي الإعاقة) عندما يخطأ في شيء ما.
• يعطى فرصاً كثيرة ومحاولات حتى ينجح الدارس في أداء المهمة المطلوبة.
• كل خطوة يقوم بها الدارس ذو الإعاقة على الكمبيوتر تقابلها استجابة من الكمبيوتر ثم يتم عرض درس آخر جديد مما يستلزم إجابة.. وبواسطة هذه الطريقة يحسن الدارس ذو الإعاقة الذهنية استخدام الوقت.. حيث يعرض الكمبيوتر الدروس واحداً تلو الآخر مما يحفز الدارس ذي الإعاقة الذهنية على التركيز أكثر ومواصلة العمل.
• التدريب من أجل الإتقان والتعميم.
• وسيلة من وسائل التعليم والترويح في ذات الوقت خاصة مع الدارس ذي الإعاقة الذهنية.
• كسر الملل في عملية التدريس من خلال التنوع والإثارة في عرض الأشياء المختلفة.. على عكس التدريس بالطريقة التقليدية.. وخصوصاً مع الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية.
في رأيي.. إن من يدخل في مجال تأهيل وتعليم ذوي الإعاقة الذهنية يجب ألا يعتبره مجرد وظيفة يؤديها والسلام.. أو أن مؤهله فرض عليه ذلك.. إلى غير ذلك من المبررات التي لا تفيد الدارس ذي الإعاقة الذهنية ولا تفيد صاحب الاعتقاد أيضاً! ولكن.. يجب أن يكون هناك إيمان كامل بهذا العمل النبيل.. مع الإخلاص والصدق والتفاني في هذا العمل والقدرة على الابتكار للوصول بهذا الشخص إلى الأحسن دائماً.
وجب أن نعلم جيداً أن الشخص ذا الإعاقة.. إن كان مختلفاً في شيء.. فهو متميز في أشياء كثيرة أخرى.. ويجب علينا اكتشاف هذه الأشياء وإظهارها له ولأسرته وللمجتمع.. والتعاون معاً (أهالي ومدرسين) لتحقيق هذا الهدف..
ولن يكتشف قدرات أو مواهب المعاق المختلفة.. أشخاص يتعاملون مع الأولاد على أنها مجرد وظيفة فقط.. وتكون نتيجة ذلك زيادة في إعاقة الطفل المعاق.. واعتماد كلي على ذويهم.. وتعلم الكسل وعدم تحمل المسؤولية.. إلخ.